جريمة تسير على قدمين أمام مدرسة للصغار

أمام مدرسة للصغار، والصغار جداً، نزل السائق الآسيوي من السيارة “الفورويل”، مشبكاً يده بيد طفلة صغيرة، لم تتجاوز الخمس سنوات، وابتسامة عريضة تتربع على محياه، والصغيرة منقادة حوله في مشهد مفزع، وبعد دقائق يعود السائق إلى سيارته والتي هي بالطبع سيارة الأرباب، وقد اختفت الطفلة داخل مبنى المدرسة.. ما يثير السؤال.. أليست هذه جريمة بحق، يرتكبها أولياء الأمور عندما ينيطون مسؤولية الاهتمام بالأطفال وتوصيلهم إلى المدارس منفردين مع السائقين، وبدون عين تردع وساوس النفس الأمّارة.. أليست هذه جريمة أن تنام الأم أو تصحو في “المولات” أو تذهب إلى مشاغلها، ويسعى الأب في مشارب الأرض، ولا يبقى لأطفالنا غير هؤلاء الذين لا تربطهم صلة بالصغار غير حاجة الرزق.. أليست هذه جريمة أن تصير تربية الأطفال في مؤخرة الأولويات أو عدمها، بالنسبة لكثير من أولياء الأمور، وبخاصة الذين يعانون أساساً من طلاق عاطفي ما بين الزوج والزوجة، وبالتالي أصبح الارتباط بالأبناء ارتباطاً هشاً تذروه الرياح.

أليست هذه جريمة، أن نسمع عن جرائم مروعة في كل يوم، سببها هذا الاتكال الكلي على السائق أو الخادمة، ولا نصحو ولا يتحرك لنا جفن إزاء ما نسمع ونرى.. يا جماعة الأطفال ورود ومن لا يرعى الورود يعيش أبد الدهر بلا رائحة إحساس، ولا لون لشعور.. الأطفال أمانة في أعناقنا وواجبنا الإنساني يحتم علينا أن نحفظ الأمانة ونؤديها، بما يرضي ضمائرنا ويحفظ لنا فلذات أكبادنا من كل سوء.. فلا أحد يلوم أي كائن بشري، غريب أعزب، وجاء من ثقافة غير ثقافتنا، إذا ارتكب جريمة في حق طفل أو طفلة، لم يجد حقه بين والديه، فأُهدر على يدي من لا يعرف الحقوق.. فالمال السائب يعلم السرقة، والأطفال ثروة اجتماعية ووطنية، إن أهدرها الآباء والأمهات فلن يحفظها غيرهم، فالأقربون أولى بالمعروف، وإذا سهى الأقربون ولهوا وغطوا في سبات وتجاهلوا مسؤولياتهم، فإن الأبعدين فيهم من يسكنه الشر، كما أن فيهم من يمتلئ بالخير، ولكن حتى نقف عند خطي الخير والشر، تكون الشرور قد عاثت في الهشيم، وتمادى اللئيم في فعله الأثيم، وبعد لا ينفع الندم ولا ينفع أن نقول قد عُلِمْ.. وما يصدم الإنسان أنه يفكر في هذه القلوب التي وكأنها صنعت من عاج، فلا تتأثر ولا تتفكر ولا تتبصر فيما يجري من حولها، ولا يلين لها خاطر عندما تجد عجينة ليِّنة بضّة غضّة، موشومة بابتسامة باهتة تجاه الوالدين، لأنها استعاضت بمن يهتم بها ويتابع شأنها، ويحاذيها أينما حلت وارتحلت، أما من هم جاءت من أصلابهم، فهؤلاء مثل حاضنات الفراخ الصناعية، دورهم فقط في الإنجاب، وبعدها العوض على الله.

الاتحاد : مرافئ – علي أبو الريش

Related posts