تراجع حاد في مناسيب المياه الجوفية بمزارع الفجيرة والمنطقة الشرقية

يواجه الكثير من مزارع الفجيرة والمنطقة الشرقية التابعة لإمارة الشارقة حالة من الجفاف طيلة أشهر الصيف والتي ربما تمتد بنفس الدرجة في مواسم الشتاء التي يغيب عنها المطر .

وحذرت كثير من الأبحاث العلمية المعنية بالمياه والأبحاث الجيولوجية التي أجريت مؤخراً في جامعة الإمارات وتلك التي أجرتها وزارة البيئة والمياه حول أوضاع المياه الجوفية في الدولة من خطورة تراجع مناسيب المياه وانخفاضها في المزارع وغيرها من الأماكن بسبب عدم اعتماد أساليب الري الحديث كاستراتيجية أساسية ووحيدة في ري المزارع التي لايزال الكثير منها يروى بشكل تقليدي .

ومن الظواهر التي تتسبب في حرمان كثير من المواطنين البسطاء من المياه الجوفية ظاهرة بيع تلك المياه داخل المزارع بشكل عشوائي .

 يشير الباحث المهندس أحمد سيف المطري من وزارة البيئة والمياه إلى دراسة أجراها في الفجيرة والمنطقة الشرقية وأخذت عيناتها بدقة شديدة وعلى عمق يصل إلى 200 متر في باطن الأرض، وتم خلالها الاستعانة بالدراسات الجيولوجية التي أجريت مسبقا منذ عام 1986 – 2005 حيث تمت المقارنة بين نتائج الأبحاث السابقة والنتائج الحالية .

واتضح من نتائج الدراسة بما لا يدع مجالا للشك أن هناك تفاوتاً كبيراً بين نتائج الأبحاث، بما يشير إلى ارتفاع نسبة الملوحة بشكل كبير خلال العامين السابقين عن نظيرتها في الأعوام العشرة السابقة .

عمليات بيع جائرة

وأشار المهندس أحمد سيف المطري من واقع دراسته حول تراجع مناسيب المياه الجوفية في الفجيرة والمنطقة الشرقية قائلاً : “ الدراسة أكدت أن المياه الجوفية لوادي البصيرة سجلت أعلى نسبة بين الوديان الأخرى التي تنتشر فيها المزارع من حيث تواجد المياه واقترابها من سطح الأرض على الرغم من أن هناك الكثير من المزارع لاتزال تروى بطرق تقليدية بحتة كما تتعرض المياه لعمليات بيع جائرة “ .

ودعا المطري في ختام دراسته إلى ضرورة وضع خطة مائية لإحداث ما يسمى بالتنمية المستدامة للمصادر المائية وكذلك بالنسبة للأماكن الواعدة لحفر آبار إنتاجية في الأماكن الأكثر حاجة مثل أعالي وادي حام وأوسطه من أجل تدعيم حقل آبار المياه التابع للهيئة الاتحادية للماء والكهرباء في الفجيرة .

التعليم المائي

من جانبه قال الدكتور سيف القايدي أستاذ الجغرافيا في جامعة الإمارات على الرغم من المحاولات التي تقوم بها الدولة في مجال التقليل من نسبة الفاقد من استهلاك المياه اليومي للأغراض المنزلية والزراعية والصناعية وغيرها إلا أن هذا المجهود يبقى منقوصاً .

وقال القايدي مقترحاً: “ أود هنا أن أشير إلى نقطة هامة وهي عدم وجود ما يسمى بالتعليم المائي في مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا العلمية ولو تم تفعيل هذا الجانب بشكل جاد لوفر هذا علينا الكثير من الجهد المادي والمعنوي ولحفظ لنا الكثير من المياه المهدرة في مزارعنا ولأن الوعي بالقضية سيكون حجر الأساس لحماية هذه الثروة من العبث بها أو المتاجرة لحسابات شخصية .

ولعل وجود ثقافة الاستهلاك والوعي الكافي ضمن منظومة اجتماعية أسرية وتعليمية عامة سوف تؤدي في النهاية إلى تثقيف النشء بأهمية المحافظة على الموارد المائية “ .

وقف التصاريح والرخص

وأكدت أصيلة المعلا رئيس قسم الصحة العامة ببلدية الفجيرة على أن تراخيص بيع المياه العذبة الصالحة للشرب موقوفة تماما منذ فترة طويلة داخل البلدية، ولا تعطى تصاريح أو رخص تجيز بيع المياه وتداولها لصالح أشخاص بعينهم .

وقالت المعلا هناك نوعيات مختلفة من الرخص أو التصاريح تجيزها البلدية وهي بالطبع تنطبق على المياه غير العذبة أو المياه غير الصالحة للشرب وإنما مياه الشرب الخاصة بالمواشي والمقاولات والكسارات فقط .

وما عدا ذلك فلا توجد أي حالات في الفجيرة لبيع المياه العذبة سواء داخل المزارع وغيرها إذا تم استثناء الشركات الكبيرة والمعروفة والمتخصصة في استخراج وتعبئة المياه وهي معروفة للجميع لأننا جميعا نعتمد عليها في الشرب .

واستطردت رئيس قسم الصحة العامة ببلدية الفجيرة قائلة قام القسم قبل يومين بمخالفة إحدى المزارع التي ثبت قيامها ببيع المياه لردع أي محاولة مستقبلية لعمل ذلك . وبالتالي لا توجد أي رخصة سارية في الفجيرة الآن سوى رخصة واحدة ببيع المياه وتعبئتها داخل الميناء وليس لها صلة بالمزارع لا من قريب أو بعيد .

ونقوم في البلدية بأخذ تعهدات على الأشخاص الذين نعلم أنهم متورطون في ذلك بعدم ممارسة هذا العمل نهائيا .

وقبل أيام تم عقد اجتماع بين قسم الصحة ممثلا للبلدية وإدارة المرور بشرطة الفجيرة تم من خلاله الاتفاق على أن تقوم إدارة المرور بإجراء رقابة مشددة على سيارات تناكر المياه والتأكد من أنها لا تحمل مياه عذبة مخالفة للقانون بالتعاون مع مفتشي الصحة .

جولة ميدانية

وكانت “ الاتحاد “ قد قامت بجولة ميدانية داخل مناطق الفجيرة والمنطقة الشرقية للوقوف على أوضاع المياه وحالة الجفاف التي تشهدها المزارع وشكاوى المواطنين من وجود بعض الأشخاص ممن يقومون خفية ببيع المياه العذبة داخل مزارعهم .

وقال سيف الكعبي من “البثنة “ : “ نمتلك مزرعتين مساحة كل مزرعة 350 مترا مربعا توجد بهذه المزارع عدد 4 آبار ارتوازية جفت تماما على الرغم من أن عمق البئر وصل إلى 450 قدما إلا أن المياه في مزارعنا أصبحت عزيزة .

وحصلنا على تصريح من البلدية بحفر بئر جديدة على عمق أكبر ولكن المياه لا تزال بعيدة المنال، لذا فنحن بحاجة إلى الدعم من وزارة البيئة والبلدية والحكومة الاتحادية بتوفير المياه لمزارعنا .

وقال أحب هنا أن أشير بان عمليات بيع المياه في المزارع تتم باستمرار للأسف الشديد ولدينا في البثنة حالة تعد خير شاهد على ذلك .. علما بأن البثنة تمتلك 50 مزرعة ولكنها لا تمتلك المياه التي تروي هذه المزارع !!

البثنة الواحة العامرة

ويؤكد خليفة راشد بن خليفة من “ السيجي “ على ان مزرعته جفت مياهها وما تبقى من المياه فهو مالح تماما ولا يصلح للزراعة ولا حتي لشرب الأغنام والماشية، وقد كانت البثنة ذات يوم واحة عامرة بأطيب المنتوجات الزراعية وكان واديا تسبح فيه المياه وتفيض .

أما عبد الله أحمد سعيد العبدولي من “ الطيبة “ الذي يعاني من مشكلة شح المياه وقد جفت 8 آبار من آباره العشر الموجودة داخل مزارعه فقد قال إن شبكات الري الحديث لاتزال بعيدة عنا للأسف وباستثناء مزارع خلفان عبيد ومحمد سالم ومحمد أحمد سعيد بالطيبة فإنه لا توجد شبكات ري حديث تغطي باقي المزارع وعندي أكثر من 1500 نخلة وهي تعاني أشد المعاناة من حدة الجفاف.

وأيد علي سالم العبدولي من “ الطيبة “ الرأي السابق، مشيراً إلى أن بئر مزرعته الوحيدة تعمل لمدة عشر دقائق في اليوم وفي بعض الأحيان لا تعمل نهائياً وكنا في السابق نزرع الكثير من المحاصيل الزراعية ولكن الوضع تغير وأصبحنا لا نزرع شيئاً .

خلط العذبة والمالحة

وقال ضاوي راشد الطنيجي من “ الحنية “ لابد من مراقبة المزارع التي تبيع المياه لأن هذا يضر الجميع وقد لمسنا حجم الضرر بأنفسنا من خلال النقص الواضح في المياه فانا أملك 4 آبار نضب الماء من اثنتين والبئر الثالثة يعمل لمدة ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير .

والبئر الرابعة مياهها تحولت من مياه عذبة إلى مياه كبريتية وألجأ أحيانا إلى عملية الخلط بين المياه العذبة المتوافرة والأخرى الكبريتية حتى تسير الأمور .

أما المواطن علي بن حمايد من نفس المنطقة يقول لدي في المزرعة 4 آبار وجميعها تعمل ولكن المياه ليست صالحة لا للري ولا لشرب الماشية، وكانت لدينا هنا أشجار المانجو واللومي والتفاح والسفرجل والزيتون وكلها ماتت بسبب عدم وجود المياه .

وقال خميس عبد الله خميس الكندي من “وادي مي“ الآبار هنا تعاني من الجفاف ومزرعتي بها آبار ارتوازية ويتم حفرها على عمق يتراوح بين 500 و1000 متر، ولكن هناك مزارع – للأسف – لا توجد فيها مياه وإن وجدت فهي مالحة.

تراجع جودة المياه

تشير أحدث إحصائيات وزارة البيئة والمياه أن عدد المزارع في إمارة الفجيرة والمنطقة الشرقية والتي تعتمد على المياه الجوفية في الري يصل إلى 5098 مزرعة وتشغل هذه المزارع مساحة 5944 هكتارا من إجمالي المساحات المزروعة في الدولة وتزرع محاصيل النخيل والفواكه والأعلاف .

ووفقاً للدراسة التي أجراها الباحث المهندس أحمد سيف المطري من وزارة البيئة والمياه فإن مناطق مثل ضدنا في الفجيرة وكلباء في الشارقة تشهد تراجعاً كبيراً وخطيراً في مناسيب المياه الجوفية بها كذلك تراجع جودة المياه الموجودة ، حيث وصلت معدلات الملوحة ببعض الآبار في كلباء وضدنا بين 10000 وأكثر من 33000 ملليجرام في اللتر وهو بلاشك مؤشر خطير يدعم التساؤل الذي افترضته الدراسة حول تأثير النشاط الزراعي على المياه الجوفية والبيع الجائر والمستمر لهذه المياه دون مراعاة الصالح الوطني وخطورة ذلك مستقبلاً.

المصدر : الاتحاد 24 يوليو 2010