من ذاكرة الاتحاد : توفير الخدمات الصحية والتوسع بالزراعة في الإمارات المتصالحة

قبل تأسيس مكتب التطوير عام ،1965 حصل تقدم كبير في توفير بعض الخدمات الطبية لأهالي الإمارات المتصالحة. فقد تمّ افتتاح مستشفى المكتوم في دبي عام ،1949 وتمت توسعته مرّات عدّة، وفي رأس الخيمة تمّ افتتاح المستشفى عام ،1963 وتم إنشاء عدد من العيادات وتنظيم زيارات للأطباء المتجولين الذين كانوا يرسلون الحالات الخطرة إلى المستشفى في دبي.

وفي عام 1964 غادر كبير الأطباء الدكتور ماكولي الذي عينته الحكومة البريطانية، لكن بعدما قام بتنسيق مختلف الخدمات الصحية وإدارة المستشفى.

وقد أدى تزايد عدد المؤسسات التي توفر الرعاية الصحية إلى تعيين مستشار صحي لتنسيق جميع الأنشطة وتقديم المشورة والإرشادات للمجلس، وفي عام 1967 تم تعيين الأردني الدكتور عاصم جمالي في هذا المنصب.

وبعد تولي مكتب التطوير مسؤولية الخدمات الصحية، تم افتتاح المزيد من العيادات أو إعادة تأهيلها (الشارقة، الذيد، جزيرة زعاب، أم القيوين)، وتمت ترقية وتحسين المنشآت القائمة، حيث تمت توسعة مستشفى رأس الخيمة ليستع لـ60 سريراً، وبعد تعيين المستشار الصحي نظمت حملة تطعيم ضد مرض الجدري الذي تفشى في صيف عام 1967 في دبي، وكان تنظيم حملة السيطرة على الملاريا مهمة طويلة الأمد، وكان حجم الاصابات بالملاريا، خصوصاً في رأس الخيمة والساحل الشرقي والمناطق الجبلية مثيراً للقلق ويستدعي الاهتمام.

وفي مايو 1967 قام أخصائي الملاريا الإقليمي لدى منظمة الصحة العالمية الدكتور فان دير كاي، بزيارة إلى مناطق عدة من الإمارات المتصالحة. وأفاد في تقريره بأن «الملاريا موجودة بالتأكيد في مناطق معينة وهي المسؤولة عن نحو 50٪ من الإصابات في الفجيرة وكلبا في الساحل الشرقي، وأنه نظراً لتعذر استئصال المرض بشكل تام من دون القيام بحملة مشابهة في مسقط، فمن الضروري اتخاذ إجراءات محددة للسيطرة عليه، وأن فريقاً استطلاعياً من منظمة الصحة العالمية يجب عليه القيام باستطلاع أكثر شمولا». وقد وصل الفريق بالفعل في أوائل عام .1969 وابتداءً من شهر أبريل عام 1967 وحتى نهاية عام ،1970 تقاسم صندوق التطوير مع حاكم دبي مناصفة كلفة إدارة مستشفى المكتوم، وفي عام 1970 تم تحويل مسؤولية العيادة وعنبر الولادة في أم القيوين إلى حكومة أبوظبي.

وفي أواخر الستينات من القرن الـ،20 ازداد استخدام صندوق التطوير لموارده وتنظيم المشروعات بين الإمارات، وفي اغسطس من عام 1970 ظهرت بعض حالات الكوليرا في دبي وأم القيوين، وتم تنظيم حملة تطعيم من قبل مستشفى المكتوم، حيث تم تطعيم 60 ألف شخص ضدّ المرض.

الزراعة

باستثناء مزارع النخيل، لم تهتم الزراعة التقليدية في الإمارات المتصالحة بالقدر الكافي بتنويع المحاصيل، فقد كانت تزرع بعض أشجار اللومي والمانغو والتبغ والألفافا (الفصّة/ البرسيم)، لكن الخضراوات التي لم تكن تشكّل جزءاً من الغذاء التقليدي للسكان لم تكن تزرع، وتمثل أحد أسباب إنشاء المحطة الزراعية التجريبية في الدقداقة عام ،1955 في البحث عن المنتجات الزراعية التي يمكن أن تنمو بشكل أفضل من غيرها في ظلّ الظروف المناخية الصعبة باستخدام التربة الملحية والموحلة (السبخة) والمياه الجوفية المحلية.

وتم تشجيع أصحاب مزارع النخيل على استخدام الأراضي غير المزروعة قرب مزارعهم أو استصلاح مناطق ومساحات جديدة لزراعة الفاكهة والخضار المناسبة والمزروعات التي تستخدم علفاً للحيوانات لتسويقها في القرى والمدن، وكان ذلك يستدعي شق طرق مواصلات ومرافق تسويق، واعتاد الناس على استهلاك الخضار، ومع حلول عام 1970 ضمّت المحطة التجريبية مكاتب دائمة، وعيادة بيطرية، ومدرسة زراعية، وورشة ميكانيكية ومستودعات واسطبلات، وكان لدى المحطة مزارع في الدقداقة والمركز التجريبي الرئيس بلغت مساحتها 60 هكتاراً، وفي فلج المعلا خمسة هكتارات، وكلبا سبعة هكتارات.

وكان يجري تشجيع المزارع الثلاث على مناقشة مشروعاتها التوسعية، وشراء الشتول والبذور والأسمدة والمبيدات الحشرية، واستئجار الآليات الزراعية بأسعار الكلفة، وقد ارتفع حجم الطلب إلى درجة لم يكف معها بحلول عام 1970 مساعد واحد في الحقل مع هيئة مكونة من ستة وكلاء عن القرى لتقديم المشورة إلى المزارعين الآخذين في الازدياد، وقلما كان المكتب المسؤول يستطيع تلبية كامل الطلب لاستئجار الجرّات الزراعية.

من ناحية أخرى، أجرت المحطة التجريبية الاختبارات على تربية سلالات مختلفة ومستوردة من المواشي، وفي عام 1969 تم جلب قطيع مؤلف من 28 بقرة وثورين جواً، ومع نهاية عام 1970 أصبح عدد القطيع 51 رأساً، وقد اتضح أنه خلال موسم الحرّ لابد من توفير أماكن خاصة لتبريد تلك الحيوانات المستوردة حفاظاً على حياتها، ولم تكن تربية هذه المواشي مناسبة للعائلات التي تربي بقرة أو اثنتين، بل للقطعان الكبيرة منها، إذا أمكن زراعة العلف بتكاليف قليلة. كما تم جلب وتربية قطيع من الماعز الشامي ومختلف الدواجن في الدقداقة لبيعها للمزارعين.

وفي سبتمبر عام ،1967 تم توظيف طبيب بيطري مؤهل من قبل مكتب التطوير، وفي عام 1970 انقسمت منطقة عمله إلى قطاع شمالي يشمل رأس الخيمة والساحل الشرقي مع جرّاح بيطري ومقره الدقداقة، بينما على الجزء الجنوبي الاكتفاء بجرّاح واحد ومقره الشارقة، وكان يتم فحص 600 رأس من الماشية شهرياً من قبل اخصائيين ومساعديهم، كما كانت تفحص اللحوم يومياً في رأس الخيمة ومدن أخرى، وكانت هذه الخدمة البيطرية متواضعة، إذ لم يكن يوجد مختبر، وكانت الطرق عبارة عن دروب وعرة عبر الجبال، من الصعب عبورها، ويستغرق السفر فيها وقتاً طويلاً، وكان الساحل الشرقي الذي يصعب الوصول إليه، يتلقى خدمة أقلّ من سائر المناطق. وقد بدأ مكتب التطوير بتشريع القوانين لمنع انتشار أمراض الحيوانات، وتولت الحكومة الاتحادية هذه المهمة بعد بضع سنوات.

وفي عام 1968 أنشئ مشروع مليحة الزراعي قرب جبل فايح في الشارقة، حيث تمت زراعة 300 هكتار من الأراضي بأشجار الفاكهة، والفصفصة والخضار على أن يتم في ما بعد تسليمها للمواطنين في المنطقة، الذين كان معظمهم يعيش حياة شبه بدوية، لكن لم يتم إنجاز الجزء الأخير من مشروع المليحة خلال فترة وجود مكتب التطوير، وقد ورثت وزارة الزراعة والثروة السمكية، التي تولت أمر هذا المشروع، تقنياته غير المناسبة، حيث وجدت أنه ليس هناك سوق مؤكد قريب بما فيه الكفاية، وأن معظم المزارعين يفضّلون الحصول على أجر نظامي بدلاً من مواجهة المخاطر الملازمة لامتلاك أراضيهم.

وربّما كانت أكثر المساهمات التي قام بها مكتب التطوير تجاه تحسين الزراعة في المنطقة، قد تمت في المدرسة الزراعية التابعة له، التي أنشئت في سبتمبر من عام 1967 لتحل مكان المدرسة الابتدائية التي كانت بإدارة قطاع الدقداقة منذ الخمسينات من القرن العشرين.

المصدر: من الإمارات المتصالحة إلى الإمارات العربية المتحدة، فراوكه هيرد ــ باي

Related posts