“الحوش” . . فضاء يختزن القصص والحكايات الملهمة

355 (3)

يلعب المكان دوراً محورياً في تشكيل وصياغة المنظومة الثقافية والتراثية بما يختزنه من قصص وحكايات تتّصل بحياة الناس ونمط سلوكهم ونِحْلة عيشهم، وكلما كان المكان واسعاً فسيحاً كان مصدر إلهام ومنبع حكمة للساكن، بما يتيحه فضاؤه من فسحة للتأمل والتفكّر في عوالم الكون الفسيحة، وهو يمثل الرئة والمتنفس للقاطنين في المسكن، بل لكل مرافقه من غرف معيشة وغرف خدمات وأروقة، لأن كل أبوابها ونوافذها تفتح عليه ما عدا الفتحات الخاصة بمجلس الضيوف، فهي تطل على الخارج،
من هنا نفهم طبيعة البناء التصميمي المعماري في البيت العربي القديم الذي اشتقّ منه، بالتأكيد، البيت الإماراتي العريق، والعناصر التي ارتكز عليها في القديم، حيث لا نكاد نجد بيتاً قديماً إلا وبه فناء أو “حوش”، وهو القاسم المشترك في بناء وتشكيل البيوت التقليدية في الإمارات، ومنطقة الخليج بوجه عام، وهو عنصر تراثي متأصّل في العمارة الإسلامية كما تشي بذلك الخرائط والصور المتوافرة اليوم .

وإذا تمعّنا في طبيعة “الحوش” والضرورة التي أوجدته، فإننا ندرك، للوهلة الأولى، مدى تأثير البيئة العربية والإماراتية بخاصة، على حياة الإنسان وتفكيره، حيث دفعته إلى التفكير في كيفية التأقلم والانسجام مع قساوتها، وتوفير وسائل مريحة تضمن له حرية التحرّك داخل المكان المسكن، إذ لا يخلو أي منزل من فناء “حوش”، ويطلق عليه “الحوي” أيضاً وهو الفراغ الذي يوجد في وسط البيت، وقد يكون مربعاً أو مستطيلاً حسب تفصيل البيت، ويستخدم لعدة أغراض، فهو يمثل الصلة بين الإنسان والسماء في ذلك الفراغ، والخصوصية التامة بين الخارج والداخل وبين الخاص والعام، وسبب في تلطيف الجو الداخلي للبيت .
وتطل على “الحوش” أغلب الغرف، وهو خاص بالأسرة وأفراد المنزل، كما انه مفتوح على الفضاء الخارجي ويوفر الإنارة الطبيعية لجميع غرف المنزل ومرافقه، كما يوفر التهوية اللازمة لأقسام المنزل ويجعل أجواءها صحية بالقدر المطلوب، كما يتميز باتساعه ورحابته، فهو حديقة المنزل وتزرع فيه أشجار النخيل واللوز والسدر .
ويعد “الحوش” مكاناً مناسباً للهو الأطفال وممارساتهم الألعاب الشعبية، كما يحتوي على غرفة المعيشة الرئيسية، وتستخدم طوال العام، حيث يجتمع فيها أفراد الأسرة للجلوس والأكل، وتحوي مستلزماتهم الرئيسية من ملابس وعطور ومجوهرات، ويضم بيت التراث ضمن حجراته (المخزن) وهو عبارة عن حجرتين لتخزين المؤن السنوية، والمطبخ بالإضافة إلى بئر الماء (الخريجة) وهي بئر للماء المالح ويستخدم في غسل الأواني والصحون، أما الماء العذب فكان يجلبه بائع الماء (المروي) من الآبار العذبة في جرار كبيرة يحملها البعير .
و”الحوش” فضاء جميل يحتضن الذاكرة الإماراتية بما تختزنه من قصص وحكايات وذكريات، ويبعث على الراحة داخل المكان، ويلهم الإنسان ويرتقي بتفكيره وتأمله في ملكوت السماوات . (موقع الطويين : الخليج )

Related posts