مريم الشحي معلمة صناعات تقليدية: مهمتي تمكين الموروث الشعبي

2176535454

موقع الطويين : البيان

للهوية الإماراتية طابعها الخاص الذي يميزها عن غيرها من المجتمعات البشرية، حيث ما زلنا نجد من أمهاتنا وجداتنا من يساهم في حماية هذه الهوية بأدوار لها طابعها الخاص بأياديهن إلى جانب بناتهن المتعلمات، رغم الظروف المختلفة التي لم تمنحهن قسطاً وافياً من التعليم. إلا أننا نجد من لا تزال تتحدى الأمية وتقدم المعلومة والمعرفة والحرفة لبناتهن وحفيداتهن من خلال حبهن للتراث المحلي ومشاركاتهن المستمرة في الفعاليات التراثية والاجتماعية التي أصبحت منبراً لإحياء التراث والموروث الشعبي.

فقد قضت الوالدة مريم الشحي أكثر من 30 سنة من حياتها في صناعة المشغولات الخوصية أو ما يعرف بـ “السفافة”، التي احترفتها وأصبحت هواية ترافقها في أوقات فراغها إذ تستمتع بسف الخوص بين أصابعها المخضبة بالحناء، وتذكر بأن بدايتها كانت منذ أن كان عمرها 11 سنة، فقد كانت تجلس مع والدتها وجاراتها في العريش المقابل لمسكنهم وقت الغروب لتسالي بالأحاديث النسائية وسف أوراق الخوص في أشكال متنوعة، حيث كانت الفتيات يلعبن بأوراق الخوص غير الجيدة التي ساعدت في أن تكون بداية لهن في تعلم حرفة “السفافة”. ودفعهم الوقت إلى احترافها والتنافس فيما بينهن في سرعة إنجاز المشغولات، خصوصاً في موسم تعليب التمور المحلية التي كانت توضع في أكياس الخوص المعروفة محلياً بــ “الخصف”، فكن يتسابقن في إنتاج أكبر عدد من “الخصافة” لأصحاب المزارع.

أم وجدة

وتشير الوالدة مريم الشحي إلى كونها أم لـ 9 من الأبناء وجدة لـ 4 من الأحفاد، حيث لم تمنعها حياتها الأسرية من ممارسة حرف التراث، سواء في منزلها أو في المحافل المجتمعية، حيث ارتأت بعد أن كبر أبناءها في أن تلتحق بالجهات الحكومية بالفجيرة المختصة بترويج وإحياء التراث لتمارس هوايتها في ظل المجتمع، وحبذت نقل مهارتها التي تتقنها في العديد من المشغولات اليدوية إلى أكبر عدد من الناس.

تشعر بخوف شديد من اندثار صناعة الخوص أو ما يعرف بـ”السفافة”، لاسيما في وجود ذلك الزخم من المنتجات عالية الجودة والمنافسة بشكل كبير للمنتوج اليدوي، وتكاسل أغلب جيل الأمهات عن نقل هذه الحرفة والمحافظة عليها. فقد رأت مريم الشحي في نفسها القدرة على ترويج هذه الحرف عبر انتسابها أولاً إلى بلدية الفجيرة كعضوة في فعاليات إحياء التراث ومن ثم وظيفتها في فريق قرية التراث التابعة لهيئة الفجيرة للسياحة والآثار. التي أصبحت تعمل بها بشكل يومي في سبيل الحفاظ على ذلك الموروث الشعبي والتراثي. وباتت تشارك في فعاليات وأنشطة ودورات تدريبية للناشئات، بغرض تعليم تلك الحرفة للأجيال.

وتشير المواطنة مريم الشحي إلى عشقها الشديد للصناعات التقليدية بشتى أنواعها، حيث تبرع في صناعه التلي وفي إعداد الأطباق والمأكولات الشعبية، إلا أن “السفافة” أخذت جل اهتمامها كونها من سكان المناطق الزراعية في منطقة مربح بالفجيرة، وهي إحدى البيئات المحلية التي طوعت للمرأة الإماراتية خوص النخيل لتلبي احتياجاتها اليومية من مواد متعددة الاستعمال، حيث أتقنت صناعة السلال والمراوح اليدوية أو ما يعرف بـ«المهفة» إضافة إلى ميزان (المكيال) والضميدة والمجبة والمشب.

وتسترسل الوالدة مريم في وصف ما يميز صناعة السفافة، الدقة والجودة في صنع المنتجات، والتي باتت علامة مميزة للإمارات عن غيرها من الدول، لاسيما أن السياح والزائرين يفضلون اقتناءها رمزاً ارتبط بالهوية التراثية للدولة. فهي عبارة عن خوص من أوراق سعف النخيل تجمع مع بعضها وتفرز بحسب اللون والسماكة، وتصنع السفافة على شكل جديلة تتحكم الصانعة بحجمها، وذلك بحسب المنتج الراغبة في صناعته.

حيث أخذت على عاتقها مهمة إحياء التراث والحفاظ على هذا الموروث الشعبي، وباتت إحدى الملتزمات بالدوام اليومي في القرية التراثية في منطقة مضب بالفجيرة، لتمارس هوايتها ضمن أجواء تأخذها إلى الماضي. وتؤكد أن انتسابها في عضوية الهيئة السياحية فتحت لها مجالاً واسعاً للمشاركات سواء في المعارض أو المدارس أو حتى الاحتفالات الوطنية والشعبية.

وتضيف: أصبحنا مع الوقت استشاريات في تراث الحرف اليدوية، فمن خلال عملنا في تعريف فتيات الدولة على الصناعات والحِرف التراثية، والمأكولات الشعبية، بدأنا مع الوقت في تدريب من يرغب على إنجاز تلك الحرف التراثية، حيث نقوم بأنشطتنا أسوة بالعاملات في الدوائر الحكومية. وأنا أفخر في أن أعمل في حفظ هذا الموروث.

مهنة

وتوضح بأنها ما زالت تعمل على صنع منتجات السفافة وبيعها سواء أكان ذلك في المعارض التي تنتسب إليها أو حتى في حياتها اليومية، إذ ما زالت تستلم بعض الطلبات الخاصة “بالمهفة ” خصوصاً في المناسبات الخاصة بالأفراح الشعبية، حيث تقوم بإعداد الطلب قبل فترة من الحدث الاجتماعي حسب الكمية المطلوبة منها خصوصاً في الأعراس التراثية التي ما زالت تنظم في المنطقة التي تقطنها.

وتؤكد على أهمية المحافظة على هذه الحرف التي تحتاج إلى القليل من الاهتمام بتفعيلها في معرض دائم وحي يواصل فعالياته على مدار السنة، خصوصاً في مو اسم السياحة الأجنبية. مطالبة بمعرض مجهز بكل سبل الراحة والتسويق التي يتمنينها العضوات ليتمكن من ممارسة الحرف التراثية بطريقة مستمرة غير منقطعة للمشاركات فقط. كما ترى أن المعرض الدائم سيكون بمثابة مدرسة للأجيال، إذا ما فعلت من خلالها الدورات والورش والفعاليات المحلية والوطنية.

لفتة

حرف تقليدية تنتظر دعماً

تواجه الحرف اليدوية التقليدية مصيراً مجهولاً يشارف بعضها على الانقراض، في ظل غياب التسويق الجيد للمنتوج الحرفي وانصراف الأجيال عن تعلم الحرف من أربابها، ونشاط السلع الحديثة واقتحامها عالم الحرف التقليدية بأسعار منافسة. فلا بد من إعادة التوازن لهذه الحرف بما يجعلها علامة مميزة ورصيداً ثميناً عن أصالة البلد، لا سيما أنها حرف يدوية ظهرت بحسب طبيعة المكان والمعيشة التي سخرت إمكانياتها لتتناسب مع احتياجات المواطن الإماراتي.

وكثيرون يحرصون على حماية التراث، خاصة ذاك الذي فرضته الطبيعة من ثرواتها الخيرة، وجميل أن نغتنم وجود ثروتنا الزراعية وخاصة أشجار النخيل وما تدره علينا من خيرات، لكن الأجمل أن نعلم الجيل الجديد صناعات سادت في سنوات مضت ونحرص على عدم إبادتها، وكم من معارض تراثية شدت إليها السياح والزوار لاقتناء المصنوعات اليدوية لجمالها وخفتها وبراعة صناعتها. وما أحوجنا إلى الحفاظ على هذا المخزون التراثي الرائع الذي مازالت أنامل الأمهات والجدات تبرع في إنتاجه.