الخيول العربية الأصيلة

   

الخيل العربية:

 يعتبر اقتناء الخيل والاهتمام بها في الماضي مظهراً من مظاهر القوة والجاه و السلطان، والمتتبع لتاريخ العرب وتراثهم يلاحظ الدور الهام للخيل في حياتهم، و لقد خاض العرب المسلمون معاركهم التي غيرت مجرى التاريخ البشري كله على ظهور خيولهم الأصيلة. وكان العرب المسلمون يكرمون الخيل ويقدرون فضلها بل كانوا يؤثرونها على الأهل والولد. ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا أمره باتخاذ الخيل وارتباطها في سبيل الله فقال الله تعإلى: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم). ويحدثنا أحد الصحابة رضوان الله عليهم وهو وهب بن منبه عن كيفية خلق الخيل فيقول: لما أراد الله أن يخلق فرس قبض قبضة من ريح الجنوب وقال ( إني خالق خلقاً منك أجعله عزاً لأوليائي وذلاً لأعدائي وجمالاً لأهل طاعتي ثم خلق من تلك القبضة فرساً). وكانت الخيل في الماضي متوحشة تعيش مع الحيوانات و الوحوش في البراري، و كان الناس في العصور القديمة يصطادونها لأكل لحومها والاستفادة من جلودها. واستطاع الإنسان في تلك العصور أن يميزها عن بقية تلك الحيوانات بسرعتها وجمال منظرها فأراد الإمساك بها والاستفادة منها في تنقلاته لذلك فكر في كيفية صيدها وترويضها.

الخيول في التراث العربي:

شهدت الجزيرة العريية منذ آلاف السنين علاقة مميزة جمعت الخيل والصحراء والانسان العريي. ولم تكن الرابطه بين العريي والخيل مجرد وسيلة ركوب ينتقل بها المسافر، أولية يركبها المقاتل، بل علاقة امتزجت بالحب والصداقة والوفاء. فاهتم البدوي بتريية حصانه والتحف معه نفس الخيمة وشاركه طعامه وشرب معه حليب الناقة في المواسم التي تسبق الأمطار و يغيب فيها العشب.

ان تراثنا العريي الغني يحمل لنا الكثير من الدلائل والنماذج التي تبين لنا مكانة الخيل في المجتمعات العريية قبل الاسلام وبعده. لقد كان الحصان عندهم هو المال والجاه حتى أن البعض يقيم الاحتفالات عندما تلد الفرس والبعض يفضلها على عياله. وكان للخيل في الشعر العريي منزلة رفيعة فأعطوه العديد من الصفات المرتبطة بالسرعة مثلى المسح والمشرحف والسبوح. وأعطوا صفات عديدة لطول الحصان الدال على سرعته مثل السلهب والشرجب و السلجم.

فعلى سبيل المثال نرى العباس بن مرداس يصف الحصان فيقول:

جاء كلمح البرق يعتفو ناظره تسبح أولاه ويطفو آخـره

أما عنترة بن شداد فيصف حبه لحصانه الى الحد الذي كان فيه يلوذ عنه أثناء القتال فيقول:

أقيه بنفسيي في الحروب وأتقي بهادية انى للخليل وصول

وكلنا يتذكر حرب داحس والغبراء التي نشبت بين قبيلتي عبس وذبيان لسنوات طويلة وكان سببها خلافا حول سباق جرى بين حصان يدعى داحس وفرس تدعى الغبراء يملكهما قيس بن زهير بن جذيمة العبسي وحصان الخطار وفرس تدعى الحنفاء يملكهما حذيفة بن بدر الذبياني

وجاء الاسلام ليبقي على مكانة الحصان عند العرب ويعزز مكانته ويدعو المقتدر الى امتلاكه، فدور الخيول في المعارك كان أساسيا. وقد تمت الإشارة كثيراً للخيل في كتاب الله المجيد فنجده سبحانه وتعالى يقسم بالخيل في سورة العاديات: ((و العاديت ضبحا* فالموريت قدحا * فالمغيرت صبحا * فأثرن به نقعا * * فوسطن به جمعا  صدق الله العظيم(.

وفي سورة الأنفال يقول سبحانه وتعالى: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل *} صدق الله العظيم.

ومن ناحية أخرى نجد رسول الله محمد ابن عبدالله (صلى الله علية وسلم) يحث المسلمين على اقتناء الخيل والمحافظة عليها في العديد من الأحاديث الشريفة نذكر منها:

" الخيل معقود في نواصيها الخير".

" المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها".

" من كان له فرس عريي فأكرمه، أكرمه الله، وإن أهانه أهانه الله ".

" عليكم بإناث الخيل فان ظهورها عز وبطونها كنز".

 ونظراً لمكانة الخيل عند العرب فقد جعلت الروايات الكثيرة منها أسطورة من الأساطير. فمن ناحية تذهب بعض الروايات إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق الخيل من ريح الجنوب، ولذا فهي سريعة في العدو. ومن ناحية أخرى يصف الرواة " البراق " الذي عرج به سيدنا محمد (صلى الله علية وسلم)  الى السماء بأنه على هيئة حصان مجنح، ويروى أن " الميمون " كان حصانا مجنحا ركبه أبونا آدم في الجنة

لقد كان الحصان العريي منتشرا في الجزيرة العريية أينما وجد الانسان العربي وكانت هذه السلالة الفريدة موجودة في هذه المنطقة وحدها، حتى جاءت الفتوحات العربية الاسلامية لبلاد العالم المختلفة وساهمت في انتشار دم الحصان العريي وامتزاجه مع سلالات أخرى عديدة وبالذات الأوروبية منها مما ساهم في تحسين نتاجها.

الخيول والانسان عبر التاريخ:

لقد بينت الرسوم القديمة في بعض الكهوف مثل التي اكتشفت في اسبانيا وجنوب فرنسا أن العلاقة بين الانسان والخيل تمثلت بشكل أساسي في صيد الخيول من أجل الغذاء قبل فترة تزيد عن 35000 سنة (7). وبعد أن تمكن الانسان من استئناس الخيل بدأ يستخدمها للقيام بمهام مختلفة منها الفروسية والرياضة ولصيد ونقل الأحمال وأمور أخرى.

 الفروسية:

ارتبطت الفروسية بالحروب والقتال منذ زمن بعيد. واستخدم الحصان في الغزوات والمعارك صغيرة كانت أم كبيرة في مناطق عديدة من العالم. ومن الفرسان الذين خلدهم التاريخ العريي عنترة بن شداد وحمزة بن عبد المطلب وخالد بن الوليد. وقد عرف العالم كذلك فرساناً لهم شأنهم مثل هانيبال وجنكيز خان و ويليام كافنديش.

كان دور الخيول متميزاً في الحروب، فنرى الإمبراطوريات تقتني أعداداً كبيرة من الخيول للحروب. لقد اهتم الخلفاء المسلمون بتزويد جيوشهم بأعداد كبيرة من الخيول فمثلا كان لدى الخليفة المعتصم ما يزيد عن 130000حصثان. وكان لكل فارس في جيش جتكيز خان خمس خيول. لقد شهدت الحرب العالمية الأولى مشاركة ما يزيد عن مليون ونصف من الخيالة، في حين أن الجيش الروسي كان يضم ما يزيد عن 2،1 مليون من الخيالة الى جانب المدرعات أثناء الحرب العالمية الثانية .

الرياضة:

كان سباق جر العريات بواسطة الخيول معروفا في الألعاب الأولمبية منذ عام 680 قبل الميلاد، وتبع ذلك سباق الخيل بأشكاله كما تعرفه الآن، وكان أول سباق للخيل في الأولمبياد اليوناني في عام 624 قبل الميلاد (8). أما لعبة البولو التي ترجع تسميتها الى كرة بلغة أهل التبيت فكانت معروفة في فارس والصين منذ حوالي 2500 سنة .

الصيــد:

استخدم العرب قديما الخيول للصيد وبرعوا في صيد الحيوانات البرية على ظهور جيادهم ويمكن الاشارة هنا الى امرىء القيس الشاعر الجاهلي المعروف خاصة في معلقته التي يقول فيها واصفاً إحدى رحلالته للصيد على جواده في هذا البيت:

وقد أعتدى و الطير في وكناتها بمجرد قيد الأوبدا هيكل

من ناحية أخرى تبين الرسوم الآشورية والمصرية القديمة كذلك صوراً لفرسان يصطادون الأسود والثيران البرية. وقد ظلت هواية الصيد باستخدام الخيول منتشرة بشكل خاص بين النبلاء في البلدان الأوروبية حتى يومنا هذا .

نقل الاحمال والعمل:

تم استخدام الحصان في الكثير من البلاد الآسيوية والأوروبية لنقل الأحمال والتنقل منذ أكثر من 4000 سنة. ومازلنا نستخدم كلمة قوة حصان (Horse Power ) بالنسبة الى الآلات اشارة لقوة الخيول عند أدائها الأعمال المختلفة آنذاك ان كانت في الحقول أو نقل البضائع أو غيرها.

غذاء الخيل:

 تعتبر التغذية من العوامل الأساسية في تربية الخيول والعناية بها، فالاستفادة القصوى من الحصان في جميع مجالات الاستخدام تصبح ممكنة إذا ما توفرت له الأعلاف الضرورية التي تمده بالفيتامينات والبر وتينات والكربوهيدرات والعناصر المعدنية المختلفة، وتختلف احتياجات الخيول من الأعلاف بحسب فصائلها، فالخيول ذوات الدم الحار تكون متوسطة الوزن و لا تحتاج إلى كميات كبيرة من العلف وعلى العكس من ذلك تماما فإن الخيول ذوات الدم البارد، الثقيلة الوزن، تستهلك كميات وفيرة من الأعلاف لأن جهازها الهضمي أكثر اتساعا وحجماً من غيرها.  

أنواع العلف المستخدم لتغذية الخيل:
أ- البرسيم: ويعتبر من أفضل أنواع العلف للحصان ويفضل تقديمه جافاً.
 
ب-الجزر والشمندر العلفي: وهي أعلاف صحية و مفيدة وسهلة الهضم ولذيذة المذاق وتستسيغها الخيول وتقبل عليها بنهم.
ج- الحشيش الأخضر: ويشكل لدى توفره العلف الأساسي في تغذية الخيول.
د- الشعير: الذي يعطي الخيل طاقة كبيرة ويستخدم عادة منقوعاً في ماء مغلياً للحصول على أكبر قدر من الاستفادة.
هـ- فول الصويا: من أكثر أنوا الحبوب مصدراً للبروتين.
و- بذور الكتان: و لها تأثير مفيد على القناة الهضمية كما أنها تكسب جلد الخيل لمعاناً وبريقا.
ز- التبن: وهو من مواد العلف المالئة للبطن مثلها مثل الفول والشعير و
تبن القمح الذي يسمى محلياً (لشوار

الحصان العربي:

يعتبر الحصان العريي بلا منازع أجمل الخيول الموجودة على الاطلاق. فشكل جسمه يعد روعة في الجمال والتناسق، إذ يتراوح ارتفاعه من 150 الى 160 سم، ولونه اما رمادي، أو أشهب، أو بني، أو أسمر، أو أشقر، أو أدهم.

يتسم الحصان العريي كذلك بقدرته الهائلة على الصبر وتحمل الجوع والعطش والتأقلم مع حرارة الجو، اضافة الى سرعته الفائقة في العدو. ونظراً لميزاته ونقاوة سلالته استخدم في إضفاء صفات حميدة ومرغوبة على أغلب سلالات الخيول العالمية والتي أكسبها شهرة وجمالاً. لقد ساهم فتح المسلمين أرض مصر عام 20 هجرية في دخول سلالة الخيول العريية شمال أفريقيا. ومن المعتقد كذلك بأن القبائل العربية مثل بني هلال وبني سليم وغيرهما عندما نزحوا من الجزيرة العريية الى أفريقيا في هجرتهم الكبرى الى مصر سنة 109 هجرية أخذوا معهم خيولهم العريية فزاد من انتشار هذه السلالة في مصر وشمال أفريقيا. من ناحية أخرى يعتقد أن الفينيقيين هم أول من ادخلوا الخيول العريية الى أوروبا، الا أنه كان للفتوحات الإسلامية دور بارز في ادخال الخيول العريية الى سلالات الخيول الأوروبية.

في القرن السابع عشر والثامن عشر تم استيراد ثلاثة من الجياد العربية الأصيلة الى انجلترا وهي:

  1. بيرلي تورك في عام 1689

  2. دارلي أرابيان في عام 1706

  3. غودولفين أرابيان في عام 1706

ونتج عن تلقيح الجياد الثلاثة لخيول من السلالة الانجليزية بروز سلالة خليط جديدة تدعى Thoroughbred وهي من أغلى خيول العالم الآن لكونها الخيول المستخدمة في السباقات العالمية المعروفة في داربي ببريطانيا وكذلك في أمريكا. من ناحية أخرى نتج عن تزاوج الخيول العريية والسلالة الخليط سلالة أخرى تعرف اليوم بالأنجلو عرب ) Anglo Arab ولها شهرتها في بريطانيا وفرنسا وتستخدم خيول هذه السلالة في استعراضات القفز ( Show Jumping ).

ان تاريخ السلالة العريية يرجع الى اكثر من 7000 سنة مضت. ففي أحضان شبه الجزيرة العريية نشأت الخيول بعيداً عن السلالات الأخرى الموجودة في آسيا وأوروبا، ولذا احتفظت بصفاتها النقية. وترجع الروايات بداية استئناسها الى سيدنا اسماعيل ابن ابراهيم الخليل عليهما السلام. ولقد عرف عن نبي الله سليمان بن داود شغفه بالخيل وكان يملك1200 حصانا مسرجا و 40000 حصانة تستخدم لجر العريات.

ورغم الاختلاف الواضح بين المؤرخين حول أصل السلالات العريية من الخيول ، فانه يتم ارجاع أصل الخيول العريية الى خمس جياد أصيلة كان لها شأن كبير في شبه الجزيرة العريية منذ زمن بعيد وهي:

  1. كحيلة: جاء اسمها من سواد العينين اللتين تبدوان كالمكحولتين.

  2. عبية: جاء اسمها من تشوالها وحفظ عباءة راكبها على ذيلها أثناء العدو.

  3. دهمة: جاء اسمها من لونها القاتم المائل للسواد.

  4. شويمة: جاء اسمها من الشامات الموجودة عليها.

  5. صقلاوية: جاء اسمها من طريقة رفع حوافرها في الهواء عند العدو، أو من صقالة شعرها السابل.

وفي وقتنا الحاضر نرى الكثير من المهتمين بالخيول في جميع أنحاء العالم يحرصون على إقتناء الخيول العريية الأصيلة ونجد الآن أعداداً كبيرة من الخيول الأصيلة موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وقد ازداد الاهتمام في المنطقة العريية حالياً باقتناء خيول من هذه السلالة الفريدة .

 

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين