سعيد بن شاهين: الحياة علمتنا الإصرار على كسب الرزق

موقع الطويين : الاتحاد

قال سعيد سلطان بن شاهين أحد أبناء بلدة مسافي الفجيرة إن قسوة المنطقة بظروفها المحيطة بأهلها في الفترة الماضية علمتهم الإصرار على العمل وكسب الرزق. وحسب رواية سعيد بن سلطان بن شاهين 75 سنة، كانت مهنة الزراعة وتربية الماشية وصيد اللؤلؤ وتربية العسل في كهوف الجبال وصيد الأسماك هي المهن الرئيسية التي يعتمد عليها سكان المنطقة وغيرها من المدن في كسب رزقهم وإعالة أسرهم، وهكذا كانت الحال في مسافي الفجيرة التي لم تختلف عن غيرها من المناطق.

 

(مسافي الفجيرة) – عاشت مسافي في سنوات ما قبل الاتحاد أياما وسنينا بالغة الصعوبة والقسوة شأنها في ذلك شأن العديد من المناطق الأخرى بالدولة، فقد كانت جميع الظروف المعيشية متماثلة وتكاد تكون متطابقة إلا في بعض التفاصيل الصغيرة التي تعطي لكل منطقة ماهيتها وملامحها الشخصية الخاصة.

 

وقال ابن شاهين لكل منطقة عاداتها وتقاليدها الخاصة بها وربما لهجتها في نطق الكلمات بلكنة مختلفة نوعا ما عن غيرها، وربما تغيرت وتبدلت تلك العادات كثيرا عن ذي قبل، فمثلا بالنسبة لعادات أخذ العلوم والأخبار بالنسبة للضيوف القادمين علينا من مناطق أخرى، يقوم أهل المناطق التي يطلق عليها «الحير»، والتي تبدأ من منطقة الطويين وحبحب والطيبة والمسافي بالفجيرة حتى مسافي رأس الخيمة واعسمة في رأس الخيمة وجميعها مناطق متلاصقة مع مناطق الفجيرة، بتقديم واجب الضيافة الذي هو عبارة عن الفواكه وغيرها من المأكولات الخفيفة مع الشاي والقهوة العربية ثم يأخذون عن ضيوفهم الأخبار والعلوم ويتطرقون معهم إلى أمور أخرى معيشية وغيرها، أما الأهل الذين يعيشون في الرمال فلهم طريقتهم المختلفة، حيث يأخذون الأخبار أولا، فيقومون بسؤال الضيف عن أخبار عشيرته وقبيلته وغيرها من الأسئلة التي ربما تستغرق وقتا طويلا ثم يقومون بتقديم القهوة.

مزارع مسافي

وتطرق سعيد بن سلطان بن شاهين إلى أحوال مسافي قبل الاتحاد، بقوله كانت أحوال الناس صعبة ولم نعش في رغد العيش التي نعيشها الآن، بل كانت كل الظروف قاسية ابتداء من توفير قوت الأسرة حتى الحياة نفسها كانت داخل أكواخ من حصى دون أي وسائل أساسية.

 

وكانت الزراعة هي كل حياتنا فمنها نأكل ونبيع ما يفيض من إنتاجنا من التمور والذرة والبر والشعير والبصل، وكنا إلى جانب ذلك نقوم بتربية الماشية، لكن بشكل محدود ولا يقارن بمناطق أخرى مثل الطويين وواديي السدر والعبادلة، حيث كان الفرد في مسافي يربي ما بين 15 إلى 30 رأس من الماشية، بينما يقوم الفرد في المناطق الأخرى بتربية من 150 إلى 200 رأس باعتبارها مهنة رئيسة في تلك المناطق، وكانت تربية الهوش في مسافي تتم داخل المزارع والهدف منها ليست التجارة بقدر ما تقوم بسد احتياجات الأسرة وضيوفها من اللحوم.

 

وأضاف، لا يمنع ذلك من قيام بعض المواطنين بتربية كميات أكثر، ومن ثم القيام ببيعها لاسيما في موسم الشتاء حيث يقل الرزق بشكل كبير ويختفي الرطب فيسعى أهالي مسافي لتأمين احتياجات أسرهم خلال فترة فصل الشتاء، ببيع الهوش أو الرطب المخذون، ومبادلته بسلع غذائية أخرى، في أسواق دبي والشارقة ورأس الخيمة، التي كنا نستغرق أياما للوصول إليها، على الحمير والبغال والجمال، في وقت كانت الأمطار غزيرة جدا، وكانت الطرق تتعطل وتتوقف ولم تكن معبدة بالشكل الموجودة عليه الآن، لقد كانت ظروفا بالغة الصعوبة والقسوة، وكنا نعيشها عن طيب خاطر وبرضا تام، فهي بالرغم من قسوتها، إلا أننا كنا نشعر بنوع من التجمع في كل شيء، ربما يكون هذا الشعور العام، مبعثه أن حياتنا بكل ما فيها من تفاصيل صغيرة كانت واحدة ومتشابهة، ولم يكن هناك شخص متميز في معيشته عن الآخر، بالشكل الصاعق الذي نشهده الآن، فكل الظروف واحدة والمخاطر الحياتية واحدة، وقسوة الظروف المعيشية والمناخية، التي يتعرض لها جميع الأهالي واحدة، ومن هنا ولد الانسجام العام.

 

ووجدت بيننا أواصر بصلابة الجبال وكان كل منا حـريص على أخيه وجاره في مجتمع أعطى أســمى صور التقـارب والتواد والتراحم.

 

قوافل التجارة

 

وأشار ابن شاهين إلى أن مسافي منذ القرن التاسع عشر والعشرين كانت دائما مركز تلاقي التجار القاصدين مدن عمان ودبا والفجيرة والقادمين من إمارة دبي والشارقة وفي مسافي كانت تلك القوافل تتوقف ردحا من الزمن، قد يستغرق شهرا أو شهرين أو ربما خمسة أشهر، إذا ما صادف قدومها للمنطقة وقت الصيف، حيث يكون القيظ صعباً ويستحيل معه، قطع المسافة من مسافي إلى دبا أو أي مدينة أخرى على الساحل الشرقي وقت الصيف، حيث لا طرق ممهدة ولا وجود لأي ملجأ يلجأ إليه هؤلاء التجار ومن يتبعهم من لهيب الصحراء وجمراتها المتقدة في الصحاري الواسعة والجبال الأكثر لهيباً ووهجاً.

 

ولذلك كانت القوافل تتوقف في مسافي، والكلام لسعيد بن شاهين، فنقوم بدورنا بتقديم ما يتوافر لدينا من طحين وشعير وفندان وتمور وغيرها من السلع والمواد الغذائية لتلك القوافل ونستضيفهم معززين مكرمين في مناطقنا، حتى يختفي ويزول حر الصيف ورطوبته، وتتوارى أشعة الشمس المحرقة، ووهجها، ومن ثم يعاودون المسير من جديد قاصدين الأسواق، التي قطعوا تلك المسافات للوصول إليها لبيع ما لديهم من بضائع.

 

وقال: بالطبع كانت تلك الرحلة القادمة من تلك الإمارات يقابلها رحلة أخرى من دبا والفجيرة ومدن عمان على الساحل الشرقي متجه إلى دبي والشارقة ورأس الخيمة وأم القيوين وغيرها من المدن وكانت تلقى نفس المعاملة من حسن الضيافة والكرم.

 

مزارع وآبار

 

ولفت ابن شاهين إلى أن مسافي كانت من المناطق المميزة على مر السنين، نظراً لأن مسافي كانت من المناطق التي تتساقط عليها كميات كبيرة من الأمطار، بشكل متواصل، ربما لطبيعتها الجبلية، وكونها تقع على ربوة مرتفعة، تجعل منها مكاناً مناسباً لسقوط الأمطار، حيث تتوزع تلك الأمطار باتجاهين عبر واديين كبيرين باتجاه مدينة الفجيرة والبثنة، ثم باتجاه السيجي والذيد.

 

كما لفت إلى أنه كان في مسافي 25 بئراً كبيراً في فترة ما قبل الخمسينيات من القرن المنصرم، وكانت صاخبة بالمياه، التي تبعد أمتاراً قليلة، في وقت تشهد الآن تراجعا يصل إلى 800 متر في أعماق الأرض، وهو أمر بالغ الخطورة على مستقبل المنطقة التي كانت جنة وارفة الظلال، حيث يصل عدد المزارع في المسافي قرابة 32 مزرعة، منها ما هو مملوك لجهات حكومية، وأخرى بأحجام ومساحات مختلفة ومتنوعة وتزرع جميع أنواع المحاصيل مملوكة لأشخاص. إلا أن بعضها تأثر كثيرا بجفاف الآبار، فلم تعد تنتج الفواكه بأشكالها المعروفة، ولم تعد تزرع الخضراوات لغياب المياه وتراجعها، فمن أشهر المحاصيل التي كانت تنتجها تلك المزارع المنتجات الذي كان يأتي لشرائها تجار من خارج الدولة، ويدفعون فيها مبالغ مناسبة، كانت تحدث نوعا من الرواج المحفز لزراعتها في مواسم متتالية وقد اشتهرت بها مزارع الفرفار والبثنة.

 

الزواج والطب

 

وحول العادات الاجتماعية في مسافي قديماً قال بن شاهين: أعتقد أن الحياة بالرغم من صعوبتها، إلا أنها كانت أكثر عمقاً وتجربة، بعكس الأيام التي نعيشها حاليا، حيث انصرف الناس عن بعضهم البعض، وتعالت لغة المصالح، وتراجعت قيم المجتمع الداعية إلى التلاحم والتزاور والتقارب وحمل هم بعضنا بعضا، فقد كنا فقراء نملك بالكاد قوت يومنا، ومع ذلك كنا نشعر بالرضا والقناعة والسعادة الداخلية، فأهم من زاد الدنيا أن يشعر الإنسان مع نفسه بنوع من الانسجام الداخلي والرضا.

 

وأضاف، لم يكن بمسافي شأنها في ذلك شأن جميع المناطق الأخرى، أي مستشفى أو عيادة طبية بالمعنى المفهوم حاليا، لكن كان التطبيب يقوم على الطب التقليدي، من الكي وشرب بعض المواد المخلوطة بالأعشاب مثل اليعدة والشكاع والحرمة، حيث كنا نطحنه ونشربه لعلاج الحمى.

 

وقال ابن شاهين: زمان المرأة كانت تنجب من 10 إلى 20 «حبة» أي ولد وبنت، يبقى منهم فقط 2 إلى 5 أبناء والباقي يموتون بسبب عدم وجود رعاية صحية مناسبة قبل دخول دولة الاتحاد، والآن تطورت الحياة وشهدت تقدماً كبيراً للغاية بفضل الله سبحانه وتعالي ثم يد الاتحاد والجهود الكبيرة التي قام بها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، حيث بنيت أول عيادة متكاملة في مسافي ثم لحقها بناء مستشفى كبير بكلفة 53 مليون درهم على نفقة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وتطورت الحياة الصحية بدرجة لم تشهدها البلاد من قبل.

 

واختتم كلامه بأنه من القبائل التي تعيش في المسافي المراشيد وابن شاهين وابن حفير وقبيلة خدام اليعاربة وقوم علوي ومفتاح ثم لحقت بهم قبائل الحفيتات والعبادلة واليمامحة والصريدات.

 

إضاءة

 

قال سعيد سلطان بن شاهين إن الزواج في الفترة الماضية، كان بسيطا جدا، ولا يتطلب هذا الكم الكبير من المال، الذي ينفق حاليا، حيث كان مقياس الناس وقتها جوهر الرجال ومعادنهم، ولم تتدخل المادة على الإطلاق، لتقاس بها هامة الرجال ومقدارهم الحقيقي في المجتمع.

Related posts