أُم راشد خمسينية تقود شاحنة

حينما هاتفنا «أم راشد» لإجراء حوار صحافي معها كونها أول إماراتية تحمل رخصة قيادة شاحنة، رحبت بنا كثيرا، مُبدية سعادتها باهتمام وسائل الإعلام المحلية باختلافها بما تعتبره انجازا يُضاف إلى سجل المرأة الإماراتية، التي تركت بصمة طيبة، وواضحة في شتى المجالات، لمَ لا ؟

 والفضل في ذلك يرجع إلى الدور التاريخي الذي قامت به أم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك، حفظها الله، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة الاتحاد النسائي العام في ترسيخ مكانة سامية للمرأة في المجتمع، وتمكينها أيضا من القيام بدورها كشريك أساسي، في دعم التنمية الوطنية بالدولة، وباعتبارها نصف المجتمع.اتفقنا مع «أم راشد» على المكان الذي سنلقاها فيه، وسنتجه إلى مكان إقامتها لإجراء الحوار معها، وفي الوقت المُحدد وعند شرطة الفقع الواقعة على طريق (دبي-العين) جاءت (أم راشد) .

 

 وهي تقود (بيك آب) لنسير خلفها بقرابة النصف ساعة لمنطقة زراعية في مدينة العين تُعرف بحرز، حيث تُقيم في مزرعة تُعتبر منحَة من الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله. أُم مكافحة دخلنا إلى منزلها القائم في مزرعتها والذي أشرفت شخصيا على بنائه، وقادتنا إلى المجلس، وهنا استرسلت في الإجابة عن أسئلتنا بروح عفوية شفافة قائلة: أنا أرملة حيث توفي زوجي قبل ثلاثين عاما، وأنا في عُمر 18، وأُم لأربعة أطفال (ولدين وبنتين) مسؤولة عنهم، واعتمدت على نفسي في تسيير أموري وأمور أبنائي، وتوفير ما يحتاجون إليه من متطلبات، مُضيفة:

 بفضل الله تعالى ودعم الشيوخ والشيخة فاطمة بنت مبارك، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة الاتحاد النسائي العام «أم الإمارات» استطعت تجاوز محنتي وكبر أبنائي وباتت لهم وظائفهم وعائلاتهم، فأنا الآن في الخامسة والخمسين من العمر وجدة لـ 22 حفيدا أكبرهم في 16 من العمر.

 وحيدة في مزرعتها

 مزرعتها في منطقة الحرز بمدينة العين تُعتبر منحة غالية من القائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، لذا بَنت لها بيتا في المزرعة، وتسكن وحيدة مع خادمتها، وهُنا تقول: يصعب على قلبي كثيرا أن أسكُن داخل المدينة، وأترك مزرعتي بلا اهتمام.

 

وقررت أن أبني بيتي في المزرعة، وعلى الرغم من رفض أبنائي وبناتي وإصرارهم على أن أُسكن معهم، إلا أنني لا أريد أن أَكون حملا ثقيلا على أحد، حتى لو كانوا أبنائي.

 مشيرة إلى أنه لا يزورها أحد أبدا سوى بناتها وأحفادها المتعلقين بها كثيرا؛ فأبناؤها الذكور قاطعوها شعورا منهم بالإحراج من قيادة والدتهم للمركبة الثقيلة، اعتمادا منها على نفسها بإشرافها على إدارة مزرعة خاصة بها في العين، إلا انها لقت تشجيعا كبيرا من (المزروعي) زوج ابنتها.

 وهنا وقفت (أم راشد) عن حديثها معنا، وسيطر الشجن على وجهها، وقالت: (الله يسامحهم ويوفقهم). وفي محاولة منا لإعادة دفة الحديث بذكر بعض المواقف الطريفة التي تحدث معها في المزرعة، أردقت قائلة:

 كنت أذهب إلى عُمان لكي أُحمل مواد البناء بنفسي وأجلبها إلى مزرعتي لمُباشرة بناء منزلي إلى أن أكتمل ولله الحمد، وهذا لأكون قريبة جدا من زراعة الأرض ورعاية دوابي، علما أنني أيضا مُوظفة في إحدى المدارس، حيث أُشرف على زراعة حديقة المدرسة، التي حصلت مُؤخرا على تكريم خاص من بلدية العين، كونها أجمل حديقة مدرسية، حيث زودتها أيضا بشبكة ري خاصة بها.

 الإماراتية الأولى

 لا تستغرب وأنت تقود سيارتك في مدينة العين أو غيرها بامرأة إماراتية تضع برقعا، وتقود شاحنة بكل حرص وفن، فهي «أم راشد» أول إماراتية تحصل على رخصة قيادة شاحنة-مركبة ثقيلة، ولأن (أم راشد) تزرع محاصيل كثيرة ومتنوعة.

 وتقوم بتسويقها رأت أن سيارة النقل المتوسطة (البيك آب)، التي تقودها منذ 8 سنوات لم تعد تستوعب الزيادة الكبيرة في الإنتاج، ونجحت بعزيمتها وإرادتها في الحصول على رخصة قيادة شاحنة (ليسن ثقيل).

 وستتمكن (أم راشد) بذلك من تسويق كميات أكبر من المحاصيل التي تنتجها مزرعتها الخاصة بمنطقة حرز، لتنضم إلى القلة القليلة من المواطنين الذين يحملون هذه الرخصة.

 مُبدية سعادتها الكبيرة إثر اجتيازها بنجاح اختبارات الحصول على رخصة قيادة شاحنة من قسم التراخيص بمرور العين، بعد أن راجعت مقر الوزارة، مُؤكدة أن المسؤولين تفهموا ظروفها ووجهوا بالسماح لها بدخول اختبارات (ليسن ثقيل)، نزولاً على رغبتها، وتتفاقم سعادتها بصورة أكبر كونها أول امرأة مواطنة تقود شاحنة كبيرة بدولة الإمارات.

 ومن جانب آخر توضح (أم راشد) ل«الحواس الخمس» أنها نجحت في الامتحان منذ أول محاولة، نظراً إلى خبرتها السابقة في القيادة، والتي امتدت لثماني سنوات، لكن قيادة الشاحنة، يتطلب إلماماً أكبر بالتحكم بالمركبة، وسرعان ما تأقلمت معه، نظراً إلى حاجتها إلى تسويق منتجات مزرعتها بنفسها، ونقل مواد البناء، مشيرة أيضا إلى أن الرخصة لا تشمل الشاحنات فقط، وإنما تمتد للجرارات الزراعية، مُردفة:

 أجد كثيرا نفسي في حاجة إلى استخدام بعض المعدات الزراعية للقيام ببعض الأعمال في المزرعة ولعدم وجود سائق مؤهل أقوم بقيادتها بنفسي، وهو ما ضاعف من حرصي واهتمامي بالحصول على رخصة قيادة شاحنة «ليسن ثقيل» حتى لا أقع عندما أقود هذه المعدات تحت طائلة المخالفة.

 ولدى سؤالنا إياها: وماذا تفعلين إذا حدث عطل ما في المزرعة؟ أجابت بثقة تامة ممزوجة بابتسامة جميلة : نعم، تحدث كثيراً بعض الأعطال الروتينية الطارئة بشبكة الري الخاصة بالمزرعة ونظراً إلى صعوبة الحصول على فني متخصص لإصلاحها في الوقت المناسب فإنني كثيراً أحاول التعامل مع تلك الأعطال وإصلاحها بنفسي حتى تمكنت منها حيث لا أجد حالياً أية صعوبة في التعامل مع مثل تلك الأعطال، وأقوم بإصلاحها بمهارة.

 وهذا ما يثير دهشة وإعجاب عُمال المزرعة، الذين يطلبون مني أيضا تعليمهم كيفية إصلاح بعض الأعطال، وهذا ما أفعله أيضا في حديقة المدرسة، إذا ما حدث عطل ما في أجهزة الري التي أُباشر بإصلاحها بإتقان.

 وتضيف: أشرف على العمل في المزرعة والتسويق والزراعة، معتمدة على نفسي أولاً وبمساعدة اثنين من العمال، وأحاول أن أتعلم كل ما له علاقة بحياتي، خصوصا الزراعة والأعمال الميكانيكية.

 مضايقات على الطريق

 في بداية قيادتها للمركبة الثقيلة تعرضت (أم راشد) للكثير من المضايقات لاسيما في من الجنسيات الآسيوية، ولأن الزمن أمدها بقوة فإنها ترد على تلك المضايقات ضمن حدود الأدب، حيث تُحرج الآخر ويُحرم مضايقتها مرة أخرى.

 حافلات خاصة

 وتتمنى (أم راشد) أن تقود حافلة مُخصصة لنقل النساء، مٌتسائلة لماذا لا يتم تخصيص حافلات لنقل النساء من إمارة لأخرى مثلا تقودها سيدة؟ قائلة: وربما سأتمكن من قيادة الحافلات المدرسية الكبيرة الخاصة بتوصيل الطالبات.

 تؤكد إثبات المرأة الإماراتية جدارتها في شتى المجالات

 كونها أول إماراتية حاصلة على رخصة قيادة شاحنة بعد تمكنها من فتح ملف في المرور للتقدم لاختبارات السياقة، وأصبحت الآن قادرة على قيادة الشاحنة الخاصة بمزرعتها في مدينة العين، وبسعادة تامة تقول (أم راشد): أثبتت المرأة الإماراتية جدارتها وقدرتها على العطاء والإبداع في جميع المواقع التي شغلتها وحضورها ومكانتها وتميزها داخليا وخارجيا.

 وهذا في حد ذاته تجسيد للنظرة الحكيمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أعطى المرأة والأسرة الأولوية في مشروعه الطموح لبناء الوطن والإنسان بإعلانه «أن المرأة هي نصف المجتمع»، ومن جانب آخر لا ترى (أم راشد) عيبا فيما تقوم به، وتشير قائلة: البعض صرح بأن مباشرتي شخصيا على عملي وقيادتي للشاحنة يعتبر عيبا!

 ولأني مؤمنة بما أقوم به فأنا أعارض تلك الثقافة التي أوصلت شبابنا للبطالة، متمنية لو تمت مناقشة القضية إعلاميا بالحديث عن هذه المهن بطريقة واضحة، والتحدث في مختلف جوانبها، والكشف عن السبب الذي يدعو الناس لاعتبار ممارسة مهنة عيباً، حتى يكون النقاش فعالا.

 المصدر : البيان ملحق خمس الحواس 17 يوليو 2010