حنتومة أشهر امرأة تعالج بالتجبير والكي والأعشاب … خميس الكعبي يروي ذكريات الزمن الصعب

local

موقع الطويين : البيان

البحث عن العادات والتقاليد، في زمن وحياة القدامى من الساكنين في المناطق البعيدة، وخاصة الجبلية منها، يستدعي الرجوع إلى تلك السنين، ومعرفة حياة الناس قديماً، يومها لا توجد مدارس ولا مراكز صحية ولا مواصلات، ولا سبل حياة سهلة ومرضية. ولمعرفة تاريخ منطقة مصفوت، والعودة إلى الماضي البعيد فيها، كان الحوار مع رجل عاصر وعايش ذلك الزمن بكل آماله وآلامه، هو خميس سالم تعيب الكعبي المكنى «أبا سالم»، وقد تجاوز الـ85 من عمره، ولربما اكثر من ذلك، حيث لم يكن هناك آنذاك توثيق لمعرفة تواريخ الميلاد.

خميس الكعبي

 

ولنقرأ معاً ماذا قال «أبو سالم» عن حياته.

قصة حياة

ولدت في منطقة «مصفوت» قبل 85 سنة وربما اكثر من ذلك، عندما لم يكن في المنطقة سوى بيوت قليلة، وهي بيوت كانت تصنع الشعر، ثم تطورت في ما بعد إلى استعمال بعض أنواع الاشجار لبناء السكن والمأوى، أما عن حال المعيشة في تلك السنين، فقد كانت حياة متعبة وشاقة، ولكن استطعنا أن نتعايش مع ذاك الوضع، وأن نعتمد على أنفسنا، فكان البعض يعمل في الفحم، والبعض في الري والزراعة، ورعي الاغنام والجمال، لم يكن عندنا مدارس ولا مراكز صحية ولا مواصلات، ولا أبسط مقومات الحياة، كان الشخص منا اذا مرض لجأ إلى الاعشاب، ومنا من كان متخصصاً بها، فأنا مثلاً عملت في الاعشاب والتجبير والكي بالنار، والكي بالنار كان علاجاً لمعظم الامراض، وله طرق مختلفة، وأشهر من عالجت المرضى آنذاك امرأة من المنطقة تدعى حنتومة بنت جمعة الكعبي، وكانت تتميز بنظرتها الثاقبة نحو الشخص، وبمجرد أن تنظر اليه تعرف ما يشكو منه، أما أنا فقد تعلمت الكي من سويدان بن حضيبة، الذي أراد ان يعلمني الكي وأن ابدأ به، وكنت متردداً خوفاً أن اصيبه بشيء، إلا أنه أصر على كيه.

وكانت من هنا البداية، كذلك كانت والدتي خبيرة في التجبير، وفي احد الأوقات انكسرت رجلها وهي في عمر (93) سنة، وعالجت نفسها بمساعدة منا وكنا اطفالاً في ذاك الوقت، وما إن مر نحو عشرين يوماً إلا وقد شفيت، وصل الامر إلى أن يعالج الرجل زوجته اذا اصيبت بمرض، وأذكر أن احد ابناء المنطقة كانت له زوجة حامل، وتوفي الجنين في بطنها، وحينها لم يكن هناك طبيب أو حكيم فأخذ موسى حادة، وتوغل في أحشائها واستطاع أن يقطع الجنين الميت قطعاً صغيرة، وبذلك أنقد زوجته من الموت، هكذا كانت الحياة تمضي، أما في مجال التعليم لم نكن نعرف شيئاً عنه، كنا بدواً لدينا لهجتنا وعاداتنا وتقاليدنا البدوية فقط، لكن كنا نتعلم من الحضر بعص الكلمات، حيث كانوا قد سبقونا في قراءة القران الكريم، من خلال المطوع هلال بن سرور وغيره.

عادات اندثرت

ويواصل خميس الكعبي حديثه: استقريت في «مصفوت» وبشكل دائم في عام 1971، وكان حتى ذاك الوقت لا توجد خدمات، وكما قلت لا صحية ولا تعليمية، بل حتى المساجد لم نعرفها في تلك الفترة، كنا نضع حصي صغيرة بشكل محراب، ويصلي بنا أي بدوي يحفظ من القرآن ولو قليلاً، أما عاداتنا في الأعراس كان إذا اراد الشخص ان يتزوج يعرف إلى اين يتجه، فالأسر قليلة ومعروفة بحكم أنهم جميعاً من القبيلة نفسها، وكان المهر لا يتعدى 100 أو 150 روبية، ويستمر العرس ليومين أو ثلاثة.

كما أن تقاليدنا في شهر رمضان كانت بسيطة ومتواضعة جداً، ففي النهار يعمل الرجال ان كانوا في الرعي او الزراعة أو في تجارة الفحم، ووقت الافطار نجتمع على التمر وحليب الغنم أو النوق وكسر من الخبز، وفي العشاء نصلي العشاء، ثم صلاة التروايح، وبعدها يتسامر الرجال إلى أن يحين وقت النوم، وكنا ننام مبكرين، لم تكن لدينا وسائل ترفيه ولا أماكن نذهب اليها، كان العمل فقط هو ما يشغلنا، وفي صبيحة العيد يقبل الجميع للسلام على كبار القوم، ثم يجتمع أبناء المنطقة على مائدة الفطور، التي كانت في العادة جماعية، وهكذا النساء يجتمعن عند واحدة منهن، أما الاطفال فيذهبون إلى اللعب بالحصي او العصي، أما ملابسنا فقط كانت النساء تخيطها لنا، وتشكل الوانها من خلال صبغها.

فمثلا لو أردنا الثوب ان يكون احمر صبغناه بلحاء السدرة، وكنا نسميها (سدرة الغوانم)، وصبغة النيل يحول اللباس إلى لون اسود، واللون الاصفر من شجرة الورس، وكل ذلك يتم صبغه في البيوت، هكذا كانت حياتنا في تلك الحقبة، عكس هذا الزمن الذي ينعم فيه ابناؤنا، بالحياة السعيدة والرغدة، وكل ذلك بسبب شيوخنا الأفاضل، الذين وفروا لأبنائهم، كل متطلبات العيش السعيد، لكن تلك الحياة التي عشناها في تلك السنين الماضية، قد ذهبت واندثرت ولم يبق منها سوى الذكريات.

في سطور

خلال هذا العمر عمل خميس سالم تعيب الكعبي، بتجارة الفحم مع آخرين، وكانوا يبيعونه في الشارقة ودبي، ويستغرق السفر إلى هناك، أياما على الجمال، كما عمل راعياً للغنم، وأول عمل رسمي تسلمه كان في شركة ابوظبي للبترول، حفاراً على آلة، وذلك قبل قيام الاتحاد، وعقب ذلك التحق بالجيش إبان تأسيسه، برتبة جندي، إلى أن وصل إلى رتبة وكيل اول، وفي عام 1991 أحيل إلى التقاعد، ومنذ لك اليوم وهو يقيم في منطقة مصفوت، بعد أن أصيب في ظهره، وأصبح قليل الحركة، إلا أنه يحمل ذاكرة من التاريخ، لم يروها كاملة.

 بيت الحاكم.. أحد معالم مصفوت الأثرية

 

 

يقع مسكن المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن حميد النعيمي، حاكم إمارة عجمان السابق، على تلة صغيرة في منطقة الورقه في مصفوت. وأشار سالم محمد الكعبي، وهو من أهالي المنطقة، إلى أن البيت قد تمت إعادة ترميمه من قبل بلدية دبي، وأعادت شكله على ما كان عليه في السابق وبنفس مواد البناء.

وقد بني في منطقة الورقه عام 1962، أنشأه الشيخ حميد النعيمي، مقراً له خلال موسم الصيف. وفي مرحلة لاحقة بنى صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، استراحة مفتوحة يستقبل فيها الضيوف والمراجعين صباحاً وبعد العصر، من أهالي مصفوت والقرى المجاورة لها.

واختيار هذا الموقع جاء بسبب جو المنطقة الجميل، ولارتفاعها على أطراف وادي مصفوت، وتحولت المنطقة المحيطة بالبيت إلى مزرعة صغيرة زرع فيها أفضل أنواع النخيل وأشجار الفواكه، كما عرفت منطقة الورقه بمياهها العذبة ووفرتها. وظل البيت مقراً يأتي إليه الضيوف، يشير إلى حقبة من تاريخ المنطقة.

«مصفوت» مكان مثالي للهروب من الصيف

تعتبر منطقة مصفوت من أقدم المناطق السكنية في الدولة، ملحقة بإمارة عجمان، وتبعد عنها نحو 110 كم إلى الجنوب الشرقي، ويقول علي محمد الكعبي وهو باحث في التراث، تضم مصفوت عدة قرى، مزيرع والصبغة وسيح الزهرة، وسكانها ينحدرون من قبيلة بني كعب، وتشتهر بالزراعة، حيث التربة الخصبة، والوديان الفسيحة، والمناخ المعتدل، ويتمنى أهلها أن تكون مركز جذب للسياحة، لأنها تتميز بالطبيعة الخلابة، حيث الجبال الشاهقة، والمزارع الخضراء.

كما تكسوها أشجار النخيل التي زينت معظم شوارعها، وكذلك تشتهر بالوديان الفسيحة، مثل وادي «غلفا والصوامر ومصفوت والخنفرية ووادي المنصورة»، كما تشكل المنطقة مصيفاً لسكان مدينة عجمان وغيرهم، فارتفاعها عن سطح البحر، وبعدها عن المدينة، يضمنان الطقس البارد والهواء النقي، وبالتالي تصبح المكان المثالي، للهروب من الحرارة في أشهر الصيف، كما كانت عادة شيوخ عجمان والأهالي القريبين منها، يأتوها في الصيف.

حيث يجدون المناخ المناسب لقضاء أيام وأسابيع وربما أشهر، وتحتضن هذه المناطق بعض النباتات والحيوانات، التي تتكيّف مع بيئتها، فهي موطن للفهود قديماً، والغزلان والثعالب والوشق، وللتأكيد على قدم هذه المنطقة، فقد كشف عن آثار كثيرة ولقى وفخاريات متعددة الأشكال، أما الاكتشافات الأثرية خلال السنوات الأخيرة، اطهرت نقشاً قديماً على الصخر، يوجد نموذج منه في متحف عجمان، يشير إلى أن تاريخ نشاط الإنسان في هذه المنطقة، يعود إلى أكثر من5000 سنة.

ومن أبرز ما يلاحظه الزائر إلى المنطقة، بوابة مصفوت، وهي عبارة عن مدخل قديم، تم بناؤه من قبل المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن حميد النعيمي، حاكم إمارة عجمان سنة 1961م، ويعتبر المدخل الرئيسي للقادمين إلى مصفوت، وكتبت عليه عبارات يقرؤها القادمون والمغادرون لها، وفيها عبارة «مصفوت ترحب بالوافدين إليها»، وعبارة أخرى، «مع السلامة وموفق بالخير، إن كان تبغي المنامة وإلا بلاد غير».

كما تقع فيها قلعة «البومة» على قمة جبلية بمنطقة مصفوت من جهة الشمال، وهي قلعة قديمة تم بناؤها عام 1965، من قبل الشيخ راشد بن حميد النعيمي، حاكم إمارة عجمان آنذاك ، وتوجد للقلعة بوابة وحجرتان، وكانت تستخدم لحماية المنطقة من الأعداء، ومازالت في وقتنا الحاضر شامخة وصامدة، تعكس أساليب الدفاع القديمة التي كانت تستخدم في تلك الفترة، من قبل أهالي المنطقة.

كما تتميز المنطقة بعدد من الأفلاج، تم ترميم اثنان منها، وتعرف الأفلاج بأنها الماء الذي ينبع من باطن الأرض والجبال، ويتدفق بكمية كبيرة على جنبات الوادي، وهناك أسماء عديدة لأفلاج مصفوت، وهي «الورعة ومصيف وخليبان والمستب ومصفوت» بقي منها اثنان والباقي اندثر، ومن المزروعات التي عرفتها مصفوت، الذرة والشعير والغليون أي التبغ، وبعض المحاصيل كانت تباع للتجار في كل إمارات الدولة، وحالياً لم تعد هناك زراعات مثل الماضي.

ويكاد المحصول يكفي أهالي مصفوت والمناطق القريبة منها، ومن اهم مناطقها اليوم منطقة « مزيرع» القريبة منها، وسميت بهذا الاسم لكون الزراعة تزرع فيها فقط في فصل الصيف، و«مزيرع» تصغير لاسم مزرعة، وكانت تسقى أشجارها من مياه احد الأفلاج، الممتد من منطقة حذف.

Related posts