وادي مي.. قرية الجمال والتاريخ والكرم وتقع أعلى جبال الفجيرة

355 (6)

وسط أعلى الجبال، تفرد قرية وادي مي سحر جمالها وحضورها الكبير، بالقرب من مدينة الفجيرة، راسمة ملامح الفخر والعز بتاريخ عريق يمتد عقوداً من الزمن، وبسواعد كان قوامها قوة العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي نعتز بها، والتي تناقلتها الأجداد والآباء إلى الأبناء.

وفي سعينا للبحث عن مواطن الحب والجمال، كانت رحلتنا إلى القرية طيبة الأهل وعريقة التاريخ، ومقصد الجمال الساحر، فجاءت لقاءات سكانها، تشبه الأساطير التي يكتبها الزمان..

على بُعد 25 كيلومتراً جنوب غربي مدينة الفجيرة، وعلى الطريق المؤدي إلى قرية الحيل باتجاه اليسار على طريق المؤدي إلى مدينة كلباء ومنطقة وادي الحلو، ترقد قرية وادي مي، بين أحضان أعلى جبال الفجيرة الشامخات. وتشتهر القرية، التي تسكنها قبيلة الكندي منذ مئات السنين، بوجود العديد من الآثار والمواقع، كشهود على البعد التاريخي العريق لها. فهناك المنحوتات والقبور والأبنية القديمة من مخازن للحبوب والتمور فضلاً عن مخازن أسماك الجاشع الناشف ونباتات الغليون القديمة، إلى جانب الكهوف القديمة التي سكنها القدماء وبقايا المنازل والبيوت التاريخية وعدد من الحجارة التي تحوي نقوشاً أثرية.

وتشتهر المنطقة التي يكثر هطول الأمطار عليها، بوجود وادي مي الكبير الذي تجري فيه المياه في مواسم هطول الأمطار لعدة أسابيع، ما أدى لانتشار النخيل والمزارع التي فيها أغلب المحاصيل والحبوب.
يحدثنا الحاج خميس عبدالله خميس الكندي، من منزله الذي تفوح منه رائحة التاريخ والأصالة وحسن الكرم والضيافة العربية، قائلاً: «معيشتنا في الماضي كانت بسيطة، اعتمدنا فيها على جمع عسل النحل البري من الكهوف الجبلية والأشجار، وعلى تربية الأغنام وزراعة النخيل وأشجار المانجو والليمون وحبوب البر والشعير والدخن وجمع الحطب وبيعه، أو تحويله إلى فحم. كما كان يعمل البعض على تسويق التمور ونبات الغليون ومنتجات الحيوانات إلى أسواق كلباء لبيعها أو مقايضتها باحتياجات الأهالي».
يضيف: «منازل وادي مي قديماً كانت لا تتجاوز 10 منازل، منها الشتوية المبنية من الحجارة السود والطين والحصى، والصيفية وهي ما يسمى بالعريش، المبنية من سعف وجريد النخيل، والتي تقام في مواسم الصيف الحارة وسط مزارع النخيل التي كانت تنتشر على مساحات واسعة بين جبال المنطقة، كما كان بعض سكان المنطقة يسكن الكهوف الجبلية القديمة، واستمرت حياة الأهالي على هذا المنوال معتمدين على الزارعة وتربية المواشي وجمع الحطب والعسل حتى انتقلوا خلال مدة السبعينات من القرن الماضي إلى العيش في منازل شعبية ذات طابع حديث مجهزة بخدمات الماء والكهرباء، شيدها لنا المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في عهد المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمهما الله. ومنذ تلك الفترة أصبحت الحياة أكثر راحة وسعادة وأمان أكثر مما كانت عليه في الماضي. كما بنيت مؤخراً العديد من الفلل الحديثة».

كان عدد الأهالي في تلك الفترة القديمة، نحو 20 فرداً، يعيشون متعاونين ومترابطين فيما بينهم على السراء والضراء وكانت الحياة قائمة على مبدأ التعاون والتسامح والمحبة بينهم وبين أهالي المناطق المجاورة، بحسب الكندي.
الوالد سالم خميس الكندي، يقول: «عرفت منطقة وادي مي، منذ القدم بالزراعة خصوصاً نبات الغليون والحبوب والمحاصيل الصيفية وأشجار النخيل وتربية الحيوانات وجمع الحطب، كما عُرفت بكثرة انتشار خلايا النحل البري التي كانت تعد مصدر رزق لعدد من الأهالي من خلال جمع عسل السمر والسدر البري من الجبال وبيعها في أسواق مدينة كلباء والفجيرة والشارقة».
يضيف: «كانت القرية تشتهر بوجود ينابيع ووديان غزيرة المياه ما أسهم في انتشار المزارع واهتمام أهلها بالزراعة حتى وقتنا الحاضر، فكانت محاصيل الأشجار والخضراوات والحبوب، موجودة باستمرار، وكان الأهالي يؤدون أعمال الحراثة والسقي والعناية بالأشجار وفرش الأرض التي تزرع فيها الحبوب من دون الاعتماد على الأيادي الوافدة، إذ يمتلك سكان وادي مي خبرة كبيرة في أعمال الزراعة، كما كانت جبالها تعج بالكثير من الحيوانات البرية، مثل الغزال العربي والوعل الجبلي والأرانب البرية والذئاب والطيور بأنواعها».
لا يزال عبدالله خميس الكندي، يشتم رائحة عبق التاريخ، حين يزور منازل الأهالي في الحارة القديمة بالقرية، وما زالت جدران الآثار المحيطة بتلك المنازل العتيقة تحمل بين جنباتها من الأدلة التاريخية من بقايا منازل قديمة ونقوشات ومنحوتات وأحجار، ما يؤكد توغلها في القدم. كما تؤكد مقابرها القديمة ومخازن حبوبها وأسماكها على أنها منطقة سكنت منذ مئات السنين.
يقول: «منطقة وادي مي ذات أرض خصبة محاطة بالجبال العالية وعدد من الأودية والشعاب الصغيرة التي تجمع وتصب في وادي مي الكبير، الذي يقع في الجهة الشمالية الغربية لأراضي المنطقة. كما تشتهر بوجود العديد من الأفلاج المائية القديمة التي كانت تعد من أبرز الوسائل القديمة وأكثرها استخداماً لري المحاصيل والنخيل، أما الآن وبمكرمة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وتوجيهات من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة، تم بناء سدين في المنطقة، لتخزين المياه بهما، لعدة أشهر، ما يشكل منظراً طبيعياً خلاباً حين يجري الماء في الوادي وتتجمع الطيور حوله. وعلى الرغم من التطور والتحديث الذي جرى في منطقة وادي مي، فإن الأهالي ظلوا محافظين على عادات وتقاليد الآباء والأجداد وحريصين كل الحرص على المحافظة على الآثار التاريخية، بحسب ما يؤكده سعيد علي الكندي.
ويضيف: «التراث العريق للأهالي والأفلاج والحجارة المزخرفة، فضلاً عن مخازن الحبوب والتمور والأسماك التي كانت تستخدم للتخزين في مواسم شح الأمطار وشح المنتجات. وكل هذه الآثار والتراث يعتبر من أبرز المعالم التي تتميز بها منطقة وادي مي».
محمد خميس عبد الله، يقول: «منطقة وادي مي تاريخية وذات طبيعة خلابة تتميز بالهدوء الشديد والهواء النقي وصفاء الجو وجمال جبالها التي تحيط بها من كل الاتجاهات». ويضيف: «المنطقة اشتهرت منذ القدم بالزراعة وتربية الأغنام وكثرة انتشار خلايا النحل البري في كهوف وسراديب جبالها، ولكن في وقتنا الحاضر تناقصت أعداد النحل البري بنسبة كبيرة في المنطقة والمناطق المجاورة نظراً لشح الأمطار والتلوث البيئي الذي قلل من إنتاج العسل البري الأصلي، كما تغيرت أساليب جني العسل البري وصار هناك عدد من الدخلاء على المهنة لا يحترمون أعراف قطف العسل ما تسبب في اختفاء خلايا النحل التي كانت تنتشر بكثرة في الجبال في كل المواسم».(موقع الطويين : الخليج)

Related posts