مشغولات «الخوص» ..غزل الحياة بجدائل النخل

تعرف الأدوات المشغولة من سعف النخيل في دولة الإمارات العربية المتحدة وعموم دول مجلس التعاون الخليجي بمشغولات “الخوص” والخوص هو أوراق سعف النخل، وقد تحمل أسماء وأوصافا أخرى أخرى متعددة منها “السعفيات” أو “صناعة النخيل”.

اعتبر الخوص في الماضي أحدى ضروريات الحياة اليومية عندما كان الناس في الإمارات قديماً، يؤمنون معظم احتياجاتهم من منتجات النخلة على اختلاف أشكالها، ولهذا يطلق بعض الدارسين والباحثين على صناعة الخوص تسميات وأوصافا أخرى، مثل “صناعة المنسوجات النباتية”، أما الاسم العربي القديم لهذه الصناعة العربية القديمة فهي “الخواصة”، وكل ما ورد من الأسماء والأوصاف السابقة يجتمع كله ليرمز إلى صناعة واحدة، حيث تجمع أوراق سعف النخيل وتصنع باليد بطريقة “تجديلة” عريضة تضيق أو تتسع باختلاف ما يودون صناعته به، وتتشابك أوراق الخوص مع بعضها في العمل بعد أن تتحول إلى اللون الأبيض نتيجة تعرضها للشمس.

تكتسب هذه المصنوعات السعفية ألقاً وبهاء إضافياً عند تلوينها بألوان براقة صارخة مثل الأحمر والبنفسجي والأخضر والأصفر ليتم تداخل هذه الألوان بصورة استثنائية تذكر ببراعة الفنان الشعبي القديم الذي لم يوفر حيلة لاستخدام واستغلال كل ما تقع عليه يديه في البيئة المحلية بصورة تبعث الاحترام والتقدير.

 واليوم لا يزال يتذكر أبناء وبنات الإمارات كل يوم عبق أيام آبائهم وأجداهم وجداتهم، ذلك العالم الذي يأبى أن يغادر أو يغيب، سواء بحضوره الشاخص في القلب والذاكرة من خلال آنية أو قطعة صغيرة منسوجة بشكل مدهش، لتأخذ مكانها البارز والمميز في حضن البيت، أو من خلال التجليات البهية التي تفتنهم في كل فعالية تراثية، تعزف بصورة عفوية الحنين على أوتار الدهشة، وتطلق طيب أيام الأجداد في نسمات الهواء، عبر منتوجات يدوية بسيطة ومعقدة ومدهشة في آن معا لتجسد بهاء لحظات قادمة من الزمن الجميل.

ولا يختلف أحد على أن المهن والحرف الشعبية الإماراتية القديمة التي لاتزال بعضها يمارس حتى وقتنا الحاضر التي تعتبر جسرا عظيما لربط الماضي العريق بالحاضر المشرق، فهي حرف ومهن تبرز ملامح أصالة الآباء والأجداد وتذكر الأبناء والنشء الجديد بتاريخهم المجيد وبنتاجهم الإبداعي الإنساني الضارب في القدم، عبر حضوره الشاخص في الصناعات اليدوية والحرف التقليدية في وقت افتقرت فيه أيامهم لوسائلنا العصرية الحديثة، ولهذا يأتي التأكيد على أهمية هذه العناصر التراثية ليصب في نهر خدمة التراث والمجتمع، خاصة وأن العديد من أبناء الأجيال الجديدة يجهلون أسماء ودلالات الكثير من الحرف والمهن التقليدية التي تشكلت منذ زمن بعيد.

وتحرص مختلف مؤسسات الدولة في القطاعين العام والخاص باستمرار في جميع المناسبات الوطنية ومناسبات الأعياد والمهرجانات العامة، برامج متنوعة تصاحبها عروض حية للحرف والصناعات الشعبية، من أجل إبراز تراث الإمارات كهوية وطنية أصيلة وباقية على مر الأزمان، والحفاظ على نقلها للأجيال من جهة، وبهدف تطوير وتسويق الحرف والصناعات الإماراتية، وإيجاد وسائل الدعم للحرفيين المواطنين من جهة أخرى، أما الجانب الترويجي فيشمل ورشا عملية، استعرض فيها الحرفيون مهاراتهم ومنتجاتهم، إلى جانب معارض الصور الفوتوغرافية لبعض الحرف الإماراتية، ومعارض لكتب الحرف والصناعات التقليدية في الإمارات، في حين يتمثل الجانب التوثيقي في الاحتفاء بالحرف والمهن الشعبية من خلال إعداد الأفلام الوثائقية التي ترصد وتسجل أدق التفاصيل الكبيرة والصغيرة بالصوت والصورة عن الحرف التراثية.

إضافة لإصدار الكتيبات التعريفية وإصدار الأقراص الصوتية المدمجة، التي تجسد النداءات والأهازيج المصاحبة لأداء بعض الحرف الشعبية الجميلة، وصولا إلى تصدي مراكز الأبحاث لإصدار الكتب والموسوعات المصورة التي تتضمن أبحاث ودراسات الملتقيات التراثية، وتعمل على الأخذ بالتوصيات التي تطرح في كافة الملتقيات الشعبية السابقة، من أجل أن تسهم بشكل حقيقي في إنعاش الذاكرة وتسهم في إطلاع الأجيال الحالية والمستقبلة على جذورهم وهويتهم المتفردة.

ولهذا السبب أيضا تستقطب المهرجانات التراثية والسياحية في المنطقة التي يشارك فيها الحرفيون والحرفيات من مختلف مدن ومناطق وإمارات الدولة العديد من الزوار سواء أكانوا مواطنين أو عربا أو مقيمين أو سياحا، حيث يفتنون بمعروضات المشغولات اليدوية التقليدية التي يتم عرضها للجمهور، حيث تلقى رواجا واهتماما من الزوار الذين يقتني بعضهم نماذج منها إما بهدف عرضها في منزله وإما بهدف أخذها كهدايا مميزة لأهاليهم وأصدقائهم بعد عودتهم إلى بلادهم، للتذكير بهوية المكان الذي زاروه وبقي مطبوعا في ذاكرتهم ووجدانهم.

المصدر : الاتحاد 4 فبراير 2011

Related posts