“وم” صفحة ناصعة من كتاب الماضي وتقع شمال الفجيرة على الحدود مع عمان

355

موقع الطويين : الخليج – بكر المحاسنة

تطل من بين أشجار النخيل المتفرقة بعض المنازل القديمة التي تعود إلى مئتي عام من الزمان، تتخللها حظائر وعشش مبنية من الحجارة وخوص النخيل، تشير هذه المنازل إلى بداوة الحياة في هذه المنطقة خلال هذا الوقت، إنها قرية “وم” التي تقع على بعد 160 كيلومتراً شمال الفجيرة بمحاذاة الحدود مع سلطنة عمان، وتتميز إضافة لمعالمها القديمة بالروابط الاجتماعية بين سكانها عائلة واحدة هي عائلة “الحفيتي” .
اشتهر سكان قرية “وم” قديماً بممارسة أعمال الزراعة وخاصة زراعة أشجار النخيل وجمع الحطب من الجبال العالية وتربية الحيوانات باعتبارها المصادر الأساسية لتأمين الرزق الكريم، ولايزال الأبناء والأحفاد يحافظون على المنازل التراثية القديمة والحظائر والعشش المبنية من الحجارة وخوص النخيل لأنها تمثل لهم ماضي الآباء والأجداد، ولايزال أهل القرية يحرصون على زيارة هذه البيوت ولم ينقطعوا عنها أبداً . “الخليج” زارت القرية حيث استقبلنا علي سعيد الحفيتي وأطلعنا على طبيعة المكان وتوقف بنا عند البيوت القديمة التي نشأ فيها أهلها منذ مئتي سنة قبل انتقالهم في فترة الثمانينات إلى منازل حديثة ذات طابع حضاري بناها لهم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله . وقال إن هذه القرية القديمة تعد من أقدم القرى في الفجيرة ويتسم سكانها بالمودة والتعاون مع بعضهم بعضاً على السراء والضراء .

أنشطة السكان

يقول الحاج علي راشد محمد الحفيتي الذي يبلغ من العمر 77 عاماً: “عاصرنا في هذه القرية ظروفاً صعبة وقاسية في الماضي، خاصة قبل قيام اتحاد الإمارات الذي قاده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث كانت القرية قديماً تتألف من 50 مسكناً عشنا فيها على القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية العربية العريقة، وكنا نعتمد بشكل أساسي في حياتنا على جمع الحطب من الجبال العالية وزراعة أشجار النخيل، ولسد حاجتنا اليومية كنا نزرع الذرة والبصل والطماطم وحبوب البر وغيرها من الخضراوات التي كان يتم بيعها أو مقايضتها من خلال رحلة شاقة إلى أسواق دبي والشارقة مروراً بطريق وادي الفاي والطويين بواسطة الجمال أو الحمير وفي معظم الأحيان تتم رحلة التسويق على الأقدام إلى مدينة دبا الفجيرة، حيث تتم مقايضة منتجاتنا ببضائع أهالي القرية من زيت ودقيق وملح وبعض الأقمشة وغيرها من الاحتياجات . 

التمسك بالأخلاق

أما الحاج أحمد محمد علي الحفيتي فيقول إن صعوبة الحياة في الماضي أعطت للمرأة الدور الأكبر للقيام بالكثير من الأعمال ليس فقط في البيت وتربية الأولاد وإنما كانت تقوم برعي الأغنام وحلبها ورعاية المزروعات وكانت تعلم الأولاد أصول العلاقات والروابط الاجتماعية التي نشأت عليها لتعويدهم عليها .
ويضيف: “رغم عيشنا ظروفاً قاسية وصعبة إلا أن جميع أهالي القرية كانوا متعاونين ومحافظين على العلاقات والروابط الاجتماعية والأخلاق القويمة التي نفتخر بها ونعمل على زرعها في نفوس أبنائنا وأحفادنا ليعيشوا متحابين ومتعاونين” .

زراعة النخيل

يقول الحاج حمدي علي أحمد: كنا في الماضي نعيش بأقل القليل لعدم وجود أي مصادر رزق ما عدا جمع الحطب وتربية الحيوانات وأعمال الزراعة البدائية حيث كانت العشر روبيات كفيلة بمصروف أسرة كاملة طول أيام الشهر ويرجع هذا لوجود البركة بين أهالي القرية ووجود المحبة بين الجميع .
وعن الزراعة في “وم” يقول: “تميزت القرية بتربتها الجبلية القاسية والتي أبعدت الأهالي عن مزاولتها بشكل سليم لكن انصب اهتمامهم بدرجة كبيرة على زراعة أشجار النخيل الموجودة في الوادي الكبير في المنطقة معتمدين في ذلك على الأفلاج المائية في أعالي أسطح الجبال وعلى موسم الأمطار الذي يتسم بالغزارة لري هذه الأشجار، علاوة على تربية الحيوانات المختلفة .
ويقول الحاج سعيد علي خميس: إن المنازل القديمة الموجودة في القرية تحكي أمثلة حية لطبيعة الحياة قديماً في قرية “وم” حيث كانت كل أسرة تعيش داخل حجرة واحدة محاطة بسور ترابي مطعم بالحجارة والحصى وكانت تربية الحيوانات مثل الأغنام والإبل والأبقار تتم داخل حظيرة القرية الكبيرة المخصصة لجميع حيوانات الأهالي .
وأضاف أن جميع أهالي قرية “وم” ينتمون لقبيلة واحدة وهي قبيلة الحفيتي وهي قبيلة عربية أصيلة، نشأ جميع سكانها في الماضي على توطيد الصلات والروابط الاجتماعية الأصيلة القائمة على مبدأ المحبة والتعاون فيما بينهم وهذه من الأمور التي نعتز بها منذ القدم لأنها تحقق العيش بأمان ومحبة وتعاون بين الجميع .
يقول سعيد علي الحفيتي: “كانت الحياة في الماضي بسيطة إلا أننا تعرضنا في سنة 1972 لطوفان من سيول مياه الأمطا وأثر ذلك في مساكن الأهالي لأنها مبنية من الحجارة والطين وجريد النخيل ما أدى إلى انهيارها وتضرر أيضاً المسجد الصغير الذي انهار سقفه بسبب قوة الأمطار والرياح في ذلك الوقت وهو المسجد الوحيد في القرية .
بعد الطوفان بأيام معدودة فوجئنا بزيارة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، حيث قدم كل المساعدات والاحتياجات للأسر المتضررة من الطوفان وأضاف: “انتقلنا بعد ذلك للعيش في بيوت جديدة في عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه .
ويقول الحاج أحمد محمد الحفيتي: “تغيرت أوضاعنا المعيشية من الحياة الضيقة والصعبة إلى الأفضل عندما انتقلنا من البيوت القديمة إلى البيوت الحديثة المجهزة بخدمات المياه والكهرباء والمواصلات والطرق المعبدة كافة” .

التعليم

عن التعليم في القرية يقول عبدالله محمد عبدالله: كان يتم على يد المطوع حيث لم تكن هناك مدارس وكان يعلم الأبناء القرآن الكريم والقراءة والكتابة إضافة إلى بعض التعاليم الدينية والاجتماعية ليتمكن الأبناء من تطبيقها في واقع الحياة .
ويقول راشد علي راشد: شهدت القرية تحولات كبيرة تغيرت الحياة فيها من البدائية إلى التمدن وكان هذا التحول الكبير سبباً في تطور بناها التحتية عقب قيام دولة الاتحاد التي أرسى دعائمها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه حيث شيدت البيوت الحديثة وتوفرت الخدمات كافة التي تمكن جميع أهالي القرية من العيش الكريم .
أما حمود راشد علي يقول: إن القرية شهدت تطوراً كبيراً في الخدمات كافة، شمل الكهرباء والمياه والمواصلات والطرق داخل المنطقة وخارجها وشيدت المدارس للأولاد والبنات .

Related posts