فرحة تفسدها المبالغات

يتميز العرس الإماراتي التراثي بجمال خاص، فالعروس لؤلؤة حقيقية يحيطها الذهب من كل جانب، والعريس ملك متوج يحيطه أهل “الفريج” بمحبتهم وتعاونهم ووقوفهم إلى جانبه ومشاركته الفرحة، في أيام وليال يكتسي فيها الحي بالفرح والرقصات الشعبية، وتضاء فيها الشموع، وتشتعل فيها المواقد وتقام فيها الولائم، ليصبح هذا العرس حكاية كل ليلة على مدى أسبوع أو شهر أو أربعين يوماً على العكس من ذلك، يبدأ عرس اليوم وينتهي خلال أربع ساعات تقريباً، تسودها صرعات غريبة،

تلفت الأنظار وتثير الاستغراب، وابتكارات لم نكن نراها في الأعراس القديمة، ويبقى فيها أهل العروسين على أعصابهم، رغم توفيرهم لأكثر من شخص يتولى مسؤولية تنظيم العرس، لنرى أن الشكل العام للعرس تغير، وطرأت عليه أمور جديدة أفقدته بهجته . تناولنا في هذا الملف العرس الإماراتي التقليدي، وعقدنا مقارنة بينه وبين العرس الحديث، كما سلطنا الضوء على بعض صرعات الأعراس الحديثة، وناقشنا التنظيم المبالغ فيه للأعراس وتأثيره في الشعور بالفرحة الحقيقية للعرس .

 

كان مناسبة تجمع أهل “الفريج” بلا استعراض

 

العرس الإماراتي القديم بساطة وقيمة اجتماعية

 

كان العرس الإماراتى في الماضي فرحة تجمع أهل الحي جميعهم على قلب واحد، وتجعل من العرس احتفالية مميزة للكبير والصغير والفتاة والصبي والغني والفقير، وتثبت للعريس أنه ابن الحي الذي يسعى الجميع إلى الاحتفاء به وتقديم يد العون والمساعدة له ومشاركته فرحته، فترقص “العيالة” وتتنقل السيدات من بيت لآخر لتنقية الأرز وحبوب القمح لإعداد الأكلات الشعبية، وتنتشر رائحة الحناء في أنحاء “الفريج” لتسعد الفتيات برؤية ابنة الحي بثوبها التراثي الجميل، يغطيها الذهب بجماله في أجواء جميلة لا تخلو من البساطة والعفوية، ولا تخلو من الحياء الذي كان تاجا على رأس العروس ورفيقاتها يوم زفافها .

 

عدنا إلى الماضي وتجولنا في الأعراس القديمة مع عدد من السيدات صاحبات الخبرة بالعرس الإماراتي القديم والمتخصصات في التراث الإماراتي، لنسلط الضوء على عادات جميلة يشدنا الحنين إليها .

 

“كان العرس في الماضي عرس مجتمع”، هكذا بدأت شيخة الجابري الإعلامية والباحثة في التراث حديثها، وأكدت أن الجميع كان يسهم في العرس القديم سواء مادياً أو معنوياً وتقول: كان يتميز بنزعة إيمانية حث عليها الإسلام وهي التعاون والتعاضد، وكانت الثقافة الإيمانية شديدة ذلك الوقت، وحسن تمثيلها كان في المناسبات والأعراس، وهو ما يعرف ب”الفزعة” بمعنى أن يفزع الجميع لمساعدة العريس وخصوصاً في أمور “مير العرس” وهي المواد الغذائية التي يحتاجها مطبخ العرس لما يقام به من ولائم يتعاون أهل الحي على توفيرها، وكان العرس يستمر لأسبوع وأحياناً لشهر، لأن الفرحة كبيرة تبدأ مع الخطوبة وتستمر لما بعد الزفاف . وذكرت شيخة الجابري أن عرس اليوم فقد قيمته الاجتماعية التي كانت سائدة سابقاً، إلا في بعض الأسر التي لا تزال حريصة على المحافظة على هذه القيمة الاجتماعية من خلال مساندة العريس . وتقول: البساطة كانت سيدة الموقف، والتعاون كان يظهر في كيس أرز يرسله أحد الجيران، أو كيس من القمح يرسله آخر، وكان لهذه الأشياء معنى كبير، أما اليوم فالهدايا عبارة عن عقد من الألماس أو ساعة يد فاخرة وغيرها، وتضيف: كانت الفرق الشعبية تستمر لمدة أسبوع لتنشر الفرح في الحي، وكان أعضاؤها من داخل “الفريج” وأجرتهم وجبة العشاء، فالقناعة والزهد والحب أساس العلاقة بينهم .

 

وفي ما يخص الدعوة للعرس، تقول شيخة الجابري: كان هناك ما يسمى ب”الطارش” وهو الشخص الذي تنتدبه أسرة العروسين لدعوة الناس للعرس، وكان يطرق الأبواب وينقل السلام والتحية ويدعو الناس للحضور للعرس بما فيهم الكبير والصغير، أما الآن فبطاقات الدعوة تقوم بهذا الغرض وغالباً ما يكتب عليها”جنة الأطفال بيوتهم”، أي أنه غير مرحب باصطحابهم إلى العرس . وذكرت الجابري أن الاحتفال في السابق كانت تقام في الساحات، فالبيوت كانت واسعة وكان الاحتفال عرساً بكل معنى الكلمة، أما اليوم فالأعراس تقام بالصالات والقاعات، وتحدثت عن فرحة بنات الفريج فقالت: الفرحة اليوم منقوصة، فبنات “الفريج” كن يتحنين مع العروس ويشاركنها الفرحة، أما اليوم فالعروس تذهب إلى صالون التجميل وحدها، ويظهر من ذلك أن جمال العرس بالقيمة التي يمنحها المجتمع للحفل .

 

عادت نورة محمد، أول خاطبة في الإمارات والمعروفة ب”أم سعود”، بذاكرتها إلى الوراء، وعاشت في خيالها فرحة العرس الإماراتي التراثي القديم، ورأت نفسها وهي تمسك بيد العروس وتحيط بها بنات وحريم “الفريج” في طريقهن ل”التكي” وهو المسند الذي تجلس عليه العروس، فلم يكن هناك ما يعرف ب”الكوشة” . ووصفت العروس الإماراتية في السابق فقالت: لم تكن ترتدي الفستان الأبيض، بل كانت تتألق بالثوب و”الوقاية” وهي الشيلة المطرزة، وسروال “البادلة”، وتتدلى “المرتعشة” على صدرها، وهي الذهب الخالص الذي يغطي الرقبة حتى آخر الصدر، وترتدي “التخ” في قدمها و”الشناص” في يدها، وعلى خصرها الحزام الذهبي، ولا يراها العريس إلا بعد الزفة، على عكس عروس اليوم التي ترتدي الفستان الأبيض الذي صممته في الخارج وطقم الألماس، وتنتظر العريس في “الكوشة” أمام الجميع .

 

وعادت أم سعود بذاكرتها مرة أخرى إلى الوراء لتشارك فرقة “العيالة” و”المديمة” و”المعلاية” الفرحة، وتشعر بالحنين للفرحة الحقيقية التي كانت تضفيها هذه الفرق الشعبية، أما اليوم ف”الحربية” هي الفرقة الرئيسة في الأعراس إلى جانب الفرق الموسيقية والمطربين .

 

وانتشرت رائحة الطعام الإماراتي الأصيل لتعيد أم سعود إلى ذلك الموقد الذي يحيطه الحطب من جميع الجوانب ويعلوه “القدر” الذي يقف أمامه رجل مختص بالطبخ الإماراتي، وهو ما جعلها تعقد مقارنة بين طعام العرس القديم والحديث . وتقول: اليوم تطبخ العمالة التي لا تمتلك خبرة كافية فيما يخص الطعام الإماراتي طعام الأعراس، فلا نرى له لونا ولا نشم له رائحة ولا نتذوق له طعماً، واختفى “الهريس” و”الخبيص” و”المحلا” و”الجباب” لتحل “التبولة” و”الفتوش” و”المشاوي” و”المحاشي” بديلاً عنه، وتستبدل “الفيمتو” . وأنهت أم سعود حديثها قائلة: أهم ما فقده العرس اليوم هو الحياء الذي كان يزين العروس وجميع المدعوات، على عكس عرس اليوم الذي تتفنن فيه الفتيات ويتنافسن باللبس والماكياج وغيره .

 

“أعراس اليوم لا تعبر إلا عن نفسها فقط” هكذا وصفت فاطمة المغني، خبيرة وباحثة في التراث الإماراتي، عرس اليوم الذي اختلف شكلاً ومضموناً عنه في الأمس . وتقول: اختفى التعاون، وكان سابقاً عملاً تطوعياً يقوم به أفراد المنطقة والحي على مدى سبعة أيام يستمر فيها العرس، ويحتفي أهل الحي بالعريس . وعما تفتقده في عرس اليوم تقول : أفتقد اجتماع أم العريس وصديقاتها لتنقية الأرز من الشوائب، إذ كن يجتمعن في احتفالية خاصة تصاحبها أهازيج وزغاريد، وكانت كل مجموعة تتنافس وتتسابق في تنظيف أكبر كمية من الأرز فتسود أجواء من الفرح والمتعة، وكان ذلك بحد ذاته احتفالية خاصة، كما افتقد “لمة” أم العروس مع الزائرات اللواتي يأتين لرؤية “الزهبة” وهي مقتنيات وملابس العروس ويتفنن في خياطتها، كما أفتقد رؤية طعام العرس الذي كان يطبخ على مرأى من جميع الحضور والمدعوين وفي مكان مفتوح، وكان يقدم للجميع من مارة ومحتاجين ليكون بذلك بشارة وتحل فيه البركة .

 

وذكرت فاطمة المغني أن عرس اليوم يفتقر للحياء، وتقول: تحول إلى ساحة للاستعراض، فصديقات العروس يتنافسن في أجمل تسريحة وفستان، أما في السابق فالمشاركة في العرس كانت مؤازرة للعروس، وكانت الفتيات بسيطات في ملبسهن وزينتهن، وكان الحياء يغلب عليهن في ذلك .

 

ورغم أن عرس اليوم أزاح الكثير من المتاعب عن كاهل أهل العروسين لأن كل شيء أصبح جاهزاً ومتوفراً، إلا أن فاطمة المغني ترى أنه فقد اللذة والبهجة والإحساس بالفرحة الحقيقية .

 

ومن خلال خبرتها بالتراث الإماراتي، أكدت أمينة إبراهيم، منسقة البحوث والدراسات بوحدة الإعلام والتسويق والعلاقات العامة بجمعية النهضة النسائية بدبي، أن بعض الأسر لا تزال تحافظ على عادات الأعراس في الماضي . وتقول: أسعدني كثيراً إحياء إحدى صديقاتي أعراس الماضي في حفل زفاف ابنها، إذ ارتدت العروس “السويعية” وهي العباءة القديمة التي تتميز بخصوصية خاصة ومزينة ب”الزري”، كما عرضت “الزهبة” على السيدات، وقامت النساء بزفها والاحتفاء بها، وارتدت “البرقع” وارتدى جميع أهلها الثياب التراثية و”الشيل” القديمة والذهب التراثي، وكان ذلك أمراً جميلاً . وعن تجهيز العروس تقول: في السابق كان أهل العريس يحملون “الزهبة” لبيت العروس، فقد كانت مسلتزماتها معروفة، أما اليوم فيتم تسليم المهر للعروس لتشتري ما تريد .

 

وعما تفتقده أمينة إبراهيم في أعراس اليوم تقول: أفتقد طعم تجهيز العرس، حيث كانت النساء سابقاً يجتمعن في البيوت ويدقون حبوب القمح لتحضير الهريس، كما كن ينقين الأرز من الشوائب، ويجتمع كل الأهالي في يوم “المكسار” لمساعدة أهل العروسين فتكتمل الفرحة، كما لم تكن هناك بطاقات دعوة، بل كانت هناك سيدات مخصصات يزرن المدعوين ويدعونهن لحضور الحفل، أما اليوم فهناك بطاقات دخول لكل فرد ما أعطى العرس طابعاً رسمياً .

 

وترى أم حمد، ربة منزل، أن عرس اليوم هو استعراض وتكثر فيه المبالغات ما يقلل من البهجة الحقيقية له، وتقول: كان العرس في السابق بسيطاً ولكنه كان فرحة كبيرة للجميع، وكانت الأضواء الملونة تزين بيت العريس على مدى أسبوع كامل، ترقص فيه فرقة “العيالة” من العصر وحتى العشاء ويجتمع حولها أهل الحي، وكانت العروس تشعر وكأنها أميرة لأن الزيارات لمنزلها لا تنتهي والجميع يبارك ويهنئ، على عكس عرس اليوم الذي يبدأ وينتهي خلال ساعات معدودة وفيه تقليد كبير لأعراس الأجانب، فالعروس ترتدي الفستان الأبيض وترقص مع العريس رقصات أجنبية، وهو ما لم يكن موجوداً سابقاً .

 

* * *

 

الغرض منها الإبهار ونتيجتها الصدمة

 

الصرعات مفاجآت باسم التجديد

 

طقوس الأعراس تغيرت عنها في الماضي ودخلت على عرس اليوم صرعات غريبة وجديدة، ليتحول إلى فيلم سينمائي، فعروس تقلد السندريلا وتفقد حذاءها باحثة عن فارسها الذي يحقق حلمها ويحولها لأميرة، وأخرى تخصص يوم زفافها قاعة كبيرة لعرض مقتنياتها من أغلى وأشهر الماركات العالمية، ورأينا عروسين يتمردان على الشكل التقليدي للعرس فيضعان لمسات مختلفة ومبتكرة أدهشت الجمهور، وفترات زمنية مقسمة بالتساوي بين أهل العروسين يتناوبون فيها على الرقص كل فريق وحده بحجة التنظيم .

 

وصرعات أخرى كثيرة تحدث عنها أصحابها أو بعض الحضور في ما يلي .

 

أكدت فاطمة عبيد سلطان، ربة منزل، أن حفلات الأعراس فقدت جزءاً كبيراً من بهجتها كما فقدت الحياء، وسادت فيها المبالغة ما أفقدها جمالها . وتقول: سمعت قصصاً كثيرة عن صرعات حفلات الأعراس، واستغربت وجودها فعلاً، وفوجئت بعروس مثلت دور السندريلا في يوم زفافها، لتطل على الحضور من خلف “الكوشة” بثياب مهلهلة وفردة حذاء واحدة، ويطل بعدها العريس مقلداً دور الأمير وحاملاً بيده فردة الحذاء الأخرى، لينثني على ركبتيه ويضع قدم السندريلا داخل الحذاء الذي يحمله، فتختفي لدقائق معدودة تعود بعدها وهي ترتدي فستانها الأبيض وهي بكامل زينتها، لتتحول بفضل حذاء الأمير إلى أميرة، وهذه صرعة لم أتقبل حدوثها في إحدى الأعراس، فهي غريبة علينا وفيها انتقاص من مكانة العريس وتعبر عن افتقاد العروس للحياء . وتحدثت عن صرعة أخرى فقالت: في إحدى حفلات الأعراس فوجئ الحضور بقاعة كاملة خصصتها العروس لعرض مقتنياتها الفخمة، “الجهاز” الخاص بها وكان عبارة عن ماركات عالمية بما فيه من فساتين وحقائب وأحذية بأعداد كبيرة، وجدت مبالغة كبيرة في هذا الأمر، واستغرب المدعوون ذلك ورأت الكثيرات أن في ذلك استعراضاً، وتكمل : في صرعة أخرى وزع أهل العرس سبائك ذهبية على المدعوات، ما فاجأ الكثيرات، وأرى في ذلك بذخ شديد . وذكرت فاطمة إن مثل هذه الصرعات تقلل من قيمة العرس، وتقول: لا تزال هناك أسر تحافظ على القيم، وبرأيي أن الاستقبال الحسن مع البساطة في كل شيء هو ما يزيد بهجة العرس، وأفتقد للعرس القديم الذي كان جميع أبناء الحي يجتمعون فيه، وتشعر العروس بالمشاركة الحقيقية والفرحة الكاملة للجميع .

 

وفي أحد الأعراس فوجئت سمر زيدان، ربة منزل، والحضور بدخول العريس يتأبط يد والدته التي ارتدت طقماً أبيض، ليتجها معا إلى “الكوشة” وتجلس والدة العريس مكان العروس، وسط ذهول كبير وبحث مستمر عن العروس، التي دخلت بعد ذلك وحدها على وقع أغنية هادئة واتجهت نحو “الكوشة” وجلست إلى جانب والدة عريسها، التي أصرت على الجلوس بين العروسين لفترة طويلة، وتعود إلى “الكوشة” بين حين وآخر إن اضطرتها الظروف للنزول بعض الوقت . وعن ذلك تقول سمر زيدان: شعر الجميع بأن الأم ترغب في توصيل رسالة للجميع مفادها بأنها هي الأساس بالنسبة إلى ابنها دائماً، وشعر الجميع بالشفقة على الابن الذي بدت علامات الضيق على وجهه إذ كان يرغب بالجلوس إلى جانب عروسه، سادت أجواء لطيفة بعد ذلك بين العروس وحماتها، ما جعل المدعوات يفسرن الأمر بصرعة جديدة بعيداً عن وجود خلافات بين أهل العروسين .

 

وفي ليلة عرسه، بحث ميلاد حسين، مسؤول إداري بشركة مقاولات بأبوظبي، عن صرعة جديدة تبهر الحضور، وتوصل لفكرة طبقها في الحفل، وعنها قال: حاولت أنا والعروس الخروج عن المألوف والطرق التقليدية في الأعراس قدر الإمكان، فلم ندخل معا للقاعة، بل دخلت أنا وانتظرت العروس التي أطلت وهي تمسك بيد والدها لتخطو نحوي خطوات هادئة، وبمجرد وصولها بدأنا الرقص فوراً على مجموعة من الأغنيات العربية والأجنبية وابتكرنا هذه الرقصات، وفي آخرها أخرجت الخواتم وأهديتها للعروس، وقابل الحضور ذلك بتصفيق حار، وكانت حركة أعجبتهم جميعاً . وأكد ميلاد أن أعراساً كثيرة قام فيها العروسان بالأمر نفسه ما يؤكد أن تصرفاتهما حازت على إعجاب الجميع . وذكر أن الابتكار في الأعراس أمر جميل ويغير النمط التقليدي للعرس ويزيد فرحة العروسين وأهلهم ويود شغف المدعوين ويلفت انتباههم .

 

وترى سميرة جمعة، في السنة الرابعة سياحة بجامعة زايد بدبي، أن الابتكارات الجديدة التي تقيمها بعض الأسر في الأعراس تنشر جواً من الفرحة، وتقول: حضرت عرساً ارتدت فيه العروس فستاناً أبيض قصيراً على غير المعتاد، ولكنه كان في قمة الأناقة وتم استقبال العروسين بالألعاب النارية ما أضفى بهجة حقيقية للعرس . وتحدثت سميرة جمعة عن صرعة جديدة في عرس أختها فقالت: حاولنا إضفاء طابع تراثي على عرس أختي، فارتدت كل قريباتنا الثوب التراثي ووقفن على الكوشة بانتظار العروس، لتطل فجأة أختي الصغرى بثوبها التراثي ويفاجأ الحضور بأنها ليست العروس التي حضروا ليحتفلوا بها، وساد جو من الإرباك والدهشة حتى أطلت العروس الحقيقية بفستانها الأبيض الجميل، لتكسر جو الدهشة ويسود القاعة تصفيق حار، وهي حركة جديدة أعجبت الحضور وفيها إبهار ومفاجأة .

 

وفوجئت فاطمة هيكل كرم، مشرفة قسم الخدمات بجامعة الشارقة فرع كلباء، أثناء حضورها لأحد الأعراس الإماراتية بدخول العروسين القاعة معاً، لتتبعهما فرقة الزفة، وتقول: بالنسبة إلينا، كانت صرعة جديدة، وهي تقليد لحركات أجنبية وتقاليد لا تناسبنا، وسبب ذلك التوتر للمدعوات اللواتي تراكضن هنا وهناك لتغطية أنفسهن، فقد كن يعتقدن أن دخول العروس وحدها للقاعة هو العادة، وهذه الصرعة ربما تكون معروفة في الدول العربية ولكنها غريبة على المجتمع الإماراتي . وتعلق على ذلك بقولها: كان القصد منها الإبهار ولكن ما حدث كان صدمة لنا، واستغربنا الأمر . والصرعات الجديدة غالبا ما تكون ضد مصلحة العرس، فالعروس تفقد حياءها ببعض الحركات التي تقوم بها، كما تنتقص بعض الحركات من مكانة العريس .

 

وذكرت سماح نبيل، مديرة صالون روعة للتجميل بالشارقة، أن صرعات الأعراس المبالغ فيها قد تنتقص من بهجة العرس، وتقول: كلما كان هناك تجديد بلا مبالغة أضفى ذلك سعادة، فالمبالغة تفسد أموراً كثيرة و”خير الأمور الوسط” . وذكرت أن بعض الأشخاص يقدمون صرعات جديدة ويقصدون منها الإبهار وتقول: قد تكون لديهم مواهب مكبوتة يرغبون في عرضها، أو يحاولون الانفراد بشيء جديد، وهناك أشخاص تهمهم المظاهر كثيراً، وقد يلجؤون لصرعات غريبة لجذب الأنظار .

 

* * *

 

تنظيم الحفلات رقابة على الأعراس

 

تكاد تكون فرحة بالتقسيط، فكل شيء أضحى بحساب، وأضحى العرس فيلماً تحت الرقابة، تقص من فرحته وبهجته ما تشاء، وهذا ما يفعله بعض منظمي الحفلات والأعراس، الذين يتولون مهمة تنظيم الحفل، ليكون تدخلهم زائداً عن الحد، ويصبح التنظيم أمراً مبالغاً فيه، فتكون هناك رقابة على حركة الأطفال وأخرى على مشاركة العروس الرقص، وغيره .

 

كيف أصبح حال العرس بلمسات منظمي الحفل؟ وإلى أي مدى يؤثر تنظيمهم أو تدخلهم في فرحة العروسين والمدعوين؟

 

أكد فهد محمد، موظف بمصرف الإمارات الإسلامي، أن التنظيم المبالغ فيه بالحفلات والأعراس أمر مرفوض ويقول: شركات تنظيم حفلات كثيرة تتدخل أكثر من اللازم في تفاصيل العرس بحجة التنظيم، لتصبح هذه الشركات المسؤول الأول عن كل ما فيه، وهذا يؤثر في إحساس الأقارب والمدعوين بالفرحة ويحدد مشاركاتهم في العرس . ويضيف: من خلال حضوري لأكثر من عرس، رأيت المنظمين يتدخلون في كل التفاصيل، إذ يمنعون أقارب العروسين من تصوير اللقطات الجميلة رغم أن العروسين يسمحان للأقارب بذلك، كما يتحكمون في كل ما يتعلق بالعرس من حركة الأطفال، وإجبار الكثيرين على الجلوس في مقاعدهم، أو منع البعض من المشاركة بالرقص أو غيره، وهذا يؤثر سلباً في المدعوين الذين يتصرفون بعفوية ويرغبون في المشاركة الحقيقية للعروسين، ويجعل الجميع يتصرف بطريقة رسمية .

 

وذكر أن التنظيم هو مهمة الأهل، فهم الأدرى بضيوفهم، ويقول: منذ انتقل الاحتفال بالأعراس للقاعات والصالات الفندقية بدأت الرسميات وتحول العرس لواجب وفرض يجب على المدعوين القيام به، فالرغبة في المشاركة فيه لم تعد حقيقية مع كل القيود والرسميات التي يضعها منظمو الحفل . ويعود فهد محمد بذاكرته إلى الوراء ويقول: كم كانت الأعراس في السابق جميلة ومتميزة، إذ كانت تقام في قلب الحي، وكان الجميع يحضر بلا دعوة، أما اليوم فأصبحت بطاقات الدعوة ضرورة لحضور الحفل، ومن المؤسف حقاً أن يكون لدى أحد الأشخاص عرس وجاره الأقرب لا يعرف عنه شيئاً .

 

ولا تزال رنيم سودة، ربة منزل، ناقمة على منظمة الحفل التي اختارتها هي وعريسها لتولي مسؤولية التنظيم، لتقوم تلك السيدة بهذا الدور بشكل مبالغ فيه . وتقول : إحدى أخواتي أخبرتني بأن منظمة الحفل تتدخل في كل الأمور بشكل مبالغ فيه، وكانت تحد من حركتهن، وتمنعهن من الصعود لالتقاط الصور معي، كما اشتكى منها عدد من الحضور، فأخبرت زوجي بضرورة أن تلتزم حدودها، ليذهب إليها ويتحدث معها ويلفت نظرها إلى الأمر، فما كان منها إلا أن غضبت واتخذت موقفاً سلبياً بحجة أننا نحد من صلاحياتها، واستمر الحفل بعد ذلك من دون تدخلها ما أضفى سعادة حقيقية .

 

وأكدت رقية أحمد، سيدة أعمال، أن عرس اليوم فقد عفويته، ليفقد بالتالي البهجة والجمال، فالتنظيم المبالغ فيه أعطاه صورة رسمية وجعله كبرنامج وليس عرساً يجمع الأهل والأحباب . وتقول: أثر هذا التنظيم في العلاقات الاجتماعية، إذ يتسمر المدعوون على مقاعدهم خوفا من إفساد العرس، على عكس الأعراس في السابق التي كان أهل العروسين فيها هما المسؤولين عن عملية التنظيم، ليستقبلوا المدعوين ويغمروهم بكل الحب، ويشكروهم على مشاركتهم الفرحة، ويتبادلوا الأحاديث ليزيد التعارف وتزداد العلاقات الاجتماعية بين المدعوين . وتضيف: البروتوكول الذي أقحم على أعراس اليوم جعل حضور العرس واجب اجتماعي، وجعل أصحاب العرس يقفون على أعصابهم حتى نهاية العرس، ليبقى شغلهم الشاغل كلام الضيوف وتعليقاتهم، وتضيف: هي ساعات معدودة، أليس من الأفضل استغلالها بنشر الفرحة والتصرف بكل عفوية؟ وما أجمل أن يكون كل شيء على طبيعته، من غير اللائق أن يتدخل أشخاص غرباء في تنظيم الحفل، لأنهم يفسدونه ويقتلون الفرحة .

 

ترى منى سالم الكعبي، مدرسة لغة إنجليزية بمدرسة الثميد الثانوية للبنات بالشارقة، أن التنظيم المبالغ فيه للأعراس يفقد العرس بهجته وينتقص من فرحة المدعوين . وتقول: في أحد الأعراس الجماعية كان هناك تنظيم مبالغ فيه إذ انتشرت عناصر الشرطة في القاعة، وكانت هناك شرطية على رأس كل طاولة، تترصد ما إن كانت المدعوات يقمن بالتصوير أم لا . وتضيف: كان العرس أشبه بسجن، فما كنا نلبث أن نخرج الهواتف من الحقائب للرد على أي مكالمة حتى نرى أهل العرائس أو العرسان بجانبنا يتابعوننا بنظراتهم .

 

“ليس هناك ما يسمى منظم حفل، ومن يقوم بذلك هو متطفل على الحفل” هذا ما قاله أحمد غانم، مسؤول “الأميرات لخدمات الأفراح الشاملة”، وأكد أن ما تقوم به شركات ومحلات خدمات الأفراح هو تقديم خدماتها كالكوشة والتصوير والإضاءة وغيرها، وليس تنظيم الحفل بمعنى إدارة كل شيء فيه ومراقبة حركات الجميع . ويقول: تكلف بعض محلات خدمات الأفراح شخصاً يقوم بمهمة تنظيم الحفل، وهذا يسبب مشكلات كثيرة، لأنه من الصعب جداً الالتزام بكل أمر أو بالأوقات التي يحددها العريس، الذي قد يتأخر هو أو عروسه أو المدعوون عن الحضور في وقت معين ما يضطره بالتالي لتأخير كل شيء، ويجعل عمل المنظم لا أساس له .

 

ويرى شادي الجبر، منظم حفلات في “الأشجان لتنظيم الفعاليات وخدمات الحفلات” أن أموراً كثيرة في حفلات الأعراس تستدعي التنظيم، ويقول: من الأفضل وجود اختصاصي تنظيم في أي حفل، وهذا يجعل الأمور تسير بشكل جميل . وعن طريقة التنظيم، يقول: نجلس مع العروسين أكثر من مرة، ونتعرف إلى احتياجاتهم في حفل زفافهما، ونتحدث عن جميع التفاصيل من أول الحفل وحتى آخره، ونراعي في حفلات الزفاف أن يكون هناك منظم حفل في قاعة الرجال ومنظمة حفل أو اثنتين في قاعة السيدات . وعما إن كان يرى البعض أن تدخلهما زائد عن اللزوم يقول: صادفنا هذا الأمر أكثر من مرة مع أخوات العروس أو العريس، ولكننا نتفق في المستوى الأول مع العريس نفسه عن تفاصيل كل شيء، وإن طرح أحد من أهل العروسين فكرة حلوة ويمكننا تطبيقها نستشير العروسين ونطبقها إن وافقا . ويقول شادي الجبر: العرس فرحة ونحاول قدر الإمكان أن نتصرف على هذا الأساس، فنتعامل باللين وبكل رقي وهدوء وحكمة، ونحن دائماً مع أهل العروسين لأنها فرحة لهما ولا نرغب في إفسادها، ويقول: تزداد المشاكل حينما يكون لدى العروسين قلق أكثر من اللازم، وحين يكون لديهما حرص شديد على كل شيء، وعدا ذلك فالأمور تسير على خير ما يرام .

 

وذكر أن هناك حالات تستدعي التدخل ويقول: نحاول قدر الإمكان التدخل بحركة الأطفال حين نرى أنها ستفسد الحفل، فبعض الأطفال قد يفسد قالب الحلوى أو يؤثر في شكل التصوير، ونحن بالنهاية مساندون للعروسين ونرغب في أن تكون ليلة زفافهما مميزة ولا تنسى .

Related posts