سوق الجمعة

حين تدخل المدينة تشير بواباتها الى قدرتها على اثراء ناظريك وروحك، فبوابات المدن هي الرموز الأولى لفض طلاسم المكان، وهي الومضة الأولى لضوء الزوايا والطرقات، وحين يأخذك الطريق من ابواب الامارات الأخرى باتجاه عتبات الفجيرة يقف سوق الجمعة باسطاً جناحيه على جانبي الطريق الجبلي لينبئك بالسحر الكامن بعده حيث يمتد الساحل الشرقي لدولة الإمارات ثرياً بالجمال قادراً على منح زائره الدفء والسحر والمتعة.

مثلما تتألق أميرة فاتنة من عصور مضت بألوان متعددة فإن سوق الجمعة في مسافي يتألق بألوانه المتعددة اذ تنوعت بضائعه واختلف رواده وزاد عددهم مع تطور السياحة في الإمارات وفي الساحل الشرقي على وجه الخصوص، فما ان تخرج من طريق ثوبان باتجاه جبال الحجر حتى تجد السوق الممتد على جانبي الطريق قبيل الدخول إلى قرية مسافي، وقد عرض بضائع مختلفة يزداد الاقبال عليها في موسم الشتاء حيث يصبح مناخ المنطقة ملائماً للرحلات السياحية والتمتع بجمال الطبيعة.

 

بدأ السوق في الثمانينات بداية بسيطة حيث كان يعرض منتجات المزارع المجاورة من الخضار والفواكه كالتمور والهمبة واللومي و”الفندال” (البطاطا الحلوة) وغيرها من المنتجات التي يحملها المزارعون الى السوق كونه يمثل معبراً بين القرى يمر به العابرون ويتزودون بما يحتاجون.

وكانت أنواع عسل السمر والسدر والاعشاب من الانواع الجبلية التي يحرص كثير من الناس على شرائها من هذا السوق الذي يعقد نشاطه ايام الجمع ويتميز ببضاعته المحلية الخالصة، ومع مرور الوقت تطورت محلات السوق وزاد عدد الباعة وأنواع البضائع حيث ازداد عدد الرواد وخاصة من السياح الاجانب الذين وجدوا في سوق الجمعة ضالتهم للتواصل مع التراث واقتناء البضائع المحلية في الدولة.

ومن أهم معروضات السوق التي تلاقي اقبالاً في هذا المجال صناعة الفخاريات، التي عرف صناعتها ابناء المنطقة منذ زمن قديم ويشترط لديهم ان يحصلوا على الطين المكون من تراب أحمر مشبع بماء المطر ويؤخذ من مناطق بعيدة عن السكن والزراعة بحيث يكون بعيدا عن وطء أرجل البشر والحيوانات، وهذه التربة تكون قد جفت من ماء المطر وتحولت الى كتل طينية، وتتم باستخدام عجلة تثبت داخل حفرة في الارض ويتم تشكيل الطين، ثم تدخل الى افران خاصة بدرجات حرارة عالية، وقد اعتمد الناس في حياتهم اليومية على استخدام الادوات الفخارية مثل المصاخن، وهي جرار تستخدم لحفظ الماء وتبريده، والجعلة أو “المخضة” لحفظ اللبن، والخرص “إناء يحفظ به التمر” و”التنور” الذي يستخدم في الخبز وفي صنع الاطعمة، وقد تطورت صناعة الفخار لتشكل جانباً جمالياً من معروضات السوق حيث تعرض انواع صغيرة وأنيقة من الجرار والاشكال المبتكرة في الفخار وتعد هدايا مميزة يحملها السياح الى ديارهم.

 

 

وتأتي محلات السجاد بمعروضاتها الملونة من أنواع السجاد الشرقي حيث تتجدد البضائع في المحلات، ويقبل على شرائها السياح والسكان خاصة في مواسم الاعياد حين يجدد فرش البيوت احتفالا بالعيد.

أما المشاتل فهي زينة السوق التي تكسوه بخضرة زاهية، حيث نجد أنواعاً مختلفة من الاشجار والنباتات المحلية والمستوردة، ونرى ما يناسب الحدائق والبيوت من الداخل، ومنها نباتات الزينة والزهور والنباتات العطرية والمتسلقة والاشجار المثمرة والانواع الملونة والغريبة من النباتات حتى تتخيل انك دخلت عالماً آخر بعيداً عن صخب السوق وازدحام الزبائن، كما ترى ان الباعة عارفون بأمور نباتاتهم وحاجتها من الماء والطعام وتغيير التربة.

وتنتشر محلات الفواكه والخضار المحلية بكثرة حيث تقف أمامها بعض العربات التي تقدم الذرة المشوية، ويدور بعض الاشخاص لبيع زجاجات المياه الباردة والعصائر المعلبة ليأخذ السوق طابعه الشعبي مستمدا جماله من الطبيعة المحيطة به ومعروضاته المتميزة.

 

ويذكر الباعة ان السوق تزداد حركته في المواسم السياحية ويقول محمد أنور “اعمل في السوق منذ اربع سنوات في بيع الفواكه والخضار، وعادة يزداد الاقبال على السوق ايام الخميس والجمع وكذلك في موسم الشتاء، حيث يأتي الناس من ابوظبي والعين ودبي والشارقة وكذلك من دول الخليج العربي مثل البحرين وقطر والسعودية، وكل زبون يشتري ما يحتاجه من بضائع وغالباً يهتمون بشراء المنتجات المحلية من الفواكه والخضار”.

 

وسوق الجمعة الذي يتوسد جبال الحجر ويغفو بين احضانها اصبح معلماً سياحياً ونقطة دالة للقادمين نحو المتعة في جبال الفجيرة ومسافي اذ غالباً ما يكون السوق هو المحطة التي تلتقي بها قوافل السياح والعوائل المسافرة نحو البهجة، فإذا ضل أحدهم الطريق أو تأخر عن رفاقه انتظروه في السوق ليلتئم الشمل من جديد. وقد كان سوق الماضي يغلق أبوابه مع وقت الغروب، لكنه اليوم يبقى حتى ساعات متأخرة لتوفر الكهرباء والانارة التي تجعله مكاناً مبهجاً في ساعات الليل كما هو في النهار.

 

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين