«الوعوب» أماكن تنتظر الربيع

تسقى عبر تحويل أمطار الأودية لتكون مصدر خير للزراعة

تتواجد في الإمارات أماكن كثيرة تستوجب الدهشة، حين يأتي الربيع محملا بالسحب الحبلى بالأمطار، ومن بين تلك الأماكن بعض المناطق التي يحتفظ أهلها بمواقعها سراً مغلقاً فيما بينهم، لا يخبرون أحداً عن مكانها خشية أن تعبث بها الأيدي التي لا تعرف إلا “الاستثمار”، دون مراعاة لتاريخ تلك المناطق، التي تقع في معظمها في الفجيرة ورأس الخيمة، وتعد رمزاً من رموز الحياة الماضية التي خلفها الأجداد للأبناء، ولا يزال أهل تلك المناطق يزرعونها بالقمح، وهي مليئة ببرك الماء وتستخدم خلال المواسم التي لا توجد فيها مياه، وتشتهر تلك المناطق بالمحاصيل المتنوعة.

تلك البرك تسمى “وعوب”، وتسقى بطريقة المسيلة، اي عبر تحويل الأودية التي تجري بقوة عقب سقوط الأمطار لتكون مصدر خير للزراعة في المنطقة. وتشتهر تلك المناطق بالكثير من الأشجار مثل السدر والسمر، وتنبت بها الأعشاب الشعبية مثل الرمث والحرمل والظفر والغته، ونباتات تؤكل من أجل دفع ضرر الدهون التي قد تتراكم في جسد الإنسان، ويقبل الأهالي فقط على زيارة تلك المناطق التي تخضر وتزهر بها أنواع من الزهور والورود، كما تعمل الأمطار على ظهور النباتات الخاصة بالرعي ومنها السخبر والشحيمة والشكاع والكويثر وأيضا أعشاب التمرة والسمانة، وبعضها لا يظهر إلا عند الربيع والبعض عقب سقوط المطر.

في تلك الأماكن المليئة بالمياه التي جمعت من الأمطار يقضي الأهالي أوقاتهم في مراقبة المزروعات والمحاصيل، وفي ذات الوقت يقضون أياما جميلة تعد إجازة لاستنشاق الهواء العليل وتناول الخضراوات الطازجة واستخدام مياه الأمطار للشرب والطعام وغسل الملابس وسقي المواشي، ولا تزال هذه البرك مستعملة حتى اليوم، وتوجد في بعض الأماكن بقايا أثرية ربما تعود إلى مايزيد على مائتي عام إلى جانب المساكن القديمة للسكان الأصليين للمنطقة،

 وفيما يتعلق بطرق تحويل مياه الأمطار للاستفادة منها، كان يتم حفر ما يسمى مسيلة من الرمال، ومن خلالها يحول مجرى سير الأمطار، فيأتي من الوادي بدل أن يذهب هباء ليصب في البركة، كما يتم حفظ المياه في أوعية فخارية تسمى “حب” تشبه الجرار، ويشرب منها الماء الذي يبقى بارداً في الصيف، وتوجد مناطق جميلة في الشتاء والربيع ولكنها غير مخصصة كاستراحة لزوار المنطقة كي لا يتم العبث بها، وأهل تلك المناطق يحاولون قدر الإمكان المحافظة على الآثار التي بقيت منذ قديم الزمان، حيث توجد آثار تعود إلى ما يزيد على 200 عام مثل الرحى التي يطحن بها القمح، ناهيك عن مساكن بدائية حجرية مسقوفة بأشجار العسبق.

سكان المناطق المجاورة يأتون لزيارة تلك المناطق خصوصاً من يملكون مزارع أو مساكن للأجداد فيها، وعلى من أراد أن يقضي بها يوماً تحت أشجار السدر والسمر الا ينسى اخذ “أجمل قيلولة”.

اما اكثر من يقصد تلك المناطق فهم أهل الطويين والجريف والريامة، وهي مناطق بعيدة عن المساكن الأصلية وبعيدة عن النشاطات الحيوية، ووعورة الطريق اليها تجعلها بعيدة عن العيون وعن العبث بها، حيث بقيت مكاناً حافظ على فطرته الأولى، ولكن روعة تلك المناطق لا تظهر إلا عند قدوم الأمطار وفي الربيع.

المصدر : الاتحاد 1 يونيو 2010 ملحق دنيا

Related posts