![](http://www.tawyeen.com/tword/wp-content/uploads/2012/05/13-1.jpg)
![13-1](http://www.tawyeen.com/tword/wp-content/uploads/2012/05/13-1.jpg)
هذه السلوكيات ونتائجها المدمرة صحياً حقائق معيشة، تجرأ بعض أصحابها وسردوها، لعل فيها عظة وعبرة لمن يريد أن يعتبر ويتعظ، ويحتاط:
عبدالله النابلسي (65 عاماً) يقول: عندما توفيت زوجتي نتيجة معاناتها ورماً خبيثاً العام الماضي جاءني أهل مريضة كانت تتعالج معها في المركز الصحي ذاته بدبي، وطلبوا مني أن أقدم لهم الأدوية التي كانت تستعملها المرحومة، والتي كان لدينا كميات منها، ووافقت على الفور من دون تردد لأنني لم أعد بحاجة للأدوية من جهة، وأعرف أن قيمتها مرتفعة، حتى إن تأمين تكاليفها أرهقني من جهة أخرى، فأردت أن أسهم في تخفيف مصاريف العلاج عن أهل هذه المريضة وفك كربتهم، لعل ذلك يصب في ميزان حسناتي وحسنات زوجتي يوم الحساب .
هدر غير مبرر
أبو مازن (خمسين عاماً) يقول: أنزعج عندما أتفاجأ بالأدوية تتكدس في الخزانة الخاصة بها في منزلي بسبب توقف أولادي عن تناولها من تلقاء أنفسهم، بسبب تحسن صحتهم، فذلك يعني عدم امتثالهم لتعليمات أطبائهم، وأشعر بأن وجود هذه الكميات من العلب الدوائية لدينا شكل من أشكال الهدر غير المبرر لسلع استراتيجية تعني الكثير لمحتاجيها .
لذلك أقوم غالباً بجمعها بعد التأكد من تاريخ صلاحيتها، فأتخلص من التالفة منها، وأقدم السارية الصلاحية إلى العاملين في المركز الصحي الأقرب إلينا، لعلهم يستفيدون منها، أو يقدمونها لمريض محتاج لها من باب المساعدة الإنسانية .
وفي السياق ذاته روت “أم محمد – ربة منزل” تجربتها مع صنفين دوائيين أوقفت تناولهما بناء على طلب من طبيبها لتعارضهما مع دواء جديد وصفه لها، وبقيت محتفظة بهما إلى أن انتبهت بعد عدة سنوات أنهما لم يعودا صالحين للاستعمال، مما جعلها تشعر بالندم على تعاملها بلا مسؤولية مع هذا الأمر خاصة أن سعرهما كان مرتفعاً للغاية، وكان من الأجدى بها أن تقدمهما لأي مريض أو جمعية خيرية .
صفقات خاسرة
ليلى الحداد رئيسة شعبة الشؤون الاجتماعية في مستشفى دبي، تقول: إن الكثير من الراغبين في التبرع بأدوية لم يعودوا يستعملونها يراجعون المستشفى على مدار العام، وإنها تعتذر منهم عن قبول أدويتهم خوفاً من مضاعفات أو مضار صحية تنجم عن استخدام مريض لدواء ما من دون رقابة وموافقة رسمية من جهة مسؤولة .
وأضافت أنها حين ترفض تسلُّم هذه الأدوية تعلم أن المتبرعين سيقومون بتقديمها إلى جهات أو مراكز أخرى، أو حتى البحث عن مشترين لها بأسعار أقل من أسعارها الحقيقية ليعتبر طرفا الصفقة نفسيهما رابحين، فيما قد يكون الخاسر الوحيد هو المريض ذاته .
ودعت إلى إنشاء آلية واضحة ودقيقة على مستوى إمارة دبي أو الدولة، للتعامل مع مثل هذه الحالات بحيث تتحقق الاستفادة القصوى منها من دون المخاطرة بصحة وأرواح المرضى، لاسيما أنها تعلم بحكم رئاستها لشعبة الشؤون الاجتماعية في المستشفى، أن شراء الأدوية يثقل كاهل الكثير من عائلات المرضى نظراً لارتفاع أسعاره، خاصة في أمراض معينة، وأن الدواء الذي يصل بشكل مجاني إلى مريض قد يكون سبباً في إنقاذ حياته في بعض الحالات .
البحث عن ضوابط
في جهة أخرى، أقرت مسؤولة بإحدى الجمعيات الخيرية أن الجمعية كانت حتى وقت قريب تقبل تلقي الأدوية المستعملة، بل وحتى تدعو للتبرع بها، من منطلق إنساني تكافلي، وتؤكد أن كميات الأدوية التي كانت تصل إلى الجمعية كانت أكثر من مقبولة، وأنه كان يتم توزيعها للمرضى المحتاجين أو ذويهم بعد التأكد من حاجتهم الصحية لها، ومن حالتهم المادية المتعثرة .
إلا أنها شددت على أن الجمعية أوقفت العمل بهذا النظام نهائياً خشية تحملها مسؤولية أو عواقب انتكاس مريض لأي خطأ غير محسوب – لا سمح الله – كالالتباس بين اسمي صنفين دوائيين متشابهين .
واقترحت أن تعطى الجمعيات الخيرية وسواها من المؤسسات المعنية بتوفير مستلزمات العلاج صلاحيات التعامل مع مثل هذه الحالات ضمن ضوابط وشروط واضحة يسهل اتباعها عملياً وبإشراف ومتابعة مباشرين من الجهات الصحية المسؤولة إن اقتضى الأمر .
خبرة طبية
وقال اختصاصي الأمراض الباطنية الدكتور نائل حريري، إن موضوع التبرع بالأدوية يتطلب خبرة طبية ضرورية، حيث إن الاستخدام الخاطئ والعشوائي للأدوية قد يكون له تأثير معاكس تماماً يضر ولا ينفع، خصوصاً في ظل عدم تمتع الكثير من سكان المجتمعات العربية بالثقافة الصحية عموما، حيث يعتقد البعض أن أدوية الضغط أو أدوية السكري جميعها متشابهة فيصفونها لبعضهم بعضاً عشوائياً أو يتبرعون بها لآخرين .
ولذلك، فإن الرقابة الطبية على آليات التبرع بالأدوية لا تمثل شكلاً من أشكال الترف البيروقراطي على الإطلاق، بل إن ضروريتها حتمية حفاظاً على صحة الأفراد والمجتمع، حيث تضمن وصول الدواء المناسب للشخص المناسب، واستفادته منه .
كما أن هناك مشكلة كبيرة وضخمة يخشى منها في موضوع التبرع بالأدوية عشوائياً، وهي التعامل غير المسؤول مع المضادات الحيوية التي تؤدي عشوائية توزيعها إلى مقاومة متصاعدة لهذه المضادات، مما قد يكلف الكثير جداً من الأموال والجهد والبحث الطبيين للتغلب عليها، عدا عن أنها قد تكلف مرضى حياتهم .
الحقيبة البنية
الدكتور علي السيد مدير إدارة الخدمات الصيدلانية في دائرة الصحة والخدمات الطبية في هيئة الصحة بدبي، يشير إلى أن هناك أنظمة عالمية عديدة للتعامل مع الأدوية المسترجعة، وأن هيئة الصحة بعد اطلاعها على العديد من هذه التجارب بصدد إطلاق حملة “الحقيبة البنية” – نسبة للون الحقائب التي سيتم تجميع الأدوية فيها – والتي ستقام بالتعاون والتنسيق مع الصيادلة لاسترجاع الأدوية التي لم يعد من لزوم لها، ليقوم الصيادلة بفرزها كخطوة أولى إلى أدوية تالفة أو صالحة للاستعمال بعد أن يستفسروا من المتبرع عن حالة تخزين الدواء .
ولفت إلى أن تاريخ انتهاء الصلاحية المدون على علبة الدواء ليس المعيار الوحيد لمعرفة صلاحيته الفعلية، بل هناك العديد من العوامل الأخرى المختلفة من دواء إلى آخر، فالأنسولين مثلاً يتلف في حال عدم حفظه في الثلاجة، كما أن هناك أدوية يجب استخدامها خلال فترة معينة بدءاً من لحظة فتح علبتها للمرة الأولى بغض النظر عن تاريخ صلاحيتها، ناهيك عن ضرورة عدم وضع الأدوية بشكل عام في مكان معرض للهواء أو الشمس .
ومن ثم تقوم هيئة الصحة بتوزيعها على المرضى المحتاجين عن طريق الجهات المختصة والمعنية بالتعامل مع الحالات المرضية الإنسانية .
وأشار إلى أنه كان هناك العديد من الاقتراحات للحملة التي من المتوقع أن تطلق الشهر المقبل، كوضع حاويات خاصة للأدوية غير المستخدمة في الشوارع، ولكن لم يتم الأخذ بها خوفاً من مخاطر اشتعالها أو وجود أدوية حمضية بينها تؤدي تفاعلاتها إلى أضرار جدية .
ولفت إلى أن هذه الحملة التي ستعتمد على تسليم الأدوية غير المستعملة إلى أي صيدلية أو مركز صحي، ستحقق فائدة كبيرة ليس للمرضى فحسب، بل للمجتمع من خلال التأكد من الإتلاف السليم للأدوية التالفة عن طريق بلدية دبي، حيث إن رمي الأدوية التالفة مع القمامة والنفايات يعرض البيئة للخطر بشكل فعلي .
وعن أضرار دخول الأدوية التالفة إلى داخل الجسم، أقر مدير إدارة الخدمات الصيدلانية في دبي، بأن هناك أدوية لا تضر بل تنقص فعاليتها تدريجياً، وأن هناك أدوية أخرى تزول فعاليتها العلاجية نهائياً، مما يسبب تفاقم حالة المرض لعدم تلقي العلاج عملياً، كما أن هناك أدوية تتحول إلى مركبات سامة قد تؤدي إلى المرض والوفاة في حال استعمالها .
ولفت إلى أنه من حق المريض في كل الحالات أن يعرف أن الدواء الذي قدم له دواء مسترجع إن كان كذلك، لأن بعض المرضى قد يكونون مستعدين لاستلاف نقود من أجل شراء أدوية جديدة يرتاحون ويثقون نفسياً عند استخدامها، حتى إن كانت أوضاعهم المادية لا تساعدهم على ذلك كثيراً، وهذا من حقهم المكفول لهم .