سوق الجمعة.. نزهة على مدار الأسبوع والشعاب ترسم موقعه المتميز بين الجبال والأودية


355 (3) 355 (4)

حين تقرر الذهاب إلى سوق الجمعة في الفجيرة، عليك أن تستخدم صيغة التفضيل، فهو الأقرب والأجمل والأقدم والأرخص. تجده على طريق الفجيرة دبي، وعلى الرغم مما يوحي به اسمه، فإنه يظل مفتوحاً طوال أيام الأسبوع، ولا يمكن أن تجد مكاناً لقدم فيه خلال أيام الشهر الفضيل فهو الذي يلبي احتياجات زائريه بأفضل الأسعار.
سوق الجمعة الذي يمكن للجميع التجول فيه والمساومة لشراء السجاجيد والمصنوعات الفخارية والنباتات والفواكه والخضراوات التي تزرع محليًا والتي تكون أسعارها أقل كثيرًا من منافذ البيع الأخرى الشهيرة في المنطقة. إليه ذهبت وأمام منصات البيع على جانبي الطريق وقفت لأرصد وأنقل تفاصيل وملامح حياة ذلك السوق الذي أصبح وجهة مفضلة للمواطنين والزوار من كل حدب وصوب خلال أيام الشهر الكريم..

ساعة تقريباً هي المدة الزمنية الفاصلة من مدينة الشارقة إلى سوق الجمعة على مشارف الفجيرة، ساعة من الزمن ولكنها كفيلة بأن تجعلني أعيش بين تلك الطبيعة الفريدة من نوعها، التي وهبها سبحانه وتعالى لتلك البقعة المميزة على الأرض.

نشق الطريق عبر تلك الرمال الصفراء، بحنينها وتوحشها وتمردها وجنونها وعطفها وكل تناقضاتها التي تأسر البشر، نعبر الدروب من الإمارة الباسمة فنتأمل تلك الصلبة الشامخة التي استطاع الإنسان أن يروضها ويحول من رمالها الملساء ذهباً يلمع أمام الأعين. أشرد بذهني بعيداً حين أفتح زجاج نافذتي لتدخل رائحة الماضي إلى صدري دون أي استئذان، المشهد يفوق الوصف فها هي الجبال الصلدة تجعلني أفيق من حالتي لأسمع صوتها من بعيد مهللاً بالترحاب. وبكل الحنان الذي تخفيه بين صخورها تحتضنك لتشد حواسك جميعها لتجد روحك هائمة فلا تملك سوى الهرولة مسيراً لا مخيراً، لترتمي بنفسك بين أحضان ذاك المكان الأسطوري البديع في جماله.
ما إن وطأت قدماي أرض المنطقة القابع بها سوق الجمعة إلا وأصابني الذهول والصمت. فأنت تقف أمام لوحة ربانية من عناصر الطبيعة فالسوق يقع وسط سلسلة جبلية، محاطة بالأودية والشعاب ويتنوع بالمحال التجارية التي تعرض المنتجات المحلية، من فواكه وخضراوات التي تشتهر بزراعتها مناطق مسافي ودبا والطيبة وأعسمة، مثل البرتقال والموز والمانجو والبطيخ، أقف لألتفت حولي فأجد أن الأمر لم يقتصر على بيع الخضراوات والفاكهة، بل إن الأمر امتد ليشمل الصناعات الحرفية كالفخار والأواني المنزلية المصنعة محلياً والمنتجات المستوردة كالسجاد العجمي والإيراني بمختلف ألوانه وأشكاله، بالإضافة إلى مشاتل لبيع فسائل الأشجار والنباتات بشتى أنواعها.
هند الحاجب كانت بدأت رحلتها في التجول في السوق بعد أن صفت سيارتها، وبدأت من عند ركن الخضراوات اقتربت منها لأسألها عن سر شرائها من هذا المكان تحديداً، فأجابتني قائلة: «الحقيقة أنني من الذيد ولن أقول لك إنني أتسوق من سوق الجمعة أسبوعياً، ولكنني في الشهر الكريم أفضل سوق الجمعة لأسباب كثيرة أهمها أن المكان يبهرني سواءً من حيث موقعه والجبال التي تحيط به، أو من خلال معروضاته الجميلة والمتنوعة، وجميعها منتجات محلية وهذا هو سر انجذابي له ثم أنني أجد كل ما أحتاج إليه، وحقيقة فهو مميز وأسعاره خصوصاً في شهر رمضان تكون أقل بكثير من الأماكن الأخرى، ولا يمكن أن أبخس حق أهل المنطقة والبائعين أيضاً فلقد لمست طيبتهم وكرمهم وهم يرحبون بوجود كل زائر في منطقتهم، وهذه هي من عادات أبناء الإمارات».
تركت هند وانتقلت إلى المحال التي تبيع السجاد وهي كثيرة للغاية ليستوقفني أحد البائعين الذي تطوع ليمدني بالعديد من المعلومات الخاصة ببيعه في سوق الجمعة. بدأ سومير حديثه قائلاً: «أهم ما يميز هذا المكان عن باقي الأسواق أن جميع محاله مفتوحة ومقامة ضمن أجواء الطبيعة وهي أقرب إلى الأسواق القديمة وتعتمد على الأسقف لوقاية البضاعة من حرارة الشمس والرطوبة والمطر. وهنا يستطيع الزائر أن يجد السجاد بمختلف الألوان والأحجام والأشكال بداية من المستورد من تركيا وإيران والصين والسعودية حتى المحلي المصنوع في جبل علي، الذي دخل حلبة المنافسة وأصبح جاذباً للجمهور خصوصاً السائحين».
تركت سومير وتجولت بين ملامح الوجوه التي تبيع السجاد بمختلف أنواعه، فلفت نظري أن معظم البائعين من الأفغان وقلة من الباكستانيين، الذين أصبحوا متخصصين في بيع هذا النوع من البضاعة بحكم خبرتهم الطويلة وارتباطهم الوثيق بصناعة وبيع السجاد.
كمبرلي ستامب، هولندي الجنسية، استوقفني كثيراً حين وقف متأملاً ركن الشتلات التي يفترش بها البائعون أرض السوق اقتربت منه وتحدثت معه لأعرف أنه من سكان الفجيرة، وترك هولندا منذ سنوات عدة وقرر الاستقرار بحسب قوله إلى جانب هذه الطبيعة الخلابة التي لم يجد لها وصفاً.
يقول ستامب: «أنا مفتون بالنباتات وأهوى شراء الشتلات الصغيرة لأزرعها في حديقة منزلي. تعودت أن أزور هذا المكان من وقت إلى آخر ولأنني أحب الاختلاط بالبشر ومراقبة عاداتهم فأنا أفضل المجيء في أيام شهر رمضان لأشهد تلك اللحظات المكتظة بالبشر وبالطبع أزور هذا السوق المفضل لدي لأنه يعتبر منفذاً مهماً وحيوياً لبيع فسائل الأشجار والنباتات بشتى أنواعها، إلى جانب الخضار والفواكه التي تجلب من المناطق المحيطة».
يضيف: «هنا على سبيل المثال لا الحصر يزرع البرتقال والموز والمانجو، والبطيخ والشمام واللوز والرطب والطماطم، إضافة إلى الحيب الأبيض الذي يستخرج من جذوع صغار النخل بعد تقشيرها لذا أعتبر المكان عالمي الخاص الذي أحقق من خلاله أحلامي البسيطة».
عزيزة عيد كانت تقف لشراء بعض من احتياجاتها في قسم الفواكه، تتحدث قائلة: «أجواء السوق مميزة ويأتي إليه العديد من السكان من جميع المناطق والضواحي. وأنا من رواده ومن المترددين عليه باستمرار، فهو يقع في مكان استراتيجي يربط السوق، بكل من إمارة الشارقة وإمارة رأس الخيمة، بالإضافة إلى إمارة الفجيرة، ويغطي جميع ضواحي هذه الإمارات، وفيه يجد الزائر كل ما يحتاج إليه».
وتضيف: «السوق مميز وفريد، ويقع في مكان جميل وسط سلسلة من الجبال وأسعاره مميزة للغاية وكل من يتحدث عنه من المواطنين الكبار في السن يقول إنه لا يزال يحمل بصماته القديمة، فمنذ تأسس قبل 30 عاماً وأكثر، والسوق ما زال يوفر للأسر في المنطقة والمدن والقرى المحيطة بها، كل مستلزمات الحياة والاحتياجات الضرورية. وأيضاً أهم ما يميزه هو الفصال في الأسعار فنحن نعرف كيف نساوم البائعين حتى نصل إلى السعر المناسب، بمعنى أننا لا نتركهم يعبثون بالأسعار، كما هم يريدون فكل شيء نعرف ثمنه».
ويبدو أن الشتلات حصدت نصيب الأسد في جذب السياح للمكان وهذا ما عرفته من جوليانا أندرو، التي وقفت تشتري بعضاً من الشتلات لتقول: «أهم شيء لفت نظري وأعجبني في هذا المكان أن كل ما يعرض من أدوات منزلية ومن مجسمات لمعالم في الدولة، ومن أحواض لزراعة الأشجار، جميعها تصنع محلياً في عدة مناطق من الإمارات، كما أن السوق يعتبر من أكثر الأسواق التي تعتني بالمشاتل التي تعرض شتلات لمختلف الأزهار والورود، ولأنواع كثيرة من الفواكه والخضار، وهي التي تغذي الكثير من المزارع المنتشرة، في مناطق مثل مسافي والذيد وأذن وشمل، والحقيقة أنني سعيدة بمعيشتي وسط كل هذا الكم من الطبيعة الخلابة».
تركت جوليانا وشردت بذهني وأنا أتابع حركة البيع والشراء التي تصل لذروتها كلما اقترب موعد انطلاق مدفع الإفطار فوجدتني أعود بالذاكرة نحو 30 عاماً حيث احتل «سوق الجمعة» موقعه في هذا المكان ذلك المكان الذي بدأ على يد أحد أبناء منطقة مسافي الذي افتتح محلاً صغيراً يبيع فيه منتجه من العسل المحلي، على قارعة الطريق الموصل بين الذيد والفجيرة وتحديدا في منطقة مسافي. بعد ذلك تكاثرت حوله الدكاكين والمحال الصغيرة، التي أصبحت فيما بعد تبيع منتجات من المنطقة مثل الفواكه والخضار، على عابري السوق والزوار القادمين إليه من مختلف مناطق الإمارات، ومن ثم تحول إلى سوق يأتيه كل يوم جمعة، المواطنون من مختلف المناطق، لشراء احتياجاتهم وأشيائهم الضرورية، بل تحول أيضاً إلى مقصد ومزار سياحي من الطراز الأول.
قبل أن أغادر تلك المنطقة الساحرة الجمال استوقفتني نرمين روبنكي تلك السيدة اللبنانية التي تعيش في إمارة الشارقة والتي على حد قولها أصابها الانبهار من منطقة السوق. تضيف: «يعتبر هذا المكان من أهم المعالم المميزة للدولة إذ يقع ضمن سلسلة جبال تحيط بمنطقة مسافي، وعلى كل زائر للفجيرة، أن يمر أولاً بهذا السوق ليستمتع بأجوائه الجميلة. والحقيقة أنني سعيدة برحلتي إلى السوق خصوصاً في أيام الشهر الكريم لشراء كل لوازمنا واحتياجاتنا، حيث يوفر كل ما يحتاج له الناس، ولا أبالغ إذا قلت إن السوق فريد في طابعه، ومتميز في موقعه، ويربط أطراف عدة مناطق وضواح من إمارات الدولة». (موقع الطويين : الخليج)

Related posts