“الفزعة” نجدة بلا أرقام .. تكاتف في الأفراح والأحزان

247635

موقع الطويين : الخليج

في قصص الأجداد الكثير من المساحات المفرودة لهذه الأخلاق الجميلة التي كانت تزين حياتهم، وتلون أيامهم القاسية أحياناً بحس إنساني رائع . من خلال هذه الأخلاق التكاتف الاجتماعي الذي كانوا يواجهون به الحياة في الأفراح والأتراح، وهذه القيمة ممتدة إلى أيامنا بشذاها وأصالة وجودها . هذه هي الفزعة التي قد لا يعرفها البعض من أبناء هذا الجيل، لكنها موجودة، خاصة في المناطق الريفية، حيث الجماعة هي السند الأقرب إلى الفرد في كل المناسبات .

تعود أخلاق الفزعة إلى التربية والبيئة الاجتماعية، إضافة إلى الارتباط بالدين، حسب محمود الخطيب “صاحب شركة” ويقول: تظهر الفزعة في المناسبات الاجتماعية المختلفة كالأفراح، حيث يقوم الجميع بدعم العريس ليهونوا عليه عبء مصاريف الزواج، وفي حالات المرض أيضاً عندما يحتاج أحدهم لعمل جراحي أو لعلاج مكلف ووضعه المادي سيئ، وحتى في المشاكل نجد الفزعة أيضاً حيث اعتاد الناس أن يردوا العداء بالتكاتف، وهنا تختلف المفاهيم إذ يرى البعض أن عليه أن ينصر أخاه سواء كان ظالماً أما مظلوماً، لكن أهل الحق يعلمون أن نصرة الظالم تعني رده عن الظلم .

وعن الدافع الذي يغذي مظاهر التكاتف الاجتماعي كما يسميها، يرى حسين عبدالله “موظف” أنها نوع من الاتفاق الانساني الضمني الذي يقوم على قيم الجماعة كونها مصدر إلزام جمعياً ودرع حماية لا يستطيع الفرد التخلي عنه، فالانتماء شيء أساسي في حياة الانسان، وقديماً كانت القوانين الاجتماعية أكثر سطوة على الناس كونهم مرتبطون بالجماعة وبالبيئة .

 وعن الوضع اليوم، يقول: تغير هذا الواقع بشكل كبير ولكن الأخلاق لم تتغير برأيي، فهي عائدة لحضور الضمير الإنساني والتربية، المعايير قد تتغير، لكن الأساس الذي تقوم عليه التربية ثابت إضافة إلى أن هذه المظاهر مرتبطة أساساً بطبيعة الانسان الخيرة، وهي أحد أشكال التعبير عنها .

يصف أحمد ناصيف “صاحب شركة الأمانة للنقل البري العام” مظاهر الفزعة، وجمالية حضورها في العادات الاجتماعية في الريف، ويقول: جرت العادة في الأرياف على أن يقوم الناس بتقديم (النقطة ) للعريس وهي مبلغ من المال حسب القدرة المالية لكل شخص، ليساعدوه في سد مصاريف الزواج، أو يتفق المقربون منه فيما بينهم ليفرشوا له المنزل، فيقوم كل منهم بشراء القطع التي يقدر على شرائها، وتختلف هذه الظاهرة مابين منطقة وأخرى ولكنها ما تزال سارية في كثير من الأماكن .

أما بالنسبة للفزعة في المشاكل فيقول إنها في بعض العائلات تبرز بشكليها المادي والمعنوي، فقد تكون من خلال التكاتف لصد عدوان، أو قد تكون في دفع مبلغ مالي يتم فرضه على كل أبناء العائلة لتوفير (الدية) عندما يكون هناك حادثة قتل ويطلب الطرف الآخر مبلغاً من المال ليسقط حقه، كما أن هناك عائلات كبيرة تخصص صندوقاً ويكون مفروضاً على أبناء هذه العائلات دفع مبلغ صغير ثابت شهرياً لضمان الفزعة .

وتختلف مظاهر الفزعة بين منطقة وأخرى حسب منية عبدالكريم “موظفة مبيعات” فهي ترى أن المناطق الشعبية أكثر احتفاظاً بهذه المظاهر، التي تختفي تماماً في الأحياء السكنية الحديثة والراقية .

وتفسر وجود هذه الفروق الواضحة بين أخلاق وعادات الأحياء الشعبية والراقية بتفضيل الثانية الراقية معايير الحرية الشخصية التي تدفع بهم إلى الأنانية والعزلة عن الآخر غالباً، بينما يفكر أبناء الأحياء الشعبية والفقيرة بحاجتهم للمساندة كونهم لا يشعرون بالقوة المادية، لذا يعوضون عنها بدعم الجماعة .

فريد علي فريد نصار “مدير التحصيل في شركة الخليج للتمويل” يرى أن الفزعة مرتبطة بالتربية، ويقول: تربينا على أنها جزء من عاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها عن أجدادنا، وهناك الكثير من القصص المحكية في هذا الصدد، وهي تعني لنا جملة من المفاهيم الجميلة والرائعة عن المساندة الاجتماعية .

وعن اختلاف أخلاق الفزعة بين الحاضر والماضي، يرى أن الخصوصية قتلت الكثير من العادات الجميلة ومنها الفزعة، فهناك الكثير من الناس الذين يحتاجون إليها من دون أن يدري عنهم أحد، وهذا بسبب الخصوصية والانغلاق على الذات عكس ما كان سائداً في الماضي .

وهناك بعض السلبيات للفزعة التي تتمثل، حسب وجهة نظره، بإدارة هذه الأخلاق الجميلة والإيجابية وتجييرها نحو الشللية خصوصاً فيما يخص المشاكل بين الشباب، إذ ازدادت هذه الفئوية، أو المفهوم الخاطئ للفزعة في بعض المناطق التي يغيب فيها الشعور بالأمان .

مظاهر الفزع اختفت إلى درجة كبيرة، واقتصرت ربما على المناسبات والأعراس، حسب سمية علي “معلمة” فهي ترى أن الفزعة لم تعد موجودة كما كانت في السابق بسبب تأثير أخلاق العولمة التي دفعت الناس إلى الانغلاق على الذات، والانفتاح على التكنولوجيا، إضافة إلى انتشار الأمان الذي يغيّب الشعور بالخطر، وهو الأساس الذي يدعو الجماعة إلى التكاتف عند الحاجة لها . وتوضح مثلاً أن التأمين الصحي ألغى الحاجة إلى التكاتف في حالات المرض .

وتضيف: في الماضي كانت الحياة بسيطة وكان الناس يشعرون بالأمان الداخلي، عكس الوضع الذي نعيشه اليوم فالأمان الآن سطحي ومخادع، مثلاً كان من يجد لديه فائضاً من المال يحتفظ به حتى يجده إن مر هو أو أحد من يعرفهم بضيق، لكن اليوم نجد الناس يفكرون بالدرجة الأولى بزيادة مكاسبهم وبتشغيل أي مبلغ زائد، ليجلب لهم مزيداً من المال .

ويضيف د . موسى شلال، مدرس علم الاجتماع في جامعة الإمارات، الفزعة، نوع من التكاتف الاجتماعي تفرضه ظروف معينة، موضحاً أنها تعني الإسراع إلى نجدة الناس وتلبية حاجتهم، وهي موجودة منذ زمن الجاهلية، وزادها الإسلام قوة بعد مجيئه حيث زكاها بالصدقة ليدفع الناس إلى الشعور ببعضهم بعضاً .

وأما عن دوافع الناس للفزعة، فيضعها الشلال في ثلاثة محاور رئيسة تتمثل في شح الموارد لذلك يتقاسمها الناس، والتنافس والنزاعات على الموارد الشحيحة أو المحدودة .

وعدم ضمان الدخل، وهذا يفسر، انتشار الفزعة في الأرياف مثلاً، أو في المجتمع القديم عموماً، حيث لم تكن هناك إمكانية السيطرة على الدخول كما هي الحال الآن .

Related posts