منطقة الميّه

الميّه 100 %

تقع ''الميّه'' بين أحضان الجبال في إمارة الفجيرة، ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق أهل الفجيرة نظرا لوعورة الطرق ولأن قلة من أهلها يعرفون مكانها. غير أنهم يعتبرون الطرق الوعرة إليها رحلة استكشافية ومغامرة لشباب الإمارة.

وتبعد ''الميّه''، الواقعة في الشمال الشرقي من منطقة الطويين في إمارة الفجيرة، نحو 20 كيلومترا عن الطويين. وهي أرض منبسطة تحيط بها الجبال من كل جانب مثل حضن يخفيها عن كل غريب، ولا توجد فيها أي خدمات كالماء والكهرباء أو الاتصالات.

     
كانت ''الميّه'' في السابق مأهولة فمساكن الأجداد باقية كشاهد على وجودهم، ويحافظ على تلك الآثار السكان من أهل ''الطويين'' الذين كان لهم أجداد يقطنون ''الميّه'' وهم من محبي الآثار وعشاق المكان. وتحولت المنطقة إلى استراحة للعائلات التي توارثت المساكن الأثرية، تتخذها ملاذا من تعب المدن وهموم العمل والمسؤوليات.

إلى ذلك، يقول حميد اليماحي إن ''الميّه من أجمل المناطق في الشتاء حيث يكون الهواء باردا نقيا ويأتي إليها المزارعون ليزرعوا القمح في موسمه، ويتم قبل ذلك تحضير ما يسمى (وعوب) زراعية لبذر القمح، وتنشط المنطقة في تلك الفترة. وفي النهاية يتفق أهالي المنطقة على إبقاء الميّه بعيداً عن عيون الدخلاء والغرباء حتى لا يتم تشويه ''فطرة المكان''.

     

ويضيف اليماحي أن درجات الحرارة من يناير إلى أبريل تتراوح مابين 10-20 درجة مئوية، أما في الصيف فدرجة الحرارة أقل عن مناطق الطويين المجاورة كونها منطقة مرتفعة، مبينا أن الحرفة الرئيسة لأهالي الميّه قديما كانت الزراعة كونها مليئة بالوعوب الخصبة والتربة الطيبة، وكان السكان يزرعون القمح ويخزنونه طوال العام حتى موسم الحصاد التالي.

وعن مراحل زراعة القمح، يشرح اليماحي أن الوعوب هي المكان المناسب لزراعة القمح الذي يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء. وكان سكان الميّه يحولون مجاري المياه إلى وعوبهم لكي تمتلئ بالمياه، وبعد ذلك يحرثون الأرض، وينبشونها (الهيّاسة)، وبعد مرحلة الهياسة يبذرون الحبوب، ويعيدون تقليب الوعب حتى ينبت القمح معتمدا على الأمطار.

     

 

ويقول محمد التخلوفة إن الميّه كانت مزارع للقمح، وكان أهلها من الأجداد مزارعين قسموا أراضيها إلى قطع مختلفة الأحجام منها الصغير ومنها الكبير تسمى ''وعوب''، يتم فيها جمع المياه المتجمعة من الأمطار لتروي المحاصيل، موضحا أن طريقة الري تسمى ''المسيلة'' وهي عبارة عن تحويل مجاري الوديان الناتجة عن المطر إلى الوعوب لتمتلئ بالماء ثم تحول إلى المحاصيل.

ويزيد التخلوفة أن أشجار السدر والسمر تنتشر في المنطقة إلى جانب أعشاب الشوع، والحرمل، والرمث، والظفر، الغتة، والخناصير وهي نباتات طعمها مائل للمرارة لكن الناس يقبلون عليها في موسمها في الشتاء لفائدتها في الوقاية من مرض السكر.

     

وتنتشر في الميّه أيضا، وفقه، نباتات رعوية منها الكويثر، والشحيمه، والسخبر، والشكاع، وعشبة التمرة وعشبة الخفي، والسمانه والكويثر وبعضها لا ينبت إلا في موسم الأمطار بسبب المناخ الحار للإمارات.
ويلفت محمد اليماحي إلى أن الميّه مكان يشتهر ببركة مياه تخزن فيها المياه الموسمية، وتكفي المنطقة حتى موسم الأمطار المقبل، وكان سكان المنطقة يستخدمونها للطعام والشراب، وغسل الملابس، وسقاية المواشي، منوها إلى أن تلك البرك مازالت موجودة حتى اليوم.
وحول طرق تحويل مياه الأمطار للاستفادة منها، يوضح أن الأهالي يحفرون ما يسمى بالمسيلة التي يتم من خلالها تغيير مجرى سير الأمطار، فتأتي من الوادي لتصب في البركة، كما يتم حفظ المياه في أوعية فخارية تسمى ''حب'' تشبه الجرار يشرب منها السكان وتبقى فيها باردة في الصيف.

     

من جهته، يشير راشد الحفيتي، أحد أهالي الميّه، إلى أن المنطقة مخصصة كاستراحة لزوار المنطقة من أهلها، ومن يقوم بزيارة الميّه هم أهل الطويين الذي يحاولون قدر الإمكان المحافظة على الآثار التي بقيت منذ قديم الزمان، مبينا أن هناك آثارا تعود إلى ما يزيد عن 200 عام مثل الرحى التي يطحن بها القمح، بالإضافة إلى وجود مساكن بدائية حجرية مسقوفة بأشجار العسبق.
ويضيف الحفيتي: ''سكان المناطق المجاورة يأتون إلى الميّه للزيارة لأنهم من أهلها منذ عهد الأجداد، ومن أراد أن يقضي بها يوما يقيل تحت أشجار السدر والسمر''، مبينا أن الميّه محمية طبيعية كونها غير معروفة إلا من أهلها وأهل المناطق المجاورة لها كالطويين، والجريف، والريامة فهي بعيدة عن المناطق الحيوية، ووعورة الطريق إليها جعلها بعيدة عن العيون.

     

وبين سعيد الحفيتي أن في الميّه آثارا تتمثل في بيوت بدائية، ومخزن لحفظ القمح يسمى ''ينز''، والرحى، وجب الماء الذي يوجد ضمن حفرة صخرية ويبلغ طوله متراً وعرضه نصف متر وتشرب منه الحيوانات السائبة في الوقت الحالي.
ويبين اليماحي أن أهل الميّه اعتمدوا في سالف الزمان على جمع الحطب وتقطيعه، وصنع الفحم الذي كان يعتبر مصدر رزق للأسرة، كما عمل البعض في تتبع النحل وجمع العسل في مواسمه لأن المنطقة غنية بأشجار السمر والسدر.
وسكن الأجداد في الميّه قديما، وفقه، في خيام من الحجر وأغصان شجر العسبق في الشتاء. وفي الصيف انتقلوا إلى العرش (جمع عريش) وهي بيوت مصنوعة من سعف النخيل، مشيرا إلى أن الميّه محاطة بجبال السوده من الجنوب، ودعنة مجاهد الجبيب الشرقي، والجبيب الغربي، ومن الغرب وادي الميّه ووداي نهى، ومن الشرق جبل الغالة ووادي الغالة

 

المصدر : جريدة الإتحاد - موزة خميس - ملحق دنيا - بتاريخ 28 اكتوبر 2008

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين