أخوة الرضاعة ظاهرة تنقرض .. البدائل وعمل المرأة أبرز الأسباب

355304746

الرضاعة لغير الأبناء، أو من غير الأم، أو كما يمكن تسميتها «الرضاعة بـالقرابة»، ظلت شائعة قديماً في منطقة الساحل الشرقي خصوصاً، وفي مناطق أخرى من الدولة على وجه العموم، كما كانت تعد دخلاً إضافياً لدى البعض، فهناك العديد من النساء اللواتي أرضعن عشرات الأطفال، ونسمع دائماً بالكثير من قصص البر والوفاء لبعض الأشخاص من جانب أبناء الرضاعة، تفوق ما يقدّمه لهم الأبناء من أصلابهم.

«مشروع الرضاعة» كقناعة مجتمعية، وسلوك محمود ومستحسن بين الناس، يبدو أنه قد توقف أخيراً في منطقة الساحل الشرقي وسواها، ولم يعد يحظى بمنزلة كبيرة كما في السابق، رغم أهميته الدينية والصحية، التي تهدف في الوقت ذاته، إلى تقوية الروابط بين من يرضعون من ثدي واحد.

هذه الظاهرة كما كانت تسمى في ما مضى، تشهد في الوقت الحالي تحفظاً من قبل كثير من الأهالي، وحتى بين الأقارب؛ ذلك لأسباب متنوعة يأتي في مقدمتها الوعي العام من قبل أفراد المجتمع، لما قد يسببه ذلك من تضارب في الآراء حول التثبّت من الرضاعة، خاصة إن تعلق الأمر في أمور الخطوبة والزواج، إلى جانب توفر البدائل المثلى كالحليب الاصطناعي، ليبقى هذا المشروع في أضيق الحدود، وإطاره يقتصر على أفراد العائلة الواحدة.

مشروع رائد

في هذا الصدد؛ أكدت المواطنة رقية الريايسي، موظفة حكومية، أن الرضاعة بالقرابة عبارة عن مشروع اجتماعي نفسي تربوي رائد، يعمل على ترابط المجتمع من خلال أمهات بالرضاعة، ومن خلال إخوة لهم تبعاً لذلك، وإن كانت كعادة انحسرت حالياً في أضيق الحدود، لتقتصر نوعاً ما على أفراد العائلة الواحدة، لدرجة ستصبح الأجيال الحالية والمقبلة بلا شقيق بالرضاعة.

أمر محمود

وأشار نايف بني حماد من أهالي خورفكان، إلى أن هذا النوع من الرضاعة لم يعد منتشراً كما كان في السابق، ووجودها بين أطفال الأقارب في الوقت الحالي أمر محمود، حتى وإن لم يكن كما مضى على اعتبار مساهمتها في زيادة وتقوية العلاقات بين الأبناء والأسر.

وأضاف: قد يجد الابن أخاً أو أختاً له بالرضاعة من الأقارب في حال حُرم من أخوة النسب، شريطة توثيق تلك الرضاعة لدى الجهات الشرعية؛ لكي لا تختلط الأنساب، موضحاً أن من أسباب غياب هذه الرضاعة الآن، أن الأم لا تستطيع القيام بها لأسباب تتعلق في عدم اقتناع الأمهات بجدواها، أو خوفاً من تأثيرها على رشاقتهن، أو حباً في الراحة وعدم بذل الجهد في الإرضاع، وأيضاً بفعل غياب الأم لساعات في العمل، ونتيجة لتوفر البديل الغذائي من جهة أخرى.

خطوة سعيدة

وفي سياق متصل، أوضحت المواطنة فاطمة المغربي أنها تبنت ابنة أختها بعد أن واجهت عارضاً صحياً ربما يمنعها من الإنجاب مرة أخرى؛ أو بأمل ضعيف جداً، إذ بادرت بإرضاعها إلى جانب ابنها، مضيفة أن أختها سعيدة بهذه الخطوة، كونها أنجبت أربع بنات وليس لديهن أخ يساندهن إذا ما كبرن – على حد وصفها -.

وأشارت إلى أنها سعدت كثيراً بخوض غمار هذه التجربة، إذ إنَّ لديها عدداً لا بأس به من الأخوة والأخوات والأخوال والأعمام من خارج العائلة، حيث تشعر بسعادة غامرة حينما تلتقي بهم وتجالسهم، لافتة إلى أن الهدف من الرضاعة توثيق العلاقات وتدعيمها على نحو أفضل، ولاسيما وإن كانت بين الأقارب، مشيرة إلى أن من سلبيات هذه العملية عدم توثيقها في الغالب أو عدم استيفاء الأحكام والشروط في مقدار الرضاعة.

عادة قديمة

وأشارت أم منصور، ربة منزل، إلى أن العديد من الأمهات قديماً، كنّ لا يمانعن من تبادل إرضاع أطفالهن في ما بينهن، خاصةً بين الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء، مضيفة أن الحياة آنذاك لم تكن معقدة، إذ إنه يمكن لأي أم تعرضت لمشكلة صحية أو ظرف اجتماعي ما، أن تجد الدعم من المحيطين بها دون تردد، مشيرة إلى وجود العديد من الأخوة من الرضاعة في المنطقة، والترابط مستمر في ما بينهم. وهذا الواقع الجميل استمر بعد ذلك لينعكس على أبنائهم.

وقالت: عُرفت أمي ومعها عدد من النساء، بإرضاع الأطفال بشكل كبير، فمن نعم الله أن يسر لهن هذه الرضاعة التي يُحرم منها ما يُحرم من النسب فقط. كما أنهن كنّ مرجعاً للعديد من الأسر في حال رغبت بارتباط أحد أبنائها بفتاة ما، لاستيضاح تاريخ الفتاة أو الشاب في الرضاعة، قبل الشروع في الزواج.

صلة قوية

من جانبه، أكد إبراهيم أحمد راشد أن لديه العديد من الأخوات من الرضاعة، فهو يشعر بالحب والأمان والاتصال الروحي والبصري والجسدي، وبتحقيق «المحرمية» أثناء الذهاب إلى زيارة أبويه في الرضاعة، إذ إن ذلك لا يشكل بالنسبة له أي حرج في السلام أو تناول الطعام معهم، كما أنه يحظى بالحب والدعم المادي والمعنوي وبشعور القرب من الجميع، لما يعكسه هذا الإحساس الأخلاقي من صلة قوية جداً، مشيراً إلى أنه سافر مع أخواته من الرضاعة دون حرج أو قلق، في رحلة علاج طارئة، على اعتبار أنه محرمهن الوحيد.

فيما لم يبدِ فيصل عبدالله اليماحي رفضه أو عدم ارتياحه للفكرة، دعا من جانبه إلى اعتماد آلية رسمية لتوثيق العملية، وحفظ الأسماء والأشخاص وظروف إرضاعهم، لمعرفة المحارم دون لبس أو خوف.

وفي الطرف المقابل، لفتت آمنة اليماحي من دبا الفجيرة، إلى أنها لا تؤيد عملية الرضاعة من غير الأم، وهي ترى أن المسألة غير ضرورية؛ لتوفر البديل المتمثِّل في الغذاء الصناعي بالنسبة للطفل، في حال مرضت أمه أو ما شابه، وإن كانت لا تؤيد الرضاعة الصناعية للطفل تحت أي ظرف أو سبب.

سلبيات وقلق مبرر

أوضحت آمنة اليماحي أن راضعي المرأة نفسها يصبحون إخوةً لبعضهم وأولاداً لها، كما أنَّ زوجها يصبح أباً لهم، ونتيجة لهذه العملية المعقدة، ونظراً لتأثيرها الممتد على الأجيال، إلى جانب اتساع نطاق وحجم الأسر، كل ذلك يؤثر سلبياً في جانب الالتباس وعدم التيقن مستقبلاً في كثير من الأمور، من أهمها إثبات «محرمية» الرضاعة بالأدلة والشهود والإشهار.

وأكدت وجود أسباب أخرى ربما تفضي إلى شيء من السلبية في هذا المضمار، التي تتمثل في أن عملية الرضاعة لا بد أن تكون مستوفية الأحكام، وهناك مرضعات لا يتذكرن الحادثة إلا بعد فوات الأوان.

رأي

أبو العينين: مجتمع اليوم لا يتهاون مع الرضاعة

قال فضيلة الشيخ حسن أبو العينين الواعظ الديني في مكتب الأوقاف في الفجيرة، إن أفراد المجتمع باتوا حالياً أكثر وعياً، وغير متساهلين في مسألة الرضاعة من أم ثانية، وبالتحديد في كون الرضاعة تمنع من زواج الرضيعين من ثدي واحد، وذلك في ظل ما يكتنف هذه المسألة من خطورة كبيرة على الصعيدين الديني والاجتماعي.

وأضاف إن الكثير من أفراد المجتمع أصبحوا يعلمون جيداً أحكام الرضاعة، وما يترتب عليها من قبل وبعد، سواء تم ذلك من قبل زوجة واحدة أو أكثر من ذلك.

وأكد أبو العينين أنه لا يلجأ إلى هذا النوع من الرضاعة إلا عند الضرورة، كأن لا يكون للمولود أحد من أقاربه ومعارفه، كما أن هناك أموراً عدة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لتصبح الرضاعة شرعاً، وعلى الناس السير وفق الضوابط والأحكام الشرعية، لحفظ الحقوق الشرعية للأخوة من الرضاعة وما إلى ذلك.

وفي هذا الإطار يتعين على الجميع عدم التهاون في مسألة الأحكام الشرعية، وما يترتب على الرضاعة من غير الأم من محارم، فعلى كل من تقدم على إرضاع أطفال آخرين العدد الكافي من الرضعات، أن تعلن ذلك في محيطها الاجتماعي، تجنباً للزواج من المحارم، وتلك مصيبة كبرى.

توثيق

آلية تذكير بالمرضعة

اقترح فيصل عبدالله اليماحي آلية للتذكير بالأم التي أرضعت الطفل، من خلال وضع ذلك في خانة صغيرة في شهادة الميلاد، لمعرفة المحارم بوضوح في المستقبل، وحتى لا يكون التساهل أو التلاعب، أو إخفاء الأمر من قبل البعض.

وبيّن أهمية توثيق الرضاعة في الوقت الحالي؛ نظراً للحركة الكبيرة للأسر التي قد تختلط بأسر كثيرة داخل الدولة وخارجها، ولظروف أخرى تتصل بمرض الأم المرضعة أو لأي طارئ لا سمح الله، بهدف حماية المجتمع من الآثار السلبية المترتبة على الرضاعة من أمهات أخريات، تجنباً للتساهل وعشوائية الرضاعة بين عدد من الأسر، التي تجهل الضوابط الشرعية.

مشكلة

الرضاعة تقلل فرص الزواج

في ثنايا الحديث عن أخوة الرضاعة، وفي مفارقة غير سارة، أو بالأحرى لفتة فكاهية من صميم التجربة والواقع، أكدت مجموعة من الفتيات أن نمط الرضاعة السائد قديماً، وتسابق الأمهات في الماضي لإرضاع الكثيرين، أفضى بعد سنوات إلى وجود مجتمع «متداخل المحارم»، وهو ما قلل من فرص زواج الفتيات من الأقارب، أو من أبناء «الفريج» أو المنطقة عموماً، وباتت إمكانية زواج الفتاة ضئيلة، بالنظر إلى تقلص أعداد الشباب ممن يجوز الارتباط بهم من خارج دائرة المحارم، وهذا الواقع يتكرر في كثير من مناطق الدولة، وهناك قصص كثيرة لم يكتمل فيها مشروع الزواج بسبب أخوة الرضاعة، وتلك مشكلة إضافية تلقى على عاتق الأبناء في مرحلة الشباب.

وبحسب رؤية الفتيات اليوم، فإن الأبناء من الأجيال القادمة، ستكون الفرصة أمامهم أفضل لاختيار أزواج من محيطهم الاجتماعي القريب، لاسيما في ظل التراجع الكبير إلى حد الاندثار، في حالات إرضاع الأمهات لأطفال آخرين.

الجدة سندية: لم نعرف الحليب المعلب ولا الخادمات

«ما بقى أحد من أهلي وجيراني إلا أرضعته».. بابتسامة متبوعة بضحكة؛ هكذا بدأت الجدة سندية مبارك حديثها، وأضافت: أنا فخورة بكل من أرضعتهم، خصوصاً وأني لم أحظَ إلا بابنة وابن، وأشكر الله أن أبنائي الكثيرين لم ينقطعوا عني إلى اليوم، فهم يبادرون إلى زيارتي في أي وقت وكل مناسبة.

إنه شعور جميل واستثنائي، يَخْلُفه ترابط أسري فريد، وتلك مكاسب لا تأتي بها إلا الرضاعة، على حد وصفها، مؤكدة أنها تستاء كثيراً من سماع أن «حليبنا كان ماء سبيل»، وإن يكن؛ فكان لوجه الله لم نتقاضَ منه أجراً، مؤكدة أن نهج الرضاعة في الماضي، كان يُشعر الأمهات بالسعادة والقبول، خصوصاً وأن النساء وأطفالهن كنّ يجتمعن في مكان واحد، للتسامر أو المساعدة، أو ليزاولن مهناً معينة في ظل عدم وجود الأزواج، أو من يقوم برعاية الأطفال «الخادمات».

أسباب مختلفة

وقديماً كانت الرضاعة تمارس لأسباب مختلفة، تبعاً لمتغيرات الحياة ومتطلباتها، كالانشغال في زيارة أقارب في منطقة بعيدة، أو بسبب الوفاة أو المرض أو اليتم أو العجز وعدم وجود الحليب لدى الأم، وغير ذلك من الأمور القاهرة، أو كانت تمارس كمهنة لدى البعض، ما يجعل الأمر مفروضاً على النساء لكي يرضعن الطفل حتى لا يشعر بالغربة أو الخوف.

وأوضحت الجدة سندية أن الخصوبة قديماً كانت مرتفعة، فالنساء إما حوامل أو مرضعات، كما أن الأمهات والجدات يتقاربن من حيث العمر، ما أتاح مشروع الرضاعة لدى الكثيرات وبصورة كبيرة، ولم يقف الأزواج أمام الرضاعة أبداً، ولم يعترضوا عليها، بل تقبلوا الفكرة من منطلق ديني ونفسي واجتماعي، فأصبح إرضاع الآخرين تقليداً محبباً بين الجميع من الأقارب والجيران والأصدقاء والغرباء، حتى وإن كانت الأم موجودة، لافتة إلى أن الطفل آنذاك يستطيع الرضاعة من أي امرأة كانت تجلس في المجلس ذاته، لذا فهو لا يشعر بالجوع أو العطش أو الإعياء.

حالة تجانس

واستعرضت الجدة حزمة من الدلالات على حالة التجانس الأسرية التي وفرتها ميزة الرضاعة، منها أن أطفال الحي يشعرون أن الآباء آباؤهم والأمهات أمهاتهم، وبذلك تتحقق «المحرمية»، إضافة إلى الفوائد الصحية بتزويد الطفل بالغذاء الطبيعي، مضيفةً إن تلك الحالة كانت منتشرة في المجتمع المحلي في ذلك الوقت وبكثرة.

ومن الطبيعي أن من يتم إرضاعهم، يشعرون بأنهم جزء من أسر كثيرة بحسب عدد المرضعات، فيكتسبون من ذلك صفات إيجابية كثيرة، في مقدمتها القبول والاحترام والتقدير، ما يسهل اندماجهم وتكيفهم سريعاً في المجتمع، إذ كان المجتمع قديماً يحتاج إلى ترابط كبير، وكان للرضاعة دور في توفير هذه الميزة.

أمهات الرضاعة

وأشارت الجدة سندية إلى أن الأكثر أهمية من ذلك، هو حينما يتحول الاتصال عن طريق الرضاعة إلى علاقة تحمل مشاعر الحب والأمان والاتصال الروحي والبصري والجسدي بين المرضعة والرضيع، مؤكدة أن ما يستحق الذكر والإشادة هو كثرة الإقبال على احتضان الأطفال في سن الرضاعة، والحرص على توفير الرضاعة لهم، ما ساهم في توفير بيئة نظيفة خالية من الأمراض والمشاكل الاجتماعية، نتيجة الاعتماد على الرضاعة الطبيعية والاهتمام والرعاية المثلى في الوقت ذاته، ليس كما هو الحال في هذه الأيام، حيث تراجعت هذه العلاقة في زماننا نتيجة فقدان الاهتمام بالرضاعة الطبيعية، وفي ظل توفر الرضاعة الصناعية، وانتفت الحاجة إلى المرضعة في ظل وجود الخادمات والحليب الجاف.

دراسة علمية

في دراسة لعلم الوراثة صدرت حديثاً؛ تبين أن الطفل يولد بمقومات وراثية ناقصة لا تُستكمل إلا بالرضاعة، سواء كانت من حليب الأم أو المرضعة، وأن إخوة الرضاعة في حال زواجهم وإنجابهم للأبناء يكون جيلهم القادم عقيماً بنسبة 100 %.

 وفي هذه المعلومة تأكيد على أهمية الرضاعة الطبيعية كما جاء في القرآن الكريم قولاً صريحاً، وتشديد على وجوب تحري الدقة والتثبت واليقين بمعرفة الأشخاص الذين رضعوا من أمهات أخريات، لمعرفة إخوانهم وأخواتهم من الرضاعة، وضمان عدم الوقوع في خطأ شرعي وصحي ومجتمعي، إن تم الزواج بين الأشخاص الراضعين من ثدي واحد. (موقع الطويين : البيان)

Related posts