مسافي الفجيرة.. مدينة عريقة تطمح لتوظيف مقوماتها السياحية والاقتصادية

355 (1) 355

رغم الإجماع على ما شهدته المدينة من تطور لافت خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن الطموحات لا تتوقف عند إنشاء مدرسة أو تطوير مستشفى، لا سيما أن الأهالي يرونها مدينة ذات مقومات جبارة على مستويات عدة، ربما إذا ما حسن استغلالها، يبتسم لها المستقبل وتنال مكانتها المنشودة سياحياً واقتصادياً.
«مسافي الفجيرة»، أو لبنان الصغرى، كما يحلو للسكان المحليين تسميتها، مدينة تتميز بالطبيعة الخلابة والمناخ المعتدل نظراً لموقعها الجغرافي الفريد، وتنوع تضاريسها، وكثرة العيون والأفلاج والأراضي الخصبة المزروعة بمختلف أنواع الأشجار والنباتات.
وتشتهر المدينة بوجود قلعة قديمة تسمى قلعة مسافي يعود تاريخها إلى أكثر من 500 عام بحسب روايات عدة، وهي مبنية من الطين والحجارة وصاروج النخيل. كما يعزز من مقومات المدينة أنها تحتوي على الكثير من الأماكن الأثرية، علاوة على قربها من سوق الجمعة، وهو أحد أقدم الأسواق في الدولة، ويعد قبلة تجارية ومزاراً سياحياً مهماً للمواطنين والمقيمين من مختلف أرجاء الإمارات.

تبعد مدينة مسافي عن مدينة الفجيرة بنحو 30 كيلومتراً، وعلى امتداد الطريق الرابط بينهما تقع العديد من القرى والبؤر السكنية بين أحضان الجبال، وبالتبعية الإدارية وبمفهوم القرب الجغرافي، تعد مسافي مركزاً حيوياً وتجارياً تؤول له مناطق عدة بحثاً عن الخدمات، كمنطقتي «ميدق»، و«مربض».
يبلغ عدد سكان مسافي والمناطق المجاورة لها ما يربو على 20 ألف نسمة، واشتهر سكانها منذ القدم بممارسة أعمال الزراعة بأنواعها، يعزز من ذلك احتواء المدينة على ينابيع وأفلاج عدة، كما يمتهن عدد كبير من أهالي مسافي مهنة بيع العسل البري بعد جمعه من كهوف الجبال باعتباره مصدراً أساسياً لتوفير لقمة العيش الكريم، وتتميز مسافي بزراعة أشجار المانجو، والنخيل بأنواعه والليمون والبرتقال وغيرها من النباتات والمحاصيل الزراعية.

تباشير الاتحاد وتغير الحياة

اعتمد أهالي مسافي قديماً على زراعة أشجار النخيل والمانجو وحبوب البر والشعير والدخن، إضافة إلى جمع العسل من الكهوف الجبلية. وكانت المنازل في الماضي قليلة منها المنازل الشتوية المبنية من الحجارة السوداء والطين والحصى ومنها المنازل الصيفية (العريش) المبنية من سعف وجريد النخيل، يقول المواطن محمد عبد الله اليماحي من أهالي المدينة، مضيفاً: «عشنا في تلك المنازل ظروفاً قاسية وصعبة إلى أن هلت بشائر الاتحاد في سبعينات القرن الماضي، وتحققت الوحدة بفضل الرؤية الثاقبة والحكيمة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه».
ويوضح اليماحي أن تباشير الاتحاد غيرت طبيعة حياة أهل المنطقة، حيث عملت القيادة الرشيدة على تشييد المساكن الحديثة للأهالي، وشق الطرق وتعبيدها، وإنشاء المدارس الحكومية والمستشفيات وانتشرت المراكز الطبية، وتوفرت وسائل النقل والاتصالات وغيرها من خدمات كانت مفقودة.
يضيف: إن مسافي تتميز بتربتها الخصبة وتتوافر فيها المياه بشكل كبير، مما أسهم في انتشار الزراعة وتزايد البقعة الخضراء بشكل كبير، إلا أن استثمار هذا المناخ ليس على الوجه الأمثل، رغم أن المنطقة تعد من أهم المناطق المنتجة زراعياً رغم الإمكانات الضعيفة.
المواطن عبيد علي يقول عن التعليم في الماضي، كان يتركز على قراءة القرآن الكريم، وكان إمام المسجد هو الشخص المسؤول عن تعليم الأطفال القراءة والكتابة، أما الآن ومنذ سنوات تأسيس الاتحاد المجيد، عرفت مسافي المدارس النظامية للبنين والبنات للمراحل التعليمية كافة، وانتشرت مراكز رياض الأطفال وغيرها من المراكز التعليمية للكبار.
وعن قطاع العمل الحكومي، أوضح أن العديد من المواطنين في أزمنة سابقة كانوا يعملون في الزراعة أو حصد العسل البري، إلى غيرها من مهن تقليدية، إلى أن انتشر التعليم في صفوف المواطنين، وتعددت المؤسسات الحكومية في المدن الكبرى، وكان ولا زال الكثير من أبناء مسافي وبناتها من موظفي الحكومة يعملون في مناطق أخرى، إلا أن إنشاء العديد من مقار الدوائر والمؤسسات الحكومية المحلية والاتحادية خفف الكثير من أعباء التنقل ووفر الفرصة لأبناء المدينة للالتحاق بالوظائف في مدينتهم.

مشاريع البنية التحتية

شهدت مدينة مسافي حزمة من المشاريع التنموية في قطاعات البنية التحتية، وكانت لجنة متابعة وتنفيذ مبادرات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بمثابة المحرك الرئيسي لعمليات تطوير المدينة وتزويدها بمرافق خدمية عدة جنباً إلى جنب مع الجهود المحلية، مما شكل لبنة أساسية في تغيير واقع الحياة بالمدينة إلى مزيد من التطور.
وأشرفت اللجنة على تنفيذ مشاريع عدة لتطوير الطرق الرابطة بين مدينة مسافي والمدن المجاورة، ومنها طريق مسافي – الفجيرة، وطريق مسافي – الذيد، وطريق مسافي – دبا، وهي عبارة عن شبكة طرق حديثة وفق المواصفات العالمية، ولعلها شرايين تخدم العديد من المدن والقرى، إلا أن لمسافي نصيب الأسد من النتائج الإيجابية لهذه المشاريع، نظراً لموقعها المتوسط بين تلك المدن.
وضمن مبادرات صاحب السمو رئيس الدولة، أيضاً، حظيت مسافي بمشاريع لرصف بعض الطرقات الداخلية بين الأحياء السكنية، إلا أن الشعبية القديمة بالمدينة لا تزال بحاجة لمزيد من عمليات التطوير بحسب المواطن سالم السلامي.
وأضاف: «أن القيادة الرشيدة للدولة، لا تألو جهداً في سبيل الارتقاء ببقاع الدولة كافة فقد زودت المدينة بكافة المرافق الخدمية، إلا إننا نتمنى من الجهات المسؤولة النظر بعين الاهتمام للشعبية القديمة التي لا تزال تعاني من الطرق الترابية وما يترتب على ذلك من معاناة، خاصة في مواسم الشتاء».
وأضاف أن المدينة اليوم تضم جملة من المرافق والمؤسسات الخدمية، فهناك فرع لبلدية الفجيرة يضطلع بخدمات ميدانية عدة، إلى جانب مركز لوزارة الثقافة ومكتبة عامة ومكتب للشؤون الاجتماعية ومكتب لهيئة الكهرباء والماء ومركز للشرطة وآخر للمرور والجوازات والدفاع المدني إلى غيرها من مؤسسات لم تكن متوافرة من قبل.
عن القطاع الطبي، أشاد بما تحقق من عمليات تطوير في هذا السياق، موضحاً أن المدينة كانت إلى سنوات قليلة مضت تعتمد على مركز صحي بدائي، واليوم باتت تزخر بمستشفى متطور، إلا أن نقص بعض الأقسام الطبية بالمستشفى معضلة يعاني منها بعض الذين يترددون على المستشفى.
جدير بالذكر أن مستشفى مسافي تم إحلالها قبل سنوات قليلة ضمن مبادرات صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله»، وبتكلفة إجمالية بلغت 50 مليون درهم، ويضم المستشفى أقساماً لعلاج الأطفال والباطنية والعظام والأسنان، إضافة إلى أقسام النساء والتوليد والأشعة والمختبرات وعيادات الرعاية الصحية والأنف والأذن والحنجرة والصيدلة.
ويعاني المستشفى من نواقص حيوية تتمثل في غياب بعض الأقسام منها الجراحة والعمليات، علاوة على بعض المرافق الخدمية واللوجستية.
وأضاف: رغم الإقرار بأن المدينة شهدت قفزات نوعية في العديد من مناحي الحياة، إلا إنها لا تزال تفتقر لوجود متنفس نظامي للأهالي، فتخلو مسافي من وجود أية حديقة أو متنزه.

سوق الجمعة مزار سياحي ومنفذ تجاري

معلم آخر مرتبط بمسافي منذ عقود هو سوق الجمعة الذي يقع بالقرب منها ويسمى سوق مسافي، ولكن بسبب الإقبال الشديد عليه يوم الجمعة أطلق عليه اسم سوق الجمعة.
يقول المواطن محمد اليماحي، إن السوق من أكبر المعالم السياحية والأسواق التقليدية التي تحظى بشهرة كبرى في الدولة ويفتح أبوابه كل يوم لعرض بضاعته المتنوعة، ويقع السوق على الطريق السريع بين دبي والفجيرة وسط سلسلة جبلية محاطة بالأودية، ويعتمد بشكل شبه كلي على السياح، الذين يقبلون على شراء الفخار والسجاد والتحف، إضافة إلى الخضروات والفواكه المحلية التي تشتهر بها مسافي ودبا والطيبة وأعسمه، وما يميز سوق الجمعة عن باقي الأسواق أن جميع محلاته مفتوحة ومقامة ضمن أجواء الطبيعة وهي أقرب إلى الأسواق القديمة، وتعتمد على الأسقف لوقاية البضاعة من حرارة الشمس والرطوبة والمطر.

قلعة مسافي معلم المدينة الأشهر

قلعة مسافي أحد أشهر معالم المدينة، وظلت مركزاً تاريخياً لأهلها حتى العصر الحديث. وتطل القلعة على عدد كبير من الواحات الزراعية، وتشكل بناء ضخماً ومتيناً من الطين والحجارة وصاروج النخيل، وتقع على تل صغير منخفض الارتفاع وهي مربعة الشكل وتضم في فنائها غرفاً متعددة بنيت في فترات مختلفة، كما اكتشف أسفلها العديد من الأفلاج الممتدة لبضعة كيلومترات ويعود تاريخها إلى نهايات الألف قبل الميلاد. وتعد القلعة من أبرز القلاع التي تكشف سجل إمارة الفجيرة الحافل بالنضال منذ القدم، وتحكي القلعة تاريخ منطقة مسافي العريق، وتعبر عن سلسلة الأحداث التاريخية التي مرت بها.

كنوز أثرية

كنوز مسافي الأثرية تحظى برعاية بالغة من قبل الحكومة المحلية، هذا ما أكده السلامي، إلا أن المقومات العامة للمدينة على المستوى السياحي يمكن استغلالها بشكل أفضل ليحقق مردوداً كبيراً، ويضيف الرجل الذي التقيناه بمنطقة سوق الجمعة، مشيراً إلى أبنية السوق: «هذا المكان على سبيل المثال، يرتاده الكثير من مختلف إمارات الدولة، وبقدر بسيط من لمسات التطوير ورفده بالخدمات الأساسية، يمكن له أن يكون مزاراً ضخماً، ومعلماً سياحياً كبيراً يحقق انعكاسات اقتصادية».
ويوضح رؤيته القائلة بضعف استغلال مقومات المدينة، بأن من الإنصاف أن نقول إن المدينة باتت اليوم تشهد كافة الخدمات اللازمة، لكن إذا ما تحدثنا عن رغبة جادة في القيام بتنشيط للقطاعين السياحي والاقتصادي، فينبغي القول إن لدينا الكثير من النواقص في هذا السياق.

السياحة والتمدد العمراني والصناعي

يقول المواطن حميد السلامي، إن تفرد مسافي بالطبيعة الخلابة واعتدال المناخ على مدار أيام السنة وانعدام الرطوبة، وانتشار الجبال الملونة؛ يعزز من مقوماتها كمنطقة سياحية شبه متكاملة، إذ تضم آثاراً تاريخية عدة.
وفي هذا السياق جددت هيئة الفجيرة للسياحة والآثار تعاقدها مع بعثة فرنسية وأخرى ألمانية لاستكمال التنقيب عن الاكتشافات الأثرية في مناطق متفرقة من الإمارة، ومنها مدينة مسافي، التي خضعت قلعتها مؤخراً لعمليات صيانة وترميم.
يذكر أن قلعة مسافي كانت قد اكتشفت من قبل البعثة الفرنسية، التي وجدت أسفلها المجرى المائي الأثري الذي يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الميلاد، ووفق التوثيقات كانت تلك المنطقة هي البؤرة السكنية القديمة لأهالي المنطقة، وكانوا يعتمدون فيها على المجرى المائي في ري مزارعهم، فيما يحتمون بأسوار القلعة.
وتضم مسافي مقابر جماعية عدة كما تضم مقتنيات أثرية عدة، تؤكد وجود حياة وتفاعل مع الحضارات العريقة كحضارة أم النار وماجان ودلمون وحضارة «وادي سوق». (موقع الطويين : الخليج)

Related posts