“أذن” تاريخ تطرب له الجبال وارتحال سكانها الدوري إلى الأسواق في دبي أو دبا أو رأس الخيمة

246709

موقع الطويين : الخليج

منطقة أذن في رأس الخيمة، سواء اشتق اسمها من صوت الأذان أو لشكلها  الذي يشبه الأذن، أو لأي سبب آخر، فوقوعها ضمن حزام المنطقة الوسطى في  الإمارة ما بين شمال رأس الخيمة ومناطقها الجنوبية، جعلها تتميز عن بقية المناطق . وتفردها بمناخها الجبلي البعيد عن الرطوبة، وبجبالها متنوعة الصخور، جعلها تتميز بسرعة نضوج رطب نخيلها كأول منطقة في الإمارات . 

في أذن، كما في بقية المناطق الريفية مازال شوابها، يتباهون  بماضيهم العريق بما يضم من أيام شقاء وراحة، وانتقالهم من منطقة إلى أخرى، وارتحالهم  الدوري إلى السوق  في دبي أو دبا أو رأس الخيمة .

فيها حصن الأشقر ويقع على تلة عالية تكشف المنطقة بأسرها، كان حصناً دفاعياً، استخدمه الأهالي وقت الحروب الماضية، ومازال قائماً فوق التلة بلا ترميم، يحارب عوامل الطبيعة وحده، ويبثت مدى صلادة وقوة السواعد التي شمرت لبنائه قبل 400 عام، كما هو علامة بارزة مختصرة لتاريخ أذن الضارب بالجذور . 

راشد سيف راشد المزروعي 74 عاماً، مسؤول منطقة أذن، بدأ حديثه عن الماضي بالقول: كنا نكد، ونزرع بصل وخضروات، ونقطع الحطب ونحرقه ليصبح فحما، ونبيعه في سوقي دبي والشارقة التي كنا نصل إليها من خلال الجمال في وقت يستغرق 3 أيام بلياليها، ونحمل معنا الزاد والماء، من تمر وأرز، وسمن وبثيث ولحم مجفف وعوال، وهو سمك مجفف، ويستمر الراحلون بالمشي من فجر اليوم الأول إلى أن يستريحوا فترة الظهيرة وبعدها يختارون لهم مكاناً للمبيت، والبعض يفضل أن يقطع الليل ماشياً ليصل إلى المكان المقصود ويرتاح هناك . 

ويضيف المزروعي: تمر خريطة الطريق إلى دبي من منطقة طوي مهذب في بداية  منطقة سهيلة، ثم الشبحات بعدها منطقة فلج المعلا بعدها الحوية وعشوي وثم  طوي راشد الغربية وغدرة ثم القبرين والتلة، وتختلف الطرق، فالبعض يذهب لسوق دبي والآخر إلى الشارقة .

أحمد الوالي 55 عاماً، أكد أن أذن اشتهرت بنخيلها كونها أول منطقة في الامارات تبشر بها نخيل النغال بعد نخيل سلطنة عمان، نظراً لموقعها الجغرافي بين الجبال وبعدها عن الرطوبة، موضحاً أن نخيل أذن متنوعة، فمنها النغال والمسلي الذي يعد من أجود أنواع الرطب، ويستخدم تمره كعلاج للكسور والعديد من الأوجاع والأمراض، كما اشتهرت اذن برطب الأشهل والخصاب وقش النغال وقش حبش وعين البقر واللولو والجبري .

ويقول علي سالم بن سعيد المزروعي 85 عاماً: كانت اذن عامرة بالطوى “الآبار” العذبة  منها طوى أم العظلم وأم غافة، وعثمان، ومطر، والقريقرة، والمليحة، وثقوب فلج أبو سلية . وكنا نزرع الحب والنخيل والفندال والدخن والبصل والشعير، وطريقتنا في زراعة الحب تختلف عنها في البادية، إذ نعتمد على سقيا الحب أما أهل الجبال فيعتمدون على الأمطار فقط، ونبدأ بأعداد الأرض للهياسة من خلال المسحاة التي تربط على ظهر شخص أو شخصين، يمران على الأرض المخصصة لزراعة الحب ثم تقسم إلى قطع تسمى “يلبة” وتسقى بعدها من خلال اليازرة التي يجرها ثيران لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام حين يثمر الحب يقص في شهر الربيع غالباً ما يكون إبريل/نيسان ثم يتجمع الرجال ليحتشدوا عليه في الينور، لضرب أعواد الحب من خلال  عصي تسمى “القب” .

وتدخل راشد حميد بن  عيسى المزروعي 70 عاماً، قائلاً: كانت الأغاني تتعالى حين يدق الحب وتعطي عزيمة وإصراراً على الانتهاء منه، ومن الأقوال المأثورة التي يتغنى بها الأهالي “هب يا هبوب الرب، شل التبنة وخلي الحب” وهي دعوى للرياح بأن تترك الحب وتأخذ معها التبن وهو اعواد الحب اليابسة . وحين  يحضر الأطفال لعملية دق الحب يعطون منه قليلاً لكل واحد منهم ويوزع على الجيران، ومن ثم  يوضع في “خروص” جمع خرص وهو إناء مصنوع من الطين . 

وأضاف: إن الحب أنواع منه ميساني، وهو أحمر ذو حبة طويلة، وجابري وشلوط حبة صغير،كما يزرع الأهالي سابقاً الذرة والدخن كانوا يصنعون منه العصيدة .

محمد عبيد بن سالم بن عيسى المزروعي80، عاماً، أشار إلى أن الأهالي قديماً كانوا يتنقلون من مكان إلى آخر حسب فصول السنة، فالشتاء يتنقلون فيه إلى منطقة  الحارة التي يقع فيها الحصن، ويزرعون الحب والخضروات اما في الصيف والربيع أو اصفري وهي ما بعد القيض، فيسكنون  في منطقة  الظهرة والمريال في اذن . 

علي محمد حنظل المزروعي 74 عاماً، يقول: أتذكر رجلاً يدعى سيف بن غانم الخنجري  حمل جذع سمرة لوحده  على ظهره إلى أن وصل إلى سوق رأس الخيمة، وقدر وزنها بنحو 30 مناً، وكان الرجال أشداء يتحملون الأهوال من أجل الحصول على لقمة العيش، كان أباؤنا وأجدادنا يعيشون في خيام من عسبق، ويبنون طية أو حامية من الحصى بشكل دائري ارتفاعها 8 أقدام وبعدها يوضعون  شجر العسبق بشكل منظم بحيث لا تتخلله المياه حين تسقط الأمطار، والبعض يعمل “كرين” وهو على شكل خيمة يوضع عليه الدعون من سعف النخيل . واشتهر العديد ممن انشأوا العديد من المنازل القديمة منهم عبد الله بن سالم بن راشد الخيام . وأضاف: كان أهالي أذن مثل جميع أهالي مناطق الدولة يعتمدون على انفسهم حتى في تعليم القرآن، فمنهم من اشتهر بالتدريس والخطابة مثل راشد حميد المطوع المزروعي، ومن النساء كذلك كانت تطبب المرضى بالوسم والتجبير منهن نايعة بنت  خميس .

راشد محمد المزروعي 27 عاماً يقول: “يرجع تسمية أذن نسبة إلى الأذان فقد اشتهرت بمساجدها التي تسمع أصواتها من أماكن بعيدة، نظراً لتوسطها مناطق سكنية عديدة مثل وادي كوب والعيم والعيص، والاغلبية تسمع آذان منطقتنا  . ويضيف، يوجد في أذن حصن عمره أكثر من 400 سنة مبني من حصى ومدر  ويسمى حصن المزاريع أو الحصن الأشقر، في منطقة الحارة، كان حصناً دفاعياً يتجمع فيه الأهالي عند الحروب ويوجد على أعلى تلة في منطقة أذن بحيث ترى المنطقة كلها بشكل واضح .

ومن الأفلاج القديمة في أذن يوجد فلج يسمى أبو سلية، وسمي كذلك لكثرة الشوك في ذلك الوادي الجبلي .

وتوجد غرفة بناها علي بن عبيد الخاطري منذ أكثر من 100 عام، ثم  اشتراها  مع النخل  المرحوم عبيد بن راشد بن غازي  المزروعي، وبقت شامخة بالقرب من  حصن الأشقر .

 ويقول حمدان غازي 63 عاماً، من أهالي أذن سميت أذن كما يقال نسبة إلى شكلها الشبه الدائري الذي يشبه الأذن .

وأضاف: الفلج أبو ثلية كان امتداده تقريباً 3 كيلو مترات، وتتكون الثقوب على امتداده على مسافة كيلو متر، وكانت القبائل تسكن بجانب تلك الثقوب، وهي عبارة عن فتحات علوية  للفلج على شكل فتحة بئر، وأبناء قبائل البدوات والطنيجي والمزاريع قطنوا في تلك المنطقة واعتمدوا على الثقوب في شرب المياه لهم ولحلالهم، وكان الشيخ صقر بن محمد القاسمي، رحمه الله أمر بإصلاح الفلج في الستينات من القرن الماضي، وعين شخصاً يسمى محمد بن ذياب المزروعي رحمه الله مسؤولاً عن صيانته الدورية، وكان الفلج يسقي المزارع ما بين المعترضة والرميلة .

أم راشد، من أهالي أذن عمرها تعدى الثمانين عاماً، تقول: كثيراً من المناطق في أذن ارتبطت بقصة منها “سرب عيشة”، يقع خلف الحارة الشرقية بالقرب من جبل القمر، وهو شبيه بالكهف الصغير في الجبل، يحكى أن امرأة تسمى “عيشة” طلقها زوجها وذهبت إلى منزل والدها الذي ارجعها لمنزل زوجها، وهي تحمل طفلاً، فاتجهت إلى ناحية الجبال، وانتشر خبرها، وظل الأهالي يبحثون عنهما، إلى أن شاهدوا الطفل ميتاً وعليه خرقة فوقها حصاة، وبعيداً عنه توجد أمه التي توفيت وولدها من أثر العطش، فسمي السرب باسمها، والبعض يقول إن عيشة امرأة اتخذت “السرب” أي الكهف مسكناً إلى أن توفيت فيه، فسمي باسمها .

Related posts