اللؤلؤية درة خورفكان الحاضر متصل بالماضي وجمال الطبيعة لا يغيب

تتميز منطقة اللؤلؤية التابعة لمدينة خورفكان بإمارة الشارقة بموقع فريد، وتربطها عدة طرق بالفجيرة من ناحية الجنوب والشمال، في حين أن البحر يحتضنها من الشرق، ثم سلسلة من الجبال الشاهقة في الغرب . وعندما تلتفت يمنة ويسرة، لا ترى سوى الطبيعة الخلابة التي تأسرك بجمالها ودقة تكوينها، فهناك الجبال الشاهقة برؤوسها المدببة تحيط بها مياه البحر فترمي بظلها فيه، وفي أحضانها مزارع نخيل تقف فيها الأشجار في شموخ وعزة معبرة عن فرحتها بانتمائها إلى هذا البلد الذي مايزال ينهل من تراث الأجداد، فلا تملك سوى احتضان الناس بظلها والإفاضة عليهم بثمرها .

عندما تصبح في قلب اللؤلؤية، أو على الطريق الذي يفصلها عن البحر تعتقد أنك لا ترى جبالاً ولا نخيلاً لأنك لا ترى سوى الحياة من خلال الحركة المائجة التي لا تتوقف أبداً، وتندفع إلى طرح أسئلة عديدة عن سبب هذا الزحام في تلك المنطقة رغم أن الناس في دوامهم والطلاب في مدارسهم، لكنك سرعان ما تستدرك أنها منطقة تتميز بشاطئ هادئ لا تضربه الأمواج، ما يدفع الناس من كل حدب وصوب إلى زيارته . ورغم بساطته الشديدة، إلا أن الناس بدأوا في رسم ملامح عديدة للشاطئ على مسافة تزيد على ثلاثة كيلومترات، تزينت بألوان عديدة من الخيم والألعاب التي لا تفرق بين الصغير والكبير .

ولو تجولت في شوارعها، سترى بيوتاً شبه متقاربة في الشكل والمساحة، وأحياناً ترى أصحابها الذين يندفعون إليك، مصرين على شرب القهوة العربية في مجلسهم خصوصاً بعد الصلوات الخمس . وإن لم يصادفك أحد من هؤلاء فإنك سوف تستمتع بجمال ونظافة واتساع الشوارع خصوصاً الشارع الكبير الذي يحتضن المدارس بأنواعها .

لكنك إن تجولت في الشوارع الداخلية فإنك ربما تلعب الكرة مع الصبية أمام بيوتهم، وهناك أطفال في الشوارع يتسلقون الأشجار التي تضرب بجذورها في الماضي البعيد الممتد إلى نحو مئتي سنة، ما يعني أن المنطقة وأهلها يحملون تاريخاً طويلاً .

التقينا العديد من أهالي المنطقة بعضهم عاش في الزمن البعيد الذي اعتمدوا فيه على أنفسهم وكانوا يمشون بالأميال، ويغوصون في البحر، وبعضهم يسمع عن كل ذلك لأنه ابن التقنية الحديثة التي سيطرت عليه وغيرت سلوكيات البعض منهم .

برمان عبدالله النقبي، وعمره يزيد على السبعين، يؤكد أنه يجلس مع الشواب في أي مكان داخل اللؤلؤية، لكنه يعشق الجلوس على الشاطئ، وفي باحة بيته، ولا يطيق الوجود في الأماكن التي بها مكيفات، لإيمانه بأنها من أهم العوامل المساعدة على المرض وتعجل بالشيخوخة . ويوضح أن اللؤلؤية من أهم الأماكن التي تزخر بالمزارع التي تغطيها أشجار النخيل، ما يدفعه إلى الهروب من الأماكن المكيفة، والوجود في تلك المزارع مع أقرانه يتذكرون ماضيهم الذي لا يبرح مخيلتهم، ويرونه متجسداً أمامهم كلما شاهدوا الأطفال يلعبون، رغم أن ألعابهم تختلف عن الألعاب القديمة التي رسخت لديهم حب العمل الجماعي والخوف على الجماعة، وتقديس الأرض والارتباط بها، مثل لعبة “القبية” وهي لعبة جماعية مسلية تحتاج إلى لياقة بدنية ومكان واسع، حيث تستخدم فيها كرة وعصا، ولها أسس وقواعد خاصة لممارستها، وكذلك لعبة “المغاة” وهي جماعية أيضاً، إضافة إلى لعبة “لغميضا” وهي لعبة خاصة بالأطفال وأكثرهم من البنات، وأضاف: الشباب والصغار اليوم بعدوا عن تلك الألعاب واتجهوا إلى الألعاب الإلكترونية، ما دفعهم إلى البعد عن أهلهم والتواصل بينهم أصبح عن طريق والأجهزة والهواتف .

فجأة يخرج بنا برمان إلى الشارع ويتركز نظره على بقعة واسعة بعيدة قائلاً: هذا المكان أهم مرابع صباي، فيه لعبت مع أصحابي، لكني لا أحب أن يلعب أحفادي فيه، بسبب خوفي من السيارات المارقة التي أصبح الشباب يقودها بلا اهتمام . ويشير إلى أنه الآن يفضل الجلوس والمشي في الهواء الطلق للمحافظة على ما تبقى من صحة . ويتذكر شبابه، مؤكداً أن الحياة في الماضي كانت تعتمد على الزراعة، وبيع التمر والشعير الذي تميزت به اللؤلؤية .

هنا يظهر صديقه خلفان محمد خلفان الذي يقل عنه في العمر بسنوات قليلة، وأشار إلى أن اللؤلؤية كانت عبارة عن بيوت صغيرة، وفقيرة لأن الحياة فيها كانت تعتمد على البحر وما يجود به من أسماك، بجانب الزراعة، ولا شيء غيرهما، ما جعل الناس في تلك الفترة يعيشون حياة صعبة، تعلموا كيف يواجهونها ويتواءمون معها، خاصة أن الزراعة كانت موسمية، بمعنى أن الشعير والحبوب كانت تزرع على المطر فقط، ويتذكر كيف كانوا يجلبون المياه من البحر عن طريق “المنزفة” التي كانت تدار يدوياً، وأيضاً عن طريق “الزايرة” التي كانت عبارة عن “طوي” وأعمدة بجانبها تسمى “تركيبة” في “خب” يتسع لثور يدور فيه .

وأضاف: الاعتماد على النقود كان بسيطاً، وكان الناس يجلبون تلك النقود عن طريق بيع الأسماك والتمر في الشوارع، وأحياناً كان يتم الاتفاق مسبقاً بين الصياد وأحد الجيران على قيامه بشراء ما يصطاده من أسماك . ويلفت إلى أنه وهو صغير لم يعرف من التعليم سوى حفظ القرآن الكريم عن طريق المطوع الذي كان يعتبر كل شيء في اللؤلؤية . ويشير إلى أن التنقل من مكان إلى آخر، أو “التحويلة”، كان مستمراً، بمعنى أن الناس كانوا “يُشتون” في بيوتهم، ويقضون شهور الصيف في مزارع النخيل، وهي مرحلة لا تنسى، ولا تمحى من ذاكرة جيله .

ويضيف: المزارع كان بها بيوت مصنوعة من سعف النخيل، بطريقة فنية رائعة تؤكد مدى اهتمام الأجداد بالحياة وزخرفتها وتزيين الأماكن التي كانوا يقضون فيها الكثير من الأيام، خاصة في فترة القيظ بهدف توفير الراحة، وعمل مصدات للهواء وتحويله إلى فتحات لصنع تيار من الهواء الذي كان يلطف حياتهم، لذلك كانوا يعتبرونها مرحلة فاصلة خلال العام .

ولفت خلفان إلى أن بيت “الدعون” في المزرعة كان عبارة عن عريش وأمامه سبلة مكشوفة من كل النواحي، الهدف منها ترطيب المكان وقت القيظ، بمعنى أنها كانت بديلاً عن مكيفات اليوم، إضافة إلى منامة لها أربعة أعمدة “السيم”، ثم المطبخ، في حين تكون حظيرة المواشي خلف هذا البيت . ويشير إلى أن الحياة لم تعرف المرض في الماضي، ولم يعرف الناس سوى الطاعون والسل بسبب عدم وجود الوحدات الصحية المعروفة اليوم، وكان العلاج عن طريق أهل الخبرة خاصة كبار السن، ومعظم هذا العلاج كان بالكي .

وأوضح خلفان أن البيئة الاجتماعية في اللؤلؤية كانت تقدر المرأة وتحترمها ما دفعها إلى الظهور في العديد من الأعمال، خصوصاً في الجانب الزراعي وقت كان الرجال يخرجون إلى الصيد في البحر وتمتد رحلتهم إلى شهور طويلة، فكانت تزرع وتحصد وتربي الأولاد . ويعتقد أن دور المرأة في الماضي ربما يكون أساساً لدورها اليوم داخل الدولة بعد أن أصبحت وزيرة وسفيرة وعضوة في المجلس الوطني وأستاذة في الجامعة، وضابطة أيضاً، بجانب قدرتها على إدارة بيتها ومتابعة الأولاد .

تركنا الرجلين مع ذكرياتهما، والتقينا سالم محمد النقبي، عضو المجلس الوطني الاتحادي سابقاً، الذي يعرف الكثير عن تاريخ اللؤلؤية فأكد لنا أن كل سكان المنطقة نقبيون من قبيلة استوطنت الساحل، وامتد نسلهم، وتفرع في كل أرجاء الدولة . ويشير إلى أن أصل عشيرة النقبي، قبائل العدنانية، وينتمون إلى قبيلة “خثعم” المكية، وهي تتفرع من قبيلة بني مخزوم، وهي من القبائل العربية المشهورة في صدر الإسلام .

ولفت إلى أن الترابط مازال موجوداً بين الناس في المنطقة لأنهم بالأساس من نسل واحد، ودمهم واحد، مشيراً إلى أن هذا الترابط موجود بوجود الشواب الذين لايزالون يعلمون الشباب أهمية ترابطهم واحترامهم لبعضهم بعضاً، وضرورة التواصل في الأعياد والمناسبات الدينية التي عاشوها وهم أطفال وشباب في مثل أعمارهم .

ولفت سالم محمد النقبي إلى أنه من جيل الوسط الذي عاش بين الماضي والحاضر، لكنه يتذكر المكان الذي درس فيه على يدي المطوع، وشاهد ازدهار التعليم في اللؤلؤية مثله مثل باقي أرجاء الدولة، لكنه في الوقت نفسه يعتقد أن أخلاقيات الماضي كانت من أهم السمات التي تميز الناس في حبهم واحترامهم لبعضهم بعضاً .

مع محمد سيف النقبي، مدير بلدية خورفكان، أكد لنا أن اللؤلؤية اليوم تختلف تماماً عنها في الماضي، فبعد أن كان المطوع هو واجهة التعليم للأطفال سادت المدارس بكل مراحلها وسبقتها الحضانة .

ويشير إلى أن الطرق امتدت في كل النواحي وترصف دوماً، وأنه على المستوى الرسمي، تزرع البلدية بعض الأماكن وتتولى تشجير الطرق .

ولفت إلى وجود تنسيق مع المجلس البلدي لوضع ضوابط لعمليات التخييم خاصة بعد اتجاه العائلات من كل نواحي الدولة إلى التخييم في شاطئ اللؤلؤية الذي تحول إلى مكان سياحي، نظراً لوقوعه في أحضان الطبيعة وإحاطته بجبال شاهقة يراها البعض تعبيراً عن عظمة الطبيعة داخل الإمارات . ومما يزيد من جماله أشجار النخيل التي باتت معلماً من معالمه التي خطتها الطبيعة فيه .

وأوضح أن اللؤلؤية تغيرت تماماً في ظل اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بترقية الذوق العام في ما يتصل بالفن المعماري ومساعدة الأهالي في كل  نواحي الحياة . الخليج

Related posts