حضور محلي خجول وانعدام ثقافة فــن الممثل الواحد

لا يعفي الطابع الدولي لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما من مناقشة الحضور الإماراتي والخليجي في هذه التظاهرة المسرحية، التي تقام على أرض إماراتية .

وراكمت حتى الآن 10 سنوات من الخبرة متعددة الثقافات والتجارب الفنية تخللها خمس دورات بواقع دورة في كل سنتين، اذ بدا ملاحظاً ان هناك انحساراً في الحضور المحلي، والخليجي شهدته اروقة الدورة الخامسة من المهرجان والتي اقيمت في الفترة من 20 الى 28 يناير 2012، هذا الانحسار دفع الى حضور الاسئلة حول المسرحيين الذين يقيمون مهرجانا دوليا بهذا الحجم ثم لا يشكل حضورهم ظاهرة او تأثيرا فيه!

عند محاولة طرح هذه الاسئلة في أروقة الدورة الخامسة للمهرجان، جاءت ردود الأفعال والانطباعات متباينة مع أن الكثير منها أجمع على أن خصوصية فن المونودراما، ربما تقف وراء إحجام بعض الفنانين الإماراتيين عن المشاركة الفاعلة فيه، لكن هذا الانطباع على موضوعيته ليس هو الوحيد الذي يقف وراء ظاهرة العزوف هذه، فهناك تفاصيل وأسباب أخرى عديدة تستحق أن تروى.

وقد ظهرت هذه القضية في إحدى تجلياتها على لسان محمد سيف الأفخم الأمين العام للهيئة الدولية للمسرح مدير المهرجان، اذ يقول: “نحرص على مشاركة أبناء الإمارات من المسرحيين في المهرجان، كما حرصنا واخترنا نخبة من هؤلاء الفنانين واستضفناهم في الفندق، لكن من أتى منهم قلة.

وفي نهاية المطاف، لا استطيع تأخير مهرجاني لأن إسماعيل عبد الله، رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين الإماراتيين، أو الدكتور حبيب غلوم مسؤول الثقافة في وزارة الثقافة قد تأخروا عن الحضور”، واضاف الأفخم: “رئيس جمعية المسرحيين جاء إلى الافتتاح متأخرا وممتعضا، وعلى الرغم من ذلك قام نائب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام رئيس المهرجان محمد سعيد الضنحاني باستقباله، في الوقت الذي نعتبر فيه جميع الفنانين الإماراتيين من أصحاب المهرجان ولا يحتاجون إلى دعوة لأنه مهرجانهم وينظم في الدولة”.

من جانب آخر، أوضح الأفخم أنه ثمة مهرجانات أخرى تنظم بالدولة وقال:” نحن نشارك في هذه المهرجانات من دون دعوات، لأننا حريصون على التواصل مع كافة الفعاليات الثقافية في الدولة. وأنا اكرر دعوتي لكافة الفنانين ومحبي المسرح للمشاركة والحضور والاستفادة من هؤلاء الضيوف للارتقاء بالحركة المسرحية الإماراتية”، متسائلا:”

من منع مرعي الحليان من المشاركة والحضور إذا كان حريصا على الحضور والاستفادة، فكل الأبواب مفتوحة، وإذا كان بحاجة إلى تسهيلات من فندق وسيارة وحتى تذكرة سفر، فنحن مستعدون لتوفير كل ذلك، ذلك أن المهرجان والمسرح مفتوحان للكل مجانا، ومهرجان الفجيرة باق بمن حضر وشارك وهم كثر”.

وخلص الأفخم إلى نتيجة مفادها أن ظاهرة انخفاض نسبة المشاركة الإماراتية في مهرجان المونودراما تعود إلى أسباب فردية أو شخصية صرفة وتعكس طبيعة الشخاص أنفسهم، ولا علاقة لذلك بإدارة المهرجان أو الحركة المسرحية في الإمارات عموما، حيث كل ألأبواب مفتوحة للحضور والاستفادة والتواصل.

دعوة واحدة

وكان لابد من التواصل مع رئيس جمعية المسرحيين الكاتب اسماعيل عبد الله لتبيان ملامح الأمر من طرفه، لكنه رفض التعليق مكتفيا بإبداء حرصه على عدم إثارة بلبلة في ظل وجود هذا العدد من الضيوف المشاركين في مهرجان المونودراما.

واشار الى إنه لا يدلي بأي تصريح حول هذه الفعالية المسرحية منذ ظهورها قبل عشر سنوات، رغم أنه دعي للمشاركة فيه مرة واحدة. أما حول حضوره احتفالية إطلاق الدورة الخامسة للمهرجان مساء أول من أمس، فأوضح أنه وصل الساعة السابعة، أي قبل بدء الاحتفالية بساعة كاملة تبادل خلالها السلامات مع الجميع”.

الفنان عمر غباش يرى ، من جانبه، أن المشاركة الإماراتية في المهرجان معقولة، “إذا أخذنا في الاعتبار الطبيعة الدولية له، حيث لا تستطيع أن تشرك أكثر من عرضين في الدورة الواحدة ، وذلك للاستفادة من أكبر عدد ممكن من العروض الزائرة، وكون هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام هي الجهة المنظمة للمهرجان.

فقد كان أول عرض فيه من انتاج الهيئة نفسها” العالم يمر من هنا”، بالإضافة إلى مشاركة مسرح دبي الأهلي في المهرجان بمسرحية “إصبر على مجنونك” ، بالتالي أعتقد أنها مشاركة جيدة، ولكن بما أن كل عناصر العرض المنتج عن الإمارات جاءت من الخارج، فإن ذلك يثير التساؤلات”، وعقد عمر غباش مقارنة بين هذه الدورة من المهرجان والدورات السابقة قائلا: “

مقارنة بالدورات السابقة خاصة الدورتين السابقتين، يلحظ أن الحضور الإماراتي في المهرجان اصبح أقل، حيث يلحظ أن الكثير من الوجوه غائبة عن المهرجان… أتمنى أن يشارك الفنانون الإماراتيون بصورة أكبر في المهرجان للاستفادة واستغلال هذا الحدث الفني الدولي”.

المسرحيين الاماراتيين مستبعدين

حول مشاركة الفنانين الإماراتيين في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، قال الفنان إلإماراتي مرعي الحليان : (من الدورة الأولى ، أشعر بأني مستبعد من هذا المهرجان وإلى اليوم لم أتلق أية دعوة للحضور على الإيميل، ولا أنتظر إقامة ولا فندقا ولا تذكرة سفر، وإنما دعوة للمشاركة في فعاليات المهرجان، هذا إذا كانت إدارته تعرف أصلاً أن هناك فنانا إماراتيا اسمه مرعي الحليان.

الأمر الآخر، وردا على ما يقال بأن المسرحيين الاماراتيين لا يتعاطون مع فن المونودراما، وبأنهم لا يحضرون ولا يشاركون في المهرجان، أقول إن هذه المقولة خاطئة، لأن المسرح فرجة مغرية والمسرحي يجد نفسه بها، بينما نفخر كلنا بأنه يوجد لدينا في الإمارات مهرجان من هذا النوع حتى على الصعيد الشخصي، وعندما نكون مع آخرين نتحدث عن هذا المهرجان كأحد مكتسباتنا المسرحية”.

لكل فن جمهوره

المسرحي الإماراتي جمال مطر، قال من جانبه: ” إذا ألقينا نظرة سريعة على المشاركة الإماراتية والخليجية في المهرجان فسنجد أنها مشاركة لا بأس بها، لكن قضية منسوب الحضور الإماراتي الخليجي للمهرجان تتناسب مع الذائقة الفنية للناس، فلكل فن جمهوره ولكل جنس أدبي تاريخه على غرار الشعر.

لكن على الرغم من ذلك، ليس بالضرورة أن تجد له جمهورا عريضا، فما بالك عندما يتعلق الأمر بالمسرح، الذي ليس له ذاك الإرث في العالم العربي، حيث لا يوجد جمهور كبير يهتم بالمسرح ويتابع شؤونه لا سيما مسرح النجم الواحد”، كما أن جزءا كبيرا من المسؤوولية، حسب اعتقاد جمال مطر، يتحمله المسرحي نفسه، الذي لم يتمكن من كسب الجمهور وجذبه إلى عرضه، علما بأن غياب الجمهور يعتبر ظاهرة عامة في ميدان الثقافة.

ورأى مطر أن بعد المسافة التي تفصل الفجيرة عن بقية مدن وبلدات الدولة ربما ألقى بظلاله على مستوى الحضور الجماهيري لفعاليات المهرجان، كما أن أحد الأسباب الأخرى ربما يتعلق بفن المونودراما نفسه الذي يعتبر غير مغر للمتلقي.

حيث يفتقر هذا النوع من المسرح للفرجة، الأمر الذي ربما لا يشجع الناس على الذهاب لحضور عرض يقوم على ممثل واحد، وأخيرا ربما يتعلق الأمر بكسل الفنانين الإماراتيين أنفسهم، ما يشكل سببا آخر من اسباب قلة حضور العنصر الإماراتي للمهرجان.

الدكتور عبد الكريم جواد من سلطنة عمان له رأي ايضا في غياب المسرحيين الاماراتيين والخليجيين عن المهرجان اذ يقول: ” كنت أتمنى أن اشاهد عددا أكبر من المسرحيين الإماراتيين والخليجيين في هذه الدورة، فهم مطالبون ان يولوا هذه التظاهرة الفنية مزيدا من الاهتمام ، بحيث يكونون قادرين على مواكبة فعالياته والتفاعل مع ضيوفه.

وأن تكون هناك حالة من التوازن قوامها الأخذ والعطاء الإبداعي والبحثي، ولعلي أطمح لإقامة مهرجان للمونودراما في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، على أن يحقق هذا المهرجان لفناني دول الخليج حضورا وتفاعلا يعطي للمهرجان نكهة وخصوصية قد تجعله يختلف عن بقية المهرجانات العربية”.

خروج على الرتابة

من جانبه، اعتبر المخرج المسرحي ناجي الحاي أن فن المونودراما لا يحظى باقبال جماهيري “حتى أنا لم أشتغل سوى عمل مونودرامي واحد قدمته في العام 2003، مع وجود مشروع آخر جديد أعمل عليه في الوقت الحالي وربما يعرض في الدرة المقبلة من مهرجان الفجيرة”.

واعتبر الحاي أن مجرد إقامة مهرجان للمونودراما هو قبول التحدي، مشيرا الى اهمية مهرجان الفجيرة للمونودراما، ذلك أنه يرسخ لنوع خاص وراق من المسرح. “حتى لو كان الإقبال عليه ضعيفا، لكن تسليط الضوء عليه أمر مهم للغاية وذلك حتى يبقى ويستمر، كما أنه يعزز أشكال مسرحية مختلفة وهذا يساعد على ألا يتعود الناس على شكل مسرحي بعينه قد يتحول إلى شكل نمطي”.

ويرى الحاي كذلك أن المشاركة الإماراتية في المهرجان جيدة، لا سيما وأنها قد تحفز آخرين على الإنخراط في العمل المونودرامي بصورة أكبر، ” كنت أتمنى أن أنجز عملي المونودرامي الثاني الذي أعمل عليه كي أشارك في هذه الدورة من المهرجان، لكن الظروف حالت دون انجازه حتى الآن، مع أن نصفه أصبح جاهزا وربما أنجز نصفه الثاني خلال العام الحالي”.

وبالعودة إلى المشاركة الإماراتية في المهرجان، يرى الحاي أن الصبغة الدولية لهذه التظاهرة المسرحية تجعل المشاركة الإماراتية تأتي على هذا النحو الضئيل، فضلا عن خصوصية فن المونودراما ومسؤولية الفرق المسرحية في الدولة ورؤاها للمسرح، فهناك فرق لا تحبذ الاشتغال على هذا النوع من المسرح. الدكتور حبيب غلوم قال من جانبه: “

نحن في العالم العربي نشتغل مسرحا لأننا نحب المسرح وليس فهما له، متناسين أن الأمر يتطلب عناصر لا غنى عنها، وهذه مشكلة أزلية يسود فيها التجريب حتى أنك تأتي وتسأل الفنان بعد 40 أو 50 سنة فيقول لك إنه مجرد هاو، لذلك لا تخرج ابداعاتنا عن النوايا الطيبة التي لا تخلق ابداعا، رغم وجود قلة قليلة متناثرة في الوطن العربي ودول الخليج من الفنانين المتخصصين، الأمر الذي يحد من المشاركة الخليجية في مهرجان الفوجيرة للمونودراما”.

وأضاف غلوم: “مشكلتنا هي أن ثقافتنا العامة في الفنون ضعيفة، وعندما يتعلق الأمر بفن متخصص مثل المونودراما، تصبح المشكلة أكبر، حيث لا يكفي أن أقرر إشتغال هذا النوع من المسرح، حيث يدخل الأمر في إطار الجهود الفردية، ويطرح اشكالية قلة الفنانين الذين يفهمون هذا النوع من الفن، ولذلك لا بد من أن يكون هناك فريق فني كامل يتبنى هذا المشروع، فنحن للأسف لا نتناول في ثقافتنا وفنوننا مشاريع لها أبجدياتها ومفرداتها، بل ندخلها جزافا، لذلك تأتي ابداعتنا ناقصة”.

وفيما يتعلق بضعف الحضور الإماراتي في المهرجان، أكد غلوم: “فن المونودراما له خصوصيته ويحتاج إلى جهود مضاعفة للتمكن من تقديم هذا الفن كمشروع وليس كعمل لا يعيش، فالمشاريع تحتاج إلى أطر معينة تضمن لها الحياة، لذلك فإن معظم أعمالنا المسرحية لا تعيش”.

وقال الكاتب المسرحي الكويتي عبد العزيز السريع : “لا أعتقد أن المشاركة الإماراتية والخليجية في المهرجان بالمستوى المطلوب، لا من حيث الكم ولا من حيث النوع، رغم التسهيلات والدعوات المتكررة للمسرحيين بالمشاركة، إلا أننا لا نشاهد إلأ عدد محدود من الأعمال الخليجية في دورات المهرجان المتعاقبة، شهدنا البحرين والكويت والإمارات والسعودية،.

وكان من المفترض أن نشاهد مزيد من الاعمال، ولكننا لا ندري ما هي أسباب العزوف، ربما لأن المونودراما فن صعب وشروطه قاسية تحتاج إلى مهارات من نوع خاص، مثلما تحتاج إلى همة ورغبة وما لم تتوفر هذه الشروط، فلن تجد أحد يقدم على هذا الفن.

ولكن الآمال لا تزال معقودة على أن يتحقق الحضور الكمي والنوعي لدول المنطقة باعتبار الحدث يجري في بيئتهم، لكن المؤسف أنه ليس هناك مساهمة تذكر حتى على مستوى المشاركة في مسابقة تأليف نصوص المونودراما”. البيان

Related posts