كانت معبراً للتجارة بين الإمارات “وشاح” كثبان تتزين بالخضرة

تتميز منطقة وشاح بأنها إحدى المناطق الزراعية الشهيرة في المنطقة الوسطى، نظراً إلى توافر المياه الجوفية، التي تغذيها الوديان القادمة من الشرق، كوادي السيجي وكدرا . وتعد قرية أو شعبية وشاح إحدى المناطق التابعة إدارياً إلى مدينة الذيد، وهي تبعد عنها بنحو 8 كلم، كما تحدها من الجنوب منطقة مليحة . وترجع تسمية منطقة وشاح إلى طوي وشاح، التي جفت مياهها، حالها حال معظم آبار مناطق البادية في الدولة، حيث يرتبط اسم المكان أو المنطقة في الأغلب ببئر (طوي) .

تشتهر المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة بموقعها الفريد، لأنها تتوسط العديد من إمارات ومناطق الدولة، إضافة إلى تنوع تضاريسها، وإن كانت السمة الغالبة عليها هي الكثبان الرملية، فهي ملتقى السهل الحصوي مع الكثبان الرملية، هذا السهل الذي تتخلله العديد من الوديان، ما وفر بيئة زراعية مثالية .

وعلى طول الطريق الممتد ما بين الذيد والمدام، يمكن ملاحظة جماليات المنطقة، نتيجة التداخل ما بين السهل والرمل، ووجود المزارع، كما تقع على أطراف الطريق الكثير من المناطق والقرى، منها قرية وشاح .

واستفادت منطقة وشاح من مشاريع التنمية، التي وفرتها الدولة، لاسيما المساكن الحديثة والطرق، ويسكن المنطقة كثير من العوائل مثل “بن دلموك” و”الخاصوني” و”بن نومة” و”بن غرير” و”الفريري” و”بن مرخان” .

كان أهالي منطقة شعبية الوشاح في الماضي ينزلون في بداية ابريل/نيسان من كل سنة لمنطقة السهل الحصوي، للتخفيف من حرارة الجو بسبب وجود الأشجار، إذ كانوا يسكنون في بيوت من العريش ويتناثرون في المساحة الممتدة حول الطوي، ومع بداية اكتوبر/تشرين الأول كانوا يصعدون المنطقة الرملية المرتفعة عن السهل الحصوي ويسكنون فيها طيلة فترة الشتاء، بسبب دفئها ووجود الأشجار التي كانوا يحتمون بها من الهواء البارد ولينعموا بالأمطار الوفيرة التي تدر خيراً على الزراعة . ومن الحيوانات البرية التي كانت تعيش في تلك المنطقة التي يمكن تسميتها بالغابة، الذئاب والثعالب والضباع وحيوانات أخرى .

ما يرويه لنا الآباء أن المنطقة كانت غابة تزداد جمالاً في الربيع، ومع هطول الأمطار كان يتزايد عدد الأشجار، إلا أنه ومنذ الثمانينات من القرن الماضي قلت أمطارها، إلى أن وصل لدرجة هطولها مرة واحدة فقط أو أكثر في السنة، لذا أصبح الاعتماد على مياه التحلية .

وكانت المنطقة معبراً للتجارة، تربط ما بين الشارقة وعجمان وأم القيوين ومناطق أخرى مثل عمان، ومن الطبيعي أن يستريح التجار في المنطقة، ما كان يزيد من التواصل الاجتماعي فيما بينهم، وذلك عندما كانت يخيمون في منطقتهم ويقوم الأهالي بزيارتهم . ولايزال تواصل الأهالي في الأعياد والمناسبات مع المناطق المجاورة إلى الآن .

يقول عبيد سالم بن دلموك “موظف متقاعد”: إن وشاح هي منطقة من مناطق البادية في الدولة، ما انعكس على نشاط ساكنيها آنذاك، فنظراً للظروف المعيشية الصعبة في السابق، فإن أهل البادية عاشوا حياة بسيطة، تعتمد على ما توافر في بيئتهم، فقد مارسوا الرعي، والاشتغال ببعض المهن البسيطة، وكانت وسيلة النقل الرئيسة هي الجمال، والتي كانوا يسافرون بها إلى الساحل، للتبضع في أسواقه، كأسواق العرصة ودبي وعجمان . ويضيف: كنا نتنقل في فصل الصيف إلى بعض المناطق الزراعية القريبة، كالسيجي وشوكة . وقبل قيام الاتحاد، لم تكن هناك مدارس أو مستشفيات، وكانت فرصة التعليم الوحيدة هي تعلم القرآن الكريم على أيدي بعض المربين . وبالنسبة لي، وجدت فرصة للتعلم في منطقة الدقداقة برأس الخيمة، التي حظيت ببعض مشاريع “مكتب التطوير” . وبالنسبة لمنطقة وشاح، فإنها زراعية الآن، وفي السابق اشتهرت بتوافر المرعى وبالأخص أشجار الغاف، والتي هلكت حالياً، بسبب قلة الأمطار وانخفاض منسوب المياه الجوفية، بعد أن كثرت المزارع . ومن المظاهر التي لاننساها هي جريان الأودية التي تمر قرب منطقتنا، ففي السابق كان هذا المشهد شبه سنوي، وكانت الوديان التي تقطع أو تمر بمنطقتنا تكمل مسيرها وتمر على الذيد وفلج المعلا وبياتة . أما اليوم فلقلة الأمطار أصبح هذا المشهد نادراً، خاصة بعد بناء العديد من السدود، عند مخارج الأودية . وقيام الاتحاد كان نعمة عظيمة، وفر الأمن والأمان والرخاء الاقتصادي، ونقل سكان الإمارات من شظف العيش والمهن البسيطة إلى وظائف وفرتها الدولة، إضافة إلى ما وفرته من سبل الراحة، من خدمات .

وعن الذكريات التي ما زال يحملها يقول: بعد هطول المطر، كنا نجمع الرمل على شكل تلة صغيرة من ثم ننثرها، ونعيد العملية إلى أن ينال التعب من أجسادنا الصغيرة، فنتوجه إلى بيوتنا ويملؤنا الشغف للالتقاء مجدداً في الصباح الباكر والتمتع بروح يوم جديد من حياة النقاء والصفاء في مرحلة الطفولة .

وحدثنا محمد عبيد بن دلموك (موظف متقاعد) عن ذكرياته في الماضي، بالقول: الحياة في الماضي كانت صعبة، نظراً لمحدودية الأنشطة الاقتصادية، فالبعض كانوا يملكون بعض اشجار النخيل البسيطة، ويعتاشون عليها، ويسكنون بقربها في فصل الصيف، أما في فصل الشتاء فكان الناس يتنقلون من مكان لآخر، بحثاً عن المرعى لإبلهم ومواشيهم . وكان بعضهم ينتقلون إلى الساحل للتزود ببعض الاحتياجات البسيطة .

ويضيف: بعض ظهور النفط وقيام الاتحاد وصلت مظاهر التنمية إلى جميع مناطق الدولة، وانتشرت المدارس، وأبناء المنطقة حظوا كغيرهم بفرص التعليم الحديث، بعد أن كان بعضهم ينتقل إلى مناطق بعيدة، لأن المدارس محدودة، وذلك مع بدايات ظهور التعليم النظامي في ستينات القرن الماضي تقريباً .

ويوضح عيد مطر بن غرير (28 سنة) أن منطقة وشاح تمتاز بكثرة المزارع وموقعها الفريد، وقربها من الطرق الرئيسة بالإمارات الشمالية . ومن المشاهد التي لا ينساها هو مشهد جريان الأودية التي كانت تمر قرب منطقتهم، لاسيما أن الذيد ملتقى العديد من الأودية، كوادي السيجي وكدرا وشوكة وبراق، وغيرها وقربها من السيوح (السهول الحصوية) التي تكثر بها أشجار السمر، كسيح البردي .

ويعد بن غرير نموذجاً لشباب المنطقة الوسطى، الذين استطاعوا الجمع بين الحداثة والحفاظ على تقاليد أجدادهم وتراث بلدهم . ومن الذين حصلوا على فرص تعليم . ويشيد بن غرير بسمة التراحم والتواصل والتزاور بين أبناء المنطقة، ويقول إن العيد له طعم خاص لدى أبناء المنطقة الوسطى . الخليج