الحمرانية باب التاريخ…تحفها تلال رملية وتغطيها الخضرة

موقع الطويين : الخليج – حصة سيف

بعد مطار رأس الخيمة الدولي، تبدأ منطقة الحمرانية، وهي أرض تتوزع مساحتها بين القاحلة والخضراء، وكلما توغلت يميناً بدأت المزراع والخضرة على يمين ويسار الشارع تتراءى للقادمين على الطريق الفاصل بين المزارع، وتصل بعدها إلى مفترق الطرق، إذ إن الطريق إلى اليسار يصلك بشعبية الحمرانية القديمة، والطريق الآخر يصل إلى منطقة الخريجة، وهناك طريق رملي آخر يصل إلى منطقة مزرع حيث يقع مستشفى خليفة التخصصي .

مساحات خضراء اكتست خضرتها بفضل المياه الجوفية الحلوة نوعاً ما في تلك المنطقة الزراعية، ومازال الأهالي يزرعون الجت والرودس، رغم استهلاكه الكثير للمياه، والنخيل التي مازالت باسقة باهتمام الشواب بها .

سلطان بن مايد الخاطري (75 عاماً)، التقيناه وهو بطريقه إلى مزرعته في الحمرانية قادماً من منطقة الخريجة القريبة حيث يقع مسكنه، يقول: حديثنا عن الماضي يطول، إلا أنه باختصار كان زمناً مهلكاً، بدأت العمل مع والدي حين كان عمري 8 سنوات وكنت أرعى البوش وأسرح بها وأهتم بها أيضاً، وحينما كبرت ساعدت والدي بقص أغصان شجر الغاف وبيعها، وكانت الحمرانية غابة سوداء من العشب، فيها جميع أنواع الأعشاب من الدخن واللبيد والخباز والثيم .

ويضيف: كانت مياه الشرب من الطوى أي الآبار، وكانت أكثر من 6 إلا أن الرئيسية منها طوى الحديثة واليلايلة والزيدي وعناد والخريجة، وكل طوي منها عمقها 12 قامة، كما كنا ننتقل من منطقة إلى أخرى وبيوتنا تتناسب مع تلك الفترة البسيطة، إذ كانت العرش في الصيف وخيم بيوت الشعر في الشتاء وكانت النساء يتعاون في صنع بيوت الشعر، كما كان دورهن أكبر بكثير من مهامهن الحالية إذ كن يسقين البوش والهوش ويراعينه ويحلبنه ويعملن الكامي منه واللبن من خلال وعاء يسمى »القربة« يصنعنه من جلود الماعز ويدبغنه .

سيف سعيد الخاطري (45 عاماً) قال: تسمية المنطقة بالحمرانية نسبة إلى طوي »بئر« كانت مشهورة بطوي الحمرانية لها روايات عدة الأولى منها، أن المنطقة وقعت فيها المعارك ومن كثرة سيلان الدم حول البئر سميت بالحمرانية، أو السبب الثاني لأن أهلها القدماء كانوا في منطقة اسمها الحمرا ولما أتوا إلى مكان الطوي أطلقوا عليها طوي الحمرانية، والسبب الثالث أنها تحفها من جهة الغرب تلال رملية حمراء، وأنا أرجح السبب الأول، كما يؤكد الشاعر بقوله في البيت المشهور »تسقين يالحمرا روايح من دم المعادي روتي، خلوا عليج الخصم طايح في معطنج والزود ريتي«، أي أنها ارتوت من دم الأعداء من كثرة الحروب التي شهدتها .

ويضيف: لما تذكر الحمرانية يذكر التاريخ لأهلها، ومن عرفها في الماضي يعرف التاريخ في المنطقة من أوسع أبوابه، فالحمرانية وأهلها حاضرون في كل مشهد وواقعة، وفي المنطقة مساحة كبيرة يطلق عليها »جري الخواطي« كانت في الماضي للصيد، فكان هواة الصيد بالصقور وكلاب القنص في فصل الشتاء يزورون المنطقة، وكانت أرضها خصبة والأمطار لا تنقطع عنها وكذلك الوديان بها عشب وفير، وكانت القبائل تأتي إليها بإبلها ومواشيها من كل الإمارات .

وكانت طوي الحمرانية ملتقى للقوافل التي تنقل الموارد من الجنوب إلى الشمال، وكانت مكاناً آمناً للرحالة للاستجمام مع عوائلهم، حيث كانوا يأتون إليها من قطر والسعودية في موسم الشتاء .

ويتذكر الخاطري، حضور المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، إلى المنطقة لثلاث سنوات متتالية في بداية السبعينات من القرن الماضي، وإقامته مخيماً لمدة أسبوع سنوياً يجتمع فيه مع القبائل ويبحث احتياجاتها .

وعن التطور في المنطقة، يقول الخاطري: بدأ في الحمرانية بناء الشعبيات والمدارس مع بداية الاتحاد، وكانت مدرسة الحمرانية الابتدائية مقسومة إلى قسمين منفصلين للذكور والإناث، ثم تحولت إلى إعدادية للبنات وبعدها بنيت مدرسة للذكور ثانوية وأخرى للإناث وروضة للأطفال .

ويضيف: اشتهرت منطقة الحمرانية بالزراعة في السبعينات وكانت تنتج خضاراً وفيرة لخصوبة أرضها وحلاوة مائها، وأغلب سكانها من قبيلة الخواطر من قبائل النعيم ويشتهرون بسباقات الهجن العربية الأصيلة .

وقبل أربعين سنة كانت الحياة متمسكة ببساطتها وصعوبتها، فلم تكن الطرق متوافرة وكانت سيارات اللاند روفر أول أنواع السيارات التي وصلت إلى المنطقة، وكل منطقة فيها 15 إلى 20 منزلاً، وكنا نذهب إلى مدرسة في أذن التي تبعد نحو 25 كليومتراً في سيارات »لاندروفر« .

كان طبيب المنطقة الشعبي يدعى مايد عبدالله بن حميد الخاطري، يَسِمُ ويمسح عن »عرج الرضاخ« و»عرج الكبود« وغيرها من الأمراض التي كانت منتشرة سابقاً .

أم سالم (25 عاماً)، ربة منزل وأم لطفلين قالت: ولدت في منطقة تسمى القصيمة في الحمرانية، كانت فيها البيوت الشعبية القديمة، وانتقلنا من 6 سنوات إلى المنازل الجديدة، درست في مدرسة الحمرانية والآن تسمى مدرسة سمية بنت الخباط، وكانت في المنطقة روضة صغيرة تحولت إلى مدرسة وأضيف إليها المرحلة الابتدائية بجانب الروضة وسميت بمدرسة اليمامة للتعليم الأساسي .

شيخة عبيد (46 عاماً) تقول: ولدتني أمي بمنطقة الزيدي، وقالت إن تاريخ مولدي تزامن مع يوم تولي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، وكانت والدتي داية تولد النساء وتشغب البنات، أي تخرم آذانهن لوضع الشغاب، وكانت، رحمها الله، تحضر نيلاً وملحاً وتفرك به لحمة الأذن وبعدها تخرم بالإبرة وتضع فيها الهدب »الخيط« في الأذن ويظل حتى يلتحم المكان مرة أخرى .

وتضيف: في زمني بدأ التعليم وكنا نذهب أولاداً وبنات إلى مدرسة أذن لنتعلم وأكملت فيها إلى الصف الرابع وبعدها انتقلت إلى مدرسة الحمرانية حين افتتحت في المنطقة وأكملت فيها الصفين الخامس والسادس ثم تزوجت وكان عمري آنذاك 16 عاماً .

ولحقت بآخر أيام التنقل من مكان إلى آخر حيث كنا نذهب إلى فلج المعلا والبطحة القريبة من الفلج، ونذهب في الصيف إلى الذيد، حيث تكثر هناك أيضاً مقار سكننا ومزارعنا، والبعض منا يصل إلى العين، التي نرتبط فيها بعلاقات قرابة وعلاقات اجتماعية وثيقة .

وأيضاً كانت الداية بخيتة حميد الخاطري من دايات المنطقة، ومازالت إلى الآن تسكن في منطقة الساعدي، وموزة علي الخاطري كانت تخبن الحريم وتمارس عملها إلى الآن، والخبانة عبارة عن نوع من أنواع الحجامة الجافة التي تتقن مواضعها الداية التي ورثت تلك المهنة من أمها وجدتها .

ومن مناطق الحمرانية قديماً طوي عناد والقصيمة والقطنة والزيدي وجويعة واشغبة والغدير وخديجة وحريلمه .

وعن الأعراس، توضح شيخة عبيد أنها كانت لابد أن تقام على مدى أيام تستمر فيها الأهازيج والرزيف، وتكون العروس بأحلى حلتها يوم الجمعة، اليوم الذي ستذهب به إلى منزل الزوجية، وكانت الأمهات يجهزن بناتهن قبل أسبوع من العرس ويدهن أجسامهن بالنيل والورس لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام ليصبحن أكثر جمالاً وإشراقاً .

كليثم سالم (65 عاماً)، تقول: »كان لنا نحن النساء أعمال كثيرة، إذ كنا نطلق البوش، ونطنفها، أي نبحث عنها حينما تبتعد عن المكان، ونحطب ونحلب المواشي والنوق، ونخض اللبن، ونعمل السقا وندبغ القرب، والدباغة تعلمناها أباً عن جد« .

موزة محمد عبدالله (40 عاماً)، تقول: على أيامنا وصلت خدمات المياه والكهرباء، إلا أننا شاهدنا خيم بيوت الشعر التي كانت النساء تنسج خيوطها من شعر الماعز، وبعدها تطورت حياتنا من البدو الرحل إلى الاستقرار .

يرجح مفتاح بن علي الخاطري، تسمية الحمرانية بهذا الاسم نظراً للون الرمال الأحمر المحيط بالمنطقة، التي كان اسمها قديماً »الجري« وتشمل عدة مناطق منها الساعدي وكبكوب وأم عرج والخريجة، موضحاً أن الاسم جاء من موقعها الجغرافي، إذ تحدها من الغرب الكثبان الرملية ومن الشرق الجبال وجاءت المنطقة مجرى للمياه يتوزع على المنطقة بكاملها .

ويقول: المنطقة زراعية وكانت سابقاً تنتشر فيها حشائش المنطقة بكثرة منها الخبيز والصمعة والينم والسمان، وهي أنواع تنتشر بكثرة وخاصة الخبيز الذي كان يغطي قامة الإنسان إذا مشى من خلاله في جنوب الحمرانية لاسيما في منطقة المدفق وأم جرد .

ومن مناطق الحمرانية المرايحيين وامثيبنة، والمقورة التي تحد الحمرانية من الشمال، ومن الشمال الغربي الخريجة ومن الجنوب الزيدي وطوي عناد وحديثة، ومن الشرق أم الجرد ومطار رأس الخيمة الدولي، ومن الغرب شاشتيل وحريلمة .

كما كانت الآبار »الطوى« في كل منطقة منها طوي عناد وطوي شاهين وطوي خريجة، في بداية السبعينات من القرن الماضي أمر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بتركيب مكائن تعمل بالديزل لتسحب المياه من الآبار وليشرب الأهالي وكذلك لسقي المواشي، كما بنيت شعبية الحمرانية من 20 منزلاً في الفترة ذاتها ليستقر الأهالي بعدها بعد أن كانوا يتنقلون من منطقة إلى أخرى، وزرعت بعد ذلك النخيل في المزارع .