الخدم قنابل موقوتة تهدد كيان الأسرة ومشاكلهم عرض مستمر بدون توقف

موقع الطويين : الاتحاد – هناء الحمادي

جددت حادثة الخادمة المتهمة بوضع قطرات من بولها في طعام وشراب أسرة مواطنة، دق ناقوس الخطر من مشاكل الخدم، وأكدت أنه مسلسل لا تنتهي حلقاته، حيث باتت تلك العمالة المنزلية تؤرق الكثير من الأسر وتهز كيانها، وتجسدت هذه المشاكل بصورة تشكل ضغطاً نفسياً على الأسرة، وأصبح قرار استخدام الخادمة ليس بالأمر السهل. في الوقت نفسه دعا متخصصون في علم الاجتماع إلى عدم التحامل على طرف واحد دون الآخر، مؤكدين أهمية لجوء المتضرر «رب الأسرة أو الخادمة» إلى الطرق القانونية، في ظل التنظيمات المتعددة التي وضعتها دولة الإمارات، وعدم اللجوء إلى العنف أو الانتقام في حال تضرر أحدهما.

أوضح الباحث الاجتماعي محمد عبدالراضي أن الصحف المحلية نشرت مؤخراً على صدر صفحاتها العديد من الحوادث والقضايا، التي تفيد بدخول ملف الخدم إلى عالم الجريمة، التي تدل دوافعها بحسب محللين اجتماعيين، على رغبة في انتقام الخادمة من الأسرة التي تعمل لديها.

وقال إن تلك الحوادث تغيرت بما يفيد تطور وتغير دوافعها، فدخلت إلى منعطف خطير، قد يكلف في النهاية حياة إنسان، أو على الأقل يعرضه إلى الخطر، فبعد أن كانت لا تتعدى البلاغات هروب خادمة من المنزل، وصلت إلى سرقة ذهب وأموال، واتهامات بعمل السحر لصاحب البيت، إلى أن سمعنا مؤخراً عن قيام خادمة بإعداد الشاي والقهوة لمخدوميها من ماء غسيل ملابسها الداخلية، وغيرها من هذه المشاكل على اختلافها، مما أثار مخاوف الكثير من الأسر من وصولها إلى حد الجريمة.

وأشارت عدد من الأسر إلى الاستعداد التام للاستغناء عن هؤلاء الخدم حال توفر «البديل» الذي يغنيهم عن جلب هؤلاء الأجانب لمنازلهم، مطالبين علماء الاجتماع والباحثين والمهتمين بهذا الشأن بمساعدتهم للتغلب على هذه المشكلة التي تؤرقهم، وتزيد من مصاريف الأسرة ومتاعبها النفسية، كما تثقل كاهل رب الأسرة الذي بدلاً من أن يتفرغ لمتابعة أبنائه وبناته وحل مشاكلهم المختلفة، أصبح مضطراً كذلك لمتابعة هؤلاء الخدم بمنزله سواءً السائق أو الخادمة الذي لا يكاد يخلو أي منزل من أحدهما أو كلاهما معاً.

قصص من الواقع

هربت خادمتي، ما السبب؟ أين ذهبت؟ ماذا أفعل؟ هذه هي تساؤلات بدرية سلطان، وهي موظفة اضطرتها الظروف لجلب خادمة لمنزلها، لكن بعد 3 أشهر من قدومها فرت هاربة دون أي أثر لها، لتكتشف بعد ذلك علاقتها مع أحد الأشخاص.

وقالت: هذه هي مشاكلنا الدائمة مع الخدم، فمن هروب إلى سرقة إلى تعذيب الأطفال، ليستمر هذا الوضع، وبالطبع فبمجرد هروب الخادمة لابد للكفيل أن يوفر تذكرة سفرها. فتكاليفها من لحظة الدخول إلى مكتب استقدام الخدم والقيام بإظهار بطاقة صحية، والكشف عليها للتأكد من خلوها من أي مشاكل صحية، مع راتبها الشهري يصل المبلغ في الكثير من المكاتب إلى ما يقارب أكثر من عشرة آلاف ويزيد بحسب جنسية الخدم، ومع ذلك تكون النتيجة هروبها أو ارتكابها لجريمة بحق أصحاب البيت.

وأشارت إلى أنه بعد هروب خادمتها لم تعثر لها على أي أثر إلى أن وجدت تحت مخدة نومها «دفتر» يضم أرقام تليفونات، مدون بجوارها أسماء رجال، فقام زوجي بالاتصال بأحد الأرقام فرد عليه رجل غريب وبعد التحري تبين أنها هاربة مع صديقها.

وتعرب صفاء قايد 25 عاما، مدرسة، عن ندمها على كل لحظة تركت أبناءها الأربعة مع الخادمة للذهاب إلى العمل، مشيرة إلى أن هناك الكثير من النساء أجبرتهن الظروف على ترك أبنائهن بأيدي الخادمة لرعايتهم في فترة غيابهن، فأصبحت الخادمة تجلس وقتاً طويلاً مع الأطفال، فتشكل لديها أسلوب السيطرة على الأطفال سواء بالضرب أو التوبيخ.

وأكدت أن هذا ما تعرضت له طفلتها ذات السنة ونصف حين كانت تعمل صباحا، فقد تعرضت للاعتداء من قبل الخادمة التي كانت تضربها وتتركها تبكي حتى تنام أثناء غيابها، ولم تكتشف هذا الأمر إلا حين عادت إلى المنزل من أجل أخذ بعض الأشياء لأرى ما لم أكن أتوقعه وهو «رفس» الخادمة لابنتها الصغيرة، ولم تتمالك نفسها في هذه اللحظة حيث قامت بضرب الخادمة ضربا مبرحا واتصلت بزوجها لتبلغه بما شاهدت ليبلغ عنها الشرطة.

استغلال كبار السن

وفي السياق ذاته يعتمد العديد من الأسر على الخادمات في الاعتناء حتى بكبار السن ورعايتهم والعيش معهم، مع وجود فئة من الخادمات لا يؤتمن عليهم في تحمل هذه المسؤولية، فأصبحت الخادمة غير الأمينة تستغل حالة الخرف التي يعاني منها كبير السن لتحقيق وجني مصالحها، حيث تقول فاطمة فهد، مشرفة إدارية، مشكلة الخادمة مع والدتها كبيرة السن: الخادمة استغلت أمي في فترة غيابي بالعمل، ففي كل يوم لابد من أن اجري اتصالا بوالدتي للاطمئنان عليها، فترد علي الخادمة وتخبرني أنها نائمة، لكن شكوكي زادت في الفترة الأخيرة عن نوم والدتي المتواصل، ولم أتمالك نفسي فمن باب الاطمئنان عليها اضطررت إلى أخذها للمستشفى.

وهنا كانت الطامة الكبرى والتي لم أفق منها حتى اليوم، حيث طلب مني المختص بقاء والدتي للكشف عليها والاطمئنان على صحتها أكثر، حيث تبين لنا من التحاليل الطبية أن نسبة المخدر في جسم والدتي عالية نتيجة للمنوم الذي اعتادت على تناوله بغذائها، والذي كانت تقدمه الخادمة لها.

خيانة الأمانة

في المقابل أكد عبدالقادر جاسم، رب أسرة، اعتماده على السائق في تدبير شؤون البيت من توصيل الأبناء للمدارس إلى القيام بشراء احتياجات المنزل، لكنه خان الأمانة، ففي أثناء عودته من المنزل صعق بما شاهده ولم تصدق عيناه هول المصيبة، حيث وجد السائق يمسك ابنته ذات 8 السنوات في أماكن حساسة من جسدها ويحاول أن يعتدي عليها، وفي هذه اللحظة لم يتمالك نفسه فأقدم على ضربه ضربا مبرحا واستغنى عن خدماته.

وأضاف: لكنني لا أزال مضطراً لجلب غيره فمشاغلي العملية وارتباطاتي اليومية لا تنقضي ولا بد لي من شخص يساعدني، حيث استقدمت بعد 4 أشهر من تلك القصة سائقاً آخر مسلماً وكبيراً في السن ورغم ذلك لا زلت حريصاً على عدم الاعتماد الكلي عليه في توصيل أبنائي وبناتي لمدارسهم، وتوليت ذلك بنفسي حيث نظمت وقتي للخروج من المنزل قبل عملي بوقت كاف لتوصيل أبنائي، وفرغته لشراء بعض مستلزمات الأسرة اليومية وما إلى ذلك.

تأثير سلبي

بالرغم من بروز أخطارهم وانكشاف جرائمهم البشعة وبالرغم من التحدث الدائم عن تلك الجرائم والأخطار في الليل والنهار من قبل أرباب الأسر أنفسهم فإننا نرى وبكل أسى التسابق المحموم لاستقدامهم واستخدامهم وتوسيع نفوذهم وترسيخ سيطرتهم دون الاحساس ولو بقدر قليل من المسؤولية الوطنية والاخلاقية والثقافية.

وعن ذلك، يقول العميد محمد صالح بداه مدير إدارة العلاقات العامة بالإنابة في وزارة الداخلية، إن موضوع الخدم له أهمية كبيرة في المجتمع بشكل عام، فمع توفر أعداد كبيرة من الخدم في البيت، أصبح له تأثير سلبي على خصوصيّة الحياة الأسريّة، فربة المنزل خاصة المرأة العاملة كثيراً ما تحتاج إلى يد عاملة تساعدها في الأعمال المنزليّة والاهتمام بالأطفال والوقوف على حاجاتهم، لافتاً إلى أنها في الوقت نفسه تُعتبر مشكلة نتيجة غياب ربة المنزل في أغلب الأحيان وهذا ما يجعلها غير ملمة بالكثير من تفاصيل حياة أولادها، الأمر الذي سينعكس سلباً عليهم لغياب الرقابة الحقيقية.

ورد أسباب ارتفاع جرائم خدم المنازل، إلى جملة من الأسباب، على رأسها انشغال رب الأسرة بمصالحه عن دوره الأسري، وانشغال ربة المنزل دون الانتباه لسلوكيات وأفعال الخادمة التي تجد نفسها تعرف كل صغيرة وكبيرة عن أسرار البيت، حتى أماكن حفظ الممتلكات الشخصية، وتخلي الأم عن مسؤوليتها وانتشار روح الاتكالية، موضحاً أن تصرفات وسوء معاملة بعض الأسر تدفع خدم المنازل إلى الانتقام من خلال ارتكاب جرائم ربما يكون بعضها خطيراً، كما أن جرائم الخدم مع الأطفال التي تصل إلى النيابة، غالباً ما تكون بدافع التخلص من آبائهم أو انتقاماً من تصرفات الأسرة معها.

وقال مدير إدارة العلاقات العامة بالإنابة في وزارة الداخلية إن الأسئلة كثيرة والإجابة على بعض منها نقرأه يومياً ونسمعه شفوياً من جرائم بشعة يندى لها الجبين خجلا، يقترفها الخدم في بيوت مخدوميهم، وشاهدنا القليل من تلك الجرائم عبر بعض القنوات الفضائية، ومن خلال صور التقطت خفية عن ممارسات تخلو من أبسط القواعد الإنسانية والأخلاقية قامت الخادمات اللواتي يتم استقدامهن لغاية تربية أطفالنا بها، حيث نؤمنهن على فلذات أكبادنا ونطلق عليهن خطأ «المربيات»، وما هن بالأساس سوى نسوة جاهلات وعديمات بأكثريتهن للرحمة، ويحتجن إلى من يربيهن ويعلمهن ويهديهن إلى طريق الخير والصواب.

تحذير من معرفة الخدم بأسرار المنزل

حذر الدكتور أحمد فـلاح العموش عميـد كليـة الآداب والعلوم الإنسانيـة والاجتماعيـة وأستاذ علم الجريمة بجامعة الشارقة من الثقة العمياء لدى ربات البيوت في بعض الخادمات، ومعرفتهم بأسرار المنزل، مما يترتب على ذالك من أضرار خطيرة على المجتمع ككل، مؤكداً أن عادات وتقاليد بعض الخادمات اللواتي يلازمن الأطفال طوال اليوم يعتاد وينشأ عليها الطفل، مع الوقت مما يصعب تعديله إذا كبر.

وقال إن من أهم جرائم الخدم المنتشرة في الوقت الحالي تنصب على السحر، الاعتداء الجسدي، التحرش الجنسي، الهروب من المنزل، محاولة القتل، تعليم الأطفال السلوكيات السيئة وعدد من المعتقدات، ويقوم البعض للأسف بالشكوى ورمي اللوم هنا وهناك، لافتاً إلى أن جميع الأسر وبمحض ارادتها وبثقة زائدة وهروباً من المسؤولية تترك فلذات أكبادها كل يوم في المنزل مع الخادمة بمفردهم، وفي المقابل يذهب الوالدان إلى أعمالهما وهم في غفلة عما يحدث في أركان البيت من مصائب ترتكبها تلك العمالة المنزلية التي يشيب لها الرأس.