قريــة سكمكــم

الطبيعة البكر بين الجبل والبحر

هناك في ركن من أركان الساحل الذهبي لإمارة الفجيرة، وفي حضن الجبال الشاهقة التي هزمت عناصر الطبيعة ولم تهزمها رغم مرور آلاف السنين عليها، ترقد سكمكم التي صيغت من نقاء الطبيعة ولفحتها شمس الزمان في هدوء، تنشر عبق الأصالة على المنطقة الشرقية من الدولة كلها .
     

لم يصل المؤرخون حتى اليوم إلى تحديد اسم حقيقي لأصل اسم سكمكم، لكن بعض الكبار يتناقلون أن أصل الاسم جاء من صيحة أطلقها أحد جنود الاستعمار فيما مضى، عندما ضاعت فرقة عسكرية وسط الجبال، وظلت تسير على غير هدى، حتى وصلوا إلى جبلها الشاهق (جبل القلعة)، وعندما صعد إلى أعلاه صاح الجندي : (come see)، وكررها أكثر من مرة، فصارت تعرف باسم سكمكم عندما لفظها العرب الذين سكنوا هذه المنطقة منذ مئات السنين .

     

وعندما تصل إلى أعلى قمة جبل القلعة، يمكنك بسهولة رسم صورة لملامح هذه القرية الهادئة حتى خطم الملاحة . وأشهر ما يمكن أن نراه باقياً في سكمكم حتى اليوم قلعة الجبل، وهذه القلعة التي بناها حمد بن عبد الله الشرقي ليواجه بها الغارات والحروب والمعارك التي شهدتها المنطقة .وقد بنيت من الطين المحروق المطعم بالحصى والطين وسعف النخيل، كما استخدم الحطب لعمل سقوف لها . وفي زمن بعيد، كان شرق سكمكم خور أطلق عليه أسم خور ثالثوه، وكان شهيراً آنذاك، وتبدو آثاره موجودة حتى الآن بعد أن طمست الرياح والسيول والوديان معالمه .

     

يصل سكان سكمكم الآن إلى أكثر من 1500 نسمة، جميعهم من القبائل الأساسية لهذه المنطقة، وهي قبائل اليمامحة والحفيتات ( نسبة إلى اليماحي والحفيتي ) وبسبب التزاوج بين هذه القبائل مع غيرها من القبائل في الفجيرة، زاد عدد القبائل في المنطقة مثل الصريدات والعبادلة والزحوم. وقبل قيام دولة الاتحاد في عام 1971، كانت سكمكم مقسمة إلى أربعة مناطق، المنطقة الداخلية سكمكم، وفي الغرب هناك العوينة، والعيم في شمالها، وشويص من جنوبها، ولكن بعد قيام الاتحاد أصبحت منطقة واحدة تعرف باسم سكمكم .

     

ويرتبط سكان قرية سكمكم ببعضهم ارتباطاً وثيقاً ينبع من أصالتهم وتقديرهم لأواصر صلة الرحم، ويؤكد هذا الكلام الحاج علي اليماحي عندما يقول أنه إذا جاء ضيف للقرية لزيارة أحد المنازل، فيخبرنا صاحبه ثم يقدم ضيفه إلى كل أهالي القرية، ويجتمع كل أهالي القرية مع الضيف الوافد في مكان واحد ثم تبدأ النساء بتحضير أصناف الطعام احتفالاً بالضيف الذي هل على القرية ، وكان إذا حدث مكروه لأحد من سكان القرية يفزعون لنجدته ومعاونته، وإذا حدثت وفاة يمنع تلقائياً إقامة أي عرس أو فرح في القرية لمدة سنة كاملة، ويواصل اليماحي قائلاً : من الأمور التي اعتدنا عليها في حياتنا أنه بعد صلاة الفجر يجتمع خمس أو سبع أسر للفطور في منزل الكبير منهم، ثم يتوجهون بعد ذلك إلى أعمالهم اليومية والتي كانت تنحصر في الأعمال الزراعية أو الرعي وجمع الحطب، وعند العصر يؤدي الجميع الصلاة، وبعدها يتناولون القهوة العربية الخفيفة، ونفس الحال بعد صلاة العشاء . وكان من عادات أهل قرية سكمكم أن كل أسرة تجتمع على العشاء أو الغداء، حيث يتناول رجال هذه الأسرة العشاء وحدهم وتتناول النساء أيضاً العشاء وحدهن .

     

كانت أرض سكمكم فيما مضى أرض زراعية خصبة يزرع أهلها النخيل كأساس للزراعة، كما كانوا يزرعون الموز والمانجو و الفندال ( البطاطا الحلوة )، والفجل والذرة والدخن والبصل والقصب والزيتون ( الجوافة ) والنبق والبيذام، كل في موسمه، مستخدمين اليازرة لاستخراج الماء من باطن الأرض ( من الطوي ) لري الزراعة، وكذلك عن طريق الأفلاج، ولكن اليوم تغير الحال ولم يبق من هذه الزراعات إلا النخيل حيث جفت المياه العذبة وتحولت إلى مياه مالحة معظم السنة نظراً لقلة الأمطار .

     

كان التعليم في سكمكم في الماضي يقوم على كتفي المطوع بالنسبة للأولاد والمطوعة بالنسبة للبنات، حيث كان المطوع يبني عريش له يجمع فيه الأولاد، يعلمهم القرآن والقراءة والكتابة والحساب، وكذلك كانت المطوعة بالنسبة للبنات، مقابل ( قروني ) واحد، وكان ( القروني ) يعادل 4 روبيات، وفي ذلك الوقت كان من لا يستطيع الدفع من الأطفال عليه أن يدفع طعاماً بدلاً من المال، وكان المطوع بجانب قيامه بتعليم الأطفال يقوم كذلك بمعالجة المرضى بالقرآن الكريم بجانب بعض الوصفات من الأعشاب الطبيعية مثل الحرمل والحلول والشريش والجعدة .

     

بعد ديسمبر عام 1971، وتغير وجه الحياة على أرض الإمارات، امتدت خيرات الاتحاد إلى كل منطقة في الدولة، فكانت التغيرات الهائلة في المجتمع نحو الأفضل حيث تحولت المساكن من بيوت بالطين والسعف إلى مساكن شعبية حديثة مجهزة بالماء والكهرباء، حيث بني في أول الاتحاد 40 مسكناً شعبياً، وصلت اليوم وبعد 30 سنة  زادت المساكن إلى أكثر من 300 مسكن شعبي إضافة إلى العديد من الفلل السكنية التي بناها المواطنون بأنفسهم لتواكب الزيادة السكانية لأهالي المنطقة، كما بنيت عدة مساجد في سكمكم بعد أن كان مسجد واحد بالقرية، ودخل التعليم كل بيت، وأصبحت بالقرية مدرسة ابتدائية مشتركة لتؤكد على اهتمام الدولة بالعلم وتوصيله إلى كل بقاع الدولة النائية .

     

كما دخلت الاتصالات السلكية واللاسلكية القرية، وتم تعبيد الطريق الذي يربط سكمكم بالفجيرة عبر شبكة حديثة تتخلل جبالها الشاهقة التي من أهمها جبل ردة العوينة، الجبل الأحمر، وجبل حسن وجبل العيم، ومن وديانها وادي انخال ووادي العيم وفلج العوينة .

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين 2006