راشد النعيمي : المؤسسون أرسوا كيان الدولة وصنعوا تاريخها

موقع الطويين : البيان

حكمة ومآثر المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وجهود مؤسسي اتحاد الإمارات، كانت موضوع حديث وزير الخارجية الإماراتي السابق راشد عبدالله النعيمي، والكاتب والدبلوماسي المحنك، الذي رافق مراحل التأسيس الأولى، في لقاء نظمته أمس جماعة الكتاب بندوة الثقافة والعلوم بدبي، ناقشت فيه كتاب ( زايد..من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد)، الذي صدر عام 1972، ضمن احتفالاتها بالذكرى 41 لليوم الوطني، حيث تحدث عن التجربة الرائدة لاتحاد الإمارات، ومواقف القادة المؤسسين، طيب الله ثراهم، في إرساء كيان الدولة وصنع تاريخها، مفصلاً في طرح توثيقي وسرد قصة إنسان هذا الأرض إلى رسالة عالمية تقرأ بكل لغات السلام والوئام إلى العالم بأكمله والوطن العربي على وجه الخصوص.

لما يعانيه الأخير من أحداث ما زالت تعيش صراعاً يبحث في مفاهيم الوطن، في قراءات تاريخية أوضح خلالها النعيمي أن الكتاب ليس سرداً توثيقياً بل روح للاتحاد نبعت من خواطر راودته عن مؤسس الاتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤمناً أن هذه الشخصية القيادية تجربة استثنائية ساهمت البيئة والتنشئة المجتمعية في بناء تطلعاتها وطموحها نحو بلد يعيش فيه الفرد ضمن معادلة الحقوق والواجبات بسياسة السلام والتراضي والتعايش العالمي. وقد شهدت المحاضرة حضوراً نوعياً تصدره معالي محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي ومعالي أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني، ونخبة من الإعلاميين والمثقفين.

مدرسة التاريخ

“من ناحية اللغة والموضوع والأحداث في كتاب “زايد من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد”، لن يستجيب إلى ما وصلته منجزات الاتحاد في الفترة الأخيرة، ولكنه سيشكل البعض منه قراءات لتنبؤات قائد المسيرة، ومؤسس الاتحاد”، هنا يوضح النعيمي ما تضمنه الكتاب من روح الاتحاد التي وصفها بخواطر شهدها وتعايشت معه، معلناً بها قصة التنشئة الاجتماعية والبيئة السليمة التي لعبت دوراً محورياً في تأسيس تطلعات الفكر المنفتح والمتسامح والحكيم لزايد آل نهيان، طيب الله ثراه.

معتبراً مدينة العين، مسقط التنشئة، مدرسة مليئة بالأحداث، وخاصة مدينة منطقة البريمي وما تم مواجته من حروب صغيرة، بين البريمي والقرى التسع في العين كما كان يسمى في ذلك الوقت. والتي كان يتم مناقشات جزئياتها وما يتعلق بها من تشعبات في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وقال حول ذلك: “في ظل تلك الظروف، وما نقلته التجربه من تداعيات، تشكلت رؤية زايد في أن المنطقة يجب أن تبقى لأهلها، وما يلاقيه الأفراد في تلك الظروف من اضطهاد وحرمان كبيرين، يجب أن تتم إزالتهما.

عبقرية التأسيس

موضحاً أن أوضاع ما قبل الاتحاد دفعت رجلاً فذاً وقائداً ملهماً هو زايد أن يفكر في الاتحاد لتحقيق طموحات كبيرة ويرى في وحدة الإمارات البديل للتخلف، إذ كانت الإمارات في نظر البعض في ذلك الوقت من الدول الرجعية، وبالحكمة والعمل الدؤوب والشاق تم تجاوز تلك النظرة الضيقة، وهذا ما قام به زايد وإخوانه المؤسسون، متخطين كل العثرات الأولى أيام التأسيس، في فترة عرف فيها العالم الكثير من المتغيرات، استطاعت فيها الإمارات قلب كل الموازين.

مؤكداً أن حكمة زايد حولت العدو الى صديق بنهج التسامح والتصالح، في فترة استثنائية، كان فيها ثلث الدول العربية غير موافق على قيام الإمارات، موضحاً أن حكمته عالجت الكثير من المواقف، إذ لم يتخل عن تقديم الدعم ومد يد العون، فكسب قلوب العرب، ونال ثقتهم، حيث كانت تدخلاته حاسمة تركت أثرها الإيجابي، ومن ضمن ذلك إرساله مساعدة مالية إلى مصر في عهد جمال عبد الناصر أثناء العدوان الثلاثي، والتي بلغت 5 ملايين جنيه مصري، مبيناً أن الإمارات تعرضت للكثير من التهديدات في السابق، وظلت دائماً تتحمل الكثير بهدوء، وترد دائماً بيد الخير والسخاء للجميع.

عزم البداية

كما تحدث عن الشيخ راشد ودوره الكبير إلى جانب زايد في قيام الاتحاد، مبيناً أن تولي الشيخ راشد رئاسة الحكومة كانت فترة ذهبية لتصحيح كثير من أخطاء البداية، تطلبت الكثير من العزم والحزم، متطرقاً إلى علاقة الثقة والاحترام التي كانت تجمع بينهما، والتي لم يكن يفهمها كثيرون، حيث لم يكونا مختلفين بقدر ما كانا يفهمان ويحترمان بعضهما البعض أكثر، مؤكداً أن تلك الشيم في خصال القادة أسست نهجاً من التسامح انعكس في الدستور وفي تعامل إمارات الدولة مع بعضها وتعامل أهل الإمارات مع بعضهم.

حيث كان التسامح أساس الاتحاد، فأرست الإمارات لبناتها الأولى على التآخي والتعاون، دون أن يفرض أي شيء على أي طرف، ولا أن تفرض إمارة إرادتها على أي إمارة أخرى مهما كانت صغيرة، موضحاً أن ما وصلت إليه الإمارات بعد 41 عاماً أقرب ما يكون الى المعجزة التي لم تخطر على بال أحد وما نحن فيه وعليه يؤكد أننا نتجه في الطريق الصحيح، إذ بفضل التأسيس الجيد للاتحاد فنحن الآن في وضع أفضل في النواحي التطويرية والسمعة الخارجية ومعرفة العالم لنا، متحدثاً عن هيكلية الاتحاد وما واجتها من تحفظات تتحدت عن طبيعة علاقة كل إمارة مع إمارة أخرى، وهل الحكم سيكون فدرالياً، وطبيعة السلطة المتداولة في كل إمارة، مؤكداً النعيمي أن نفسية التسامح والتصالح لمؤسسي الاتحاد كان لها انعكاس جذري لما دار من منجزات في صياغة الدستور وتأسيس القوانين، من خلال أن تبقى شؤون كل إمارة من اختصاص حاكمها، فيما تتولى الحكومة الاتحادية الشؤون الخارجية، مشكلة طمأنة لإدارة الداخل المحلي لكل إمارة، خالقاً معاهدات جديدة بعهد الاتحاد الجديد، موضحاً أن مجلس التعاون الخليجي قام على نفس الفكرة وهي فكرة التراضي والتعاون.

مشورة إدارية

عن طبيعة العمل مع زايد، قال إنه كان يعمل بثقة مطلقة وبدون تلك الثقة لم يكن بالإمكان اتخاذ قرارات صعبة في مواقف أصعب كغزو الكويت الذي تطلب موقفاً صارماً وقتها، كما كان بينه وبين زايد انسجام وتوارد خواطر أسس لإدارة ناجحة للسياسة الخارجية، فزايد قائد بطموحات تتجاوز الإمارات وحتى الوطن العربي. كما أوضح راشد النعيمي خلال اللقاء أن كم المعرفة الحالي كبير، وأنه مع الانفتاح المعرفي والثقافي شريطة أن يكون مقيداً ذاتياً بالقيم والأخلاق.

بين التأييد والرفض

المساهمة في التعليم، هنا استوقفنا قليلاً النعيمي، في حديثه عن ظروف ما قبل الاتحاد، من خلال اطلاعنا على فكرة دعم الشيخ زايد لمجلس التطوير المنشأ إبان الاستعمار، المتعلق بالتعليم والصحة ونحوها، ولكن بحدود إمكانية إمارة أبوظبي وقتها، إيماناً منه بأهمية التعليم في تحقيق النهضة، لمستقبل المنطقة. وبين أنه بخروج بريطانيا، آمن زايد بالاتحاد طريقاً لعدة محاور أولها: سد فراغ الوجود البريطاني، والطريق الوحيد للبناء الاجتماعي، وتخطي العقبات في كل الاختلافات بين الإمارات في المنطقة، موضـحاً أنـه لم يكن بمعزل عن توجهات الشيخ راشـد، طيب الله ثراه، وحكام الإمارات.

وقال في هذا الصدد، “انفتاح الشيخ زايد على العمل السياسي، أوحى له أن المنطقة يجب أن تتوحد لكي تعيش، بناء على مجموعة من الأسس ومنها خلق علاقة طيبة مع الدول العربية، عبر زيارات و إرسال الوفود، لاستشعار إمكانية التأييد العربي للاتحاد ومستوى إمكانية المعارضة من البعض، خاصة وأن العالم العربي وقتها كان يمر بمرحلة انشقاق كبيرة، وفعلياً كان يصنفنا البعض بين مناطق تقدمية ومتخلفة، والحقيقة الساحة لم تكن بالصفاء والمودة اللذين كان يرجوهما، فقد كان ثلثا العالم العربي مؤيداً للاتحاد فيما عارضه ثلث العرب”.

وأشار النعيمي أنـه بالرغم من المعارضة من بعض الدول إلا أن زايد قابلها بالحكمة والصبر، مقدماً لهم أعذاراً قد تكون أسبابها عدم معرفتهم بأهل المنطقة التي ستشملها الإمارات، مـستثمراً الدبلوماسية والـتأني محققاً عبرها علاقات وطيدة وصديقة مع الدول المعارضة. وذكر النعيمي عدة نماذج لدعم عربي تبناه زايد خالقاً علاقات تعرف الإمارات للعالم العربي والعالم ومنها موقفه إبان العدوان الثلاثي على مصر، وإرساله 5 ملايين جنيه لجمال عبدالناصر، حـيث تساءل عبدالناصر وقتها من هي الإمارات ومن هي شخصية زايد التي أقدمت على هذا الاحتواء الفريد لمفهوم الدعم العربي والإنساني.

 

مناقشات

 

علاقة «السمحة»

لمنطقة السمحة «بين دبي وأبوظبي» وقفة أخرى وهي اللغة التي اعتبرها النعيمي بأنها غير مفهومة، ولم يتقنها إلا شخصان هما المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وحدثنا حول ذلك قائلاً: “علاقة الثقة والاحترام التي جمعت بين الشخصيتين، نموذج نادر، كانا يتكلمان لغة لا نتقنها في الحوار، ويتفقان على أشياء لا نعرفها، بل نطلع على منجزها فيما بعد، وهناك من اعتقد أن بينهما خلاف، ولكنهما في الحقيقة كانا في مستوى عالٍ، والمسيرة الاتحادية تشهد بذلك ومن أبرز الأمثلة: المساهمة في ميزانية الاتحاد وتوحيد القوات المسلحة.

 

المعلم والتاريخ

قدم محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي مقترحاً لراشد النعيمي بتوثيق مسيرة 4 عقود من المشاركة السياسية، إيماناً بأهمية التعلم من التاريخ، وأن الذين لا يعرفون الماضي يكررون أخطاءهم. واعتمد المر في مقترحه على تجربة النعيمي وقدرته الكتابية المسبقة خاصة وأنه مؤلف أول رواية في الإمارات.

إضاءة

 

ولد راشد عبدالله النعيمي في إمارة عجمان عام 1937، ونشأ فيها، أكمل دراسته الجامعية وحصل على بكالوريوس في هندسة البترول من جامعة القاهرة عام 1967، إضافة إلى دراسات في اقتصادات البترول. شغل منصب وزير الخارجية، خلال الفترة من 1977 حتى 2006. وتدرج في الكثير من المناصب بداية قيام الدولة، وفضلاً عن كونه سياسياً ودبلوماسياً محنكاً لراشد النعيمي اهتمامات ثقافية وأدبية، حيث كتب مرات عدة في الصحافة. كما أنه رائد الكتابة الروائية في الإمارات، إذ تعد روايته “شاهندة”، أول رواية إماراتية.

بصمة

مظاهر احتفالية باليوم الوطني

 

شكلت المناسبة في ندوة الثقافة والعلوم، أجواء احتفالية عبر إقدام الحضور في الندوة إلى وضع البصمة الوطنية، وهو برنامج تابع لـ”وطني”، والذي يحمل شعار: “أنا وطني وطني أنا”، إلى جانب عرض إصدارات راشد النعيمي من قبل دار كتّاب للنشر والتوزيع المسؤولة عن إعادة طبع “زايد من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد”.

نهضة

إيمان قائد بالتصدي للتخلف

 

كان زايد يؤمن بأن التخلف تكمن معالجته بالنهضة، حيث تحدث راشد النعيمي في كتابه “زايد من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد”، أنه في 1946 حين أصبح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقتها مسؤولاً عن المنطقة الشرقية. وكتب في ذلك النعيمي: “هنا ظهرت شخصية الرجل المسؤول الذي يفكر في مصلحة شعبه ويهتم بإعلان الحرب على أخطر الأمراض التي واجهت المنطقة، وعلى قمة هذه الأمراض: التخلف، فقد كان يريد نهضة بلاده، ودفعها إلى عالم النور والحضارة.

توثيق

مجهود التأليف في مصادره الأولى

بدأ راشد النعيمي يجمع الصور عن زايد، واكتملت الصور التي أراد تقديمها للناس، ولكنه وقع في حيرة من أمره، وعن ذلك قال، في مقدمة الكتاب عن الأمر: “هل أبدؤها بتاريخ زمني معين، أي أبدأ مع الرجل منذ تولي حكم المنطقة الشرقية وأسير معه في الرحلة حتى يوم أصبح رئيساً لاتحاد الإمارات، فأحياناً كنت أفكر في سرد إنجازات الرجل داخل أبوظبي وخارجها، أي أكتب عن التقدم الذي حدث بسرعة البرق في هذه المنطقة”. وتجاوزت أسئلة النعيمي التي اجتاحته عام 1972، إلى بعد إنساني وثق به جوهر الشخصية القيادية، عبر عنها النعيمي بقوله: “شعرت أن عيني تحولت إلى كاميرا سينمائية تتوقف عند كل إنسان في الجلسة لتسجل له وجهة نظره في زايد”، لافتاً أنه من الوهلة الأولى تبدو الآراء حول زايد ذات مقياس عام، اجتهد في تصنيفها إلى سرد عميق يتناول خلاله مواقفه عبر التساؤلات التالية وهي: فما هو موقفه من مسألة البدو، وما هو موقفه من قضية التخلف، وما هو موقفه من قضية الانفتاح على العالم، وما هو موقفه من قضية اتحاد المنطقة وموقفه من المواطن طفلاً كان أم شيخاً؟

Related posts