قلعة البثنة رمز الفجيرة التاريخي … تحرس قرية أثرية متكاملة

2217115494

3982549054
المرحوم : سعيد الحمر اليماحي

موقع الطويين : الخليج

حين تذكر القلاع في الإمارات، يشار إلى واحدة شهيرة في إمارة الفجيرة اسمها “قلعة البثنة”، وهذه بحسب ما يرد في وصفها في أكثر من مصدر، كان لها دور كبير في حماية المنطقة من الهجمات الاستعمارية .

تقع قلعة البثنة على بعد مسافة 13 كيلومتراً تقريباً غربي مدينة الفجيرة بين سلسلة من الجبال على طرفي وادي حام والحيل، وتطل على عدد كبير من الواحات الزراعية، وتتكون من مبنى رئيسي مخروطي الشكل من ثلاثة طوابق تعلوها أجزاء هرمية الشكل لأغراض دفاعية .

مضى إلى الآن نحو 270 عاماً على إنشاء هذه القلعة التي شيدت عام ،1735 غير أن اللافت في بنائها هو التصميم المعماري المميز، والمواد المستخدمة في البناء، والبثنة لا يمكن دخولها إلا من خلال باب صغير لا يزيد ارتفاعه على متر واحد، ويؤدي هذا الباب إلى فناء كبير، ومن ناحية ثانية، فقد كانت الحجارة المادة الرئيسية في بنائها، وهي ذات موقع خاص في المدخل الرئيسي لإمارة الفجيرة، وقد حظيت طوال تاريخها بالاهتمام نظراً لدورها في حماية الإمارة من المخاطر الخارجية، وسميت البثنة لأنها بمثابة الحصن الواقي وهي تستقر في منطقة جبلية تشرف على الوادي الذي يمتد بامتداد الإمارة .

يحيط بجانبي القلعة برجان كبيران يزيدان من جمال شكلها الخارجي، أما جدرانها فمملوءه بالفتحات التي كانت تستخدم من قبل المدافعين عنها لصد أي هجوم خارجي، ويشتمل قمة أحد أبراجها على فتحة تتسع لأعداد كبيرة من الحراس، وتتخلل جدرانها فتحات لتعزيز إجراءات الدفاع عن القلعة، التي تعتبر من القلاع المتينة والتي لاتزال حتى الآن في حالة جيدة، ولكنّ هذا لم يمنع المختصين من مواصلة الترميمات والإصلاحات للمحافظة عليها، وقلعة البثنة تختلف عن قلعة الفجيرة كون الأخيرة شيدت بأحجار الجرانيت وأحجار أخرى نارية .

والقلعة بما ترويه الوثائق التي عثر عليها من العلامات المضيئة الشاهدة على عراقة التاريخ وحرص الأجداد الأوائل على بذل الغالي والنفيس لتشييد المدن والحدب عليها، وتقديمها للخَلَف تحفة معمارية تستحق الرعاية والتأمل .

تعتبر قلعة “البثنة” من أكثر القلاع ثراء من حيث المكتشفات الأثرية، ومن المدافن التي تم اكتشافها من قبل البعثة الفرنسية للآثار في تسعينات القرن الماضي، ما يشير إلى قرية أثرية متكاملة، حيث عثر على مواقع شبه متلاصقة لا يفصل بينها سوى مسافات بسيطة وتقع خلف القلعة، أما تاريخ هذه القرية الأثرية، فيعود إلى نهاية الألف الثاني وبداية الألف الأول قبل الميلاد، وبسبب هذه الأهمية التاريخية التي تتميز بها البثنة قامت دائرة الآثار والتراث في الفجيرة بتوفير كل ما يلزم من معلومات، كما تعاونت مع البعثة الفرنسية لاكتشاف المزيد من الآثار في المنطقة، حيث القرائن والأدلة التي تفيد بوجود آثار أخرى بالقرب من القرية ستعمل البعثة على كشف النقاب عنها لمعرفة تاريخ هذه المنطقة بدقة، وعثر علماء آثار سويسريون في عام 1987على مكتشفات أخرى من الأحجار، عليها نقوش بارزة تأخذ شكل الثعبان يعود تاريخها أيضاً إلى الألف الأول قبل الميلاد .

حول البثنة كأثر تاريخي عريق صدر مؤخراً عن مطبوعات هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام كتاب مهم تحت عنوان (قبور ما قبل التاريخ في البثنة) من تأليف “بيير كوربود” وآخرين، وترجمة بدر الدين محمود .

الكتاب مخصص لتاريخ الحفريات في الفجيرة، وهو يشكل مادة توثيقية معمقة لكونه يكشف عن مرور حضارات بشرية عديدة على أرض الفجيرة، كونها تمتاز بموقع استراتيجي خاص، وقد كانت موئلاً خصباً للعديد من الشعوب نظراً لانفتاحها على البحر واستنادها إلى سلسلة من الجبال الحصينة التي كانت توفر الأمان لقاطنيها إضافة إلى إمكانية استخدام السهول الشاسعة من جهة أخرى كمصدر زراعي يوفر الغذاء .

مؤشرات الاستيطان في هذه المنطقة بحسب الكتاب، محددة بمواقع تعود إلى ما قبل كتابة التاريخ، وأيضاً في مجموعة القبور التي تم التنقيب عنها في أحد المواقع المرقم ب ،14 وهناك الهياكل الأثرية السابقة لفترة الإسلام والواقعة جنوب وادي حام، وهو الوادي الذي يحتضن البثنة .

وعمد المؤلف الذي يبدو أنه آثاري متخصص إلى تتبع التسلسل الزمني للمنطقة وجغرافيا الأرض وهندستها، كما أنه وضع بحثاً موسعاً حول آثار المنطقة بما في ذلك المستوطنات البشرية التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، وظروف الاكتشافات وحالة القبور المكتشفة، من حيث معماريتها، وما يحيط بها من مدافن .

الدراهم الخمسة

قبل إعلان اتحاد الإمارات عام 1971 لم يكن للبلاد عملة نقدية خاصة، بل كان الاعتماد قائماً على عملات متداولة في بلدان شقيقة مجاورة مثل قطر والبحرين والسعودية أو بلدان صديقة مثل الهند أو عملة دولة مسيطرة في ذاك الزمان مثل بريطانيا، ولكن، مع قيام دولة الاتحاد قررت القيادة الإماراتية حينذاك اتخاذ خطوات عملية لإصدار عملة خاصة بالدولة الجديدة تأكيداً لاستقلاليتها ودعماً لاقتصادها الوطني وتعزيزاً لمكانتها بين دول العالم، حيث أوكل الأباء المؤسسون للدولة الاتحادية وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله مهمة الإصدار النقدي الأول للدولة في مايو ،1973 فكانت أول عملة وطنية ورقية من فئة الدراهم الخمسة، وحملت صورة لقلعة البثنة، تلك القلعة التي حملت اسم قرية نائية في إمارة الفجيرة آنذاك .

كما كانت هذه العملة الوطنية بداية لشهرة قلعة البثنة العريقة ويرد في تاريخها أن آخر شخص عمل حارساً لها كان المرحوم سعيد الحمر اليماحي .

Related posts