من أروقة القضاء : زوّر درجاته العلمية ورقّى نفسه مرتين فأنزلته المحكمة درجة سجين بامتياز

3432363067

موقع الطويين: البيان

ما كل ما يتمناه المرء يدركه، حقيقة عرفناها بعد أن كبرنا، فلقد كنا صغاراً وكانت أحلامنا لاتعترف بحدود، وكنا نرى أنفسنا شباباً ورجالاً كما أنجح النماذج حولنا، ولكن الأيام صفعتنا بواقع قدراتنا ومحدودية اختيارات الكثيرين منا خاصة أولئك الذين لم يتزودوا لعبور الطريق إلى الأحلام سوى بالأماني، ولم يعملوا لها علماً أو تطويراً لقدرات، فكان أن وجدوا أنفسهم في درجات أدنى بكثير مما تخيلوا، فإما رضوا بها أو عملوا على تغييرها بأن استدركوا مافاتهم من علم وعمل، أو تجرؤا على سنة الحياة واحتالوا عليها فكان أن لفظتهم من طريقها وكان مصير أكثرهم السجن.

موظف

من هؤلاء موظف في إحدى الجهات الحكومية، التحق بالعمل وليس لديه سوى شهادة الثانوية العامة ودبلوم في علوم الحاسب الآلي، فكان له العمل الذي يتناسب مع هذه المؤهلات، ولكنه عمل فني كما كان يحب، فرضي به وبقي فيه لمدة ست سنوات ولكنه لم يكن ناجحاً في أدائه لمهام وظيفته، فمن سوء حظه كان غير لائق طبياً لهذا العمل، وهو ما أدركته إدارة عمله واضطرت لتحويله للعمل كإداري في أحد أقسامها، وهو العمل الذي تبين أنه مناسب له حتى أنه رقي إلى إداري رئيسي في فترة وجيزة، وبقي يعمل بنجاح لمدة خمس سنوات.

نجاح

ورغم النجاح في هذا العمل والترقية التي حصل عليها، إلا أن ذلك لم يكن حتى يقترب من الحد الأدنى لحلمه، وخاصة أن طموحه كان يتركز على العمل الفني ومافيه من حوافز ومميزات، وهو غير ممكن مع عدم لياقته طبياً لذلك. وعدم امكانيته هذه تنحصر في الطريق الإداري الروتيني العادي. فأغواه شيطانه بأن الحلم متاح إن قفز فوق ذلك مستخدماً عبقريته في استخدام الحاسب الآلي، فالقرار الذي سيخلصه من العمل الذي يمقته سيكون عبر شبكة المعلوماتية لجهة عمله، فمع التطور الحاصل لم يعد المسؤولون يعطون القرارات بأيديهم بل يرسلونها عبر الشبكة الداخلية لمؤسساتهم، فإن حصل على شيفرة الدخول لأي ممن يملكون سلطة تغيير وضعه يمكنه أن يصدر القرار الذي يريد باسمه ويصبح نافذاً.

ولأنه لم يكن يملك من قوة الضمير مايكفي للجم شيطانه، فقد استجاب له وقام بالدخول إلى برنامج الموارد البشرية لجهة عمله بصورة غير شرعية، وزور قراراً بتحويله إلى العمل الفني مرة أخرى وترقيته إلى درجة أعلى بعد أن أضاف عبارة لائق طبياً إلى ملفه، ولكي يكون قرار الترقية الذي فاق مؤهلاته بكثير، كان عليه أيضاً ان يزور استمارة بيانات موظف الخاصة به، وبالفعل غير بيانات مؤهلاته وأثبت فيها حصوله على البكالوريوس ثم الماجستير بتقدير ممتاز في الحاسب الآلي بالإضافة إلى العديد من الدورات التدريبية، وعندما وصل القرار الكترونياً إلى إدارة الموارد البشرية قام مديرها بإصدار قرار بتعديل راتبه وفق وضعه الوظيفي الجديد والمؤهلات التي ادعاها.

قرار

لم يصدق نفسه عندما بدأ بتنفيذ القرار المزور ومزاولة عمله الجديد، والراتب الضخم الذي أصبح يتقاضاه، وكأن الدنيا قد بدأت تريه الوجه الحسن الذي لم يكن يعلم أنه موجود، وأصبح رئيساً لمن تمنى كثيراً لو كان مرؤساً لهم، ورغم أنه في البداية كان خائفاً من انكشاف أمره، وقلبه يرتجف مع كل هاتف يأتيه ممن هم أعلى درجة منه ظاناً أنهم اكتشفوا أمره، إلاأن مرور الأيام كان يطمأنه حتى شعر بعد أشهر بالاطمئنان التام وعلم أن الأمر مر بسلام. حتى أنه هو نفسه صدق أن بإمكانه الاستمرار إلى ما لانهاية، بل لام نفسه لأنه اختار تلك الدرجة عندما زور القرار واعتبر أنه كان يستحق درجة أعلى منها، ولكن لاداعي للندم مادام من الممكن دائماً أن يحصل على الترقية التي يريد، دخل إلى النظام مرة ثانية وزور قراراً ثانياً بترقيته وإعطائه درجة جديدة.

وفي المرة الثانية استغربت إدارة الموارد البشرية من قرار الترقية الذي تم بعد سنة واحدة من القرار الأول، بينما ينص القانون أن لاتقل المدة بين الترقيتين عن أربع سنوات، وعند مراجعة المسؤول الصادر عنه القرار نفى علمه به، فأحيلت القضية إلى جهة التحقيق في الإدارة والتي اكتشفت بالتدقيق في ملف المتهم جميع وقائع التزوير السابقة بما فيها الشهادات والمؤهلات المذكورة في بياناته دون أن يكون لها أصل في المستندات. وبمصادرة جهاز الحاسوب الخاص بالمتهم تبين أنه تم استخدامه للوصول إلى الأنظمة الالكترونية الخاصة بجهة عمله، كما عثر فيه على توقيعات عدد من المسؤولين فيها.

 حكم

تمت إحالة الموظف للمحاكمة، حيث أنكر ما أسند إليه ودفع بعدم معقولية الواقعة، وهو ما لم تأخذ به محكمة الجنايات. حيث حكمت عليه بالحبس سنة وإعادة مبلغ 273 ألف و552 درهماً وهو عبارة عن الفرق في الراتب، مع تغريمه مبلغاً مماثلاً له. وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف أول مرة، ثم نقضته محكمة نقض أبوظبي لاختلاف الهيئة التي استمعت للمرافعة عن الهيئة التي أصدرت الحكم. ثم أعيدت القضية لمحكمة الاستئناف لتنظره بهيئة مغايرة فأيدت نفس الحكم للمرة الثانية.

«ضمن التعاون القائم بين صحيفة البيان ودائرة القضاء في أبوظبي، تنشر الصحيفة صباح كل أحد قصصاً من أروقة القضاء، بهدف نشر التوعية بين أفراد المجتمع»

Related posts