موزة الكعبي طبيبة عظام في «رحلة مكوكية» للبحث والدراسة لتتجاوز المسافات وتطلب العلم في الصين

موقع الطويين: الاتحاد 

طافت الدكتورة موزة سلطان عبيد الكعبي أول طبيبة عظام مواطنة، بين دول عدة سعيا وراء العلم والتحصيل، متغلبة على صعوبات الغربة وحواجز اللغة والثقافة، وقد توقفت رحلتها العالمية، في مقاطعة شينجيانج الصينية لاستكمال ودراسة المواد العملية، للتخرج بشهادة بكالوريوس طب عام وجراحة عامة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ثم محافظة تيانجين في الصين، لتلتحق بدراسة الماجستير التخصصي في طب العظام. وسبق محطتها الصينية توقفها لدراسة برنامج اللغة في انجلترا، ومن قبلها دراسة الثانوية في جلاسكو باسكوتلندا، ثم انتقلت مرة أخرى إلى لندن لتبدأ دراسة بكالوريوس الطب، قبل استكماله في الصين.

(أبوظبي) – قالت موزة الكعبي إن دراستها كانت باللغة الإنجليزية، لكنها تتحدث الصينية وتتواصل بها يومياً، لقضاء احتياجاتها الضرورية كما تتحدث بها مع المرضى، مشيرة إلى أنه باحتكاكها مع الشعب الصيني واطلاعها على تفاصيل الحياة، أدركت القيمة المعنوية التي اكتسبتها من خلال التعامل مع ثقافة هذا البلد وخصال شعبه، وأن التطور الملحوظ في الصين جعلها من الدول العظمى في مختلف الميادين، وأن الطب والجراحة من أهم الميادين التي تشهد تقدماً كبيراً.

وقالت: أنهيت دراسة برنامج الماجستير التخصصي في جراحة العظام، واجتزت الاختبارات التحريرية والإكلينيكية والشفهية المقررة بنجاح، بعد مناقشة في جلسة علانية، أمام لجنة تضم عدداً من كبار جراحي العظام المدعوين، من مختلف المستشفيات المعروفة في محافظة تيانجين.

وبسؤالها عن سبب اختيارها لمهنة الطب، قالت إنه حلم داعب خيالها منذ نعومة أظفارها، وإنها تساءلت في طفولتها عن كيفية العمل في هذا المجال، موضحة أن دراسة الطب من أحب الاختيارات في حياتها، حين حصلت على درجات مرتفعة في الثانوية العامة عام 2002، وفضلت الدراسة في بريطانيا، بهدف تحقيق حلمها وأمنية والديها اللذان كانا يلقبانها بالدكتورة منذ طفولتها.

جراحة العظام

وعن اختيارها لمجال جراحة العظام أشارت الكعبي إلى أنها مرت على العديد من التخصصات، لكن لاحظت ميلها ومهاراتها في هذا التخصص، حيث كانت المحطة الفارقة فى حياتها العملية، أثناء عملها كطبيبة امتياز، حيث وجدت نفسها تمتلك من المهارات في الجراحة بشكل عام ما يؤهلها لذلك، فوجدت أن جراحة العظام من أفضل الأقسام التي تناسبها، وقد كان زملاؤها يضحكون من دهشتهم، عندما تخبرهم إنها تريد أن تتخصص في جراحة العظام، ويقولون إن التخصص يحتاج إلى جسم كبير وعضلات وهم يرونها فتاة ضعيفة البنية، حينها كان جوابها أنها ستثبت أن هذا التخصص لا يحتاج، دوماً إلى عضلات، بل يحتاج إلى عقل وفكر وشجاعة وجرأة أيضاً، فتشجعت على اختيار التخصص من بين التخصصات الجراحية الأخرى.

وقالت: دعمني في ذلك حافز معنوي متمثل في والدتي، التي تعاني من بعض الآلام في المفاصل، وكانت تردد دائما بأنني الطبيبة التي ستعالجها، واكتشفت أنني وجدت نفسي أحقق الكثير من الإنجازات والإبداعات، وأشعر بسعادة تفوق الوصف عندما أستطيع بأمر الله سبحانه وتعالى أن أساهم في إنقاذ حياة مريض أو شفائه، خاصة إن هؤلاء المرضى على قائمة اهتماماتي، لأن المسؤولية تقع على عاتقي لمساعدتهم على مواجهة حياتهم، بسلام بعد إصابتهم بحوادث أو عيوب خلقية وغيرها من الأمور التي قد تؤثر عليهم، وتسبب لهم إعاقة أو تشوهات.

التميز والإبداع

وأكدت أن مهنة جراحة العظام بها إبداع وفن وحرفية، بالإضافة لذلك فإنها مهنة إنسانية، من أهم المهن، وأنها تشعر بالانتصار والسعادة، حين ترى هؤلاء المرضى يستطيعون ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بعد أن أعيتهم وسائل العلاج ويئسوا من الشفاء.

واعتبرت الكعبي أن حب العمل أو المجال الذي يعمل فيه الشخص هو الذي يخلق الفارق من حيث التميز والإبداع، وأن من تميزوا في أعمالهم هم الذين أحبوها بل وعشقوه، وكانوا الأجدر والأقدر على تحقيق النجاحات والوصول إلى ساحات التميز والإبداع، مشيرة إلى أن بلوغ الهدف الصعب، يحتاج إلى بذل الكثير من الجد والاجتهاد، ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر، وأنه بقدر ما نخلص في العمل بقدر مايكون لدينا المزيد من الجهود الناجحة، لأجل خدمة وطننا الحبيب.

يوميات

أما عن يومياتها في الصين، فأوضحت الكعبي أنها تجد متعتها الحقيقية في الدراسة، وعند بداية دراستها للطب، كانت ترى ذلك جزءاً منها، وليس مجرد درساً تخصص له وقتا محدداً من اليوم، بل هو أمراً يرتبط بحياتها بأكملها، ويدخل في كل ساعة من ساعات يومها، وكتب الدرسة ترافقها في أغلب الأحيان، أما وقتها الإضافي فإنها تقضيه في مزاولة الأنشطة الرياضية والرسم، أما عن أعمال البيت فقالت إنها لديها مساعدة تقوم بذلك.

وأضافت:عانيت في بدايات سنين غربتي في بريطانيا والصين، حيث غادرت منزلنا، وكنت لا أعرف شيئاً غير الدراسة، إذ كنت أجهل كيفية الطبخ ، وكيفية إدارة غسالة الملابس أو عملية الكي، ولم يكن هناك من يوقظني من النوم باكراً، لكني بدأت بحكم الظروف أتعلم الاعتماد على نفسي في جميع أموري، ولم استسلم للصعاب أو اعتبرها عقبات، وبمرور الوقت تغلبت على كل ذلك.

تنظيم والتزام

ولفتت الكعبي إلى أن الشعب الصيني من أكثر الشعوب قناعه وبساطه ورزانه ويفوق شعوب العالم في خصال الصبر والجلد وتحمل الصعاب، ويستطيع تحمل الأزمات والمصاعب والكوارث، ويهدف الصينيون إلى تخليد تقاليدهم العريقة المتجذرة في نفوسهم حبا لوطنهم، وهم فخورون بأصلهم الريفي وحبهم للأرض ويعملون من أجل الحفاظ على صلاح بلادهم، ويؤمنون بأن الاستغلال الأمثل للقوى البشرية والموارد المادية، هو حجر الأساس لتحقيق الكفاية الإنتاجية، فالعامل الصيني يؤدي العمل الموكول إليه بإتقان وفي أقصر وقت وبأقل جهد ممكن، حيث يتم تدريب العمال على إتقان العمل.

وأضافت أن المنظومة الطبية عند الصينيين دوما ليست طبيباً فقط، فالمريض لن يحصل على الرعاية والخدمة التي يستحقها إلا بوجود منظومة تم اختيارها بدقة، يتمثل جزء مهم منها في التمريض والإمكانيات من أدوية وأجهزة طبية، بالإضافة إلى الإيمان التام عند الشخص الصيني بأن إبداعه في عمله، سببه إخلاصه لمهنته واحترامه لها، وأنه لابد من أن يعمل جاهداً لصقل خبرته، بجانب الاهتمام بترسيخ مبدأ استمرارية التعليم المستمر للارتقاء بالمستوى المهني والعلمي والاخلاقي، إذ ينشأ الصيني من صغره مترعرعاً على أهمية الوعي الذاتي وتطوير قدرته على إدارة الذات، والرؤية المستقبلية المتمركزة حول تميز بلده بين الأمم، والتعامل مع الآخرين من خلال فهم أسس العمل الجماعي، واستيعاب التحديات المستقبلية والتأقلم ذاتيا مع المتغيرات، بشكل لا يؤثر على المبادئ والقيم.

وأوضحت الكعبي أن الطب في الصين تخصص دقيق ومنظم قائم يعتمد على الدراسة الذاتية في ظل توفر المواد والمصادر العلمية.

أيام الغربة

وعلى الرغم من مرور عشرة أعوام على غربتها، لاتزال الكعبي لم تتخلص من شعورها بالضيق أثناء الأعياد والمناسبات، وقالت إن مرور لحظة العيد دون الاحتفال به مع الأهل في الوطن من أصعب الأمور رغم مرور عشرة أعوام على معيشتي في ديار الغربة، حيث افتقد الالتقاء بالأهل ومشاركتهم الفرحة وتبادل التهاني ومعايشة أجواء المناسبة السعيدة، مشيرة إلى أن قضاء العيد بعيداً عن الأهل والأحباب تجربة صعبة، إذ تكاد تكون ملامحه معدومة في المنطقة التي أعيش بها.

الصعوبات

وعن الصعوبات التي تعترضها، قالت الدكتورة موزة الكعبي: كل مرحلة أثناء دراستي كانت لها صعوباتها المختلفة، منها دراستي، نفسيتي، وسفري إلى بريطانيا، ومن ثم الى الصين، بالإضافة إلى الغربة التي غيرت نمط حياتي بشكل كامل، كما أن تعلقي الشديد بأبي وأمي زاد من صعوبة السفر في البداية، مشيرة إلى أن التواصل مع المجتمع الصيني في البداية من أصعب المشاكل التي واجهتها، حيث كانت في بداية الأمر تواجه صعوبات في نطق الكلمات الصينية وكان المجتمع لايفهم ما تقوله، مما أشعرها بالإحباط، حيث إن معظم الشعب في المدينة التي تدرس بها لا يتحدثون الإنجليزية بوضوح، والطلاب الصينيين يخجلون من التحدث بالإنجليزية.

وأضافت:الغربة وغيابي طويلا عن البيت كان يسبب لي أحيانا كثيرة تأنيب الضمير والتخبط، إذ كنت أرى نفسي بعيدة تماما عن تحمل أي مسؤولية لازمة تجاه أسرتي، خاصة أثناء تعرض أحد أفرادها لظروف صحية حرجة، منها مرض الوالد حيث وصل لأسوأ مراحله المرضية، من إصابته بورم في رأسه مروراً بالجلطات القلبية انتهاء بمعاناته مع الفشل الرئوي المزمن، بالإضافة إلى مرض الوالدة في الوقت نفسه.

وأكدت أن الرغبة في العطاء وسرعة التكيف وتفهمها لأسباب رحلتها، جعلها تتقبل الفكرة ودفعها إلى الإصرار على مواصلة تنفيذ المهام اللازمة من أجل غد مشرق تطمح للوصول إليه بكل شغف وشوق وتفاؤل.

وخلال احتكاكها بالشعب الصيني أثرت الدكتورة موزة الكعبي وتأثرت بهؤلاء الناس وبثقافاتهم وتقاليدهم، وقالت: من الصعب أن نجد كماً هائلاً من الثقافات مجتمعة في شعب واحد كالثقافة الصينية، خاصة في جانب وسمات الترابط الأسري والتكافل الاجتماعي الواضح بين أفراد المجتمع، ويميل المجتمع الصيني إلى احترام الإتقان والاجتهاد في العمل، وقد أثر ذلك بلا شك بصورة إيجابية في تحقيق التنمية الاقتصادية الهائلة والملحوظة بين الأمم، حيث يثق الصينيون بأن العوامل الثقافية هي أحد أهم العوامل الرئيسية، التي جعلت بلادهم قادرة على التكيف السريع مع الظروف الاقتصادية والسياسية المتغيرة وبقدر كبير من المرونة.

وأشارت إلى أنه من أبرز صفات الشعب الصين:هو احترامهم العميق لقيمة التعليم، ولا يقتصر هذا على الاحترام فقط، بل تصل إلى إجلال التعليم وتكريس ثقافة الجد والاجتهاد وإتقان العمل الجاد، وغرس قيم التعاون والتآزر والعمل الجماعي فيما بينهم، وللمعلم الصيني هيبته وتقديره واحترامه الخاص بين أفراد المجتمع .

جهود حثيثة للاستفادة من العنصر البشري المواطن

أشادت موزة الكعبي بدور المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه،وما قدمه للبلاد في ظل مسيرتها، التي يواصل بناء نهضتها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وبدور الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وقالت إن الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يبذل جهوداً حثيثة لتعزيز دور المواطنين والمواطنات في مختلف القطاعات، لتحقيق الاستفادة القصوى من العنصر البشري المواطن المخلص لوطنه وقيادته الحكيمة، مشيراً إلى أن توجيهات سموه هي الحافز المهم وراء تميزها ونجاحها في تقديم أفضل ما لديها في خدمة مجتمعها، لذلك فهي تسير بخطوات جادة خلال دراستها في الصين، للحصول على تقدير الامتياز لتحقيق الآمال المعقودة عليها.

وقالت الكعبي إنها نالت شرف لقاء،الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مارس الماضي أثناء افتتاح مركز الشيخ زايد للدراسات العربية والإسلامية في بكين، وحظيت برعاية سموه، مما شكل لها دافعاً كبيراً نحو المزيد من التميز والإنجاز والعمل على إعلاء راية الوطن، حيث وجهها سموه ببذل المزيد من الجهد والمثابرة والاستمرار في العمل مع أهمية وضع التفوق والإنتاج المتميز.

وأوضحت أن دولة الإمارات تدعم كل الجهود للارتقاء بالمرأة في مختلف المجالات وكافة المستويات، لذلك تتبوأ المرأة الإماراتية أعلى المناصب في دولتنا، حيث تتواجد في مختلف المجالات ولها مساهمات ملحوظة في شتى الميادين بالمجتمع، مؤكدة أن الطبيبة الإماراتية هي أهلاً للثقة.

Related posts