البثنة في إمارة الفجيرة.. أرض المياه العذبة والمناظر الخلابة وتضم واحدة من أهم القلاع التاريخية

355

تعتبر الفجيرة متحفاً تاريخياً كبيراً تزخر بمكتنزات تاريخية وأثرية وتراثية وثقافية وعمرانية وطبيعية تشكل مقومات رئيسية للمنتج السياحي باعتباره متنوعاً.

ومنطقة البثنة واحدة من أكثر المناطق التي تزخر بالمتنزهات التاريخية والأثرية والطبيعية حيث يرجع تاريخها إلى العصرين البرونزي والحديدي، لوجود العديد من الآثار التاريخية من فترة ما قبل الإسلام، ولأهمية موقعها في منتصف وادي حام كانت منطقة تجارية قوية تتميز بوجود قلعة تاريخية شيدت عام 1735 ويتجاوز عمرها 270 عاماً تقريباً وبالعديد من المواقع التاريخية الأثرية.
كما أنها مملوءة بالخيرات حيث تتميز بموقعها بين الجبال العالية كما أنها تزخر بالمناظر الجبلية الخلابة وبالوديان والأفلاج المائية مما أسهم في انتشار أشجار النخيل والسمر والسدر والغاف وانتشار مساحاتها الزراعية بشكل كبير حيث تزرع فيها العديد من المزروعات والمحاصيل المتنوعة.

«الخليج» زارت منطقة البثنة التي تقع على بعد مسافة 14 كيلو متراً غرب مدينة الفجيرة على الطريق المار ما بين الفجيرة ومنطقة مسافي وتقع البثنة في واد ممتد عبر الجبال من منطقة السيجي وحتى مدينة الفجيرة بين أحضان الجبال ذات الألوان المختلفة والتي تشكل مناظر طبيعية خلابة خاصة في مواسم هطول الأمطار والربيع.

وعند الوصول إلى المنطقة التي تسحر الألباب بإطلالتها الرائعة وبقلعتها التاريخية ومناظرها الخلابة التي رسمتها الجبال وأشجار النخيل والسمر والسدر وأشجار المانجا.
التقينا أهالي المنطقة وحدثونا عن المنطقة وتاريخها العريق.

الوالد سلطان راشد سعيد اليماحي- 65 عاماً- يقول: «كانت معيشتنا في الماضي بسيطة، والجميع اعتمد فيها على ممارسة زراعة أشجار النخيل والمحاصيل الزراعية المتنوعة إضافة الى رعي وتربية الماشية والأبقار، وتجارة محاصيل التمور والعسل البري والحطب والفحم والأغنام، ومنتجاتها إلى أسواق المناطق الساحلية وكان بيعها مقابل روبيات قليلة أو مقايضتها ببعض احتياجات الأهالي من القهوة والعيش والسكر والقماش وغيرها، وكنا نعيش في مواسم الشتاء في منازل مبنية من الطين والحجارة وجريد وسعف النخيل، وبيوت العريش المبنية من جريد وسعف النخيل في مواسم الصيف كان بعض الأهالي يعشيون فيها ويجمعون التمور، حيث كانت يكثر انتشارها في المزارع في موسم القيض.
ويضيف أن مواد بناء المنازل الشتوية كانت تعد بطريقة هندسية مناسبة لبناء البيوت من الحجارة والطين المعطم بالحصى لكي لا تسمح بتسرب المياه إلى داخلها وتؤمن للأهالي الحماية الكافية، وكان الأهالي راضين في معيشتهم بما كانت تمنحهم إياه الأرض والجبال من عسل النحل البري وحطب الأشجار، وما كانت توفره لهم زراعة الأرض من التمور والمحاصيل الأخرى، إضافة إلى ما كانت توفره لهم تربية الأغنام والأبقار.
ويشير إلى أن جمع الحطب والعسل البري كان من أهم المصادر حيث كانت تشتهر جبال منطقة البثنة والمناطق المجاورة لها بكثرة انتشار خلايا النحل البري وكان العسل البري يكون ثلاثة أنواع هي عسل السدر والسمر والأعشاب البرية وكان يعد عسل البثنة أجود أنواع العسل وأطيبه، وكان يمتلك بعض أهالي المنطقة مهنة البحث عن العسل البري من كهوف والجبال العالية.
وأوضح أن منطقة البثنة منطقة جبلية تحتضن العديد من الأودية أهمها وادي حام الكبير والذي يعتبر أطول الأودية في الفجيرة بالإضافة إلى وادي الحاط ووادي مريض، وكلها تتجمع في وادي حام الذي يمتد من منطقة السيجي إلى مدينة الفجيرة وتتجمع فيها المياه بغزارة في مواسم هطول الأمطار.
ويحدثنا الوالد مبارك احمد سعيد الصريدي (75 عاماً) عن العادات والتقاليد القديمة في منطقة البثنة فيقول: أهالي البثنة يعيشون على القيم العربية الأصيلة ويعرفون قيمة المحافظة على العادات والتقاليد ويدركون أهمية السعي لكسب لقمة العيش الكريم منذ القدم وكانت لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة في المناسبات الاجتماعية والدينية والاحتفالات المتعددة حيث أعراس أهالي المنطقة قديما كانت بسيطة غير ما هو عليه الآن ولم تكن هناك أي تكاليف من قبل أهل العروس على المعرس وكانت المهور قليلة، والعرس يستمر لعدة أيام وتقام فيه الأفراح وتظهر الفنون والرقصات الشعبية الخاصة بأهالي المنطقة غير الموسيقى الموجودة حالياً كما كان يعد الطعام للضيوف والأهالي ويقوم أهل المعرس بنحر الذبائح، وكان في العرس يتجمع كافة أهالي المنطقة النساء مع النساء والرجال مع الرجال، وعن رمضان يقول الصريدي: «كنا في الماضي نصوم رمضان من دون كهرباء أو مكيفات كما هي الحال اليوم، وكان الناس لا يتعطلون عن أعمالهم رغم العناء والتعب الذي كنا نشعر به، وكانت منازل الأهالي قريبة من بعضها بعضا، يفطرون جماعة ويصلون التراويح معاً، وبعد ذلك يبدأ السهر والسمر حتى وقت السحور، وبعدها يصلون الفجر والكل يذهب إما إلى بيته أو عمله في المزرعة أو رعي الأغنام أو جمع العسل والحطب من رؤوس الجبال ولم يكن هناك الحر الشديد كما في وقتنا الحاضر».وعن مناسبة العيد يقول: «يتم الإعلان عنه عن طريق إطلاق النار مثل الإبلاغ عن شهر رمضان، وفي صباح العيد يجتمع الأهالي بعد صلاة الفجر في مصلى العيد، وبعد الصلاة توزع القهوة والتمور من قبل أحد أهالي المنطقة، وبعدها يجتمع الأهالي على الغداء في بيت أحدهم والعشاء في بيت آخر وهكذا يتبادل الناس العزائم على مدار أيام العيد، ولكن في وقتنا الحاضر لم يتبق إلا القليل من تلك العادات والتقاليد وكان الأهالي دائماً مجتمعين مع بعضهم ويقدمون المساعدة لمن يحتاجها سواء من أهالي المنطقة أو من خارجها».راشد سعيد راشد اليماحي يقول: «سكن أهالي المنطقة قديماً منازل مبنية من الطين والحجارة وسعف النخيل وكانت حياتهم بسيطة وقاسية نظرا لطبيعة المنطقة الجبلية وعدم وجود أي خدمات تجعل حياتهم أسهل وأبسط لكن بعد قيام الاتحاد بفترة قصيرة بنيت المنازل الشعبية للأهالي بعضها بناه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، والبعض الآخر بناه الشيخ سعيد بن راشد آل مكتوم رحمه الله، ومنذ تلك الفترة تطورت المنطقة من كافة النواحي وتتطور التعليم بالمنطقة وانتشرت المراكز الطبية في المناطق المجاورة وانتشرت المدارس وتعبدت الطرق ووصلت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات لكل منازل الأهالي، وشيدت العديد من المنازل الحديثة التي بنيت بمكرمة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، مؤكداً أنه بالرغم من التطور الذي جرى بالمنطقة إلا أن الأهالي يحافظون على المهن التقليدية وأهمها الزراعة، وما زال العديد منهم يعمل على تربية الماشية وجمع العسل البري.
سعيد مبارك الصريدي يقول: «منطقة البثنة اشتهرت في الماضي بوجود العديد من العيون المياه وأعداد كبيرة من الآبار العذبة وكثرة البرك المائية، لذلك كانت منطقة معروفة بالزارعة وتشتهر بزراعة العديد من المحاصيل والأشجار خاصة النخيل والمانجو «الهامبا» بالإضافة إلى زراعة نبات الغليون الذي كانت تكثر زراعته في المنطقة».خليفة علي الكعبي يقول:تشتهر منطقة البثنة بوجود قلعة البثنة التاريخية التي شيدت عام 1735 كما تشتهر بوجود عدد من المواقع الأثرية التي تعود للعصرين البرونزي والحديدي لوجود العديد من الآثار التاريخية من فترة ما قبل الإسلام، الموجودة بجانب القلعة كما تشتهر بوجود عدد من بقايا المنازل القديمة التي عاش فيها سكانها قديماً وهم من قبائل اليماحي والزوهري والكعبي والدهماني والكندي والحفيتي والزيودي والصفداني والهريدي وكلهم من القبائل العربية الأصيلة، مؤكداً أن المنطقة تشتهر بريفها وبيئتها البكر ومزارعها الغناء وجبالها الشاهقة التي تحتضنها من جميع الجهات، وأوديتها الوافرة بالمياه في مواسم الأمطار كما تعتبر المنطقة تاريخية وأثرية، يتردد عليها الزوار والسياح من داخل الدولة وخارجها بشكل مستمر.
علي الزوهري يقول: «بفضل التوجيهات الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة،حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، بنيت المساكن الحديثة والمجهزة بالخدمات كافة التي تجعل المواطن يعيش حياة سعيدة ومريحة، كما تجمع الناس بعدما كانوا متفرقين بين المزارع والجبال، وتعبدت الطرق الداخلية للمنطقة والخارجية التي تربطها بالمناطق المجاورة ووصلت خدمات الكهرباء والماء والاتصالات والإنترنت إلى منازل الأهالي».ويؤكد أن منطقة البثنة في حالة تطور ثقافي واستراتيجي من ناحية فئة الشباب المتواجد فيها وفي حالة نضج توعوي وثقافي في نفس الوقت في سبيل خدمة الوطن والعمل تحت مظلة العطاء وضمن المبادرات التي تقيمها الإمارات وهناك شباب واعد يهتم بالتعليم والارتقاء من أجل النجاح.
يضيف الزوهري: «نلت الكثير من التكريمات والجوائز الحكومية بفضل ما قدمته للمجتمع باعتباري من أبرز المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي عام ٢٠١١ وفي ٢٠١٥ نلت جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، كأول عربي على مستوى العالم».كذلك جاء راشد الكندي ضمن الطلاب المتفوقين في جائزة الشيخ حمدان بن راشد للتميز وهناك كثير من الشباب ممن يدرسون خارج الوطن ليواصلوا تعليمهم في بريطانيا وأستراليا وحتى أمريكا، وهذا دليل على ثقافة الشباب الموجود في المنطقة وحكومة الفجيرة قائمة بدورها بمساندة هؤلاء الشباب ودعمها المستمر لهذه الفئة بتوصيلهم لبر الأمان وإتاحة كافة السبل ليكونوا خير ممثلين لوطنهم في المستقبل.

قصص تاريخية

يقول سعيد السماحي مدير هيئة الفجيرة للسياحة والآثار: «تعد قلعة البثنة التي رممت مؤخراً وأعيد تأهيلها من أشهر القلاع الموجودة في الفجيرة، شيدت عام 1735 أي يعود بناؤها إلى ما يقارب 270 عاماً، وتأتي شهرة القلعة من شكلها المعماري الفريد، وحالتها الجيدة من حيث البناء إلى جانب موقعها المتميز، كما تقع في منطقة تعد المدخل الرئيسي لإمارة الفجيرة، لذا اهتم بها الشيوخ اهتماماً كبيراً نظراً لدورها الكبير في حماية الإمارة من غزوات الأعداء، ولهذا بنيت لتكون بمثابة الحصن الحصين لمنطقة البثنة وكافة المناطق المجاورة لها.

وعن شكل القلعة يقول السماحي: شيدت من الحجارة والصاروج على شكل مربع تقريباً، فلا يمكن الدخول إليها الا بواسطة باب صغير لا يزيد ارتفاعه على متر واحد، ويؤدي هذا الباب إلى فناء كبير، ويوجد على جانبيها برجان كبيران يميزان شكلها من الخارج، وتتخلل جدرانها بفتحات كانت تستخدم من قبل المدافعين عنها، وكذلك توجد فتحات بأعلى البرج تكفي لأعداد لا بأس بها من المدافعين ولزيادة حماية القلعة شيدت من الطوب المحروق.وأضاف: “تعتبر قلعة البثنة من أكثر القلاع ثراء من حيث المكتشفات الأثرية، حيث بالقرب منها وحولها تم اكتشاف وتحديد مواقع أثرية عدة يعود تاريخها إلى الألفين الأول والثاني قبل الميلاد وإلى العصور الإسلامية ومن المدافن التي اكتشفت من قبل البعثة الفرنسية للآثار في تسعينات القرن الماضي، ما يشير إلى قرية أثرية متكاملة، حيث عثر على مواقع شبه متلاصقة لا يفصل بينها سوى مسافات بسيطة وتقع خلف القلعة، أما تاريخ هذه القرية الأثرية، فيعود إلى نهاية الألف الثاني وبداية الألف الأول قبل الميلاد، وبسبب هذه الأهمية التاريخية التي تتميز بها البثنة قامت دائرة الآثار والتراث في الفجيرة بتوفير كل ما يلزم من معلومات، كما تعاونت مع البعثة الفرنسية لاكتشاف المزيد من الآثار في المنطقة، حيث توفرت القرائن والأدلة التي تفيد بوجود آثار أخرى بالقرب من القرية ستعمل البعثة على كشف النقاب عنها لمعرفة تاريخ هذه المنطقة بدقة، وعثر علماء آثار سويسريون في عام 1987على مكتشفات أخرى من الأحجار، عليها نقوش بارزة تأخذ شكل الثعبان يعود تاريخها أيضاً إلى الألف الأول قبل الميلاد. (موقع الطويين : الخليج )

Related posts