الكتابة على الجدران إفساد للذوق

 

الكتابة على الجدران ظاهرة غير حضارية لجأ إليها بعض الشباب للتنفيس عمّا يدور في خاطرهم في الخفاء وبعيداً عن الأعين، وللأسف تظهر عبارات غير لائقة ورسوم تخدش الحياء وتشوه الممتلكات وتفسد الذوق، وامتد الأمر إلى استغلال الجدران كوسيلة إعلانية مجانية . ومؤخراً ارتأت بلدية الشارقة تطبيق إجراءات مشددة على من يتم ضبطها أثناء الكتابة على الجدران، وتغريمه بمبلغ يصل إلى ألف درهم . نناقش في هذا التحقيق أهم أسباب الكتابة على الجدران، وتصنيف من يقومون بها في الخفاء، وصولاً إلى مدن خصصت الجداريات كي تكون معالم فنية للبلاد .

 

أشرف محمد صحصاح، اختصاصي اجتماعي في مدرسة خالد بن محمد في الشارقة، يوضح أن الكتابة على الجدران سلوك خاطئ يرتكبه الطلاب، وعلى إدارة المدرسة أن توجههم، مقترحاً قطع خطوات للحد أو التخفيف من هذه القضية لتتمثل في تخصيص جداريات للكتابة عليها، في أماكن خاصة في غرف التربية الفنية، ليتمكن الطلاب من الكتابة على الجدران بكلمات مهذبة، بما يعني تحويل السلوك السلبي إلى إيجابي .

 

ويضيف: إذا كان السبب هو تنفيس عن رغبات مكبوتة، اعتباراً من أن كل ما هو ممنوع مرغوب، يمكننا أن نواجه هذه القضية عن طريق التوعية، والتوجه مباشرة للابتعاد عنها، لأن أية ظاهرة سلبية تتم، لا بد من تقييمها وتعريف الطلاب بها، خاصة في مرحلة المراهقة .

 

ويرفض إبراهيم عبيد، مشرف اجتماعي، وصف الكتابة على الجدران بالظاهرة، لعدم وجود الإحصاءات الكاملة الدالة على ذلك، لأنها كانت موجودة سابقاً بكثرة وتم القضاء عليها، نتيجة تعرض كل من قام بها للعقوبات، من قبل المؤسسات الحكومية، وإن كان ذلك كفعل ينم عن ضعف شخصية من يقوم بها، ويؤكد أن الكتابة على الجدران دلالة على فشل من يقومون بذلك في حياتهم، وعدم وجود هدف واضح لديهم، فمعظمهم من المراهقين، الذين يتجاوزون الآداب العامة، يكتبون عبارات تخدش الحياء .

 

ويأتي عبيد بأمثلة أخرى من أشكال تشويه الجدران، كالإعلان عن الشركات أو الدروس الخصوصية، أو التهجم على بعض المؤسسات أو الأندية الرياضية أو أشخاص محددين أو الأصدقاء، وإن كنا في الوقت نفسه نجد بعضها أروج لبروز أسماء بعض الأبطال، ويوضح أن للأسرة دوراً مهماً في متابعة أبنائهم .

 

ويتابع: أشيد بإقرار قانون الغرامة المالية على كل من يتسبب في تشويه الجدران، وإنما نريد أن تصل التوعية إلى المدارس، التي تعاني هي الأخرى  الكتابة على الجدران، ويكون ذلك عن طريق الاختصاصي الاجتماعي،  بأن يلتقي الطلاب لمعرفة احتياجاتهم، وبالتالي يتم كسب توجههم، والوصول إلى فعل جيد داخل المدرسة .

 

ويوضح أنه في إطار التصدي لهذا النوع من التشويه لجأت مؤسسات التقنيات الحديثة ككاميرات المراقبة لرصد من يقوم بذلك .

 

ويقول أيمن هيصمي فهمي، مشرف في مدرسة المعرفة في الشارقة: نجد أحياناً بعض الطلبة يكتبون على الجدران والطاولات في المدرسة، مع عدم وجود سبب لذلك، سوى أن جهل الطفل وفضوله يدفعه إلى كتابة ذكرى اسمه واسم أصدقائه وتاريخ الذكرى .

 

ويضيف: عندما أعلم أن هناك من يقوم بالكتابة على الجدران أو الطاولات، أقوم بمحاسبته، وقد حدث أن أحدهم كتب على جدار المدرسة الخلفي، وقمنا بإحضاره ومحاسبته وإزالة الكتابات، ويأتي سبب الاختباء، لأنهم يعلمون أنهم ينتهجون سلوكاً معيباً، لذا فإننا حريصون على أن نعرف الطلاب بالخطأ، وفتح المجال أمامهم لمراجعة أنفسهم، كي يبتعدوا عن هذا السلوك . .

 

ويؤكد أن المشاغبين فقط يعمدون إلى انتهاج مثل هذا السلوك في المدرسة، كنوع من المشاغبة ولكن ما الفائدة من وراء هذا التصرف، إن كان لا يعبر عن أي شيء، إنما الدلالة على الشغب فقط، والعدوانية وكعامل للتميز عن باقي الطلبة، ويمكن حصر تلك الفئة بين الطلبة في الصف السابع والثامن والتاسع، وقد يكون السبب هو عدم نضجهم، وحاجتهم إلى التوجيه، ليقلعوا عنها .

 

وتأكيداً على أنه سلوك خاطئ ومشوه لمنظر الممتلكات والمدن، وينم نفسياً عن عدم الثقة بالنفس، والهروب من الحقيقة التي لا يواجه بها الآخرين، يبدي أسامة الموسى، اختصاصي نفسي وسلوكي، أسفه للتوجه إلى الكتابة على الجدران في الليل، واستغلال عدم وجود من يرونهم، إذ إن السبب من وراء الاختباء، هو أنهم يدركون أنها طريقة مستهجنة ولا يقبل بها الناس . ويضيف الموسى: الذين يكتبون في دورات المياه وعلى جدران المدارس والشوارع، مصابون بأمراض “سايكوباتية”، أو مرض العنف النفسي، وطبعاً هؤلاء يعبرون عن رغباتهم الداخلية التي تجيش في صدورهم، ويحاولون التعبير عنها بالكتابة بهذه الطريقة

 

ويؤكد أن كثيراً من المحرمات والعادات السيئة تمارس في الخفاء، إن لم يكن كلها، وهذا يدل على انجراف هذه المجتمعات إلى الهاوية، لذلك يجب ضبط كل من يقوم بفعل هذه الأشياء المستهجنة وغير المقبولة من أفراد المجتمع، ولا شك أن تغريمهم أمر جيد، ومن لم يلتزم بالإقلاع عنها لدى مخالفته للمرة الأولى، يجب تغليظ الحكم عليه حسب ما يراه المشرع .

 

ويجد الموسى أن تقويم السلوك عادة ما يتم بتنبه الأسرة أولاً إلى مراقبة أبنائهم، وبث روح الولاء والانتماء للدولة فيهم، واحترام قوانينها وعدم المساس بأمنها، ثانياً يجب على المؤسسات التعليمية حث الطلاب على احترام جدران المدرسة والمنزل وأي مكان يعيشون فيه، ثم يأتي دور المؤسسات الإعلامية للتوعية لعدم تشويه منظر المدن .

 

أما علي مصبّح، مدير بلدية الذيد فيؤكد أن الكتابة على الجدران ظاهرة غير حضارية تسيء إلى المدينة وسكانها، وكذلك الحال بالنسبة للملصقات الإعلانية ويقول: لاحظنا في سنوات سابقة انتشار الظاهرتين، وتصدينا لمن يقوم بذلك عن طريق الحصول على تعهد منهم بعدم تكرار الكتابة على الجدران وذلك يكون أمام الجهات الأمنية .

 

كما يتم توجيه إنذار لأصحاب الملصقات الإعلانية العشوائية، وإعلانهم بدفع غرامة، إن لم يقوموا بإزالتها، علماً بأنه توجد أماكن مخصصة للإعلانات، مقابل رسم مالي، في زوايا معينة من الحدائق ومراكز التسوق، إضافة إلى أماكن أخرى .

 

ويوضح مصبح أن دفع غرامة مقابل فعل مخالف، يمكن أن يكون مخالفة تأديبية وتوجيهية، لكن المشكلة تكمن في التزامهم بالبعد عن السلبيات بعد إنذارهم بالمخالفة، لذا لا بد أن يكون تركيز البلديات على الإعلام في نشر رسائل التوعية للابتعاد عن هذه السلوكيات .

 

في المقابل نجد أن الناس في الشارع يبدون استياءهم من الكتابة على الجدران والرسوم، لأنها تسيء إلى الحياء العام، حسب قول خالد تنيرة، موظف ويضيف: غالباً ما يقوم المراهقون بمثل هذه الكتابات والرسوم، للتعبير عن رغباتهم الدفينة، كتشجيع فريق كرة قدم مثلاً، أو كتابة اسم الفتاة التي يحبها، إضافة إلى الرسوم المخلة بالآداب في دورات المياه .

 

ويجد تنيري أن سبب الكتابة على الجدران إنما هو الطيش والتهور وتشويه المنظر العام للمدن، لذلك من المناسب أن يتم تغريم كل شخص يقوم بمثل هذه الأفعال، وأيضاً أن تتم مضاعفة الغرامة لو تكررت الحالة والحبس المؤقت .

 

أما ناصر كتانة، موظف في دبي، فيرى أنه لا توجد أية دواعٍ لمثل هذا السلوك المنتشر في الأماكن التي لا توجد فيها حركة سكانية، وإن كانت نسبة منها تهدف إلى تشجيع الفرق والأندية الرياضية .

 

ويضيف: معظم الكتابات تدل على أن أصحابها غير متعلمين، فكتاباتهم تحوي أخطاء إملائية .

 

ويؤكد محمد فتحي، مدير تسويق في الشارقة، أن الكتابة على الجدران تخلف منظراً غير حضاري، وتنتشر هذه العادة غالباً في المناطق العشوائية، وبكل تأكيد فإن الغرامة المالية ستحد من انتشار مثل هذه السلوكيات .

 

ويضيف: المفروض على الجميع، لدى مشاهدة أحدهم وهو يرسم على الجدار أن يقوم بالإبلاغ عنه، كذلك تعميم أرقام الهواتف المسؤولة عن ذلك، لتعزيز الثقافة المدنية التي يفتقر إليها البعض . 

 

ويؤكد محمد منعم، مدير تسويق في الشارقة، وجهة نظر زميله، ويضيف: يمكننا أن ننطلق من نظافة جدران منزلنا إلى المبنى والشارع ثم الحي، ونتشارك جميعاً في الحفاظ عليها، وعدم السماح لمثل هذه الممارسات التي تسيء إلى المنظر العام في المدن . 

 

جداريات

 

يرى إسماعيل الرفاعي، فنان تشكيلي، أن كتابات الطفل على جدران المنزل هي في الأساس انفعال تعبيري، لأن الطفل بحاجة إلى مساحة أكبر من التي تمنحها له الأوراق أو السبورة، كي يعبر فيها عما يدور داخله، وهذا يعزز من نمو الطفل ونضجه النفسي وقدرته على التعبير النفسي، وهنا يمكننا الحديث عن فنانين محترفين رسموا الجداريات، مثل جان ميشيل باسكيه”، الذي يعد من أهم الفنانين على المستوى العالمي، حيث إنه رسم على جدران محطات مترو الأنفاق وأنتج نوعاً من الإبداع الفني، وهذا ما دفع الكثير من الشباب والفنانين أن يصبح هذا الفن نمطاً من أشكال التعبير لديهم، وأيضاً الفنان العراقي شاكر حسن سعيد، الذي مثّل الجدار ذاكرة الزمن بالنسبة إليه، وكانت له بصمات خاصة في هذا المجال .

 

ويرى الرفاعي أن جدران الأحياء القديمة امتصت الذكريات والتبدلات كافة، ذلك متعارف عليه في المكسيك، حيث إن هناك فنانين كبار استغلوا الجدران للتعبير عما يجول في خواطرهم، وهذه اللوحات الجدارية موجودة حتى الآن، وهناك دول عربية تنمي ذلك مثل المغرب، حيث إن مدنها كافة تزين بكتابات ورسوم، بل كان يتم تنظيم احتفاليات خاصة بذلك، والتي تحولت إلى احتفالية دائمة للفن، في الأحياء والشوارع المفتوحة .

 

ويضيف: كل ذلك يلعب دوراً في معرفة الفنون والحس الجمالي من النوع الخاص، وهناك شباب كثيرون أسسوا ورش عمل للرسم على الجدران في الشارقة، مثل مهرجان الفنون الإسلامية والرسم على الجدران في الشارقة .

 

ويقول الرفاعي: لو تناولنا الجدار تاريخياً لوجدنا أن جدران مصر القديمة تعد أهم جدارية نقش ورسم عليها حتى الآن، ويزورها السائحون من مختلف أصقاع الأرض، وبالمحصلة فإن الجدار ليس له فقط جانب وظيفي، إنما هو على مر التاريخ مكان للاشتغال فنياً .

المصدر : الخليج 1 ابريل 2011

Related posts