مواطنون “رهائن محبسي” الإعاقة والمساكن المتهالكة

عاملون في القطاع التربوي أفنوا الكثير من سنوات عمرهم في المهنة السامية، مع سواهم من العاملين في مجالات أخرى، باذلين جهوداً ممتدة في تربية وخدمة أجيال من أبناء الوطن، على مدى سنوات أخذت معها ربيع العمر، وتحول بعضهم، وهم على رأس أعمالهم، إلى مقعدين، لا يقوون على الحركة وخدمة أنفسهم بأنفسهم، بينما بدأ البعض الآخر أولى خطواته في العمل وهو مقيد ب “الإعاقة” . هذه الفئة “الصابرة” لم تثنها الإعاقة وقيودها المحكمة عن مواصلة العطاء، في صورة ترسم مشهداً جميلاً لعزيمة لا تلين، ورسالة يحرصون على تأديتها تجاه الوطن وأبنائه، وفلسفة شخصية ترفض التحول بسهولة إلى “عالة”، متشبثين بمفهوم “العضو المنتج والفاعل” في المجتمع .

المعلم المواطن سالم حسن50، عاماً، يروي قصته فيقول: ما أزال على رأس عملي بعد تحويلي إلى العمل الإداري، بسبب شلل أصبت به عام ،2000 وإلى الآن أزاول عملي وأحافظ على دوامي في مقر المدرسة بصورة دؤوبة وأنا مقعد على كرسي متحرك .

يضيف: كنت مدرس مجال أول منذ عام 1986 حتى عام ،2000 أصبت بعدها بشلل نصفي أقعدني عن الحركة ومنعني من المشي، لكني أكملت مشوار العمل بعد أن تحولت إلى الإدارة المدرسية منذ ذلك العام حتى الآن، وأعيل 6 أبناء، 4 منهم ذكوراً مقابل ابنتين، اثنان منهم يدرسان في الجامعة، إضافة إلى زوجتي، ما شجعني أكثر على تحدي الإعاقة ومواصلة العمل رغم الصعوبات، فيما اقترضت من البنك مرات عدة، إحداها لأكمل تكاليف علاجي في بريطانيا، الذي جرى على نفقة الدولة . بعدها ذهبت على حسابي إلى باكستان، بعد أن نصحني أحد الزملاء بالعلاج هناك، لكن هذا العلاج لم ينفعني، وبقيت مقعداً لا أقوى على الحركة .

تكاليف المعيشة، كما يستطرد سالم حسن، تكاد تعصف بميزانته المحدودة، وهي تتحمل إلى جانب ما يقتطعه البنك ومصروف أسرته وقوت عياله راتب الخادمة وراتب عامل خصصه لمساعدته في الانتقال إلى مقر عمله، فضلاً على تكاليف دراسة ابنين من أبنائه في الجامعة ومصاريف المدرسة والكثير، متسائلاً: لم لا يخصص لنا في ظل ذلك كله مسكن، نحن ذوو الاحتياجات الخاصة، يساندنا في الحياة الصعبة، ويكفينا شر السؤال وطلب المساعدة والوقوع في مصيدة الديون مرة أخرى؟

التربوي سالم حسن تقدم  كما يقول  بطلب لتحويل القرض المالي المقدم له من برنامج الشيخ زايد للإسكان إلى منحة، في ظل الظروف المادية والصحية التي يعاني منها، مؤكداً “أريد منزلاً يأويني ويقيني شر السؤال” .

ويقول المعلم المقعد: “أسكن في منزل شعبي قديم، واقترضت أخيراً 150 ألف درهم لإعادة صيانته، ويقتطع البنك 4 آلاف درهم من راتبي المقدر ب 19 ألف درهم، وحصلت على قرض من برنامج زايد للإسكان، لكني لا أستطيع أن أتحمل أقساطه الشهرية، وطلبت تحويله إلى منحة، تبعاً لظروفي الصحية والعائلية” .

صاحب “البدالة”

أحمد الغيص، 58 عاماً، مواطن كفيف يعيل أسرتين، يعمل على “بدالة” منذ قيام الاتحاد، رغم الإعاقة البصرية، حيث وقع الاختيار حينها على وظيفة تناسب إعاقته، ونجح سريعاً في التأقلم مع هذه المهنة، التي أصبح ملتصقاً بها، ويتمتع بمهارات استثنائية، ربما يفوق في بعضها الأصحاء، أو المبصرين تحديداً، مثل الذاكرة الحادة وقوة الحفظ، وقدرته على استقبال المكالمات وتحويلها بسرعة استثنائية، ويؤكد أن ارتباطه الوثيق بمهنته يرجع إلى أنها أمّنت له ولأسرته العيش الكريم على مدى سنوات طويلة .

يقول الغيص: ولدي سعيد، 20 عاماً، يعينني على استكمال المستندات المطلوبة لأستحق منحة سكنية من البرنامج، وأتمنى أن يسهّل البرنامج حصولي على المنحة السكنية، نظراً لظروفي الصحية، فيما يصعب علي متابعة بناء المنزل بنفسي .

ما يفاقم معاناة الغيص ويضيف لقصته أبعاداً أخرى أنه متزوج من زوجتين، تعيش إحداهما مع عيالها تحت وطأه منزل متهالك، سقط جزء من سقفه في الأيام القليلة الماضية، يقول: قدمت طلبي لوزارة الأشغال العامة لاستحقاق منحة سكنية عام ،2001 وجددت الطلب بعدها مرات عدة، لكني لم أرفقه بمستند يفيد بأني كفيف، وأعيل حالياً أكثر من 10 أبناء، رغم أن معظمهم تزوج والبعض يعمل ولم يبق غير زوجتي و3 من أبنائي أعيلهم بنفسي، براتب لا يتعدى 10 آلاف و700 درهم .

حلمان

سالم سعيد، 30 عاماً، شاب مواطن كفيف، متزوج حديثاً من مواطنة، حقق حلمه الأول بالارتباط بواحدة من بنات بلاده، لكنه يتطلع إلى أن “يبصر” قريباً حلمه الثاني “مسكن العمر”، الذي يواجه بعض الصعوبات، يقول: منحت مساعدة سكنية عام ،2011 وحين استلمت الموافقة النهائية العام الماضي شرحت لإدارة البرنامج أني كفيف وأريد منزلاً جاهزاً، بينما أخبرني الموظف هناك أن المسكن الجاهز يحتاج إلى إعادة دراسة الطلب والتأكد من حالتي الصحية، وكي لا يتأخر صرف المنحة أكثر فضلت أن أستلمها على حالها، وأحاول قدر استطاعتي أن أشرف على بناء المسكن بالتعاون مع أهلي .

ويطالب سعيد بأن يحظى أصحاب الاحتياجات الخاصة بمعاملة خاصة تسهل أمورهم، بدءاً من تقديم الطلب مروراً بكل الإجراءات، إذ إن الكفيف أو المعاق لا يعلم ما الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية له، ويضطر إلى تقديم طلبه مع الأسوياء، ما يحرمه من حقوقه .

المواطنون المعاقون وأصحاب الاحتياجات الخاصة، الذين قرأت “الخليج” همومهم وهواجسهم، يتطلعون لمعاملة تفضيلية، تمكنهم من الحصول على مساكن حكومية جاهزة، دون أن تترتب عليهم أعباء مالية تزيد ديونهم، التي حصلوا على بعضها من أجل العلاج .

ويتأمل المكفوفون والمشلولون ومن على شاكلتهم أن تقدم لهم منح مساكن حكومية غير مرتبطة بمقدار ما يستلمونه من رواتب أو مساعدات حكومية .

أولوية

حسين بشر مدير مكتب الإعلام والاتصال الحكومي في برنامج الشيخ زايد للإسكان، قال إن البرنامج يمنح المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة أولوية خاصة في دراسة طلباتهم والبت فيها، ويتم استثناؤهم من بعض الشروط العامة أثناء تقديم طلبات المساعدات السكنية، فيما طور البرنامج بعض النماذج السكنية لتتلاءم مع احتياجاتهم، كونهم جزءاً مهماً من المجتمع .

وأكد أن على أي “معاق” أن يقدم للبرنامج ما يثبت إعاقته ليمنح الأولوية، سواء من وزارة الصحة أو من وزارة الشؤون الاجتماعية .

وحول المنح السكنية والقروض لتلك الفئة، أكد أن شروط المساعدات السكنية، سواء كانت قرضاً أو منحة، تنطبق عليهم حسب القانون، باعتبارها مرتبطة بالدخل الشهري، موضحاً أن “من كان راتبه الشهري أقل من 10 آلاف درهم يستحق منحة، ويستحق قرضاً إذا كان أكثر من ذلك، بغض النظر عن مستوى دخله الحقيقي والاستقطاع من راتبه، بسبب الديون المتراكمة عليه .

وعن إشراف برنامج زايد على بناء المنزل وتسليمه جاهزاً لتلك الفئات، قال البشر إن البرنامج يقدم مبادرة لكل الأشخاص غير القادرين على الإشراف على منازلهم لظروف صحية أو اجتماعية يقدرها البرنامج، بشرط الموافقة على البناء بحدود المساعدة السكنية، التي منحت له من البرنامج، واختيار تصميم من النماذج ال ،28 التي يقدمها البرنامج لكل المتعاملين معه . الخليج – حصة سيف

Related posts