قريــة الحــلاه

قرية عصرية وسط الجبال

على بعد 22 كم تقريباً من مسافي في اتجاه دبا الفجيرة، وقبيل الوصول إليها بحوالي خمسة عشر كيلومتراً، انعطفت السيارة يساراً إلى منحدر صعد بنا قليلاً نحو قرية تحيطها الجبال شاهقة الارتفاع من كل جانب إلا الجانب المؤدي إلى دبا جهة البحر حيث كانت اللوحة الإرشادية تشير إلى قرية الحلاة .

     

النظرة الأولى لقرية الحلاة تعطي انطباعاً محيراً، فلا هي قرية ولا هي مدينة، بل مزيج من الطرازين حيث تجمع ما بين المساكن الشعبية والبنايات الحديثة بينما تضفي عليها المزارع والجبال المحيطة بها رونقاً يعطيها الطابع البدوي الأصيل . والحلاة التي اشتقت اسمها من أحد الجبال فيها، تقع الغالبية العظمى لمساكنها وسكانها أسفله، ويسمى جبل الحلاة، وتبلغ مساحتها حوالي عشرة كيلومترات مربعة، ومعظم أراضيها تعتبر أرضاً زراعية أو قابلة للزراعة، سكن أهلها الأولون الجبال المحيطة بالسهل، ثم بعد قيام الاتحاد انتقلت قبائلها الثلاث التي تشكل السكان للقرية من الجبال إلى السهل المبنسط غير بعيدين عن مكان الميلاد .

     

ويبلغ سكان الحلاة حوالي 2000 نسمة، وتضم حوالي 300 بيت، كانت في الأصل 150 مسكناً شعبياً بناها المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ثم زاد عليها المواطنون حوالي مائة وخمسون أخرى، إضافة إلى بنايات سكنية لأطباء الوحدة الصحية والمدرسة الوحيدة بالقرية . وتشكل قبائل الزيود والصريدات واليمامحة ( مفردها يماحي ) سكان البلدة الأصليين . عمل سكان هذا القرية منذ قديم الزمان في الزراعة ورعي الأغنام والماشية بصفة أساسية، حيث شكلت هاتات الحرفتان المصدر الرئيسي لدخل المواطن القديم، وذلك قبيل قيام اتحاد دولة الإمارات، حيث اشتغل أهل البلدة قديماً كما يقول محمد راشد الزيودي البالغ من العمر 75 سنة أنه منذ صغره وعى على أبيه مزارعاً وراعياً للماشية والإبل حيث كانت كل قبيلة لها أغنامها وأبقارها وماشيتها، وكانت هذه المواشي تشكل عماد الحياة بالنسبة للمواطن، فمنها يأكل ويشرب الحليب، ويصنع من جلودها صناعات مختلفة، وكذلك من لحومها التي كانت غذاءً رئيسياً للمواطن في الماضي .

     

أما الزراعة فكانت بشكل أساسي كما يقول الزيودي هي زراعة النخيل الذي كان مصدر فخر كل قبيلة حيث كل القبائل تتنافس في زراعة أكبر كم منه، فكانت المنطقة كالواحة في كثرة النخيل، أضف إلى ذلك أن الجميع كانوا يزرعون الأرض القابلة للزراعة ( بالغليون )، وكذلك البطاطا الحلوة والبر ( الفندال ) والبصل والثوم، كما أن قسماً كبيراً من أهل القرية يعملون في جني العسل من الجبال بكافة أنواعه، وكذلك صيد الظبيان والوحوش التي كانت تغير على مواشي وإبل القرية في الماضي .وقال الزيودي أن البلدة تحيط بها مجموعة هائلة من الجبال شاهقة الارتفاع، حيث يصل ارتفاع بعضها إلى ثلاثمائة متر، ولكن أشهرها جبل الحلاة، وهو الجبل الذي أخذت منه البلدة اسمها منذ أن تم تجميع السكان، ويقع غرب البلدة وهو أكبر الجبال، ثم جبل داد الذي يليه في الحجم والارتفاع ويقع شرق البلدة، ثم جبل عوام في المغرب وكذلك جبل العلم في الجنوب أيضاً، ولكن هناك مجموعة أخرى كبيرة من الجبال لها أسماءها المختلفة وهي أقل حجماً من الجبال التي تم ذكرها .

     

وكانت هذه الجبال في الماضي تتميز بكثرة وجود الوحوش كالضباع والفهود والذئاب والثعالب وكذلك الظباء والوعول والجاموس والوحشي والحمر البرية، وكان أهل القرية يستخدمون الحصن الوحيد لديهم وهو (بري العرش) للدفاع عنهم .ويضيف محمد راشد الزيودي أن الحلاة والمناطق القريبة منها لم يكن ينقطع عنها المطر طيلة أيام السنة، وربما يكون ذلك هو السبب في كثرة الوديان، إلا أنه يؤكد أن أكبر واديين يمران بالبلدة هما وادي العبادلة ووادي العينية، ومنها تتفرع الكثير من الوديان الصغيرة إضافة إلى الشعاب التي كانت تشق الأرض مما ساعد على انتشار الزراعة واستمرارها .

     

ويلقانا أحد أبناء البلدة من الشباب ليشرح لنا ما طرأ على البلدة من تجديدات، فيقول راشد علي منصور وهو متزوج وله أبناء ويعمل بالدفاع، أن القرية شهدت تطورات عديدة في السنوات الخمسة عشرة الأخيرةن حيث لم يعد ينقصها شيء لتكون قرية نموذجية، فقد وصلت خيرات الاتحاد المبارك إلى هذه البقعة النائية بفضل توجيها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، الذي لم يدخر جهداً في سبيل راحة مواطن هذه القرية وغيرها، فالماء النظيف يصل إلى كل بيت، والمزارع التي لم يروها المطر الذي قل نسبياً في السنوات الأخيرة ترويها ماكينات الري من الآبار الحديثة التي ساعدتنا وزارة الزراعة كثيراً في حفرها .

     

كذلك هناك العديد من المساكن الشعبية التي أضيفت على مدار السنوات الماضية لبيوت القرية، كما أن القرية تضم كذلك أحدث وحدة أو مركز صحي علاجي في المنطقة، تم افتتاحه مؤخراً وهو يقوم بكافة الخدمات، وتم تعبيد ورصف الطريق الرئيسي المؤدي إلى القرية وبيوتها، كما أن اتصالات الإمارات دعمت تقوية الإرسال ببرج اتصالات حديث، وهناك مدرسة ابتدائية للأطفال، وأيضاً وسائل نقل لنقل طلاب الإعدادي والثانوي وحتى الجامعة إلى مقار دراستهم .

     

وقال : إن قريتنا تتميز بأنها عبارة عن أسرة واحدة مكونة من ثلاث قبائل وتحيط بنا سلسلة من الجبال شبه دائرية لا تختفي إلا في اتجاه البحر، فهناك في الشمال جبال ضبعة وهي تجاور جبال الحلاة ولكنها أصغر منها، ثم جبال السودية في الجنوب وعشاصة في الغرب، وبين عشاصة والحلاة تقع منطقة السعورة، أما أعلى هذه الجبال فهي جبال الرق ويطلق عليها القدامى جبال داد .

     

ويضيف راشد : قريتنا تضم وحدها 500 مزرعة، كلها مزروعة بالنخيل والخضروات وبعض الفاكهة، وفي وقت توفر الماء نزرع الخيار، كذلك تضم قريتنا 4 مساجد بعضها قديم وبعضها حديث، أي أننا قرية شبه عصرية وسط الجبال والطبيعة .

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين 2006