قرية وادي الفاي

السحر الغامض بين الجبال

إمارة الفجيرة كأرض وجغرافيا لها سحر غريب، مكنون لا يظهر إلا إذا حاولت اكتشافه. سحر هذه الإمارة القابعة على شاطئ البحر وفي حضن جبالها يظهر كلما تعمقنا في تضاريسها وتخللنا أراضيها واخترقنا ممرات جبالها، هذه الجبال المتباينة الارتفاع الشامخة، حتى تكاد أن تطول السماء، أو تلك الأقل ارتفاعاً حتى أنها تغريك وتحرضك على ارتقائها لترى الكون كله من فوق قممها غير المرتفعة .

     

وأجمل ما في هذه الجبال و أراضيها البكر التي ربما لم تطأها قدم إنسان، أنها طبيعية كما خلقها الله، دون أن يتدخل فيها إنسان فيفسد جمالها، فعلى قمة أحدها تشاهد شجرة قد نمت بقدرة إلهية، وفي سفح أحدها قد تلمح وردة زاهية أنبتها الله بمشيئته درساً وعظة وعبرة للإنسان، وهذه المزهرة قد تجعلك تقف مشدوهاً ساعات تفكر : كيف نمت هذه الشجرة ؟ أو كيف نبتت هذه الزهرة البرية ؟ ومن الذي ألقى بذرتها و روى جذورها ؟

     

حين تخلل هذه الجبال عبر الممرات الضيقة المتعرجة التي ترسم خريطة طبيعية صنعها الإنسان ابن الفجيرة القديم وهو يستكشف الحياة مع مطلع وفجر التاريخ، ذلك التاريخ الذي صنعه بيديه ليبقى ويستمر ليشاهد حضارة ومجد البلاد في أيامنا هذه .

     

بين الجبال وعبر طريق طويل يمتد من الفجيرة المدينة الأصل، وبمحاذاة شاطئ البحر الذي يستقيم في جزء وينحني متعرجاً في أجزاء أخرى، بينما الطريق يعلو ويهبط حسبما أرادت له الطبيعة الإلهية، حتى جاء ابن الإمارات فخطط ورسم ورصف وأنتج طريقاً ناعماً قادنا لحوالي 80 كم قبل أن نصل دبا الفجيرة بمدخلها المميز وميادينها المزهرة بالورود والتراثيات، ما بين نحاسية وصخرية، حيث يقودنا الطريق على قرية وم، ومنها إلى غوب، وبعد هذه النقطة انقطع بنا طريق القار ودخلنا في مدق ترابي يجري تمهيده لمسافة تصل إلى حوالي 8 كم قبل أن ندخل قرية وادي الفاي

     

انخفض بنا الطريق بشدة في الوقت الذي ارتفعت في الجبال عكسياً بمقدار انخفاضنا حيث اجتزنا طرق ترابية ممهدة استعداداً لتحويلها إلى قار أسود حيث تشق حكومة الفجيرة طريقاً يصل ما بين دبا الفجيرة وقرية الطويين بمسافة تصل إلى حوالي 40 كيلومتراً، والعمل يجري بالتوازي ما بين إنشاء الطريق واستكمال بعض الأعمال الخاصة بسد الفاي الواقع في نهاية الوادي الذي يصب في نهاية مساره بالبحر من جهة دبا وهو من مياه الأمطار، سواء القادمة من جهة الطويين أو تلك المنحدرة من أعلى الجبال المحيطة بالوادي .

     

ويصل عمق الوادي في بعض المناطق رغم الجفاف الذي تعاني منه المنطقة منذ سنوات إلى حوالي أكثر من 40 متر، وهو في حالة امتلائه كما كنا في الأزمان البعيدة يشكل نهراً عميقاً نسبياً قبل أن نصل إلى قرية وادي الفاي، قادنا الطريق إلى قرية تعتبر مدخلاً للقرية الأكبر وهي قرية ظاهر الصفوة، حيث كانت هناك بعض المزارع المتناثرة في حضن الجبل أو الجبال المحيطة بالمنطقة، إلى أن وصلنا على قرية ظاهر الصفوة، والتي لم يكن بها سوى 7 بيوت فقط، يشكل سكانها عائلة واحدة كما يقول عبد الله أحمد ضاوي أحد أبناء منطقة ظاهر الصفوة التي تشكل مع قرى وعيب الحنة والمحترقة وعش ما يسمى في مجمله قرية وادي الفاي .

     

ويضيف بن ضاوي أن وادي الفاي يسكنها أبناء قبيلة واحدة وهي قبيلة اليمامحة، وتشكل مع وعيب الحنة والمحترقة وعش حوالي 35 بيتاً، حيث تضم ظاهر الصفوة 7 بيوت و وعيب الحنة 21 بيتاً، 4 بيوت في المحترقة و3 بيوت في عش . وقال : أن القرية قديمة ويسكنها قبائل اليمامحة منذ زمن طويل، لكنه لا يذكر بالضبط، حيث المزارع تنتشر على جانبي الوادي وفي حضن الجبال التي تحيط بالقرية، حيث يحدها من الجنوب جبل المبيضين، ومن الشمال جبل الحمر، وهما جبلان شاهقا الارتفاع يطلا على القرية عن بعد، بينما تتدرج منه جبال أصغر فأصغر إلى أن تنبسط الأرض لتشكل قرى الوادي، ظاهر الصفوة وعش والمحترقة والفاي

     

بينما يمر الوادي العميق ليفصل هذه القرى عن جبل الحمر بعمق يزداد في مناطق وينخفض في مناطق أخرى ويعترض قبيل قرية ظاهر الصفوة سد بني حديثاً، بينما تتواصل أعمال البناء والتشييد لإنشاء الطريق الذي يصل هذه القرى بقرية وادي الطويين حيث يبلغ طوله ما بين غوب حيث يبدأ الطريق وحتى وادي الطويين 32 كم، أما المسافة الفاصلة بين ظاهر الصفوة والفاي القرية فتبلغ حوالي 3 كم كلها أرض ترابية غير ممهدة وإن كان العمل يجري على إصلاحها على قدم وساق . ويقول بن ضاوي إن أسرته مؤلفة من 12 فرداً وأن جميع أولاده يدرسون بالمدارس التي تقع بمعظمها إما في دبا أو في العقامية، ولكن المشكلة أن المنطقة تعاني فقط من عدم وجود مركز صحي حيث الحالات الطارئة، خاصة وأنها تضم حوالي 32 بيتاً قابلة للزيادة بعد أن تأخذ الأجيال الحالية موقعها في الحياة .

     

وفي قرية الفاي، قال لنا سعيد اليماحي أن القرية من القرى الهادئة، كانت تعتمد في الماضي على الزراعة وخاصة زراعة النخيل، إلا أنه مع تناقص وندرة الأمطار ضعفت الحركة الزراعية، وأصبح الناس يعتمدون كثيراً على شراء احتياجاتهم من الأسواق، كما يشتري السكان أيضاً المياه بعد أن جفت معظم الطوي بسبب شح الأمطار . وأضاف بأنه يكتفي حالياً بزراعة فناء بيته بأشجار النخيل والليمون، ولكن إذا أرسل الله المطر فمن المؤكد أنه سيزرع أرضه ومزرعته التي جفت أشجارها .

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين 2006