وادي السدر طبيعة تستضيء بالشمس وجذوع الأشجار والجدران تحفظ فصولاً من تاريخها

262515

موقع الطويين : الخليج

ما إن تدخل الطريق المؤدي إلى منطقة وادي السدر، بعيداً عن الزحام، وضجيج المدن، وضغوط العمل، على مسافة 70 كيلومتراً شمال غرب مدينة الفجيرة، حتى يتغير كل شيء من حولك بدءاً من نفحات هوائها العليل ومروراً بطريقها المتعرج نزولاً بين الجبال والهضاب، وصولاً إلى تفاصيل طبيعتها العذراء . ورغم أنه لا يوجد حصون أو قلاع تروي تاريخ وحكاية أهل الوادي، إلا أن منطقة السدر غنية بموقعها الجغرافي بالقرب من حضارة جلفار العائدة إلى صدر الإسلام . كما يمكن للزائر أن يقرأ بسهولة فصولاً من تاريخ الوادي على جذوع سدرها وجدران مساجدها القديمة وبيوتها المبنية من الحجارة والطمي وجريد النخيل .

التحولات والتطورات الكبيرة التي شهدتها المنطقة واضحة على طول الطريق المؤدي من مسافي إلى دبا الحصن، هذه الخدمات ليست محصورة بنماذج الأبنية الحديثة فقط، بل تشمل الكهرباء والمياه والطرق والمواصلات، ولعل أكثر ما يلفت النظر في طريق وادي السدر إنارة جانبيه بين الجبال بالطاقة الشمسية، وهذه إحدى مكارم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ويزدان وادي السدر بأحد عشر مسجداً، أكبرها مسجد حليمة السعدية الذي يقف منذ سنوات في ساحة الوادي مستقبلاً زوار المكان وضيوفه، وللوادي مركزه الصحي الخاص وفيه 4 أطباء باختصاصات متنوعة، ويضم صيدلية ومختبراً وجهاز أشعة وسيارة إسعاف . وعلى الرغم من أن أكثر أبناء الوادي اتجهوا إلى الوظيفة، فإنه كثيراً ما تشاهد الشباب مع الجيل القديم مرتبطين بالأرض التي أطعمتهم لسنوات، فينشطون في زراعة الجزر والبصل والخس والبندورة والملفوف والخيار والكزبرة والبقدونس والجرجير والكوسة، وتربية المواشي .

ولأهل الوادي وشوابها حكايات وقصص عن المنطقة وشجرة السدر التي تلخص الكثير عن عيشهم سابقاً، وعن ذلك يقول سعيد محمد علي، من شواب الوادي: إن شجرة السدر هي الجامع المشترك بين جميع أهل الوادي وأبنائه، لأنها جعلت من المنطقة غلافاً أخضر على مدار العام يمكن للزائر أن يراه على بعد عشرات الكيلومترات، وكانت حائط صد لدرجات الحرارة والرطوبة المرتفعة في الصيف، فننعم باعتدال الجو وبرودته . وعلى مدار الزمان عرفت منطقة وادي السدر بالبوادي الكبيرة التي لم تكن تجف أبداً بسبب هطول الأمطار سنوياً، بينما في الوقت الحالي تغير الوضع بسبب قلة هطول الأمطار، لكن لا يزال هناك مياه حلوة في الآبار يشرب منها الناس والنخيل والسدر .

لعسل وادي السدر ونحله حكاية أخرى، ويقول محمد بن عبيد، أمير منطقة وادي السدر: قديماً كنا نعتمد على جمع العسل من كهوف الجبال لدوام إنتاجه بفضل تعميرها نحو 100 عام، وهو من أجود أنواع العسل في العالم وأغلاها، كذلك استخدم الآباء أوراق شجر السدر وثمرها المسمى “النبق” في علاج الهزال وأمراض القولون والمعدة، وتقوية الشعر، إضافة إلى أنه كان ومازال يستخدم في علاج الكسور وصناعة الجبائر رغم تراجع الإنتاج في الوقت الحالي والاعتماد على مهن جديدة . ويضيف: قديماً لم تتجاوز بيوت الوادي 20 بيتاً منها الشتوي المبني من الحجارة السوداء وسعف النخيل والطمي المطعم بالحصى، ومنها الصيفية المبنية من الجريد وسعف النخيل، بينما يسكن الأهالي في الوقت الحالي ما يقارب 250 بيتاً .

يجمع وادي السدر قرى وتلالاً عدة ضمن أقسام متسلسلة، منها قرية الجروف التابعة التي سميت بهذا الاسم لوجود الكهوف بكثرة على جروف استخدمت لزراعة الطماطم والبصل والغليون ونباتات الأعلاف . ويروي أحمد مسعود، من أبناء الوادي، القصص التي سمعها عن حياة الأجداد في الماضي، إذ كانت صعبة ومتقشفة قائمة على التعاون والمحبة والتراحم فيما بينهم، وكان الجميع يهتمون بالعمل والسعي وراء الرزق سواء بجمع محاصيل العسل من الكهوف الجبلية أو رعي الأغنام والأبقار أو بجمع المحاصيل الزراعية المتنوعة . وقال بعد قيام دولة الاتحاد حدثت نقلات نوعية في كل المناطق، فبنيت المساكن الشعبية الحديثة القادرة على حماية الناس من الظروف الجوية المتقلبة التي كانت تصيبهم قديماً بالفزع والخوف لطبيعة المكان الذي يقع أسفل سفوح الجبال العالية، وبنيت الطرق الحديثة المزودة بأفضل خدمات الطاقة الصديقة للبيئة كما زحفت الخدمات المتنوعة إلى المنطقة ومنها المستشفيات والمدارس والمراكز الثقافية والتعليمية .

ويشير الوالد حميد سليمان إلى أنهم كانوا يعتمدون في الماضي على آبار المياه العذبة المتجمعة من الوادي لري المزروعات، بينما حالياً يعتمدون على مصادر المياه التي وصلت إلى الوادي بفضل اهتمام الدولة .

وقال: أما الغذاء في الماضي كان بسيطاً حيث كنا نتغذى على “العيش” الذي كنا نشتريه من أسواق الفجيرة ورأس الخيمة والشارقة كما كنا نعتمد على التمور ولبن الأبقار والماعز إضافة إلى نحل عسل السدر، ويضيف: كانت حياتنا بسيطة بعيدة عن التفاخر وكانت المرأة تلعب دوراً مهماً وتعمل إلى جانب الرجل حيث تجلب الماء من الآبار في المنطقة ومن الوادي وقت هطول الأمطار كما كانت تجني المحاصيل الزراعية والتمور من النخيل وتطعم وترعى الأغنام والأبقار وتقوم على تربية أبنائها تربية صالحة وفقاً للقيم الإسلامية والعادات العربية الأصيلة .

ويقول إسماعيل إبراهيم، موظف يعمل في الوادي: إن الأهالي حريصون منذ الماضي على الاستمرار في زراعة الأرض وتربية المواشي، والحفاظ على الألفة والبساطة التي تحكمهم رغم التطورات الحديثة التي شهدتها المنطقة المميزة بجبالها وهضابها وغلافها الأخضر . ويلفت إلى أن قوافل السياح لا تنقطع عن المنطقة، بينما هذا السحر الطبيعي يزداد في الشتاء عندما تجري الوديان والشلالات من أعالي الجبال ومن خلفها تمتد بساتين المنطقة، تطل منها بشموخ أشجار النخيل والسدر بمساحات خضراء واسعة .

بحيرة رائدة

وادي السدر الواقع بين إمارتي الفجيرة ورأس الخيمة والممتد بين مناطق وادي كوب التابعة للثانية والطويين التي تتبع الأولى من جهة شمالها، وعسمة ويعلا من جهة جنوبها هي أول منطقة تعتمد على مشروع إنارة للطرق باستخدام الطاقة الشمسية وتمتد لمسافة 11 كلم . واستخدم أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا من اللوحات الشمسية والبطاريات الجافة الحافظة للطاقة والتي تستطيع المحافظة على إنارة الطريق لمدة ثلاثة أيام من دون الحاجة للطاقة الشمسية في حال وجود غيوم . ويساعد هذا النظام في تقليل نسب انبعاث الكربون مما يسهم في تقليل الأثر البيئي للضوء على المناطق المجاورة، وتدعم تجربة وادي السدر الدراسات والتجارب في مجال تكنولوجيا المشاريع لتطبيقها في مشاريع الطرق المماثلة التي تبعد عن المنشآت والتمديدات الكهربائية والتي يتطلب إيصال الكهرباء إليها تكاليف عالية .

Related posts