الفجيرة .. خليط رائع بين الأصالة التاريخية والحضارة المزدهرة

355 (8)

تتميز مدينة الفجيرة الساحلية الواقعة شرقي دولة الإمارات العربية المتحدة بأصالتها وأهميتها ليس بالنسبة للإمارات فحسب، إنما للعالم أيضاً، فإلى جانب أنها عاصمة الإمارة فهي تعد الآن المحطة الثانية في العالم لإعادة تحميل ناقلات النفط، والمكان الخاص للاستمتاع بطبيعتها الخلابة المتميزة وثقافتها العريقة.

كانت الفجيرة حاضرة في جزيرة العرب منذ مئات السنين وظلت على وهجها التاريخي والجمالي إلى عصرنا هذا، وقد كان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من الرجال القلائل الذين أدركوا أهمية الفجيرة وسمو مكانتها، فقد اعتبرها عاصمة الساحل الشرقي ورئة الإمارات الشرقية نحو العالم، وسار على نهجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حتى يومنا هذا.

حينما نذكر تاريخ الفجيرة عبر جبالها وأحيائها بأهلها وسكانها وأزقتها المتعرجة الضيقة نستلهم عبق الماضي والحضارة المزدهرة التي كانت سائدة آنذاك، فالفجيرة أكبر من نقطة في الجغرافيا الإماراتية، إنها حالة شعرية تجتمع بها كل عناصر الجمال: الماء والخضرة والعراقة والسفن والأسواق والباعة.

اكتسبت «الفجيرة» الواقعة على ساحل بحر عمان الذي يحدها من جهة الشرق شهرتها من كونها مركزاً تجارياً، فميناؤها يعد من أكثر الموانئ الإماراتية نشاطا وحركة على مر التاريخ، ومن وقوعها على ساحل البحر حظيت بمكانتها المتميزة، هذا الموقع جعلها تحتل مكانة بارزة في التاريخ الإماراتي، فميناء الفجيرة يعد اليوم بوابة بحرية رئيسية للإمارات.

ويقع هذا الميناء جنوب مضيق هرمز مباشرة على ساحل المحيط الهندي المحاذي لشبه الجزيرة العربية وهو حلقة وصل تمتد إلى شبه الجزيرة الهندية، ويربط الإمارات بأسواق شرق وجنوب إفريقيا.

وعلى واجهة البحر تقف قلعة الفجيرة والتي تعد من أبرز معالم المدينة التاريخية وتؤكد عراقتها بشموخ، والقلعة تقع في الجزء الشمالي الغربي من قرية الفجيرة القديمة خلف مزارع النخيل على بعد ثلاثة كيلومترات من البحر، وقد بنيت على قمة جبل صخري صغير يبلغ ارتفاعه 20 مترا، وتم أخذ عينات عضوية من داخل البناء لإجراء التحليل الكيميائي عليها بواسطة كربون 14 للتاريخ الزمني، وكانت النتيجة أن القلعة أنشئت مطلع القرن السادس عشر الميلادي أي قبل 500 عام تقريبا حيث كانت وسيلة دفاعية تصد هجمات المغيرين على الإمارات من جهة البحر.
وليست القلعة هي المعلم الوحيد في الفجيرة، فهناك تقف العديد من القلاع والحصون التاريخية منها قلعة البثنة وتقع في منطقة البثنة، ويعود تاريخ بنائها إلى عام 1735 وتقع على طريق الفجيرة الذيد، وحصن ومربعة الحيل التي شيدت في عام 1670 وتبعد عن مدينة الفجيرة قرابة 4 كيلومترات تقريباً، ويتكون الحصن من مساحة كبيرة مقام عليها عدد من الغرف ويقع أعلى المربعة أو الحصن برج المراقبة التاريخي وبه العديد من الفتحات التي كانت تستخدم للرماية.
وهناك قلاع ومواقع أثرية أخرى عديدة منتشرة في كافة مناطق الفجيرة، منها قلاع دبا ومسافي والطويين والسيجي، إضافة لمسجد البدية وقلعتها الشهيرة التي تقع على الطريق الرئيسي لشارع الفجيرة دبا وقد شيد قبل 300 عام من الآن.

طبيعتها جبلية

قبل الاتحاد كانت الحياة بدائية بسيطة واقتصاد الإمارة قائم على الزراعة كون الإمارة بها كثير من العيون المائية والأودية معظمها يعج بالمياه، ومن تلك العيون والأودية أخذت التسمية.. «الفجيرة سميت بهذا الاسم لكثرة الأودية وينابيع المياه التي تتفجر فيها»، كما قال المواطن علي الكندي.

ويضيف: الفجيرة من أكثر الإمارات غنى بالأودية والسهول والشعاب نظرا لتركيبتها الجيولوجية وطبيعة أراضيها المحاطة بسلسلة طويلة من الجبال التي تتخذ أسماء وأشكالاً مختلفة، ومن أشهرها جبل لمريشيد بالقرب من المطار وجبال الشرية من الجهة الشمالية والجبل الأحمر سمي بهذا الاسم لأن جهته حمراء وجبال صفد به لمعة بسيطة والأحاطي والأحقب بهما لونان يفصلهما خط أبيض.

ويوضح أن الفجيرة طبيعتها جبلية لكثرة الجبال والأودية والعيون والتي من اشهرها عين مضب وهي عين معدنية كبريتية يقصدها البعض للاستشفاء، إضافة الى عين الغمور وعين الوريعة أو وادي الوريعة، وهناك عيون أخرى منتشرة في معظم الأودية الجبلية مثل وادي احفرة ووادي مي والحيل والفرفار وإمدوك ووادي سهم.
ويذكر الكندي أن من أشهر الأودية في الإمارة وادي حام وهو يمتد من مسافي إلى الفجيرة، وسمي حام لقوة اندفاعه وهناك عدة أودية تصب فيه، منها وادي دفتا ووادي الغمرة والغدف والأحاطي ووادي الرماني ويمر في البثنة ووادي مسيريع أيضاً يصب فيه ووادي كدنا ووادي الفرفار ووادي إمدوك.

واعتبر وادي«البصيرة» من الأودية الرئيسية في الإمارة ويقع في منطقة دبا الفجيرة، ويبدأ من مسافي متخذاً مساراً إلى أعلى حتى دبا الفجيرة ويتفرع في مساره الطويل حيث يصل طوله 30 كيلومتراً إلى عدة تفريعات منها أودية «الشمال» و«ضبعة» و«الحلاة» و«العينة» و«العبادلة» وهي تتجمع معا لتصب جميعا في وادي «البصيرة».

وذكر وادي الحيل معللاً تسميته بهذا الاسم لأنه ينبع من منطقة الحيل التي تقع في الجنوب الغربي من الإمارة ويبلغ طوله 15 كيلومتراً ويصب فيه واديا «لميحه» و«العمدية» وتتفرع منه أودية عديدة صغيرة تضفي على المكان تفرداً وجمالاً.. وهناك وادي «لبن» وهو من الأودية الشهيرة التي تقع جنوب شرقي وادي الحيل.. ووادي «احفرة» ويتكون من ثلاثة أودية هي: «رمث» و«يفانا» و«مي» وجميعها تقع في المنطقة الجبلية التي تقع إلى الغرب من مدينة كلباء.

أما وادي صفد فيقع خلف وحول جبال قرية «صفد» القريبة من قرية «القرية» وهذا الوادي يلتقي مع وادي «ثيب» حتى يتحد معه ليصبا سويا في القرية، وهناك وادي حبحب ويقع غرب الطويين ويمتاز كغيره بوجود العديد من الأودية الصغيرة مثل «لقلدي» و«قضم» و«السقيل» و«الخوار» و«البانة».

خير خلف لخير سلف

وتشتهر الفجيرة «بقريتها التراثية» أو الفجيرة القديمة على الساحل والتي تعد نموذجاً للعمارة التقليدية وفيها منزل مؤسس الإمارة وحاكمها الراحل الشيخ محمد بن حمد الشرقي (1942 – 1974) أي أنه حكم لمدة 32 عاماً وهي مدة طويلة جداً.
كان الراحل من وجهاء وأعيان الجزيرة العربية، تقلد مكانة سامقة في إمارته وبين جماعته، كما حظي بذات المكانة لدى مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بل إنه كان محل ثقته في أكثر من مهمة ومناسبة.

وصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة خير خلف لخير سلف، حيث اكتسب العديد من الخبرة المطلوبة وتعرف الى مهام ومسؤوليات الحكم من خلال معايشته لوالده ودراسته وحب الاطلاع على مختلف العلوم السياسية والعسكرية والاقتصادية من أجل خدمة أبناء وطنه، حيث استطاع أن يلم بقضايا الوطن والمواطنين ويتعامل معها بخبرة وحنكة استمدها من والده، رحمه الله.

في تلك الفترة كان صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي في ريعان شبابه وحاضراً في مجلس أبيه وحاول الشاب إرواء نهمه من المعرفة، حيث كان مجلس والده يضم نخبة من رجال العلم من فقهاء وعلماء وأدباء من مواطنين وغيرهم، فكانت مهمته في تلك الجلسات هي الاطلاع مباشرة على طرق والده في إدارة الحكم وتناول شؤون الناس والأساليب الحكيمة التي يتبعها ذلك القائد المؤسس في تسوية الخلافات ومعالجة مشكلات مواطنيه، مما أكسبه خبرة عظيمة فيما بعد في معالجة شؤون الحياة داخل الإمارة.

وأبدى منذ طفولته الأولى شغفاً كبيراً بالحفاظ على التقاليد المرعية للأسرة الإماراتية الكبيرة وانعكست هذه التربية على حياته حيث كان ولا يزال محباً لعائلته الكبرى التي تشمل مواطنيه، فهو الأخ لكبيرهم والأب لصغيرهم، فالجميع يتطلع إليه كقائد وأب عطوف ومصدر خير وراع للمحبة والإخلاص والألفة.

وقد عزز تعليمه وثقافته بمختلف العلوم وبالرحلات العديدة إلى الخارج وعاد إلى أرض الوطن عام 1971 بعد رحلته التعليمية والعلمية في المملكة المتحدة لإشباع نهمه العلمي وخدمة وطنه كونه ولياً للعهد.

وكانت تنتظره المسؤوليات الوطنية العظيمة والتي بدأها وزيراً للزراعة والثروة السمكية في أول تشكيل لوزارة اتحادية بعد قيام دولة الاتحاد في 2 ديسمبر/‏كانون الأول عام 1971.

لم تمض سنوات حتى تولى صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي مقاليد الحكم في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر/‏أيلول عام 1974 مسترشداً بنهج والده المؤسس الشيخ محمد بن حمد الشرقي، طيب الله ثراه، في بناء الدولة والمجتمع والسير بهما نحو أعلى المستويات الحضارية.

وقد شهد عهده تحقيق منجزات متميزة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتباب الأمن وتكريس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وإلى جانب رعايته لخطط التنمية الشاملة وإنشاء البنية الصناعية في الإمارة والإنجازات الحضارية، فقد حدثت في عهده أضخم نهضة شهدتها الإمارة.

وتغيرت ملامح الحياة بشكل جذري في إمارة الفجيرة خلال ال 44 عاماً الماضية التي عاشتها في ظل اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة (2 ديسمبر من عام 1971) وطالت التغيرات جميع مجالات الحياة الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية والثقافية والصحية والتعليمية وغيرها من مختلف مناحي الحياة الأخرى.

ولم يمض وقت طويل منذ تولى صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي مقاليد الحكم في إمارة الفجيرة حتى كانت القرارات الأولى التي اتخذها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، مع جملة قرارات أخرى تخص بقية الإمارات وجميعها تصب في صالح الدولة الوليدة وتنمية البنية الأساسية بها، هو قرار إقامة ميناء الفجيرة البحري ثم مطار الفجيرة الجوي لدعم اقتصاد الإمارة وتوفير فرص العمل للمواطنين، كما أصدر قراره بتعبيد شارع الفجيرة الذيد لربط الساحل الشرقي بالإمارات الأخرى.

بناء المطار

وبمتابعة من صاحب السمو حاكم الفجيرة آنذاك، أنجز ميناء الفجيرة في عام 1982، ويعد الآن المحطة الثانية في العالم لإعادة تحميل ناقلات النفط.
ولأن استراتيجية صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي تعتمد الصناعة بشقيها التحويلي والبتروكيماوي كخيار رئيسي في التنمية، نجد إمارة الفجيرة اليوم تمضي قدماً من خلال التوسعات والمشاريع التخزينية الجديدة إلى تبوؤ المركز الأول عالميا في مجال تزويد السفن بالوقود بطاقة تخزينية تصل إلى 13 مليون متر مكعب بنهاية عام 2015.
وبفضل توجيهات سموه، تنشط إمارة الفجيرة في مجال التخزين والإمداد وتعد من أهم مراكز التخزين والإمداد في منطقة الخليج والشرق الأوسط على الإطلاق، وتحتل المركز الثاني بعد سنغافورة في تخزين وإمداد دول العالم بالنفط.
ولم يكن في إمارة الفجيرة مطار قبل عام 1984 واقتصر الأمر على وجود مهبط رملي للطائرات فقط في منطقة الفصيل لا تستخدمه سوى الطائرات المروحية وبعض الطائرات الصغيرة في الأغلب، ولم يتمتع بأي خدمات تذكر مثل برج المراقبة الجوية.

وفي عام 1984 تم تأسيس هيئة الطيران المدني في الفجيرة ثم بدأ العمل في بناء المطار الذي افتتح في 29 أكتوبر 1987، وكان يحتوي على مدرج بطول 3750 متراً وعرض 45 متراً وصمم فنيا لاستقبال جميع أنواع الطائرات العالمية، ويشهد مطار الفجيرة الدولي طفرة هائلة من مشروعات التحديث والتوسعة، كما يطبق المطار خطة تطوير استراتيجية من خمس مراحل تمتد حتى عام 2025 وتواكب نمو الاقتصاد الوطني.

وتمارس اليوم في المنطقة الحرة أكثر من 250 شركة نشاطها باستثمارات تزيد على 350 مليون دولار أمريكي وتغطي الشركات القائمة في المنطقة الحرة تشكيلة واسعة من النشاطات الاقتصادية بما فيها الاتصالات والهندسة والصناعة التحويلية إلى جانب الأنشطة التجارية.

القلعة والبحر والأسواق

تلخص الفجيرة للزائر الأجنبي المكان الإماراتي بكل عراقته وجمالياته وما في الإمارات من مظاهر سياحية يجد نموذجاً مصغراً منه في الفجيرة: القلعة والبحر والأسواق القديمة والحديثة.
للفجيرة قدم تغوص في تقاليد البحر والقدم الأخرى على البر تتحرك في حقل التاريخ، تحيط بها تقاليد النهار والليل وحركة العمل التي لا تتوقف لأن الضوء يغمر المكان.. ضوء التاريخ والأسطورة.. ضوء الماضي العريق والحاضر المشرق الذي يغمر المكان بإشراقته. (وام)

القدوة الحسنة في رعاية أبناء الإمارات

الفجيرة ليست مكاناً فحسب بل هي تاريخ مكتوب على الجدران والصخور والبيوت القديمة والشواطئ ووجوه الباعة والملابس التقليدية وهنا تتحول«الفجيرة» من مكان إلى مكانة، فما من زائر مر بالإمارات إلا ووجه خطواته نحو الفجيرة وما من رحالة أو كاتب أو شاعر مر بالفجيرة إلا واحتلت مساحة من مدونته.

وبفضل توجيهات ودعم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، يتطلع صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة وسمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي ولي عهد الفجيرة لأن تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة مرموقة بين دول العالم، ويبذلان في سبيل ذلك كل الجهد مستنيرين بتوجيهات المؤسس العظيم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يأخذان منه القدوة الحسنة في العمل على رعاية أبناء الإمارات والاهتمام باعتبارهم الركيزة الأساسية لقوة الأمة وصلاحها، وتشهد إمارة الفجيرة في ظل رعايتهما وحكمتهما تطوراً وازدهاراً ملموسين في كل مجالات التنمية الاقتصادية والصناعية. (موقع الطويين : الخليج – شيخة الغاوي)

Related posts