الطيبة جمال ساحر عمره 200 عام ولها من اسمها حظ وافر

355 (2)

تزخر إمارة الفجيرة بالعديد من الأماكن والمواقع ذات الطبيعة الخلابة التي تتميز بالهواء النقي والهدوء الشديد وصفاء الجو والمناظر الطبيعية الخلابة ومنطقة الطيبة واحدة من تلك المناطق الجبلية الخلابة التي تحيط بها الجبال الشاهقة في الارتفاع والمتصلة ببعضها بعضاً وذات ألوان مختلفة لا تخلو من جمال الطبيعة الخلابة .
تقع منطقة الطيبة على بعد مسافة 45 كيلو متراً شمالي غرب مدينة الفجيرة على الطريق المار ما بين مدينة مسافي ودبا الفجيرة، وتتميز إضافة إلى مناظرها الطبيعة الخلابة بمعالمها التاريخية وبالروابط الاجتماعية بين سكانها عائلة واحدة هي عائلة العبدولي .

تتميز المنطقة بوجود عدد من بقايا المنازل القديمة وبوجود مقبرة قديمة تعود لمئات السنين إضافة إلى متحف أثري يسمى “متحف الطيبة الأثري” أقامه المواطن أحمد بن علي بن داود العبدولي بالتعاون مع أهالي المنطقة، كما تتميز بكثرة آبار المياه العذبة داخل باطن الأرض وعيون المياه مما ساهم بشكل كبير في انتشار الزراعة بأنواعها .
اعتمد سكان الطيبة وبشكل أساسي لضمان استمرار وتيرة الحياة على زراعة الحبوب والخضراوات والفواكه إضافة إلى تربية الأغنام والأبقار وجمع الحطب وصناعة الصخام “الفحم” إضافة إلى جمع العسل من الكهوف الجبلية التي تغص بها ربوع القرية، كما اعتمد بعضهم على إتقان بعض الحرف اليدوية والمهن القديمة مثل مهنة تكسير الحجارة من الجبال لبناء المنازل .
تعرف منطقة الطيبة بطقسها الجاف طوال أيام السنة بسبب ارتفاعها عن سطح البحر حيث تتميز بالبرودة النسبية في موسم هطول الأمطار وبكثرة انتشار الآبار العذبة القديمة وكثرة عيون المياه ما جعلها من أقدم المناطق الزراعية في الفجيرة حيث يعود تاريخ منطقة الطيبة القديمة إلى حوالي 200 سنة تقريباً كما توجد العديد من المزارع التي تتنج أصناف التمور والفواكه والخضراوات إضافة إلى محاصيل الحبوب من الشعير والذرة والأعلاف، وهذه المزارع تتميز بوقوعها بين أحضان الجبال وعلى ضفاف الأودية التي تمر بالمنطقة والتي تحظى برعاية واهتمام الأهالي أنفسهم بدلاً من الاعتماد على الأيدي العاملة .
“الخليج” زارت الطيبة والتقت عدداً من أهلها:
في البداية توجهنا إلى متحف الطيبة التراثي الذي يضم العديد من المقتنيات والأدوات القديمة الخاصة بأهالي الطيبة والمناطق المجاورة إضافة إلى العديد من الرسومات والطوابع والعملات القديمة كما يضم نماذج للمنازل القديمة وبعض العادات والتقاليد اليومية للأهالي في الماضي، حيث يحظى المتحف بإقبال كبير من الزوار والسياح من داخل الدولة وخارجها ويقع في مزرعة ذات طبيعة خلابة تنتشر فيها أشجار النخيل والحمضيات والجوافة والرمان والمانجا والعنب والزيتون وغيرها من المحاصيل .
الوالد أحمد علي بن داود العبدولي “أبو علي” من المحبين للتراث والمحافظين على عادات وتقاليد الآباء والأجداد، صاحب فكرة إنشاء متحف الطيبة التراثي يقول: المتحف مبادرة من أهالي الطيبة جميعهم، للمحافظة على تاريخ وتراث المنطقة وتعريف الأجيال بتاريخ الأجداد والآباء والمعاناة التي عاشوها في تلك الفترة، يضم العديد من المقتنيات والأدوات التراثية التي يتجاوز عمرها أكثر من 200 عام، تنوعت ما بين الفخاريات والأواني النحاسية المعدنية والعملات والأسلحة والآلات الموسيقية اليدوية، إضافة إلى أدوات الزراعة وأدوات الخياطة وبعض أدوات البحر، كما يضم نماذج للمنازل الحجارة القديمة ومنازل العريش والمقتنيات الخاصة ببعض المهن القديمة التي كان الآباء والأجداد يعملون بها خاصة مقتنيات أهل البحر والجبال .
ويشير إلى أن المتحف يسعى بشكل مستمر منذ إنشائه إلى التوعية بإرث الأجداد والانفتاح على العالم حيث يتوافد سنوياً العشرات من الزائرين الأجانب من مختلف البلدان في أوروبا وآسيا وأمريكا والعرب من مواطنين ومقيمين لزيارة متحفه بمزرعته .
عن أوضاع القرية قديماً يقول العبدولي: “عشنا في الماضي حياة بسيطة وكذلك من قبلنا الآباء والأجداد الذين تشربنا منهم شيم الرجال وحب وتقديس العمل وأهميته من أجل استمرار الحياة وأهمية التواصل الاجتماعي والمحافظة على العادات والتقاليد، ونقلها كما هي من دون تشويه إلى الأجيال القادمة حتى يشبوا متماسكين ومترابطين فيما بينهم، واعتمدنا فيها بصورة أساسية على زراعة اشجار النخيل وبعض الخضراوات والفواكه وزراعة الحبوب وبعض المحاصيل إضافة إلى تربية ورعي الأغنام والأبقار وجمع الحطب وتحويله إلى صخام “فحم” والعسل من كهوف الجبال، الذي كان يباع في أسواق رأس الخيمة والشارقة ودبي، كما كان بعض الأهالي يمارسون العديد من المهن التقليدية القديمة وكان عدد بيوت الطيبة قديماً لا يتجاوز 16 بيتاً منها الشتوي المبني من الأحجار والطين المحروق المطعم بالحصى وسعف النخيل ومنها الصيفي وهو ما يعرف باسم العريش المبني من سعف وجريد النخيل التي كان الأهالي يحرصون على إقامتها في فصل الصيف على رؤوس الجبال المحيطة بالقرية وبالمزارع في مواسم القيض” .
الوالد خميس علي محمد بن داود العبدولي يقول: “منطقة الطيبة والمناطق المجاورة مرت خلال القرن العشرين بمراحل ومنعطفات عدة كان لها الأثر الكبير في حياة الناس قديماً وحديثاً فالمرحلة الأولى وهي في عهد المغفور له الشيخ محمد بن حمد الشرقي والتي يمكنني القول إنها مرحلة التأسيس والتكوين حيث سموه دائم التردد على المنطقة للاطمئنان على الأهالي وتفقد أحوالهم وحل مشاكلهم حيث كان لا وجود للشرطة أو المحاكم إلا فيما بعد، كانت الطيبة قديماً تحتل موقعاً استراتيجياً بالربط بين المنطقة الساحلية بدبا والمناطق الجبلية بالصحراء مروراً بالذيد والساحل الغربي وجنوباً بمدينة الفجيرة وشمالاً بمدينة رأس الخيمة” .
وأضاف: “امتهن الأهالي الزراعة والرعي في ذلك الوقت وبدأت التجارة تصل إلى القرية الصغيرة في بداية الستينات فكانت البضائع تصل من دبي ليتم بيعها بالروبيه آنذاك وتأسست المحال القديمة والتي تعرف بالدكان التي تعرض اللوازم الضرورية بذلك الوقت، وساعد الحركة التجارية الطريق القديم الذي يصل إلى دبا مروراً بواحة العيينة الجبلية والذي تترامى حوله الطويان جمع ( طوي) ومن أهمها طوي ساتر التي كانت بمثابة المحطة الرئيسية للمارة في ذلك الوقت، وساهم الإنجليز في شق الطريق قديماً وبمساعدة سواعد الرجال من المناطق المجاورة طلباً للقمة العيش” .
أما عن المرحلة الثانية التي مرت بها المنطقة فيقول: “مرحلة البناء والتلاحم وبدأت مع قيام الاتحاد الذي قام به المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه حكام الإمارات وتسلم الشيخ حمد بن محمد الشرقي مقاليد الحكم خلفاً لوالده رحمة الله عليه، حيث بنيت المساكن ومهدت الطرق وأصبحت الحياة مختلفة وأقيمت المدارس والمستشفيات وتوفرت سبل العيش الكريمة وحل التلفاز والراديو محل الخنادق لإطلاق النار لتعريف الناس بأمر معين ومقاعد الدراسة محل السقاية وانتشرت التكنولوجيا بأنواعها المسموعة والمرئية .
الجيل القديم يحمل في عاتقه أن يوضح للأبناء كيف كانت الحياة قديماً، من دون كهرباء ولا مياه صالحة للشرب أو معدنية وكيف كانت طرق العلاج القديمة التقليدية والطب الشعبي حيث لا وجود للأطباء أو الأدوية سوى العلاج بالأعشاب والوسم، والكثير غير ذلك من مبادئ وأخلاق تمسك بها آباؤنا وأجدادنا وتوارثوها من الاجيال السابقة، ثقافة وتراث شعبي غني لابد لنا من التمسك به وتعلمه حتى وإن انطلقنا إلى الفضاء فلا مستقبل لأمة من دون تراثها الأصيل” .
بدوره يقول الوالد محمد علي سعيد العبدولي: “انتقلنا خلال فترة السبعينات من المهاب الواقعة أسفل الجبال إلى الشعبية الجديدة التي بناها لنا المغفور بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ولا يمكن وصف فرحة الأهالي آنذاك حيث عمت أجواء السعادة المنطقة ابتهاجاً بهذه المكرمة السخية” .
ويشير إلى أن المعيشة في الماضي كانت بسيطة حيث اعتمد الأهالي على تربية الأغنام والأبقار إضافة إلى زراعة أشجار النخيل بأنواعه المختلفة ومحاصيل القمح والشعير والذرة في المرتفعات الجبلية كما اعتمدوا على جمع عسل النحل البري من الكهوف الجبلية، ومن على أشجار النخيل المنتشرة في المنطقة وكذلك على التجارة من خلال بيع محاصيل التمور والعسل البري وبيع الفحم في أسواق الشارقة ودبي مقابل روبيات بسيطة أو مقايضتها مقابل بعض احتياجات الأهالي من عيش وسكر وقهوة وزيت وغيرها، كما كان بعض الأهالي يقومون بتكسير الحجارة من الجبال وتجهيزها بطريقة هندسية لبناء المنازل مقابل أجرة بسيطة ربما روبية أو عدد بسيط من الروبيات أو مقابل تمور أو منتجات الحيوانات من سمن أو روب أو حليب . وهكذا بقيت حياة الأهالي حتى منتصف السبعينات بعد قيام دولة الاتحاد .
يضيف أن الطيبة اشتهرت منذ زمن بعيد بمزارعها وبساتينها الغنّاء إضافة إلى وفرة مياه الأمطار بها وانتشار الآبار وأفلاج المياه العذبة ما جعلها خلال فترة زمنية واحة خضراء عامرة بشتى أنواع المزروعات وما زالت تعج بالعديد من المزارع الخضراء التي تحظى باهتمام كبير من قبل أصحابها ويقومون بالعمل على رعايتها بأنفسهم والعمل فيها بدلاً من الاعتماد على الأيدي العاملة .
المواطن علي محمد بن داود العبدولي “أبو محمد” يقول: بفضل التوجيهات الحكيمة لصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة وولي عهده سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي أصبحت منطقة الطيبة متطورة وحديثة ومنطقة مجهزة بكافة الخدمات التي جعلت المواطن يعيش حياة سعيدة أفضل مما كان عليه في الماضي، حيث إن المنطقة تحظى بشكل مستمر بزيارة صاحب السمو حاكم الفجيرة وفي زيارته الأخيرة للمنطقة أمر بتعبيد الطرق الداخلية للمنطقة وإنارة الطرق وبفضله أنشئت حديقة وملعب لشباب القرية كما أمر بتلبية كافة احتياجات أهالي المنطقة .
ويضيف العبدولي: “أهالي الطيبة يشتهرون منذ القدم بالشجاعة والكرم والضيافة وشدة البأس ومساعدة الضعيف والصديق وقت الحاجة ويعيشون على التعاون والمحبة والترابط فيما بينهم على الخير والشر، وهذه من العادات والتقاليد التي ورثناها عن الأجداد وهي تمثل مختلف أوجه الحياة الاجتماعية التي جعلت أهالي الطيبة والمناطق المجاورة يتميزون بها وتعد من أبرز العادات التي نعتز بها حتى وقتنا الحاضر بالرغم من التطور الهائل والسريع الذي حدث في القرية حيث إن جميع الأهالي يحافظون على العادات والتقاليد العربية الأصيلة” .
أما أحمد خميس علي يقول: “سميت المنطقة بهذا الاسم نسبة لطيبة أهلها وكرمهم منذ القدم وكذلك نسبة لجوها الطيب ولوجود المياه العذبة الطيبة فيها حيث تتميز عن غيرها بالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة ووجود الوديان كما أنها ذات أرض طيبة تحيط بها الجبال الملونة من الجهات جميعها وتتميز بكثرة مزارعها الخضراء التي تكثر فيها أشجار النخيل والهامبا والحمضيات والموز والعنب وغيرها من المزروعات والمحاصيل، كما تتميز بطقسها الجاف طوال أيام السنة بسبب ارتفاعها عن سطح البحر، ولذلك يتسم طقسها بالبرودة النسبية في أيام الشتاء ما جعلها منطقة طبيعية خلابة ذات مميزات مختلفة عن المناطق الجبلية المتعددة في الفجيرة” .
ويضيف: “متحف الطيبة الأثري ساهم بشكل كبير في جعل من الطيبة منطقة سياحية إضافة إلى أنها منطقة تاريخية وطبيعية حيث إن المتحف بشكل أسبوعي يستقبل العديد من الزوار والسياح من داخل الدولة وخارجها حيث إنه إضافة إلى مقتنياته الأثرية والأدوات التراثية التي يحتضنها يتميز بموقعه داخل مزرعة بها أنواع الأشجار ويوجد فيها العديد من الأماكن والاستراحات التي تسمح للزوار بالجلوس بالهواء الطلق والتمتع بالطبيعة الخلابة للمنطقة ومعرفة تراث وتاريخ أهالي المنطقة والمناطق المجاورة” . (موقع الطويين : الخليج )

Related posts