كثيرا ما نسمع بين حين وآخر أن متسللين ضبطهم رجال الحدود في المناطق الجبلية، أو تائهين ضلت بهم السبل في التضاريس الوعرة، كما تنشر وسائل الإعلام أخباراً عن العثور على جثة متحللة هناك وجدها الباحثون عن العسل أو عن أغنامهم التائهة، وأخبارا عن “جناح الجو” تعثر على مفقودين أموات.. هذه جملة من المآسي التي تشهدها تلك الجبال وبالأخص جبال “وم” قاسية التضاريس التي يصعب عبورها، حيث إن من يحاول القيام بذلك يعرض حياته للخطر وغالباً ما يكون مصيره الموت.
وشكلت تلك الجبال، الواقعة في مدينة دبا الفجيرة وتبعد عنها 8 كيلومترات باتجاه الشمال، مصائد للبشر العابرين خلالها (متسللين ومغامرين) وكأن الموت يختبئ في كل ركن من أركانها وحتى أهالي المنطقة لا يمرون من خلالها لعدم معرفتهم بمساراتها وطرقها، ولا يكاد يعرفه النادر ممن هم قريبون منه، وإن كان معروفا عند بعض السياح الأجانب، فإلى جانب ما يواجهونه من تضاريس متعرجة وطويلة، فيعيشون مخاطر جمة.
تقارير أمنية
ومن خلال التقارير الأمنية تبين أن العام الماضي لم يشهد تسلل الكثيرين عبرها أو عمليات إنقاذ وانتشال جثث، عدا ثلاث جثث متناثرة تم اكتشافها في عدة شهور متفاوتة، بالعكس من عامي 2009 و2010 والذي شهد عمليات تسلل جماعية بناءً على الظروف القاسية والوضع الاقتصادي في الدولة حينها حسب البيانات الإحصائية للنيابة العامة بدبا. فكثير منا يتساءل ما الذي يدفع الإنسان إلى المغامرة بروحه في طريق غير مأمون، لتحقيق كسب غير مضمون وخلاص مجهول؟.
بالطبع إجابتها تتلخص في التخلص من الهموم والمشاكل ما شجع الكثيرين على ركوب موجة هذه المجازفة من أجل الوصول إلى مكان آمن بحثا عن وهم العمل وأمل الثراء السريع. ولا ينتهي الحلم الزائف لهؤلاء المتسللين عن رحلة العذاب المضنية عند الحدود، بل يستمر لبلوغ مناطق أخرى رغم المخاطر الطبيعية المحدقة والتضاريس القاسية.
وبين أحد المضبوطين بقضايا التسلل ( أ، م ) من الجنسية الآسيوية تعرض العديد من المتسللين التائهين الذين لا يعلمون الطرق والممرات إلى خطر الموت بين سقوط أو بعد أن هلكوا عطشا وجوعا أو تعرضوا لسموم الهوام من على تلك الجبال.
مستذكرا بقوله: “رحلة الموت تبدأ بالاتفاق بين مجموعة لا يجمع بينها رابط سوى هدف التسلل إلى خارج البلاد، حيث بمجرد إخلاء سبيلنا من قبل “الخبير” – كما أطلق عليه- نجبر على المشي لمسافة كيلومترات على الأقدام ونسلك طرقا حتى ندخل إلى عالم “المجهول” دون دراية منا ولا استعداد لنصبح تحت رحمة تلك الجبال ومناخها القاتل. لافتا إلى أن الخوف من المجهول هو سر الموت خوفا خصوصا في ساعات الليل وليس عطشا أو جوعا كما يعتقد – خاصة وأننا نفترش الأرض ونلتحف السماء في رحلتنا تلك”.
العثور على الجثث
بدوره، أوضح سالم الخديم وكيل أول نيابة عامة بدبا الفجيرة إلى أنه يتم العثور على جثث المتسللين بعد أن تحللت مصادفة من بلاغات المواطنين أثناء بحثهم عن أغنامهم التائهة واستكشاف مناحل العسل في رؤوس تلك الجبال، منوها إلى أن التقارير الشرعية والنائية تستبعد أي شبهة جنائية تجاههم، حيث أن الأغلب يتم العثور عليهم مع هويتهم التي تكون كإثبات لهم.
لافتا إلى أن هناك نوعان من التسلل عمليات التهريب والتسلل إلى الداخل والمتسللين إلى الخارج (التسلل العكسي) ومنهم من ورائه مشاكل أو جرائم معينة، ونوع آخر هو في الأساس مقيم إقامة نظامية أو انتهت مدة إقامته. ونادراً ما يتم تسلل المواطنين إلى الخارج.
ويؤكد أن المتسللين إلى تلك الجبال ينطلقون مكرهين في رحلات للمجهول دون اختيار منهم للطريق الذي سيسلكونه أو يساقون إليه هاربين من الفقر إلى الموت. فتلك العمليات وخاصة بعملية التسلل العكسي تشهد كثيرا تخلي المهربين عن هؤلاء المتسللين بعد قبض المبلغ المتفق عليه بمبالغ تتراوح ما بين 500 إلى 1000 درهم، بحيث يضعونهم على أول طريق الموت بإنزالهم في طريق مهلكة وسط هذه الجبال بعد أن يوهموهم بأن هذه الطرق تؤدي للدول التي يقصدونها، وأنها طرق سالكة وآمنة، وأن عليهم المواصلة سيرا، ثم يفاجأون بوقوع الكارثة. فعمليات الانتشال والإنقاذ لا تكون إلا بواسطة الحوامات بسبب وعورتها ومسالكها الصعبة. وذكر أن معظم جنسيات المتسللين والمخالفين انحصرت في الجاليات الآسيوية.
وفي نفس السياق، أشار الخديم إلى أن حرس الحدود يعمل بكامل إمكانياته البشرية والآلية والتقنية ووضع إجراءات صارمة كان من شأنها أن تكشف تحركات المهربين والمتسللين ليلا ونهارا مع استهداف نقاط مراقبة في مواقع حاكمة ومسيطرة تحد من عملية التهريب والتسلل بما في ذلك المواقع الجبلية. حيث يقوم حرس الحدود في المنطقة بدور كبير وحيوي في حماية حدودنا الدولية ومنع عمليات التهريب والتسلل إلى الداخل والخارج على حد السواء.
قصص وذكريات
وتتزاحم ذكريات أهالي المنطقة بالقصص المؤلمة لمتسللين ومتنزهين وأيضا مغامرين قضت عليهم صعوبة المناخ والتضاريس في تلك الجبال التي فتحت فاها على داخلها في محاولة منهم تحديد معالمها واتجاهاتها في مهمة مستحيلة، حيث أكثر المشاهد إيلاما اختفائهم خلف تلك الجبال تكتمه زفرات فصل الصيف الحارة، حيث يقضون ساعات يومهم وهو يتنقلون من وجهة إلى أخرى حتى ينتهي مصيرهم إلى الهلاك نتيجة العطش والجوع وتأثير درجات الحرارة العالية، حتى تحولت مع الوقت إلى مقبرة شائعة وبات من المستحيل نسيانها.
ويقوم المواطنون العارفون بهذه الطرق والقريبين منها بتوعية العابرين إليها بخطورتها على من يجهلها، مطالبين البلدية في الوقت ذاته على أهمية وضع لوحات إرشادية على الطريق المؤدية إليها والتي توضح أنها خطرة ومهلكة ولا تتوفر بها وسائل اتصال، إلى جانب دعوتهم إلى مضاعفة العقوبات المطبقة بحق المهربين ما سيحد من تهريب المتسللين أو إدخالهم. البيان