ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بين مبررات التجار ومعاناة المستهلكين

على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات الرقابية على أسعار المنتجات في الأسواق المختلفة، فإن أسعار الخضراوات والفواكه تظل لغزاً محيراً بالنسبة للمستهلكين الذين يظلون طوال العام في حالة شد وجذب مع الأسعار التي تأبى أن تستقر ولو لفترة قصيرة حتى يستطيع الجميع التقاط أنفاسهم، خاصة أن ارتفاعها أكثر من انخفاضها .

وبحسب العديد من المستهلكين فإن أسعار منتجات الخضراوات والفواكه تضاعفت مرتين على الأقل خلال العامين الماضيين، دون أن يكون هناك سبب واضح أو تفسير مقنع سواء من جانب البائعين أو حتى كبار التجار المستوردين، حيث ترفض جميع الأطراف تحمل أي جزء من المسؤولية وتسارع لإلصاقها بطرف آخر، ليظل الخاسر الوحيد هنا هو المستهلك الذي يعاني من الغلاء في كافة قطاعات الحياة ولا يستطيع أن يتحمل أي ارتفاع جديد مهما كان بسيطاً خاصة في أسعار هذه المنتجات الأساسية التي لا يمكن لأي بيت الاستغناء عنها أو تقليل حجم استهلاكها .

ويطالب العديد من المستهلكين بضرورة تشديد الرقابة على تجار الخضراوات والفواكه سواء الموردين أو البائعين، لتتبع سبب هذه الارتفاعات المتكررة التي تحدث طوال العام، ومعالجته بأسرع وقت نظراً لعدم وجود ما يبررها، في ظل استقرار أسعار هذه المنتجات في معظم الدول المجاورة، والتي تستورد معظم احتياجاتها كذلك، وهو الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام .

مبررات

وعلى الرغم من ذلك إلا أن تجار ومستوردي هذه المنتجات لديهم مبرراتهم كذلك التي لا يملك الشخص العادي أن يرد عليها بسهولة، حيث يؤكدون أنهم في النهاية ليسوا جهات إنتاج وإنما هم مثل البائعين داخل الأسواق ولكن بصورة أكبر، حيث يقومون بشراء المنتجات من مزارع وشركات أخرى في دول مختلفة تتحكم في سعر منتجاتها، ولا يملك التاجر سوى الشراء أياً كان السعر وإلا حدث نقص في منتج ما داخل السوق واختفى في النهاية .

كما أشاروا إلى وجود العديد من العوامل الأخرى التي تتحكم في مؤشر أسعار منتجات الخضراوات والفواكه، وعلى رأسها حجم الاستهلاك الذي يحدده المستهلكون أنفسهم، بالإضافة إلى تكاليف أخرى تتحملها شركات الاستيراد مثل النقل والتخزين وغيرها، هذا إلى جانب هامش الربح الخاص بها .

وترى الجهات الرقابية أن منتجات الخضراوات والفواكه لا يمكن تحديد أسعارها للتجار أو البائعين نظراً لتغيرها يومياً لدى المصدر، وأن أغلب الارتفاعات التي تحدث تعد موسمية وتتكرر كل عام في هذا التوقيت .

“الخليج” التقت بعدد من مسؤولي شركات الاستيراد ومنافذ البيع الكبرى والمستهلكين والجهات الرقابية للتعرف إلى أسباب الارتفاعات المتكررة في أسعار منتجات الخضراوات والفواكه:

السعر في المصدر

يرى محمد عمر، مسؤول إحدى شركات استيراد وتجارة الخضراوات في أبوظبي، أن التقلبات المستمرة في أسعار الخضراوات داخل الأسواق أمر طبيعي لا علاقة لشركات الاستيراد به، بل هناك العديد من العوامل الأخرى التي تتسبب في ذلك وأبرزها ارتفاع السعر لدى البلدان المصدرة .

وأضاف أن كل عام يتكرر حدوث ارتفاعات ملحوظة في الأسعار في أوقات معينة ترجع لعوامل مرتبطة بتغيرات درجات الحرارة، وضعف حجم المحصول من منتج بعينه، إضافة إلى ارتفاع حجم الطلب العالمي من وقت إلى آخر وهو ما يؤدي إلى ارتفاع موازٍ في السعر .

أعباء المستوردين

ومن جانبه يشير أحمد على، مسؤول بإحدى شركات استيراد وتجارة المواد الغذائية في أبوظبي، إلى أنه بالإضافة إلى رفع أسعار المنتجات من قبل مصدرها فإن الكثيرين تناسوا أن الشركات المستوردة نفسها تتحمل أعباء مالية كبيرة جداً ومهددة بالتعرض للخسارة، كما أنها لا بد لها من تحقيق هامش ربح حتى تستطيع أن تستمر وتواصل توفير هذه المنتجات في الأسواق .

وأضاف أن في عصر السوق المفتوح من الصعب أن تستطيع شركة ما أو مجموعة من الشركات رفع أسعار منتج دون سبب مقنع، فدائماً ما سيكون هناك شركات أخرى تبيع بالأسعار الواقعية، وهو ما سيتسبب في خسارة الشركات المبالغة في سعرها .

وأوضح أن المنتجات التي يتم استيرادها ذات عمر افتراضي محدد حتى مع وجودها في البرادات، ومع مرورها بإجراءات الفحص وغيرها من إجراءات إدخالها عبر المنافذ الحدودية المختلفة والتي تستمر لأيام، يتعرض جزء كبير منها للتلف، وهو ما يشكل خسارة على المستورد الذي دفع قيمة هذه المنتجات، ما قد يعرضه لصعوبات مالية كبيرة .

اختلاف الأسعار

ونفى جمال محمود، المدير المالي بإحدى شركات الاستيراد في أبوظبي، أن تكون أسعار منتجات الخضراوات والفواكه في أسواق الدولة أغلى من الدول الأخرى، حيث أكد أنها متقاربة إلى حد بعيد وتحديداً مع الدول التي تستورد غالبية احتياجاتها من هذا النوع من المنتجات .

وأضاف أنه لا يمكن أن نقارن بين السعر الذي يباع به منتج البطاطا في بلد الإنتاج داخل أسواق ذلك البلد مع سعرها في الأسواق الإماراتية، دون حساب لتكاليف الشحن والإجراءات الإدارية المختلفة والبرادات، إضافة إلى هامش الربح الخاص بكل من الشركات والبائعين .

مستهلكون حائرون

ويرى أحمد مصطفى، موظف، أن مبررات شركات الاستيراد غير منطقية، فهناك أوقات في السنة لا يوجد فيها ارتفاع في درجات الحرارة أو شح في المعروض من المنتج، ومع ذلك نرى الأسعار ترتفع بشكل غير مفهوم، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تتحمل مسؤولية ذلك بخلاف الشركات المستوردة هم البائعون .

وأضاف أن أسعار منتجات الخضراوات والفواكه داخل السوق تختلف كل يوم عن الذي يسبقه، ومن غير المعقول أن تصل الشركات يومياً شحنات مختلفة من المصدر بأسعار مختلفة، وهو ما يدل على وجود نوع من المغالاة في الأسعار من وقت لآخر .

ويؤكد أحمد عبدالله، موظف على الكلام السابق، قائلاً إن التجار والبائعين قد ينظرون إلى زيادة درهمين أو ثلاثة على الكيلو جرام بأنه مبلغ بسيط ولا يستدعي كل هذا الصخب، ولكن في الحقيقة هم لا يدركون مدى تأثير هذه الزيادة في الأسر خصوصاً في منتجات يتم شراؤها واستهلاكها بشكل يومي وبكميات كبيرة، ولا يمكن الاستغناء عنها في أي حال من الأحوال .

وأضاف: لا بد من قيام الجهات الرقابية على الأسواق والأسعار بالموافقة أولاً على أي زيادة تحدث في أسعار هذه المنتجات الأساسية، والتأكد من أنها مستندة على أسباب واقعية ومقبولة، ولا يترك الأمر للتجار والبائعين يؤثرون بشكل يومي في ميزانيات الأسر .

وتشير “أم إبراهيم”، ربة منزل، إلى أن الحديث عن أن أسعار منتجات الخضراوات والفواكه تتأرجح بين الصعود والهبوط غير صحيح فعدد المرات الذي تشهد فيها الأسعار ارتفاعاً أكبر بكثير من مرات الانخفاض، والدليل على ذلك هو أن الاسعار بشكل عام تضاعفت أكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة .

ودعت الجهات الرقابية إلى ضرورة تشديد دورهم ومتابعة حركة أسعار سوق الخضراوات والفواكه الذي لا يمكن أبداً لأي أسرة الاستغناء عن منتجاته، في حين يمكن الاستغناء عن نوع معين من مواد التنظيف واستبداله بنوع آخر .

فيصل العرشي: لا يمكن تثبيت الأسعار

فيصل العرشي, نائب مدير عام جمعية أبوظبي التعاونية، يقول إنه لا يمكن تثبيت أسعار بيع منتجات الخضراوات والفواكه داخل فروع الجمعية، وذلك نظراً لتغيرها اليومي لدى المستوردين واستحالة إبرام عقود بين جمعية أبوظبي التعاونية وبين أي من التجار لتوريدها إلى الأولى بسعر ثابت بشكل سنوي أو حتى نصف سنوي أو فصلي .

وأضاف أن المستهلكين قد يجدون في بعض الأحيان أن الجمعية قد تبيع بعض منتجات الخضراوات بأسعار أقل من سعر السوق العادي، وتفسير ذلك هو أن الجمعية في هذه الحالة لا تحقق أي هامش ربح، بهدف دعم المستهلك ومساندته في مواجهة غلاء المعيشة بشكل عام .

وأوضح أن الجمعية لديها القدرة من خلال تنوع وتوازن المنتجات التي تبيعها للجمهور, من عرض مئات السلع الأساسية للمستهلك بسعر الشراء, ومن ضمنها بعض منتجات الخضراوات أحياناً, وفي نفس الوقت تحقيق ربح كافٍ، حيث تعوض عمليات بيع المنتجات الاستهلاكية غير الأساسية فارق هامش الربح الذي يضيع مع بيع السلع الأساسية بسعر الشراء .

وقال إن الجمعية عندما تجد أن أسعار منتجات الخضراوات الأساسية ارتفعت بشكل قد يثقل كاهل ميزانيات المستهلكين, تقوم بتقليل هامش الربح فيها لأقل درجة ممكنة, وتلغيه تماماً في بعض من الأحيان ليباع بسعر الشراء, إذا ما كان حجم الارتفاع كبيراً .

جمعية حماية المستهلك: نراجعها باستمرار ونرحب بالشكاوى

أكدت إدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد، أن الارتفاعات التي تحدث في أسعار بعض منتجات الخضراوات والفواكه هي ارتفاعات موسمية متوقعة تتكرر كل عام في هذا التوقيت، مع ارتفاع الإقبال عليها .

وأضافت أنها راجعت أسعار الخضراوات والفواكه مع الموردين, حيث وجدت أن الارتفاع يعود إلى مصادر التوريد، حيث ارتفعت أسعار هذه السلع في بلدانها ما أدى إلى ارتفاعها تباعاً في أسواقنا, بما يؤكد عدم وجود مغالاة من قبل التجار في أسعار البيع بوجه عام .

وأوضحت إدارة حماية المستهلك أنها تفتح أبوابها أمام شكاوى المستهلكين في حال وجود أي مخالفات أو مغالاة يرونها من قبل التجار، حيث يتم دراستها والبحث فيها بشكل دقيق ومن ثم اتخاذ قرار بشأنها .

وأضافت أن أسعار الخضراوات والفواكه بشكل عام لا يمكن تحديدها نظراً لتغيرها المستمر بشكل يومي، بحسب العرض والطلب .

Related posts