السرقات والمخدرات أبرز جرائم العاطلين عن العمل

 

رغم أهمية لغة الأرقام الأمنية في تأكيد مصداقية القول خاصة في القضايا المهمة والكبيرة، إلا أن غياب ذكرها، لا يقلل بأي حال من خطورة هذه القضايا، أو ينتقص من قدرها، في ضوء اختيار الجهات الشرطية المعنية التقليل من شأنها، خشية التضخيم والمبالغة، لطبيعة وخصوصية المجتمع .

 

ومن ذلك موضوعنا الذي وباختصار -لايخل بالمضمون- يتركز في التداعيات السلبية التي تهدد نسبياً الاستقرار المجتمعي، والتي تفرزها البطالة بين الشباب المواطنين من العاطلين من العمل، فمع غياب الأرقام الأمنية لبيان حجم هذه المشكلة، هناك ما أشارت إليه بيانات وزارة الاقتصاد (مسح القوى العاملة عام 2009)، عن نسبة البطالة في أوساط المواطنين والتي تقدر بنحو 14%، أي ما يقرب من 35 ألف مواطن عاطل من العمل على مستوى الدولة، وترتفع معدلات البطالة إلى أكثر من 25% في أوساط الشباب المواطنين، فيما بلغ عدد المواطنين الباحثين عن عمل، والمسجلين لدى هيئة تنمية (باستثناء أبوظبي) 8 آلاف مواطن، فضلاً عن ذلك ووفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد أيضاً فنسبة المواطنين العاملين في القطاع الخاص من مجموع المواطنين العاملين لا تتعدى 7% .

 

ومازلنا ندور في فلك تصريحات وزارة الاقتصاد التي تدل تقديراتها على أن نحو 200 ألف مواطن سيبلغون سن العمل في السنوات العشر المقبلة، منهم ما لا يقل عن 100 ألف سيدخلون سوق العمل، وأن سياسات الاستقدام المفتوح للعمالة أدت إلى اغراق السوق بالكثير من العمالة الهامشية ذات المهارات المتدنية، وأن فرص العمل المتوفرة تتمركز في القطاعات المتسمة بتدني الإنتاجية والأجور، وهي غير جاذبة للمواطنين، فيما بينت الجهات المسؤولة أن الاحصائيات غير الدقيقة باحتياجات سوق العمل، أدت إلى عدم تناسب مخرجات التعليم، مع متطلبات سوق العمل .

 

البيانات السابقة لوزارة الاقتصاد، والقائمة على استقراء موضوعي لواقع المواطنين العاطلين من العمل، والقادمين الجدد إلى سوق عمل مكتف من الأساس بمن فيه، تتجه بنا إلى منحى آخر واقعي أيضاً، إلا وهو ما الذي يمكن أن يفعله الشاب العاطل من العمل، إن لم تحكمه مبادئه، وأخلاقياته القويمة، وسلوكياته الحسنة، من الانزلاق في فخ الجريمة، لسد الرمق، وتوفير احتياجات أسرته إذا كان عائلاً لأمه واشقائه، أو لزوجة وأطفال؟

 

للافتراض لا مجال له هنا، في ضوء الجرائم والانحرافات التي ارتكبها عدد كبير من العاطلين من العمل، ممن اضاع بعضهم ماء وجهه من كثرة التردد على العديد من الجهات التي قدم لها اوراقه الدراسية والمهنية، سعياً وراء الحصول على رد شاف منها بقبول توظيفه لديها، بعدما أنهكه البحث عن عمل، لسنوات طوال تعدت أحياناً أكثر من خمسة اعوام، كان جالساً طوالها في بيته، يتسول – واللفظ ليس مجازياً هنا – ممن حوله من الجيران، والأقرباء، والأصدقاء، إلى أن فاض كيل الجميع منه، فأوصدوا – جيوبهم- امامه، فتلقفته سريعاً أحضان الجرائم، وعلى رأسها السرقات، وتعاطي المخدرات، فغرق بإرادته في جوانبها المظلمة، لينجو كما يظن من واقعه المعيشي المعوز .

 

ولنصل إلى ما يدعم حديثنا، فمن سجلات المراكز الشرطية، إلى ساحات المحاكم، ومراكز تأهيل المدمنين، نستقي أقوال عدد من المواطنين العاطلين من العمل الذين تطوي مستندات هذه الجهات قصص اجرامهم، نتيجة احتياجهم المادي، الذي وبالتأكيد لا مبرر له في الانحراف أيّاً كان حجمه، فيما لابد من قص اعناق البطالة، التي تقف وراء الكثير من المصائب التي تحل بالمجتمعات مهما كان وضعها الاقتصادي، أو الاجتماعي .

 

قال بأسف ظاهر: أعلم أني أخطأت، ولكن لم يكن أمامي من ملجأ سوى ذلك، فما الذي كان يمكن أن أفعله، وأنا مطالب باعالة أشقاء صغار بعد وفاة والدي، ربما كان يمكنني مواصلة البحث عن عمل، وبذل محاولات ومحاولات، لكنه الشيطان الذي أغراني بأن أسلك الطريق الأقصر، ولم يكن سوى مد اليد لممتلكات غيري، نعم سرقت، أموالاً ومجوهرات، وأيضاً أشياء عينية من أكثر من فيلا سكنية في إحدى المناطق الراقية، حينها لم يوقفني الخوف على مستقبل، أو الرهبة من قيود حديدية، وزنزانة ضيقة، فسحب المستقبل غائمة في وجهي، وأبواب العمل مغلقة إلى أجل غير مسمى، واليوم أمامي كالأمس، والغد مثلهما، لذا فكل ما فكرت فيه كان ملء جيوبي الخاوية بالمال وإن كان مصدره حراماً، وقد كان، وها أنا اليوم محبوس على ذمة أكثر من قضية سرقة، وقد خيبت أمل أشقائي وأمي في، فلو -ومكانها هنا أصبح مفقوداً- فتحت جهات العمل أبوابها أمامي، ووافقت على تشغيلي، ما كنت اليوم هنا، ولكنه ضيق الأفق الذي سكنني، والطريق السهل الذي سلكته للحصول على المال!

 

وضاع كل شيء

 

وآخر قال: الله وحده القادر على وأد هذه الآفة، المخدرات اللعينة، امتصت شبابي، وأتت على صحتي، وشلت حركتي، بعدما كنت أكاد أهد الجبال من قوتي البدنية، وصلابتي التكوينية، كنت شاباً عفيفاً، حصلت على مؤهل دراسي جيد إلى حد ما، ليوفر لي وظيفة مناسبة في إحدى الدوائر أو الهيئات، ولكن هيهات ما حلمت به، أمام معطيات الواقع التي صدمت بها، فإذا لم يكن مع الشاب منا (واسطة ما)، فعليه أن ينسى أحلامه تماماً، وهذا ما حدث معي، بحثت كثيراً وكثيراً عن عمل، وفي كل مرة يزورني فيها الأمل بإمكانية قبول طلبي من الجهة الفلانية أو العلانية، يضيع في اليوم التالي مباشرة، بقبول شاب آخر تقدم ومعه من سانده، وعضد طلبه، وهكذا استمر معي الحال، ولم يكن أمامي من سبيل سوى مد اليد لأبي الطاعن في السن لأحصل منه على مصروف يد، وأنا الذي تجاوزت الخامسة والعشرين من العمر، إلى أن سكنني اليأس تماماً، وشعربي أحد أصدقاء السوء، فأغراني بتعاطي بعض المخدر الذي لم أكن أعي خطورته تماماً، لأتناسى همومي، وبالفعل شعرت بانسحاب كامل من مشكلات واقعي، لأغرق في أجواء نفسية مريحة -هذا ما توهمته – إلى أن أدمنت المخدر اللعين، وحتى أحصل عليه مجاناً، لم يكن أمامي سوى مساعدة أحد الأشخاص في بعض عمليات ترويجه، إلى أن قبض علي، وضاع مني كل شيء!

 

إلى متى؟

 

وهذا ما قاله ثالث: البطالة التي أعاني منها تكاد تذهب بعقلي من كثرة التفكير في إيجاد مخرج منها، أكاد أموت يومياً ألف مرة من الارهاق الذهني، والضغط النفسي، أجلس اليوم في البيت كشقيقاتي، فلا أنا بشاب منتج، ولا أنا بمن يمكن أن تعتمد عليه أسرته، فكرت مراراً في اللجوء إلى الجريمة، لأنتهي مما أنا فيه، لكنني كثيراً ما تذكرت النهاية المحتومة التي يمكن أن توصلني إليها، إلا أنها كفكرة لا تزال تدور في ذهني، والسؤال الذي طالما بحثت عن إجابة له بلاجدوى هو لماذا لا تقبلنا جهات العمل بسهولة؟ لماذا نواجه على الدوام بعبارة لا توجد شواغر؟ وإلى متى ستظل ثقة كثير من أصحاب العمل مفقودة في كفاءة الشاب المواطن منا، بزعم أننا لا نمتلك خبرة، ودراية بمستلزمات العمل؟ وأيضاً إلى متى يذهب حقنا كأبناء الدولة في شغل مقاعدها الوظيفية الكبيرة والصغيرة، إلى غيرنا من أبناء الجاليات الأخرى؟

 

تسهيل الإجراءات

 

ونصل إلى بحث القضية مع عدد من المسؤولين:

 

المستشار أحمد إبراهيم سيف رئيس المحكمة الجزائية في محاكم دبي قال: بعض العاطلين من العمل يوجدون لأنفسهم أعذاراً في ارتكابهم الجرائم، ومن ذلك عدم حصول الواحد منهم على عمل يشغل به وقته، ويعول من عائده نفسه وأسرته، وعدد آخر من هؤلاء يرتكبون الجرائم بدافع الانتقام من المجتمع، الذي لم يعر الواحد منهم اهتماماً بتوظيفه في مكان لائق به، فضلاً عن عدد آخر من العاطلين الذين يرتكبون الجرائم لمجرد ايذاء الآخرين، والتلذذ بمعاناتهم، وهكذا الأمر فلكل من العاطلين من العمل ممن ارتكبوا جرائم مبرراً مختلفاً يسوقه حين سؤاله عن السبب في انحرافه، فيما لوكان للواحد منهم مصدر دخل ثابت من عمل دائم، فلن يفكر في الانحراف خشية ضياع مصدر الرزق . والحقيقة أن نسبة مرتكبي الجرائم من العاطلين من العمل يمكن أن تصل إلى نحو 30%، مقارنة بغيرهم من العاملين، في حين تلجأ بعض الدول الخارجية إلى صرف اعانة شهرية للعاطل من العمل، لتحمي المجتمع من المشكلات التي من الممكن أن يتسبب فيها، إذا لم يجد لقمة العيش التي تقيم حياته واسرته، حيث يستغل البعض حاجة عدد من العاطلين من العمل إلى المال، باشراكهم في ارتكاب بعض جرائم الاتجار في البشر، وترويج المخدرات، بما يستوجب الاسراع بتوفير فرص عمل للعاطلين، وتسهيل حصول المجرم الذي قضى عقوبته على شهادتي حسن السير والسلوك، ورد الاعتبار، وفتح باب التوبة أمامه، وتشجيعه على الالتزام، بدمجه في اية جهة عمل، وتكليفه بأية مهام وظيفية ولو بسيطة، تعود عليه بدخل شهري، يلبي به احتياجاته حتى لا يفكر مجدداً في العودة إلى الجريمة .

 

السرقات والابتزاز

 

أما العميد علي علوان مدير عام شرطة عجمان فذكر أن السرقات، والابتزاز، يتصدران الجرائم التي يرتكبها عدد من المقيمين العاطلين من العمل، الذين استغنت شركاتهم عنهم مؤخراً، نتيجة الأزمة الاقتصادية، ولا يزالون يقيمون في الدولة، فيما منهم أيضاً من ترك عمله، واحترف الاجرام، بسرقة كابلات الكهرباء، ومواد البناء كالحديد وخلافه .

 

وقال: من الشباب المواطنين الصغار في السن من يلجأ إلى ارتكاب السرقات ايضاً، بما يتوجب تشديد الرقابة المنزلية عليهم، ومعرفة أصدقائهم، وتتبع سلوكياتهم خارج المنزل من قبل أسرهم وإدارات مدارسهم، فيما تقف الجهات الأمنية بالمرصاد لهم وغيرهم ممن يحيدون عن الطريق القويم .

 

حقيقية ومقنعة

 

ويلقي المحامي يوسف الشريف نائب رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، اللوم على البطالة – التي يرى أنها مشكلة قديمة متجددة – في كونها بمفهوميها الحقيقي والمقنع، تشكل عبئاً وثقلاً على الحكومات، وعن ذلك قال: البطالة المقنعة تتسبب في اهدار الأموال والطاقات في غير محلها، أما البطالة الحقيقية ففيها اهدار للشباب وطاقاتهم، ولاشك في أن هذه البطالة تدق ناقوس الخطر في المجتمعات كافة التي تعاني منها، حيث لا يغيب أن الشباب يمتلكون طاقات وقدرات خارقة، يجب أن تصرف في محلها، وان تكيف في نطاق صحيح وسليم، لكي لا تمثل وجهاً أو شكلاً من اشكال الجرائم، فيما وللأسف يجهل كثير من الشباب مفهوم شغل وقت الفراغ، وبالتالي يقضي الكثير منهم وقت فراغه في توافه الامور إلى أن يصل إلى محاذيرها، فيلجأ إلى المسكرات والمخدرات، والعلاقات الشاذة، أو الخاطئة فتتولد فئات اجرامية غابت عن المجتمع طريقة استغلالها، وفق المفهوم الصحيح في منظومة مجتمعية صحية .

 

لذلك وجب علينا في مجتمعاتنا التصدي لمثل هذه الاشكالية من خلال توفير فرص عمل حقيقية، لكي لا نقع في مشكلة البطالة المقنعة، ولابد من ايجاد فرص عمل مبتكرة بعيدة عن الروتين الحكومي، كأن تشارك الحكومة في انشاء شركات أو مؤسسات حكومية استثمارية بهدف تعزيز السوق المحلي من الناحية الاقتصادية، وتوفير فرص عمل للمواطنين، مع أهمية زرع الثقة في المواطن، والاطمئنان إلى أدائه، وحثه على تقديم ما لديه من طاقات وقدرات، إضافة إلى أن عملية الاحلال المدروسة، بتوطين الوظائف المتوسطة والبسيطة، إحدى سبل علاج البطالة .

 

الآثار الاجتماعية

 

وبالنسبة للآثار الاجتماعية السلبية للبطالة، ومن واقع عمله كمستشار أسري، قال خليفة المحرزي: تتنوع الآثار الاجتماعية للبطالة، وترك العمل، ويمتد تأثيرها إلى المجتمع، وينعكس الأمر على كل مناحي الحياة، ويتسبب في بروز العديد من الظواهر السلبية، التي تطال كل أفراد الأسرة، فكما أن لكل مشكلة أسباباً ونتائج تترتب عليها، فالامر كذلك بالنسبة للبطالة وترك العمل، فارتفاع نسبة العاطلين والباحثين عن عمل بين أبناء المجتمع، تسبب مزيداً من الضغط المجتمعي، وتستوجب توفير فرص عمل للشباب، علماً أن قوة العمل في الدولة تقدر بأكثر من 1 .6 مليون عامل، نحو 90% منهم من الوافدين، فيما تشير التقارير الناتجة عن الإحصائية السنوية لعام 2004م إلى وجود أكثر من 27 ألف عاطل من العمل .

 

كما يعاني المجتمع من ظاهرة الإنفاق الترفي الاستهلاكي والأرقام تكشف أن أفراد المجتمع يدفعون سنوياً في مكالمات الهاتف المحمول أكثر من مليارين ونصف مليار درهم، كما يدفعون أيضاً المبلغ ذاته في شراء أجهزة هواتف جديدة سنوياً، أي أن الحصيلة الإجمالية للإنفاق على الهاتف المحمول في الخليج تتجاوز 5 مليارات سنوياً، في الوقت الذي يكشف فيه أحد التقارير أن عدد العاطلين من العمل يقترب من مليونين ونصف مليون شاب خليجي، تقدر تكاليف إيجاد فرص عمل لهم بنحو20 مليار درهم، وهو ما يعني أن ما ينفقه أفراد المجتمع على الهاتف المحمول في 4 سنوات كفيل بالقضاء على مشكلة البطالة .

 

فضلاً عن ذلك فلا يوجد بيت من البيوت الفارهة في الدولة، دون خادمة أو سائق، أو مزارع، أو طاه للطعام، فتشغيل العمالة المنزلية من السائقين والخدم والمربيات، وبأعداد كبيرة، يفوق قوة العمل الوطنية، وتأتي الإحصائيات لتؤكد فداحة المشكلة وتغلغلها في مجتمعاتنا، حيث تبين أن 3% من العمالة المنزلية فقط من الدول العربية، في حين أن 97% من العمالة الموجودة غير عربية .

 

النتائج المترتبة

 

وواصل المحرزي: وللبطالة العديد من الآثار السلبية على الأسر وخاصة المقيمين، حيث تشتت أفكارهم، وتؤدي إلى تفكك الروابط بينهم، خاصة عندما يضطر الأب من هؤلاء إلى ترحيل أسرته إلى بلده الأم، من أجل توفير لقمة العيش في الدولة، بما يؤدي إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم، وهي العيش في أمان واستقرار في ظل وجوده إلى جانبهم، كما تتأثر علاقة الزوجين العاطفية بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالأم غالباً تكون أشد فقراً من الأب، وأقل منه استعداداً في الدفاع عن نفسها في سوق العمل، في ضوء أن معظم النساء ربات بيوت ولا يعملن .

 

كما تؤدي البطالة إلى ارتفاع نسبة الطلاق بسبب عدم الاستقرار المادي للأسر، وعدم مقدرتها على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للأبناء، بما يؤدي إلى حدوث مشكلات أسرية، مع عدم تمكن أرباب الأسر من تغطية الاحتياجات في ظل الارتفاع المتواصل للأسعار .

 

علاوة على التأثير السلبي الذي يلم بالطفل الذي يجد نفسه بين أسرة فقيرة ويعيش الحرمان المادي، حيث يؤثر ذلك في اتجاهاته ومشاعره، فينمو ولديه شعور بالحقد والكراهية ومشاعر نقص تجاه المجتمع، بما يسهم في ارساء أجواء تساعد على نمو الاتجاهات العدوانية والسلوك المنحرف لديه .

 

إضافة إلى زيادة مديونيات عدد كبير من الأسر في الدولة، حيث أشارت المصادر الاقتصادية إلى توسع ظاهرة القروض الشخصية في نهاية سبتمبر/ ايلول – من عام2006م إلى 89 مليار درهم بزيادة قدرها 49،5 مقارنة بعام 2004م، بسبب النزعة الاستهلاكية، وزيادة حجم الإنفاق، مع عدم توفر المال الكافي مما يدفع الفرد إلى الاستدانة من الأقارب والجيران، وايضا المصارف والبنوك لسد احتياجاته .

 

وايضا فهناك تزايد في شريحة الفقراء ومحدودي الدخل في المجتمع وخاصة من الوافدين، لعدم حصولهم على وظائف مناسبة، وبقائهم دون عمل لفترات طويلة، بسبب ارتفاع الأسعار التي طالت كل نواحي الحياة، ما أدى إلى تفاقم المشكلات، وتزايد حجم المديونيات الشخصية، ووقوع الشريحة الكبرى في وحل الفقر والعوز والحاجة، وهذه الأوضاع المعيشية المتردية تنعكس وبشكل خطير على الأوضاع الأمنية والاجتماعية، وبالتالي على الأوضاع الاقتصادية، والمناخات الاستثمارية في الدولة .

 

إلى جانب العزوف عن الزواج وتكوين أسر جديدة بسبب عدم القدرة على تحمل المصاريف، والتكاليف المعيشية، مما يزيد من بروز بعض الظواهر الاجتماعية كالعنوسة والانحرافات الأخلاقية، ومشكلات أخرى لا حد لها، كما حدث في مصر، عندما انعكس ارتفاع الأسعار على المجتمع المصري، وأدى إلى العديد من الإفرازات السلبية التي انعكست بشكل مباشر على أفراد المجتمع، حيث أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد المصريين الذين بلغوا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا وصل إلى 8 ملايين، و962 ألف مصري، بينهم 3 ملايين و731 ألفاً من الإناث، والباقي من الذكور، كما أورد التقرير أن عدد المطلقين والمطلقات بلغ 264 ألف مطلق ومطلقة خلال عام واحد .

 

وتابع المحرزي: ومن التأثيرات السلبية المتوقعة للبطالة، أن الكثير من المواطنين وخاصة المقبلين على الزواج من الشباب، سيجدون أنفسهم عاجزين عن توفير مساكن ملائمة لهم في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار مواد البناء، كما أن ارتفاع كلفة التشييد، وأسعار مواد البناء، واليد العاملة المدربة جعل الاستمرار في التوسع في عمليات البناء من الصعوبة بمكان على المقاولين، عدا ما أدى اليه خروج المرأة إلى سوق العمل، من تزايد الطلب على الاحتياجات الخارجية لتلبية مطالب الأسرة، والاعتماد على الاستهلاك الخارجي من وجبات وأغراض استهلاكية، مما أدى إلى ترسيخ وجود المرأة المواطنة في الاقتصاد المحلي، وكنتيجة لذلك فقد ازدادت مشاركتها في سوق العمل بشكل ملحوظ من 9،9% في عام 1995م، إلى 22،9 عام 2003م بنمو سنوي بلغ 8،2%، وهذا يشير إلى زيادة تدفق المرأة تجاه سوق العمل مستقبلاً، ولو قارنا هذه النسبة مع فئة الرجال من المواطنين لوجدنا أن قوة العمل على صعيد المواطنات تضاعفت ثلاث مرات، عما بلغته هذه النسبة من نمو بين المواطنين الذكور، وبمعدل سنوي بلغ 16،7 من المواطنات العاملات، مقابل 6،1 للذكور، كما أشار التقرير السنوي لبنك دبي الوطني أن المواطنات شكلن نسبة 15،2 من القوى العاملة في الدولة عام 2004م .

 

الشيكات والسرقة

 

وعلى صعيد الانحرافات المترتبة على البطالة، قال: تعتبر جريمة تحرير شيكات من دون رصيد من أبرز الجرائم المرتبطة بالوضع الاقتصادي غير المستقر للكثير من الأسر، حيث أشارت المصادر المالية والبنكية في الدولة إلى أن المشكلة تكمن في لجوء أصحاب هذه الشيكات إلى تحريرها للخروج من مأزق مالي تعرضوا له، دون التفكير في العواقب القانونية المترتبة على ذلك، والتي تجعلهم يتعرضون لعقوبات تتراوح ما بين الحبس شهراً إلى ثلاثة أعوام، كما تعد جريمة السرقة من أبرز الآثار السلبية لظاهرة البطالة بين افراد المجتمع، وتنتشر خاصة بين فئة الشباب العاطلين من العمل، ويتوافق هذا الافتراض مع نتائج دراسات عديدة عن جريمة السرقة وارتباطها بالجانب الاقتصادي، فقد توصلت دراسة تمت في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، إلى أهم النتائج المتعلقة بمؤشرات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمحكومين بسبب السرقة، حيث أشارت إلى أن (1 .27%) من أفراد العينة عاطلون من العمل، أما أغلب أفراد العينة فمن ذوي الدخول المتدنية ونسبة (3 .69%) من السجناء كانت دخولهم الشهرية أقل من 1000 ريال، وأكثر من (2 .87%) من أفراد العينة كانت دخولهم أقل من 3000 ريال .

 

الواقع والحل

 

قال طارق بن خادم رئيس دائرة الموارد البشرية في الشارقة: تبلغ نسبة الباحثين عن عمل من الإناث المسجلات على قوائم الانتظار في الدائرة (90%)، ونسبة الذكور (10%)، أما بالنسبة لمشكلة انحراف عدد من الباحثين عن عمل، وكيفية فتح أبواب المؤسسات أمام قبول توظيفهم فيها، فالإشكالية تتمثل في جانبين بالنسبة للمواطنين الباحثين عن عمل، الذين قضوا مدداً في السجن بسبب قضاياهم، وواجهوا مشكلات فيما يتعلق بعودتهم للاندماج في المجتمع، وحصولهم على وظائف، وبالتالي عودتهم كقوى عمل منتجة .

 

الجانب الأول يتعلق بالمؤسسات والمجتمع، حيث تطلب بعض مؤسسات العمل، من الباحثين عن عمل ممن قضوا أحكاماً بالسجن بعض الوثائق، مثل شهادة حسن السيرة والسلوك، التي قد يكون من الصعوبة بمكان الحصول عليها، وهذا الأمر يتطلب حلاً، لأنه يتسبب في حرمان الباحث عن عمل من الحصول على وظيفة مناسبة، مما يؤدي إلى فقدانه الأمل لعدم استطاعته توفير حياة كريمة، وهذا قد يدفعه للعودة مرة أخرى إلى اتباع أساليب غير قانونية لتوفير احتياجاته .

 

الجانب الثاني أن بعض الباحثين عن عمل من المواطنين، قد لا يتوفر لديه الصبر الكافي للبحث عن عمل، كما لا يجد أي بدائل مطروحة في هذا الصدد، مما قد يجعله يلجأ إلى توفير احتياجاته بطرق غير مشروعة، وقد يواجه في بيئته الأسرية الكثير من الضغوطات، مع عدم تفهم واستيعاب معاناته، خلال رحلة بحثه عن عمل، مما يجعله يرجع مرة أخرى إلى اتخاذ تدابير غير سلمية لتوفير احتياجاته .

 

ومعالجة هذه المشكلة تتطلب تضافر الجهود المؤسسية والحكومية والمجتمعية، ومن ذلك دوائر الموارد البشرية ووزارة العمل، التي تعمل على تذليل بعض الصعوبات أمام الباحثين عن عمل، للعودة إلى المجتمع، والانخراط في الإنتاج، عقب ابتعادهم تماماً عن سلك دروب الجرائم، كما يجب إعداد برامج متخصصة لتغيير فكر قيادات المؤسسات لدمج هذه الفئة في مجتمعات الأعمال واستيعاب متطلباتها، إلى جانب إجراء مقابلات واختبارات لهم للاطلاع على إمكاناتهم واحتياجاتهم، وكيفية توجيه تلك القدرات والإمكانات في الاتجاه السليم وسد حاجاتهم .

 

ومن الضروري إعداد قاعدة بيانات بأسماء الباحثين عن عمل من المواطنين الذين قضوا أحكاماً بالسجن، لتسهيل عملية الاتصال، والتواصل معهم ومتابعة أمورهم، كما يتطلب الأمر التواصل مع المؤسسات في القطاعات الحكومية والخاصة كافة، للبحث عن الشواغر الملائمة لقدرات هذه الفئة، مع الإعداد والتأهيل المناسب، وفقاً لقدرات واحتياجات هذه الفئة واحتياجات سوق العمل من الوظائف، وتزويدهم بالمهارات الأساسية مثل اللغة الإنجليزية، والرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي، والمهارات التخصصية والسلوك، وأيضاً يجب مساعدتهم في الحصول على شهادات حسن السير والسلوك، حتى يعودوا للمجتمع وهم أكثر ثقة وقدرة على العطاء .

 

وعلى المؤسسات الإصلاحية والعقابية إعداد برامج تأهيلية وتعليمية لفئة السجناء من المواطنين أثناء فترة قضائهم الأحكام الصادرة ضدهم، ومساعدتهم في توفر فرص عمل لهم خاصة للفئات العمرية المنتجة ما بين العشرينات، والثلاثينات، مع صرف إعانات ورواتب حد الكفاف، وهو مبلغ شهري يلبي احتياجاتهم الأساسية أثناء انتظارهم فرص عمل .

 

سالم المهيري: مقترحات مهمة

 

أوضح سالم بن علي المهيري مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل، ووزراء الشؤون الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي، أن دول المجلس تواجه تحدياً صعباً ومؤثراً في مستقبل توفير فرص عمل للأجيال القادمة من المواطنين الباحثين عن عمل، يتمثل في المشكلات الديمغرافية، والآثار السلبية للعمالة الوافدة، ونسبها المرتفعة في دول المجلس، إلى جانب الفجوة بين مخرجات التعليم، ومتطلبات سوق العمل من العمالة الوطنية .

 

وقال إن تحقيق سوق عمل خليجي مشترك يتطلب التسريع في اتخاذ الاجراءات المناسبة، واللازمة لتفعيل التنسيق بين دول المجلس في مجال العمل، وتعزيز روح المواطنة الخليجية الواحدة، والعمل على وضع الاجراءات الهادفة إلى ترشيد استقدام العمالة الوافدة، من خلال تحديد المجالات التي تعمل بها، بما لا يسبب تنافساً مع العمالة الوطنية، التي يجب تعزيز برامج تدريبها وتطويرها، بما يشجع أصحاب العمل على استخدامها، مما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى أرباح هؤلاء بصورة خاصة .

 

ولابد أيضاً من العمل على تغيير الرؤية الاستراتيجية لنمط التنمية السائد في دول المجلس، إلى أنماط إنتاجية تسهم في رفع معدلات الإنتاجية الحقيقية، وتوفر فرص عمل متميزة للمواطنين، مع وجوب الاهتمام بتحقيق اهداف البرامج والأنشطة القائمة حالياً بين دول المجلس، في مجال سوق العمل الخليجي المشترك، ومنها منظومة المؤهلات، والاختيارات المهنية، ونظام معلومات سوق العمل، والتوصيف المهني وخلافه، إلى جانب أهمية الاستفادة من الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) في سرعة تبادل المعلومات عن فرص العمل المتاحة للعمالة الخليجية في دول المجلس، وتوفير بنك معلومات لطالبيها وعارضيها .

 

عوامل مختلفة

 

عن دور الظروف النفسية والاقتصادية التي تحيط بالعاطل، في دفعه إلى ارتكاب الجرائم لتوفير احتياجاته، قالت د . آمال حجازي المتخصصة في الإرشاد النفسي: لا يمكن الجزم بصفة نهائية أن متغيراً اقتصادياً، أو اجتماعياً، أو نفسياً قادر بمفرده على إحداث السلوك الإجرامي، وإلا أصبحنا أمام جيوش من المجرمين، إذ إن نسبة العاطلين عن عمل، ونسب الفقراء مرتفعة في دولنا، غير أن الجريمة مع ذلك لا تمثل ظاهرة اجتماعية بأبعاد تتجاوز السقف الطبيعي كما حدده (دور كهايم)، وإن كنا نعتقد أن تضافر العوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية في شخص العاطل، هو ما يدفع إلى الإجرام . وبالنسبة للعوامل الاقتصادية فإنها تتلخص في فقدان العاطل لأي مصدر من مصادر الدخل بالشكل الذي لا يمكنه من تلبية احتياجاته الأساسية، واحتياجات من يدخلون تحت مسؤوليته، وهذه الوضعية قد تؤهل بعض العاطلين إلى اقتراف السلوك الإجرامي بدافع الحاجة الاقتصادية .

 

وبالنسبة للعوامل الاجتماعية، فلا يمكن فصلها عن الاقتصادية، إذ إن تأثر موقع الفرد في البنية الاجتماعية، يتأسس على موقعه ضمن عملية الانتاج، وحيث إن العاطل يجد نفسه خارج هذه الدينامية الاجتماعية، فإنه غالباً يصاب بالعزلة الشديدة، وعدم القدرة على التجاوب مع أنماط السلوك السائدة والمتوقعة منه من طرف المجتمع، وغالباً يصادف أقراناً منحرفين يشكلون بالنسبة له مجتمعاً بديلاً . وبخصوص العوامل النفسية، فالعاطلون عن العمل يتعرضون لضغوط نفسية، يتمثلها الفرد عندما تحول بينه وبين تحقيق أهدافه في الحياة، وينتج عن هذه الوضعية آثار نفسية جانبية تأتي على نمو الشخصية وتوازنها، مما يؤثر في الصحة النفسية للعاطل، فالعمل يعزز لديه تنظيم وجدولة وقته، واللقاء والاتصال الاجتماعي، كما يمكنه المشاركة في تحقيق أهداف ومقاصد عامة، ويحقق ذاته، ومكانته، وهويته، مما يبعده عن مجالات الانحراف عامة .

المصدر : الخليج 26 يوليو 2011

Related posts