جرعة تخدير زائدة تحول جسد طفل إلى جثة تتنفس

موقع الطويين : البيان

الخطأ المهني أمر وارد، والإنسان ليس معصوماً من الخطأ، ولكن الخطيئة هي الاسم الذي يجب أن نطلقه على أخطاء الأطباء التي تزداد بشكل غير من منطقي وبدون أسباب يمكن أن يقبلها العقل سوى اللامبالاة بحياتنا وحياة أبنائنا، وفي كل مرة كانت تغتال استقرار أسرة بكاملها وليس فقط صحة أو جسد أحد أفرادها، ومن هؤلاء طفل كان في أولى خطواته نحو الصبا.

ولم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره عندما حول طبيب مستهتر جسده إلى مقبرة لأعضائه التي سبقته نحو الفناء.. كان مجرد فتى، ولكنه بالنسبة لوالديه كان فرحة الحاضر، وبناء يرسون دعائمه في كل يوم ليكون سكناً لشيخوختهم، وفجأة تحول الحلم إلى جرح حي لا يتوقف نزفه، ولا أحد يسعى إلى وقفه.

لم يكن أحد يتخيل أن عملية بسيطة لكسر ساعد الطفل الأيسر ستكون نتيجتها فقده لجميع أعضائه وحواسه ومستقبله بل ووجوده، فقد تركته العملية حياً جوازياً وليس فعلياً، وإلا ماذا نطلق على طفل فقد 100% في طبيعة وظيفة أطرافه الأربعة وقدراته الذهنية والعقلية والقدرة على التحكم بعمليتي التبول والإخراج، وأصيب أيضاً بالعجز الكامل في وظائف السمع والبصر والتذوق والشم والكلام.

بالإضافة إلى انقطاع نسله وفقده القدرة على الدفاع عن نفسه.. باختصار أصبح وكأنه يقف على رجل واحدة على الخط الفاصل بين الحياة والموت فلا هو من الأحياء ولم يسمح له بالانتقال ليكون مرتاحاً بين الأموات، وكل هذا لسبب أكثر من بسيط، خطأ طبيب في تقدير كمية المخدر التي أعطيت له خلال العملية، فهل من الإنصاف أن نعتبر هذا مجرد خطأ أم أنه أكثر من خطيئة.

النيابة العامة في أبو ظبي حققت في القضية وأحالت كل من الطبيب الذي قام بالعملية والمستشفى المدعى عليهما للمحاكمة، وأصدرت محكمة جنح أبو ظبي الحكم ببراءة المستشفى عما أسند إليه، بينما أدانت الطبيب الذي أجرى العملية وأصدرت الحكم عليه بالحبس سنة، ولم يلقى الحكم قبول الطرفين فطعنا عليه أمام محكمة الاستئناف التي أمرت بتعديل الحكم فيما قضى به من براءة المستشفى، وقضت مجدداً بإدانتها ومعاقبتها بالغرامة 10 آلاف درهم، وتعديل قيمة التعويض لتصل إلى 200 ألف درهم.

وبعد أن أصبح الحكم الجزائي قائما، أقام والد الطفل المجني عليه دعوى أمام محكمة أبو ظبي المدنية الكلية، طالب فيها بإلزام كل من المستشفى والطبيب المدانان بالتسبب بالضرر لولده بأن يدفعا بالتضامن مبلغ 15 مليون و200 ألف درهم كتعويض جابر للأضرار الذي لحقت بولده.

وأوضح والد المدعى عليه أن ما حدث لم يكن مجرد احداث اعاقة في جسد الشاب الصغير، بل كان قتلاً لروح كل فرد من أفراد أسرته، بعد أن فقد ابنهم كل مظاهر الحياة ولم يعد يتمكن أن يمارس من فعل الحياة سوى التنفس والنبض، فقد حرم من مدرسته وأصدقائه، ولم يعد بإمكانه بناء مستقبله وتطوير قدراته، وأصبح عالة على ذويه يحتاج إلى الرعاية في كل تفصيل من تفاصيل حياته بعد أن كانوا يأملون أن يراعاهم إن وصلوا في العمر إلى أرذله.

من جهتها أوضحت المحكمة أن تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية أكد أن هناك قصور شديد في الرعاية الصحية التي قدمت من المدعى عليهما لا يتماشى مع المستويات المطلوبة، مما أدى إلى إصابات جسيمة بمخ المجني عليه، نتج عنها عجز كامل في كامل حواس وأعضاء جسمه، مما يحتاج معه إلى عناية تمريضية وطبية مستمرة ويومية طوال حياته وتجهيزات خاصة بالمعوقين في مثل حالته.

وقد اطمأنت المحكمة إلى هذا التقرير وبناء عليه أصدرت حكمها بإلزام المشفى والطبيب المدعى عليهما أن يؤديا للمجني عليه مبلغ 7 ملايين درهم، وهو الحكم الذي أيدته فيما بعد محكمة الاستئناف.