ديوان «صدفة».. أوراق حب تتناثر في قصائد شعرية

لم تكن الصدفة هي التي قادته إلى عالم بلا خرائط، عالم فسيح من الشعر والخيال ولكنها صدفة هي المنطقة التي دخلها الشاعر محمد سعيد الظنحاني، ووقف عندها ليعيد إنتاج تلك الحالات الشاعرية التي اختزنها من خلال حله وترحاله في مجموعة شعرية جديدة سماها صدفة صدرت عن هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام من القطع المتوسط في الشهر الخامس من العام الجاري.

ولم تأت تسمية هذه المجموعة «صدفة» من باب المصادفة أيضاً، بل للحضور الكبير الذي حققته هذه القصيدة في أنحاء العالم العربي، بعد أن قدمت مغناة في مقدمة المسلسل التلفزيوني «أوراق الحب»، وقد تنقلت بعدة وسائل لدى الكثير من عشاق الشعر النبطي، لا سيما خلال أجهزة الهواتف المتحركة، حيث لاقت هذه القصيدة انتشاراً واسعاً قاد الشاعر لتسمية المجموعة الجديدة بعنوان واحدة من أبرز القصائد فيه، ولكنها قد لا تكون أجملها، إذ إن جماليات القصيدة تتحرر من شخص لآخر.

وحسب تقديم الشاعر إبراهيم حامد الخالدي، فإن الظنحاني يؤاخي في صدفته بين القصيدة النبطية وقصيدة التفعيلة وبين النمط الموروث والشكل المستحدث، لا سيما وأن قصيدة التفعيلة كما أشار تعاني الآن من عقوق أبنائها وعزوف أترابها.

ويبدو اجتهاد الشاعر واضحاً في تقديم لغة لا تغوص في مفردات تبعد الحالة الشعرية عن وهجها وبساطتها ولا تنغمس في تفاصيل اللهجة المتداولة يومياً، فكان الغوص في فضاء لغة تشبه السهل الممتنع وتحلق في عالم عاشق للشعر وللقصيدة في آن معاً.

من عالم العنوان يمضي الشاعر في قصيدة صدفة «صدفة.. واللقا صدفة.. صدفة ويا حلوها صدفة.. عيني تلتقي بعينك وقلبي يسأل وينك.. آه.. يا خوفي وحنينك.. آه ما أجمل سنينك»، وقد نظمها قبل عامين في الفجيرة ليعيش الشعر حالة حب تلقي بظلالها على كل القصائد التي مر بها والتي تتوهج في قصيدة أخرى عنوانها «مسكين قلبي»، ولا يبخل الظنحاني في تقديم جرعة حب أخرى عبر بوح شفاف ينساب بموسيقى داخلية إذ يقول «مسكين قلبي ما لقى من يراعيه حتى صداه يرد من وين ما صاح.. انتظرني يا سحاب لا تعجل بالغياب، القمر ما له أثر غاب عن عيني النظر والعمر أصبح سراب انتظرني يا سحاب».

لا يغفل قارئ قصائد الظنحاني هنا البعد الدرامي الذي تحفل به القصائد فتراه يحكي قصة ذات أركان درامية واضحة، يذكر فيها بسمعته العطرة ككاتب درامي، فثمة زمان ومكان يعانق فضاء الكلمات المتناثرة في عقد الشعر، ولا يقترب الظنحاني كثيراً من الدراما حتى لا يفقد الشعر سحره بجدائل الحكاية، ولا يغيب كثيراً عن خيالات القصة كي يكون لوقع القصيدة ووقع الشعر والكلمة الألق الاجمل، ومن قصيدة «مطر ونجوم لندن» يبرز الظنحاني هذا الجانب قائلاً: «..مساءك مطر ونجوم وقنديل يحبه الليل ونورك مع القنديل يتباروا.. بلا هازم ولا مهزوم.. وهمسك نوح بأوجاع الظلام.. ممزوج بوله محروم.. وبوحك متل طرق النمل ع الرمل بعضة المكلوم».

وينتظر عشاق شارات المسلسلات الدرامية الشعرية شارة مسلسل «ما نتفق» التي يصر الظنحاني على ان تحمل بصمته ورؤيته لما تحتويه حلقات العمل التي انتهت عمليات تصويرها قبل أيام ونختصر بعضاً مما تضمنته القصيدة بأبيات يقول فيها: «نتفق.. يا صاحبي ما نتفق تاهت بنا كل الحواري والطرق.. كل ما مشينا نفترق واحنا دنيانا عشق لكننا ما نتفق».

وفي واحدة من لحظات خلوته بروحه وطفولته يستذكر الظنحاني قريته الوادعة دبا الفجيرة، فيخاطبها كمن يخاطب حبيبته: «يا مدينة يا حزينة.. يا مالكة قلبي وحنينه، احفظي آخر كلامي وافهمي اللي تبينه.. من عشقتك ما عرفتك إلا شفافة وأمينة».

رحلة قصيرة يقضيها المرء بين ثنايا ما نسميه رحلة شعرية شفافة يقودها إحساس عال بالكلمة، وضوء في آخر النفق، يتلمسه المرء بيديه، ويرفعه إلى السماء كي تنير بعضاً من أمل وحب وتفاؤل.. وأشياء أخرى برسم شعرية الصورة والكلمة.. ومحمد سعيد الظنحاني.

المصدر : البيان 14 يوليو 2011

Related posts