قريــة الحيــــل

منطقة نابضة بالحياة وسط الجبال الشاهقة

قرية الحيل الجبلية إحدى قرى الفجيرة، التي تحمل بين جنباتها كل مقومات الأصالة والمعاصرة، وتشهد بالدليل القاطع على عظمة ومجد الأولين وصبرهم وجلدهم على مقاومة كل المتغيرات التي مرت بالبلاد سواء كانت طبيعية أو بشرية .

الحيل منطقة نابضة بالحياة وسط الجبال الشاهقة، والوصول إلى قرية الحيل يبدأ عندما تنعطف بنا السيارة يساراً في الطريق الطويل قبالة مديرية شرطة الفجيرة ولمسافة تصل إلى حوالي عشرة كيلومترات على طريق مرصوف معبد يخترق المزارع, وتسير صعوداً وهبوطاً بمحاذاة وادي الحيل الضخم العميق، بينما تبدو الجبال الشاهقة التي تميز الحيل مهيبة ورائعة في تباين ألوانها وارتفاعاتها. بينما المزراع تصطف على الجانبين ليعطي لونها الأخضر مع ألوان الجبال والرمال مشهداً رائعاً كأنه لوحة أبدعها فنان .

نحن الآن في قرية الحيل الجديدة، على بعد حوالي 13 كم من الفجيرة المدينة، والحيل سميت بالجديدة لتمييزها عن قرية الحيل القديمة حيث يقع حصن الحيل الشهير وما حوله من آثار مصاحبة له على تلة جبلية مرتفعة، يحكي شموخ الماضي وتاريخ أصبح الآن ذكرى طيبة لكل الأجيال المعاصرة .

قبل أكثر من 25 سنة، وبعد أن قامت دولة الاتحاد بقيادة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، كان من الطبيعي أن تمتد يد الاتحاد بخيرها إلى الحيل كما امتدت إلى كل بقاع الوطن في الجبال والسهول والبر والبحر، ولما شعرت الحكومة بضيق المساحة على أهل القرية، وفرت الدولة لأهل البلاد مجموعة من المساكن الشعبية وأمرت ببناء مساكن جديدة لسكان الحيل ونقلهم إلى المنطقة الحالية وهي منطقة أقل انخفاضاً من القرية الأصلية، التي كانت تقع حول الحصن، وتضم المساكن الجديدة ويسكنها حوالي 300 شخص، واليوم لا تزال أعمال الإنشاء لبناء مجموعة جديدة بالقرية لتواكب هذه المساكن الزيادة المضطردة في عدد السكان وجميعهم من الكنود وجميعهم أقارب وأنساب وكأنهم عائلة واحدة ويشتهرون بالزراعة .

استقبلنا الحاج سيف الكندي بملامحه العربية البدوية الأصيلة، مرحباً بكل حفاوة العرب وشهامتهم الطبيعية غير المتصنعة، يروي لنا تاريخ أرض الحيل، قائلاً : سميت بالحيل لصعوبة وصول الغريب إليها، فهي على ارتفاع عالٍ جداً، وإذا ما تخيلت دون أن تضع في اعتبارك وسائل الوصول التي تستخدمها الآن فكيف كان يمكن الوصول إليها قبل مائة عام .. فسوف تبدو لك منيعة بل ومستحيلة ومن الصعب الصعود إليها من قبل الغرباء، وقد كانت كذلك بلدة يحميها الله حماية طبيعية ضد الغرباء والطامعين .وأستطيع أن أقول أنها منذ أن خلقها الله على أرضنا وحتى اليوم لم يدخلها غريب، فهي كالعروس البكر وهذا هو أهم ما يميزها، أنها نقية الهواء وخضراء على مدار العام .

ويواصل سيف الكندي الذي يقترب عمره من السبعين عاماً وصفه للحيل فيقول : نحن سكان الحيل أبناء قبيلة واحدة، كما نسكن فيما مضى على ارتفاع الجبل جهة الشرق من القرية الحالية، وعلى بعد حوالي 4 كيلومتر من المكان الحالي، وكان أهل القرية جميعاً يعملون في زراعة الغليون والنخيل الذي تشتهر به القرية التي تضم أكثر من 50 مزرعة إضافة إلى بعض الزراعات الأخرى كالبرسيم والذرة والبصل، وكان سكان القرية جميعاً من الرجال والنساء أشداء ذوي بأس ويتميزون بميزات العربي الأصيلة، وكنا جميعاً نسكن حول الحصن أو المربعة، وهو حصن ضخم بناه المرحوم الشيخ عبد الله بن حمدان الشرقي في زمن المغفور له الشيخ حمد بن عبد الله الشرقي، وذلك قبل أكثر من مائة عام مضت، ولكن مع تطور الزمن وزيادة أعداد السكان، وفرة لنا الدولة مساكن جديدة وطلبت منا الانتقال إليها، وهي بيوت حديثة ومجهزة بالماء والكهرباء، وحيث كنا نعاني في منطقة الحيل القديمة من وعورة الطريق وخصوصاً في أيام الشتاء، ولكن الآن نحن نعيش في نعمة من الله سبحانه وتعالى بفضل حب زايد وكرمه على أبنائه وشعبه .

الآن في كل بيت سيارة وأجهزة كهربية حديثة والأبناء جميعاً يدرسون في المدارس والجامعات، وتتكلف الدولة بجميع مصروفاتهم التعليمية حتى وسيلة نقلهم للمدرسة .ويتوقف سيف بن محمد سعيد الكندي لحظة ويستكمل : ومع ذلك التقدم العمراني الهائل والصناعي، ووجود الأجهزة الحديثة ووسائل الاتصال السريع، إلا أن قريتنا لم تتلوث بعد، ولم يصبها ما أصاب المدن .. ويصف سعيد الكندي البلدة فيقول : الأودية هي سمة البلدة، وتشتق أسماءها منها، كوادي الحيل وهو وادي كبير وطويل ويلتقي مع وادي لبن قبل أن يصب عبر مساره الطويل في البحر، كذلك هناك وادي صفية ووادي الأصيل ووادي الميحة ووادي العمدية، وكلها فروع صغيرة تصب في وادي الحيل الضخم، وهو من الضخامة بحيث إذا سال فإنه يغلق كل الطرق المؤدية من و إلى القرية، ويصبح المسلك الوحيد للسكان عبر الدروب الجبلية .

ويضيف سيف محمد بن سعيد الكندي قائلاً : لقد تغيرت حياتنا تماماً بعد قيام دولة الاتحاد، وأصبح لكل مواطن بيت حديث ومجهز، وانتشرت المستشفيات والمدارس والمتاجر الكبرى، لقد كنا نعاني في الماضي وقبل الاتحاد من نقص كل هذه الخدمات، ولكن أطال الله عمر زايد وحمد لم يتركا مطلباً لنا إلا وحققاه .. وفي بطن الوادي، تثمر أكثر من 10 آلاف نخلة متنوعة، فمنها الخنيزي ومنها النغال والانوان واللولو والهلالي، وهي أشجار توارثناها عن أجدادنا وآبائنا فهي جزء من تراثنا وتاريخنا . ولا ينكر سيف أن هذه الأيام أسهل بكثير من الزمن الماضي، ولكن يعاود قائلاً : لكل زمن حلاوته وطعمه، فالماضي مهما كان صعباً وقاسياً إلا أنه كان له سماته الجمالية، فنحن كنا نعيش في بيوت نبنيها من الدعون وسعف النخيل، ولكن كانت القرية كلها أسرة واحدة تعيش مترابطة ليلاً ونهاراً، لا يغيب عنها أحد أبداً وإذا غاب سألت عنه القرية كلها، وكنا نأكل في الماضي الخبز وحليب النوق والغنم، وكان لها طعمها المميز، كنا في الماضي نسير من الحيل وحتى الفجيرة في ساعتين وأكثر على ظهر الحمار أو الجمل ولكن ذلك لا يمنع أن حتى ركوب الحمار كان في ذلك الوقت متعة .

و الآن وبفضل الدولة وزعيمها، نعيش في نعيم لا ينقصنا شيء، وآخر كلامي هو الدعاء بطول العمر لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وكل التهاني والتبريكات لسموه بمناسبة عيد الجلوس وكل الحب والولاء له ولصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي .

© جميع الحقوق محفوظة لموقع قرية الطويين 2006