“حبحب” أحبها الماء فأنبتت الغذاء والدواء

355 (3)

“حبحب” منطقة جبلية تكثر فيها الهضاب والصخور الحمر، وهي منطقة تابعة لإمارة الفجيرة وتقع بجانب منطقة خت التابعة لإمارة رأس الخيمة، بينهما شارع يؤدي إليها مباشرة، وعرفت المنطقة بالمناظر الطبيعية الخلابة وقت سقوط الأمطار، إذ تتخلل هضاب المنطقة وديان وشلالات صغيرة تجري فيها الأمطار وتنتشر في البقاع الصخرية .
هدوء المنطقة، لا يعكره غير الكسارات التي قطنت المنطقة استغلالاً لصخورها ذات الطبيعية الاقتصادية الجيدة، إلا أنها يمكن أن تتحول لمحمية طبيعية للأعشاب الجبلية، نظراً لتوافر المياه الجوفيه العذبة في تلك المنطقة ولخصوبة تربتها التي أنتجت عبر العقود الماضية أنواع الحمضيات التي عرفت باسمها، فكانت مشهورة بالجح والبطيخ المكون بطبيعته للحبوب في جوفه، فيعتقد أن اسم المنطقة سمي على اسم تلك الثمار المكونة للحبوب فكانت “حبحب”، فضلاً عن الأعشاب والنباتات الجبلية التي تؤكل ثمارها ويتدواى الأهالي بها .
وتوجد في المنطقة على أعلى الهضاب الجبلية المنازل القديمة التي بنيت من الحصى المتوسط الحجم، بطريقة هندسية متمكنة تجعله صامداً للآن بوجه الرياح والأمطار العاتية، ولم تتأثر غير أسقف المنازل التي كانت تتغير ويجري إصلاحها بين فترة وأخرى، إلا أنها وبعد انتقال الأهالي إلى المنازل الحديثة أهملت، وتقع معظمها على جبل يسمى “الخطم”، وكذلك بعض المنازل المتناثرة على منطقة تسمى “السيبة”، وهي أيضاً عبارة عن هضبة مرتفعة، يقال إنها كانت ملجأ للضيف والملهوف قديماً .
ويقطن المنطقة 5 قبائل رئيسية، وهي الزحمي والحمودي والشحي واليماحي والحبسي، ويسود بينهم التعاون والتراحم، كما عرفت المنطقة بالأعشاب الطبية والشعبية التي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض وتحتوي على نحو 30 صنفاً من تلك الأشجار والنباتات، منها العنزروت وهو جذور نبات يشبه اللبان العربي، والمهدي والحرمل واليعدة والشوع والشرحم والسلم والقنفر وهي شجرة شوكية، والقعبل والزبيدي وهما نوعان من الفطر الذي يؤكل، الأول لونه بني، والثاني أبيض ناصع، وأيضاً نبات الطرثوث والسريو، وجميعها نباتات طبيعية صحراوية وجبلية .
محمد علي سالم مرهش (37 عاماً)، وأب ل 8 أبناء، أحد شباب المنطقة المولع بتعريف الأجيال والسياح لتراث أجداده، استقبلنا في متحفه الشخصي الذي احتوى على نحو 400 قطعة قديمة، وسبق له أن شارك في 7 معارض مختلفة في اليوم الوطني .
يقول: “لدينا الكثير لنعرضه للأجيال والسياح ونخبرهم عن قصة بلادنا التي خرجت من الصحراء كقبائل إلى أن أصبحت تضاهي الدول المتقدمة في عمرانها ونهضتها، بفضل الله سبحانه ومن ثم بفضل المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولتنا مع حكام الإمارات، لا بد أن يشاهد أبناؤنا ما كانت عليه الحياه قديماً، كي يتعرفوا إلى مقدار الصعوبة والضنك التي عاشها الأجداد، كما يتعرفوا إلى أدواتهم المستخدمة وتفاصيل حياتهم من خلال تلك الأدوات التراثية القديمة .
من مقتنيات مرهش في متحفه الشخصي “قيد الصلح” وهو عبارة عن أغلال حديدية، وإحدى الوسائل التي يحكم بها رئيس القبيلة قديماً حين كان الأخوان أو أبناء العم يختصمون، فيربط رجل كل واحد منهما برجل الشخص الآخر بقيد حديدي واحد، ويبقى لمدة يوم كامل أو يومين، بحيث يسهل عليهما التعامل مع بعضهما والتعاون من أجل النجاه أو تسهيل الحركة اليومية مع الأكل والشرب وممارسة الأعمال اليومية بشكل اعتيادي، بعدها يتم فك القيد، وبذلك يتصالح المتخاصمان، بحكم القيد الذي جمعهما وتعود حياتهما طبيعية من حيث التعاون والتعاضد اليومي، كسائر بقية الأخوة، لذا سمي القيد بقيد الصلح” .
ويقول الزحمي: “لم يكن الأمر طبيعياً أن يتخاصم الأخوان أو أبناء العم أو اثنان مهما كانت درجة قرابتهما ببعض، ويبقيان في تخاصم كما يجري في الأوقات الحالية، إذ يحرص رئيس القبيلة أو الأسرة جميعها على تراضي الخصماء وإبعاد كل ما يؤدي للخصومة، ما جعلهم يعيشون حياتهم بتفاهم ومحبة تسري على الجميع” .
ومن الأسلحة القديمة التي احتواها المتحف الكند والصمعة وأبو تاجين وأبو فتيلة والمشرخ والميزر وهي أسماء لبنادق قديمة كان يستخدمها الأهالي ويحملونها معهم، إضافة إلى الخناجر والسكاكين القديمة، كما احتوى المتحف على أنواع عديدة من الأواني الفخارية والحديدية منها “مثعوبة أو مثعاب”، وهي إناء مصنوع من فخار أو حديد تستخدم لصب العسل أو السمن، ولها مصب طويل ليسهل صب العسل في الأواني المخصصة له، وكذلك توجد اليحلة والبرمة اللتان يحفظ فيهما الماء، والأرز والكامي أو اللبن كل في إناء خاص له” .
ويقول الزحمي: “أحتفظ بالأشياء والأواني القديمة التي ما عادت تستخدم، وأضمها لمتحفي الذي أجمع فيه تلك الأودات وأرحب بالزوار والأهالي لرؤية ما أملك، ومن الأدوات القديمة التي أحتفظ بها “المكحلة” وهي عبارة عن حجر صخري لدق الأثمد المستخدم ككحل للعيون، إذ يشترى على هيئة أحجار صغيرة ويطحن على ذلك الحجر المسمى “بالمكحلة” نظراً لتخصيصه لدق الكحل فقط . كما توجد “السحاحير” مفرد “سحارة”، وهي الصناديق الحديدية التي كانت تستخدم سابقاً لنقل أغراض العروس، وتستخدم لحفظ الملابس أو مختلف الأدوات التي تحتفظ بها الأسرة، وكانت تحل محل الدولاب” .
مرهش سالم مرهش الزحمي (60 عاماً)، يقول: “عرفت منطقة حبحب بأنها منطقة تاريخية وفيها الكثير من المعالم التي تؤرخ للمنطقة، ففيها البرج والحصن والمربعة وكذلك الوعوب التي نزرع فيها الحب قدمياً ونعتمد فيها على الأمطار في ريها، وتعرف المنطقة بحبحب نظراً لكثرة زراعة الجح والبطيخ فيها، وهو معروف بكثرة حبوبه، مما أطلق عليها ذلك الاسم نظراً لكثرة زراعة تلك الأنواع من الثمار فيها ولخصوبة التربة” .
يضيف: “عرفت المنطقة بكثرة الآبار، فكان الأهالي يشربون من مياه عدة، منها العيون والخدود والعامرية والجنوبية، والحابوط، وفيها كذلك العيون التي يصنع حولها محبس، لتجميع المياه ومن ثم يوزع بالتساوي على الأهالي في المياه والري، وكان تحديد وقت الاتفاق بالظل، بحيث إذا اشرقت الشمس وصل ظل العمود كمثل ظله يبدأ دور أحدهم وهكذا في كل مرة يحدد فترة للمتشاركين في تلك العيون” .
وتتكون منطقة حبحب من مناطق عدة منها حمير العلم والحارة والخوار وبها نحو 200 مسكن، حالياً، وتجري بها وديان عدة رئيسية منها وادي القلدي، وسمي كذلك نسبة إلى انقلاد الحركة فيه من كثر سرعته وضخامته، وهو معبر للقوافل قديماً إلى منطقة دبا، ووادي قضم، وسمي كذلك نظراً لشدة صوت مياهه المندفعة .
أما عن القلاع والحصون والآثار القديمة الموجودة في المنطقة، فيقول مرهش إن المسجد الذي بني من الطين والجص مازال قائماً ويقدر عمره ب 300 عام، بمواجهة الحصن الذي يقدر عمره أيضاً بالفترة ذاتها، كما يوجد برج للحراسة .
وعن نخيل المنطقة يقول مرهش: “فيها الكثير من أنواع النخيل من المسلي وجش حبش والنغال والدباسي والمزناي والهلالي وأبو كيبال، وأبو معان والشيشي وعين بقر واللولو”، لافتاً إلى أنه زرع بنفسه في مزرعته نحو 1000 نخلة من تلك الأنواع .
فاطمة سرور الزحمي (60 عاماً)، تقول: “كنا نعيش على جبل يسمى الخوار وننتقل منه إلى منطقة جبلية أخرى تسمى حمير العلم، وسميت كذلك نسبة إلى وجود تلة حمراء اللون على شكل علم ظاهر في المنطقة، أما الشتاء فكان على جبل الخوار، وكنا ننتقل صيفاً وشتاءً بين المنطقتين، كما كان أغلبية الأهالي في المنطقة، بحثاً عن الدفء والمياه، ومرعى الأغنام، وكنا نسف سعف النخيل ونصنع منه أدوات نستعملها بحياتنا اليومية في المطبخ وخلافه كالقفير والبساط المسمى ب”السمة”، وكنا نغزل صوف الأغنام، ولم يكن لدينا وقت فراغ إلا حين نتجاذب أطراف الحديث مع أقراننا حين نذهب لرعي الغنم أو إحضار المياه من الآبار” . وتضيف: “خبزنا نسميه الشوب أو القروص، وهو نوع من أنواع الخبز المحلي سميك ودائري الشكل، نأكله مع السمن أو العسل، ووجباتنا الغذائية كانت معدودة ومتركزة على لحم الأغنام وحب البر، وهو القمح” .
أما عن زينة المرأة قديماً فقالت: “اقتصرت زينتنا على أنواع الأقمشة بمسمياتها المتعددة فمنها أبو طيرة ومنها أبو مسيع، والبريسم والمقلم، وجميعها مسميات لأقمشة، ولم نكن نعرف العباءة الحالية، أما عن غطاء الرأس فكانت قطعة قماش تسمى وقاية غالباً سوداء اللون أو نيلية مصبوغة بالنيل الأزرق وتخصص للأعراس هي وتلك الشيلة السوداء المزينة بفضة ونسميها المفضضة، أما المجوهرات فكانت من الفضة وقليل من الذهب المقتصر على ما يسمى بالطبلة، وهي عبارة عن سبيكة ذهبية مربعة الشكل، تعلق كقلادة مربوطه بخيط أحمر . أما المهور فهي لم تتعدَ 70 روبية، أو كانت نخلة أو عدداً من المواشي” .(موقع الطويين : الخليج)

Related posts