قريــة وحلـة

كنوز من الأصالة والعمارة

قرية وحلة الواقعة على بعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة الفجيرة بالقرب من الحدود الفاصلة مع سلطنة عمان الشقيقة قطعة من الماضي. وتشتهر هذه القرية التي يرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى كثرة المناطق الوحلية التي كانت تحدثها مياه الأمطار قديماً بوجود قلعة تاريخية ضاربة في عبق الماضي يرجع تاريخها إلى 300 سنة وبنيت على أنقاض حصن من العصر الحديدي يعود تاريخه إلى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، ونالت هذه القلعة التي تعكس عن قرب فنون العمارة التقليدية لمجتمع الإمارات قسطها الوافر من الرعاية والاهتمام كغيرها من الأماكن الأثرية بفضل التوجيهات السديدة لصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة التي انصبت في المقام الأول على ضرورة إحياء هذا التراث ليشرق من جديد بسحره المتميز والأخاذ معلناً عن نفسه خزائن باقية وشاهداً على الأصالة والعراقة.

     
يقول خليفة أحمد الشامسي مدير إدارة التراث والآثار بالفجيرة يعود تاريخ بناء قلعة أوحلة إلى نحو 300 عام تقريباً وتتشابه في تخطيطها وشكلها المعماري ومواد بنائها مع بقية قلاع المنطقة ويتم تشييدها على أنقاض جدران حصن من العصر الحديدي يرجع تاريخه إلى ثلاثة آلاف عام تقريباً وفقاً لما أظهرته الحفريات الأثرية التي أجرتها إدارة التراث والآثار بالتعاون مع بعثة الآثار الاسترالية من خلال فريق عمل أشرف عليه البروفيسور دان بوتس بجامعة سيدني عامي 1996 و1997 وأثبتت التحاليل الكيميائية التي أجريت على ثلاث عينات من الفحم النباتي أن الحصن يعود بتاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد واستطرد قائلاً بعد حصن أوحلة الذي بنيت على أنقاضه القلعة الإسلامية من أكبر حصون العصر الحديدي التي تم اكتشافها في منطقة جنوب شرقي الجزيرة العربية، ويرجح بعض المؤرخين أن يكون الغرص الأساسي من إقامة مثل هذه الحصون إبان العصر الحديدي حماية المستوطنات الزراعية التي شكلت بخبراتها الوفيرة خلال تلك الحقبة الزمنية عصباً اقتصادياً لجميع السكان. وزاد: يعطي الشكل المعماري لحصن أوحلة انطباعاً واضحاً بأنه يشبه جدران بعض المدن الآشورية كنينوى ونمرود وآسور في شمالي العراق الأمر الذي يؤكد وجود ارتباط وثيق للمنطقة بالحضارة العراقية القديمة.
     

وتابع: يتكون البناء الهيكلي للقلعة من مدخل وبرج وساحة داخلية حيث يصل عرض المدخل الرئيسي للقلعة إلى 1،5 متر في حين يبلغ ارتفاعه 2،5 متر وتتصل به غرفة مستطيلة الأبعاد بطول ثمانية أمتار وعرض يصل إلى 3،5 متر تم تخصيصها قديماً لانتظار الزوار وهي غرفة مسقوفة بجذوع النخيل وتقود إلى فناء القلعة وتحوي درجاً للصعود إلى سقفها الخارجي ومنه يمكن بسهولة الوصول إلى البرج، أما الساحة الداخلية فتضم غرفتين احداهما تقع على يسار مدخل غرفة الانتظار وتستند إلى الجدار الشرقي للسور وتقابلها الغرفة الثانية وتستند إلى جدار السور الغربي كما تضم بئراً للمياه يقع في الركن الشمالي الغربي.

وفي ما يتعلق بالبرج قال: يأخذ برج القلعة شكلاً دائرياً كبير الحجم إذ يبلغ طوله من الداخل تسعة أمتار تقريباً وارتفاعه الكلي حوالي (11) متراً وهو مردوم من الداخل بالتربة والدبش “الأحجار الصغيرة” حتى ارتفاع أربعة أمتار تقريباً بغية توفير مصطبة قوية قادرة على الصمود أمام ضربات المدافع ثم يأتي عمود من الأحجار بطول 75 متراً ووظيفته اسناد سقف البرج.

     

 

وعن أعمال الترميم قال الشامسي: بدأت عمليات الترميم خلال عام 2003 بناء على توجيهات من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي وتم الانتهاء منها وافتتاح القلعة بشكل رسمي أمام الزوار عام ،2005 وخلال لقاءات مع الأهالي يقول سالم بن صريح السماحي أمير المنطقة أدركت البناء الأولي للقلعة قبل أن تتعرض أجزاء منها للانهيار منذ سنوات ويتم صيانتها، ونشأت داخل إحدى الحاميات المجاورة لها وأتذكر جيداً إلى أي مدى كانت حصناً منيعاً ودرعاً حامية للأهالي في صد أي اعتداء خارجي من قبل اللصوص. وأضاف شاركت كغيري من شباب المنطقة حينها في الذود عن مكتسباتنا الطبيعية وكنا في حال تعرضنا لهجوم ما، نهم باتخاذ مواقعنا الدفاعية جنباً إلى جنب مع العسكر.

     

وعن طبيعة الحياة بالقرية قديماً قال: أنماط المعيشة في السابق كانت صعبة واعتمادنا الوحيد وقتها كان على الزراعة وجمع الأحطاب وبيعها في أسواق الباطنة بسلطنة عمان، ودبي ورأس الخيمة والشارقة خلال رحلات شاقة ومتعبة كانت تستغرق أياماً وأسابيع، أما الآن فالأمور تغيرت تماماً ابتداء من المساكن ومروراً بخدمات الطرق والمياه والكهرباء بفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة.

ويقول ضُحىّ سالم القايدي: القرية قديماً كانت تشتهر بالعديد من الزراعات الموسمية نظراً لكثرة مياه الأمطار التي كانت تتجمع بداخل مزارعها مما ساعد على ظهور محاصيل كالذرة والفندال والمانجو والبصل والطماطم ونبات الغليون الذي كنا نسوقه داخل سوق الباطنة في سلطنة عمان.

وعن سبب تسمية أوحلة بهذا الاسم قال: سمعنا من الآباء والأجداد قديماً أن القرية كانت تكثر بها المناطق الوحلية التي تحدثها الأمطار ومن ثم أطلق عليها السابقون أوحلة.

     

وتحدث عن أوضاع المنازل قديماً قائلاً: كنا نعيش داخل حاميات مبنية من الأحجار وخوص النخيل لا يتعدى طولها الأمتار الثلاثة في مترين موزعة في نطاق القرية مشيراً إلى سلبياتها لا سيما حال تعرض المنطقة لبعض التغيرات المناخية من أمطار أو رياح ما كان يدفع الأهالي إلى الاحتماء داخل مبنى القلعة تخوفاً من إصابة أحدهم بمكروه جراء ذلك، وأضاف لا شك أن ظروفنا الحياتية كانت قاسية وما شهدناه من تحول عمراني وخدمي في القرية واهتمام واضح بمعالمها التراثية مكارم سخية نعجز عن ردها لقيادتنا الرشيدة.

ويتجاذب سعيد محمد القايدي أطراف الحديث مشيراً إلى أحوال الزراعة والتجارة قديماً بقوله: القرية كانت تزخر بالكثير من المزارع الغنّاء التي منحت جميع الأهالي سنداً قوياً لسبل العيش الكريم والهانئ وساعدت بمحاصيلها الوفيرة على إحداث حراك اقتصادي اكسب القرية سمعة طيبة في مجال التجارة لسنوات طويلة قبل أن تصاب أراضيها بالجفاف موضحاً أيضاً قوة العلاقات التي كانت تربط بين السكان والتجار داخل أسواق عمان، وثمن القايدي جهود الحكومة التي بذلتها وتبذلها لتمكين القرية من السير في ركاب التحضر والتمدن الذي تنعم به البلاد.

     

من جهته أشاد حمدان عبدالله الجابري بالرؤى الصائبة لحكومة الفجيرة بقيادة صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة والتي أعادت الحياة مرة أخرى لقلعة أوحلة.

 

 

المصدر : جريدة الخليج

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين