قرية وادي مـي

أرض طيبة ومياه جارية

 

تقول حكايات الأولين والقدماء من أهل الصحراء البدو العرب أن امرأة جميلة طيبة القلب سكنت بوادي غزير الماء لا ينقطع عن الجريان في طيلة العام، وكانت ترعى الفقير وتطبب المريض ويحبها أهل الوادي جميعاً، وكان الوادي بغير اسم محدد، فلما ماتت أطلق أهل الوادي اسمها على الوادي فاصبح منذ ذلك الوقت (وادي مي) نسبة إلى (مي) تلك السيدة الطيبة الجميلة . ويحكي آخرون أن الوادي نظراً لغزارته وجريان المياه به طيلة العام، أطلق عليه سكان الأرض من حوله اسم وادي (مي) نسبة على المياه كما ينطقها أهلها بلهجتهم المحلية .

 

     

وأياً كانت الحقيقة أو الحكاية، فإن وادي مي التابع لإمارة الفجيرة كان طيلة العقود الماضية وادياً غزير المياه، حتى أنه ظل يجري كنهر في فترة من فترات الزمان القريبة لمدة 11 سنة متصلة، فاخضرت الأرض وانتشرت المزارع ورعيت الأغنام والأبقار، وازدهرت أرض الوادي وعم عليها الخير والثراء .يقع وادي مي إلى جهة الغرب من مدينة كلباء وسط طرق جبلية بعضها ممهد و البعض الآخر عبارة عن مدقات ترابية وحصوية تمت تسويتها و تمهيدها لتصبح آمنة لعابري الطريق، وبعد أن يصل الطريق المتجه إلى وادي مي إلى آخر الدورات غرب كلباء، عليه أن يسير نحو 5 كيلو مترات ثم ينعطف ماراً بقرية احفره، ومنها إلى اليمين وسط الجبال حوالي 9 كيلو مترات عبر الجبال المنتشرة بالمنطقة والمزارع التي تتوالى واحدة تلو الأخرى، حتى يصل إلى تلة عالية يهبط من فوقها ليجد نفسه وسط وادي مي .

     

و أول ما يشير النظر إلى هذا الوادي هو نقاء الجو بدرجة عالية والهدوء المخيم عليه إلا من بعض صيحات أطفال الوادي الذين يتخذون من تسلق الجبال والمرتفعات هواية لهم لا يجاريهم فيها أحد .وتبدو بيوت أهل الوادي محاطة ببعض المزارع الخضراء والتي بدأت تقل نتيجة شح الماء ونقص الأمطار الذي أصاب المنطقة كلها بما فيها (وادي مي)، وقد شيدت الحكومة لأهل الوادي مائة وعشرين مسكناً شعبياً يسكنها أهل الوادي الذين يصل عددهم إلى حوالي خمسمائة نسمة، جميعهم تقريباً من قبيلة الكنود، ويشكلون ما يشبه الأسرة الواحدة وإن كانت أسرة كبيرة نسبياً .القرية لا ينقصها شيء من متطلبات الحياة الحديثة، فالهواتف موصولة ومحطات تقوية الإرسال  الإذاعي والتلفزيوني موجودة، وكذلك المياه الحلوة في الصنابير، وإن كان الأهالي لا يزالون يعتمدون مياه الآبار حيث لا تزال بقايا آثار المياه التي هطلت آخر مرة منذ شهور موجودة ومحتبسة فيما بين الصخور والجبال وهي ما تسمى ( بالحبيسة ) .

     

الحاج علي بين راشد بن خلفان عمره يتجاوز 70 سنة، ولد في الوادي وعاش على أرضه ولم يغادره يوماً، يقول : كنت في شبابي أعمل في الزراعة فليس لنا غيرها نحن أهل الجبل، وكنت أزرع الغليون والتبغ بكل أنواعه وبعض أنواع الحبوب الأخرى وبعض أنواع الخضار، وكان ما يخرج من الأرض يكفيني ويزيد في ذلك الوقت، وعندما قامت دولة الاتحاد عام 1971 بقيادة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حفظه الله، و أعطانا معاشاً وأمر ببناء بيوت شعبية لنا، ودخلت الكهرباء وتغير الزمان، وأصبحت الحياة الآن أكثر سرعة في إيقاعها، وكبرنا في السن وتولى أبناؤنا المسؤولية و بدأوا في لعب الدور المطلوب منهم تجاه وطنهم الذي لم يبخل عليهم بشيء .

     

أما الحاج راشد بن خلفان الذي يناهز 80 سنة من العمر، ويعمل إمام مسجد للمسجد الكبير الوحيد بالقرية فيقول : عملت قديماً في الزراعة حالي كحال أبناء المدينة جميعاً وكانت أهم المزروعات التي زرعناها في الماضي هي الحبوب كالذرة وكانت المزارع خصبة من كثرة هطول الأمطار التي لم تنقطع عنا سنة واحدة أبداً في الماضي، بل أنها ظلت ذات مرة تهطل 11 عاماً وراء بعضها ، وكان ذلك نعمة من الله عز وجل على أهل البلاد، وشجعنا ذلك على حفر الطوى فلما زاد هطول الأمطار وتحولت إلى سيول ظن الناس أن القيامة ستقوم و أن الأرض ستنتهي، فقد كانت كميات الأمطار رهيبة ملأت الوادي وطفت عنه حتى دخلت بيوتنا القديمة التي كنا نبنيها في حضن الجبال وحول الوادي الذي سميناه باسم حرمه (امرأة) طيبة كانت تسكن قديماً في هذا الوادي على زمن المغفور له الشيخ حمد الكبير (حمد بن عبد الله) .

     

وأدى هطول الأمطار إلى اخضرار الأرض وظهور الغزلان، وكنا ونحن شباب نعدو خلفها ونسابقها ثم تعلمنا صيدها ولكنها الآن اختفت، وتساءل : هل تعلم لماذا اختفت ؟ لقد قتلتها السيارات السريعة التي دخلت الوادي بعد أن عم الثراء على الناس وأصبح كل فرد لديه سيارة بينما كنا في الماضي لا نملك حتى سيارة واحدة، ولكن الحمد لله الحكومة الآن لم تقصر في أبنائها وأعطت كل أسرة بيتاً وأصبح كل فرد لديه وظيفة والأبناء في المدارس ونحمد الله على قيام صاحب السمو حاكم الفجيرة بإعطاء الأوامر إلى الجهات المختصة لرصف الطريق للوادي ومنه إلى منطقة أوحلة .

     

و أضاف قائلاً : إن قريتنا هادئة وتحيطها جبال جميلة المنظر وملونة، وبها جبل يسمى ( غليل اليفر ) يمكن رؤيته من سلطنة عمان لارتفاعه الشديد . وقبل أن نغادر القرية، كان هناك على الطريق جنوب القرية مسجد صغير ربما لا يتسع لعشرين مصلياً، قال لنا مرافقنا أنه مسجد بناه أهالي القرية قبل 60 سنة، وكان المسجد الوحيد في القرية، وأعاد ترميمه راشد بن خلفان وشقيقه عبد الله بن خلفان .

     

غادرنا القرية ونحن نحاول أن نتخيل الصورة التي كانت عليها هذه القرية قبل 70 سنة والصورة الآن، كانت أطلال البيوت القديمة المبنية من الطين والحجر تلخص لنا الماضي بينما صورة المساكن الحديثة والبيوت التي تعلو أسطحها أطباق استقبال القنوات الفضائية يعكس لنا الحاضر السعيد الذي يعيشه أبناء الإمارات حتى في أبعد نقطة من الوطن .

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين 2006