“صفد” في إمارة الفجيرة .. خضرة بين القمم تحيط بها الجبال الشاهقة

355 (3)

355 (4)

موقع الطويين : الخليج – بكر المحاسنة

بين الجبال الشاهقة الملونة والمزارع والبساتين المثمرة تقع قرية صفد التي تبعد نحو20 كيلو متراً شمال غرب مدينة الفجيرة . تضم مشاهد رائعة لطبيعة جبلية جميلة تجبر الزائر على التوقف للتأمل في روعه المنظر حيث تمتاز بجمال جبالها العالية شديدة الانحدار وبروعة وديانها وبهاء أشجارها ومساكنها الحديثة الواقعة بين أحضان الجبال . 
وتعد قرية صفد واحدة من أكثر الأمكنة ألفة، وقرباً، ودفئاً، حيث تتفاعل مع زائريها عند أول زيارة، فتتفتح دفاتر تاريخها، بكل تجليات اللون الأخضر الذي يعلن عن نفسه بأشجار النخيل والسمر ونباتات السدر . 
تشتهر القرية بوجود عدد كبير من أشجار النخيل والسدر المعمرة وبوجود عدد من الكهوف الجبلية التي استخدمها الأهالي قديماً للسكن في مواسم هطول الأمطار .
تمتاز صفد بوجود عدد من بقايا المساكن القديمة المبنية من الحجارة والطين المطعم بالحصى والتي عاش فيها سكان القرية قديماً وهم من قبيلتي الحفيتي والهنقري وهم من الجذور العربية الأصيلة . 
اعتمد أهالي صفد في معيشتهم على تربية الماشية والأبقار وجمع العسل البري من كهوف الجبال ومن على أشجار السدر والسمر إضافة إلى زراعة أشجار النخيل والعديد من الخضراوات والفواكة وحبوب البر والشعير والتبغ والذرة اعتماداً على مياه الأمطار والوديان والآبار داخل باطن الأرض والتي تعدد انتشارها بالمنطقة كما واعتمد بعض أهالي صفد قديماً في تأمين مصدر رزقهم على التجارة من خلال الرحلات التجارية إلى أسواق الشارقة ورأس الخيمة كما اعتمد بعضهم على القيام ببعض المهن التقليدية الشعبية . 
“الخليج” زارت المنطقة التي حظيت كغيرها من المناطق والمدن باهتمام الدولة منذ إعلان دولة الاتحاد حيث انتشرت المساكن الحديثة بالمنطقة وتعبدت الطرق وتوفرت خدمات الكهرباء والماء والاتصالات وغيرها من الخدمات التي جعلت الأهالي يعشون حياة أكثر سعادة وهناء من الماضي .
عن الفرق بين الحياة في المنطقة قديماً وحديثاً يقول: الوالد عبدالله محمد عبدالله الهنقري (84 عاماً): “أهالي صفد يتمكسون بهوية الأرض وبكل ما هو قديم حيث ما زال العديد من أهالي القرية محافظون على بيوت أجدادهم القديمة وعلى بعض العادات والتقاليد المتوارثة من الآباء والأجداد بالرغم من مظاهر الحياة الرغيدة والرفاهية” . 
وعن صفد قديماً يقول: “كان بعض أهالي صفد يعيشون قديماً في الكهوف الجبلية وبعضهم الآخر في منازل مبنية من الطين والحصى تحت سفوح الجبال في منطقة الحارة القديمة فيها أشجار نخيل كثيفة وأشجار سدر وسمر معمرة ويكثر في المنطقة آبار المياه العذبة الموجودة داخل باطن الأرض أي ما يسمى “الطوي” التي حفرها أهالي المنطقة منذ مئات السنين، وسكنوا حولها وارتووا منها واستخدموا مياهها في ري المزروعات” . 
وأضاف: “تشتهر القرية بوجود العديد من الأودية التي تجري بها المياه المنحدرة من أعالي الجبال والمناطق المجاورة لها في مواسم هطول الأمطار وتشكل منظراً رائعاً وجميلاً يشد الأبصار ومن هذه الأودية وادي صفد الكبير والرحيب والشعبة والينور والثيب وكل هذه الأودية ساهمت في انتشار المزارع الخضراء ما جعلها منطقة طبيعة خلابة تعرف بأشجارها المعمرة وخصوبة أرضها الصالحة لزراعة كافة المحاصيل الزراعية والأشجار، لذلك اعتمد الأهالي في معيشتهم وبشكل أساسي على زراعة أشجار النخيل وبعض الخضروات والفواكة ومحاصيل البر “القمح” في الوعوب الجبلية التي كانت بعيدة نوعاً ما عن المساكن وما زال بعض الأهالي يزرع حبوب البر في مواسم هطول الأمطار في الوعوب ويجمعونه في الينور وهي المنطقة المنبسطة النظيفة والخالية من الحصى ونقوم بدقه بواسه العصي لتتناثر أعواده ويخرج القمح من سنابله كما أن بعض الأهالي يقومون بزراعة الطماطم والبطاطا الحلوة واليح “البطيخ” والعديد من المحاصيل الصيفية .
يقول علي بن أحمد بن علي الحفيتي: “أهالي قرية صفد قديماً لا يتجاوزون 30 ألف نسمة يعشون في الكهوف الجبلية بالمنطقة ومنازل الطين وبيوت العريش وبعض الأهالي قدموا من منطقة الطويين وتركزوا في صفد . ويعيش حالياً بالمنطقة قبيلة الهنقري والحفيتي . 
وأوضح أن قبيلة الحفيتي ترجع السبب في تسميها إلى جبل حفيت في مدينة العين لكن هاجر الجد الأكبر من جبل حفيت إلى المنطقة الشرقية في الفجيرة وسكن في منطقة الطويين الواقعة شمال غرب، وعندما سأله أهل منطقة الطويين من أنت أجابهم بأن اسمه راشد وقادم من حفيت، ومن ذلك الحين أصبحوا ينادونه براشد الحفيتي نسبة إلى المنطقة التي قدم منها، ثم تكاثرت القبيلة فأصبحت من أكبر القبائل في الفجيرة عدداً وانتشارا” .
ويشير الحفيتي إلى أن أهالي صفد يشتهرون منذ القدم بالشجاعة والكرم والضيافة وشدة البأس ومساعدة الضعيف والصديق وقت الحاجة ويعيشون على التعاون والمحبة والترابط فيما بينهم على الخير والشر . وهذه من العادات والتقاليد التي ورثناها عن الأجداد وهي تمثل مختلف أوجه الحياة الاجتماعية التي جعلت أهالي صفد والمناطق المجاورة يتميزون بها وتعد من أبرز العادات التي نعتز بها حتى وقتنا الحاضر بالرغم من التطور الهائل والسريع الذي حدث في القرية حيث إن جميع الأهالي يحافظون على العادات والتقاليد العربية الأصيلة كما يمارسون المهن التقليدية القديمة مثل صناعة الأدوية الشعبية القديمة والطب الشعبي الذي يستخدم الأعشاب الطبية، كما أن بعض الأهالي يمارسون أسلوب العلاج بالمسح بواسطة الزيوت والمواد الطبيعية لأوجاع الظهر والمفاصل والأرجل .
وهناك العديد من نساء القرية يمتهن الحرف القديمة على الرغم من اندثار بعضها إلا أنهن حرصن على إحيائها ومنها مشغولات سعف النخيل وتجميع قطع التراث وصناعة الزي الشعبي الإماراتي . 
وعن تسمية صفد بهذا الاسم يقول محمد أحمد الحفيتي: “كان متعارفاً عليه من الأجداد والآباء وبعضهم أعاد سبب التسمية إلى إحاطة الجبال الشاهقة من كافة الجوانب ما جعلها منطقة مقيدة أو مصفدة وأصبح هذا الاسم مشهوراً لدى الجميع حتى وقتنا الحاضر” .
وأضاف: “عشنا في الماضي ظروفاً صعبة وقاسية بسبب طبيعة المنطقة الجبلية القاسية ولعدم توافر الخدمات والمساكن الحديثة إلى أن انتقلنا بعد قيام دولة الاتحاد الذي قام به المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه حكام الإمارات إلى العيش في حياة سعيدة، ومنذ تلك الفترة تغيرت حياة جميع الأهالي والكل انتقل من الحياة الصعبة والقاسية إلى السعادة والراحة حيث قام المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم – رحمه الله – بتشييد مساكن شعبية غلب عليها الطابع المعماري الحديث ومازلت الحكومة تقوم بتقديم كافة الخدمات للمنطقة حيث قامت بمد أنابيب المياه وأدخلت الكهرباء والاتصالات وتعبدت الطرق الداخلية والخارجية للقرية” . 
ويضيف: “كنا في الماضي نعتمد بشكل أساسي على الزراعة وتربية الأغنام وجمع العسل البري من كهوف الجبال وجمع الحطب وصناعة السخام “الفحم” لسد متطلباتنا اليومية من خلال زراعة أشجار النخيل والهامبا والحمضيات والبصل والطماطم وزراعة حبوب البر والشعير والذرة وغيرها وكنا نقايض هذه الخيرات مع التجار الذين كانت قواربهم ترسو على الساحل البحري لمنطقة مربح أو قدفع مقبلة من بندر عباس محملة باحتياجات الأهالي من قهوة وأرز ودقيق وزيوت وأقمشة واحتياجات النساء وغيرها .
وكان بعض التجار يفضلون القيام برحلاتهم التجارية بأنفسهم متجهين إلى أسواق الشارقة ورأس الخيمة حيث ينطلقون عقب صلاة الفجر عبر منطقة مدحاء التابعة لسلطنة عمان أو عن طريق دبا الفجيرة ومسافي ومن ثم يتوجهون إلى مقاصدهم التجارية ويبيعون الأغنام والماشية ومحاصيل التمور والعسل البري والسمن البلدي إضافة إلى المحاصيل الزراعية الجافة مثل الذرة والبر والشعير مقابل العديد من الروبيات أو يقوم بعضهم بمقايضتها مقابل بعض احتياجات الأهالي . ويستخدم التجار في الرحلات الخيول أو الحمير” .
يقول محمد عبدالله الهنقري أبو سيف: “صفد من أبرز المناطق الساحرة في الفجيرة حيث تتميز بالطبيعة الجبلية الخلابة تحيطها الجبال الملونة ومن أشهرها الرحيب الواقع في الجهة الغربية للمنطقة والشعاب الواقعة في الجهة الشمالية كما تتميز بكثرة الوديان التي تجري المياه فيها في أيام هطول الأمطار لذلك قامت الحكومة بإنشاء سد ليحفظ المياه التي تنحدر من أعالي الجبال وأسهم في المحافظة على الثروة المائية للمنطقة لري المزروعات المختلفة فأصبحت من أكثر المناطق المعروفة بزراعة أشجار النخيل والليمون والهامبا والحبوب المختلفة” . 
يقول أحمد أبو جاسم: “المنطقة ترقد في حضن الطبيعة الخلابة وعلى ضفاف واد كبير ودخولها عبر طريق محاط بالجبال العالية والرائعة في التكوين والخلق وتمتاز بجفاف المناخ وعدم وجود رطوبة على مدار السنة، كما تتماز بأنها حيوية وشديدة الهدوء والخضرة الدائمة لاهتمام الأهالي بالزراعة وكل ما يخدمها لكي تحافظ على طبيعتها الجميلة .

Related posts